بلد قطوفة هي بلد جبلي أثري يقع على بعد ثلاثة كيلومترات تقريبا شرقي مدينة تطاوين ويرجح أن يعود إنشاؤها إلى القرن الهجري الثاني أو الثالث
بقلم عبد الوهاب غبارة
في هذه الصفحة نحاول تجميع المنشورات حول قطوفة
القصور الصحراوية بتطاوين : ارث منسي مهدد بالزوال تحقيق: سعيد عكروت صحفي بـإذاعة تطاوين
ننقل الجزء الخاص بقطوفة في هذا التحقيق
ضرورة فك العزلة عن قصر قطوفة القديم
إن الزائر لقطوفة أو تقطوفة أو قطوفة البلد عليه أن يقرا ألف حساب قبل الذهاب إلى هناك، قصر جبلي معزول لا يبعد سوى بضعة كيلومترات عن مركز مدينة تطاوين، لا طريق معبد ولا مسالك مهيأة تقودك إلى قمة القصر الآيل للاندثار ، قصر انشأ خلال القرن الخامس هجري ولازالت إلى اليوم أنقاضه شاهدة على ثراء الموروث الحضاري لهذه الجهة.
لم يكن بلوغ قمة الجبل والوقوف على أطلال هذا المعلم أمرا سهلا البتة، اتفقنا مع عدد من أعضاء جمعية إحياء التراث بقطوفة لزيارة هذا المعلم الأثري، العم العيد والعم المهدي الذين يعتبران أن العائق الأول ومفتاح صون هذا المعلم وترميمه هو فك العزلة عنه وتذليل صعوبة الوصول إليه مطالبين بضرورة إنشاء طريق سهلة تمكن الزائر من الولوج إليه.
في طريقنا إلى أعلى القصر الجبلي اعترضننا أثار الإهمال والترك، مقابر قديمة تعود لقرون نبشت قبورها وبعثرت عظام موتاها بحثا عن الكنوز يقول العم العيد.
الترميم العشوائي يطال جامع قطوفة القديم
وصلنا القصر بعناء كبير وجلنا في أروقته المنهارة إلى أن حللنا بجامع العزامنة الذي كتب عنه الدكتور علي الثابتي في رسالته للدكتوراه "العمارة بجبل دمر في العهدين الوسيط والحديث" إذا كان تأريخ الكاتب الفرنسي أندري لويس في كتابه
"Tunisie du sud Ksars et villages de crêtes"
للجامع إنطلاقا من المنارة يكون أواخر القرن الخامس هجري فإن الجامع من الأكيد أنه بني قبل ذلك أي بداية نفس القرن أو ربّما نهاية القرن الرابع هجري إذ يذكر الأستاذ محمد حسن أنّ » قصر قطّوفت من أهم القصور السكنية بجبل دمّر الذي إسـتـوطنه من بنو قطّوفـت الوارد ذكرهـم في المصادر مـنذ القرن الرابع هجري/ العاشر ميلادي.
اليوم وبعد أكثر من 10 قرون على إنشاء هذا المعلم غابت الدولة وحضر نشطاء المجتمع المدني الذين بادروا بإطلاق صيحة فزع ولفت أنظار سلطة غائبة من خلال الانطلاق في محاولة ترميم جامع العزامنة ولو بصفة غير مطابقة لمواصفات الترميم في رسالة منهم لإطلاق صفارة إنذار من اجل ترميم هذا المعلم الذي ترك وحيدا يصارع البقاء.
لم يقتصر الأمر على العم العيد والعم مهدي ورفاقهم في جمعية إحياء التراث بقطوفة، وليد القطوفي ناشط في المجتمع المدني مهتم بتراث الجهة، أصيل المنطقة ويحمل لقب القبيلة « قطوفة « .. يسكن » تطاوين « ويزور منطقة قطوفة من حين لأخر لأسباب مختلفة من بينها الوقوف على ما تركه الأجداد .. التقينا به في أحد مقاهي الجهة فكانت أولى كلماته: هو مصدر فخر لنا يحكي إرث وتاريخ منطقة وقبيلة.
يسعى وليد لإطلاق مبادرة شبابية من اجل حث الدولة على التحرك سريعا لترميم القصور الصحراوية المتداعية التي تنبؤ بان يصبح تاريخ الجهة رمادا منثورا عوض أن يكون مكونا حضاريا ودعامة أساسية في التنمية بمختلف أشكالها… يقول « القطوفي » كما يحلو لبعض أصدقائه مناداته إذا كان هذا القصر لا يعني شيئا للدولة فانه يعني لنا الكثير.
بقلم عبد الوهاب غبارة
بلد قطوفة هي بلد جبلي أثري يقع على بعد ثلاثة كيلومترات تقريبا شرقي مدينة تطاوين ويرجح أن يعود إنشاؤها إلى القرن الهجري الثاني أو الثالث
بقلم عبد الوهاب غبارة
فوق منبسط يمتد من الشرق إلى الغرب وعلى قمة فرع من فروق سلسلة جبلية هي امتداد لسلسلة جبال مطماطة (المسماة تاريخيا : جبال دمر) وعلى آخر تفريع من تفاريعها المتجهة شرقا وقريبا من سلاسل مرتفعات الجبل الأبيض وبين وادي تطاوين جنوبا ووادي القمح شمالا تربعت مدينة قطوفة التاريخية على بعد أقل من ثلاثة كيلومترات من مدينة تطاوين الحالية تربعت على هذه المرتفعات على هيأة مستطيل يمتد من الشرق إلى الغرب في حدود الكيلومترين تقريبا وبعرض يصل أقصاه إلى حوالي مائتي متر وقد تراصّت على هذه المساحة قصور خزن ومساكن وبنايات خدماتية مثل المساجد والجوامع ومعاصر الزيت وغيرها. وتلاصقت الدور والأحواش (أو الحياش كما يسمونها في مختلف وثائقهم) متجاورة على سفحي الجبل من جهتي الجنوب والشمال وكذلك بين القصور المنشأة فوق سطح الجبل وقد خضعت هذه البنايات (القصور والمساكن) لتنظيم هندسي متقن فقد بنيت بشكل روعيت فيه الشوارع والطرق والأبواب المخصصة للعبور في حين توزّعت عشرات المقابر وخاصة على السفح الشمالي من الجبل من غربه إلى شرقه
فوق هذا الجبل المتقدم من سلسلة جبال تطاوين والمتاخم للسلاسل الغربية لمرتفعات الجبل الأبيض (جبال الجبس) والذي حملت المدينة اسمها في عدد من الوثائق ، في هذا الموقع بدت مدينة « قطوفة » مطلّة على مزارع فلاحية منتشرة في كل جهاتها ولعلها كانت مطمورها ومصدر غذائها وثروتها الفلاحية. ولا شكّ أنّ الأوائل قد راعوا هذا البعد عند اختيارهم لمكان إنشاء المدينة الجديدة
كما أن هذا الموقع المتقدم لبلد قطوفة وخلافا لبقية القرى الجبلية التي نأت بنفسها عن السهول الشرقية للجبل الأبيض يمكن أن يفسر بتحسن الظروف الأمنية القائمة بين السكان والقبائل في ما بينهم أو بينهم وبين الوافدين على الجهة كما توحي التركيبة السكانية بتطور العلاقات البينية بين السكان وشيوع الثقة والأمن بينهم في هذه الحقبة التاريخية الممتدة من القرن السابع عشر إلى القرن التاسع عشر. ورغم قرب موقع بلد قطوفة من الجبل الأبيض ومن سهول الجفارة وسعي منشئيها الأوائل إلى تجاوز المسألة الأمنية والتقدم نحو هذه السهول نظرا لأهميتها في مجال الفلاحية زراعة ورعيا ، رغم ذلك كله لم نر هؤلاء يتخلون نهائيا عن سطوح الجبال والمرتفعات لبناء قصورهم وحفر كهوفهم وتشييد مساكنهم مما يحقق لهم مراقبة دقيقة وتفطّنا مبكرا لكلّ ما من شأنه أن يعكّر أمنهم وحياتهم
تقول قصة التأسيس المحكية والمتداولة شفويا بين الناس وقد نقلت جيلا عن جيل أن ثلاثة من سكان المكان قد اجتمعوا واتفقوا على تأسيس هذا البلد أو هذه القصور وتقول الحكاية أنهم وزّعوا الأدوار والمهام بينهم حيث تكفّل الأول بإنشاء الجامع على أن يقوم الثاني ببناء نواة القصر ويحفر ثالثهم البئر. ولا شكّ أنهم قبل ذلك كانوا قد اختاروا المكان ويلوح من خلال هذه القصة حكمة القوم وسلامة نظرهم إذ بهذه المرافق تضمن المدينة أو التجمع السكاني أمنها وماءها وغذاءها وهي لعمري لا تزال عمادا لأي بلد أو مدينة أو تجمع بشري في أي مكان من الأرض. وحول هذه القصة تتزاحم أسئلة واستفسارات حول هوية هؤلاء المنشئين الأوائل والأسباب التي دعتهم لما قاموا به وعمن كان وراءهم فالجامع والبئر والقصر ليست مهمات يسيرة حتى يقدم عليها فرد واحد كما أن اختيار المكان ليس أمرا هيّنا ليوكل إلى ثلاثة أشخاص فقط وتبقى كل هذه الأسئلة وأخرى وخاصة تلك المتصلة بتاريخ الإنشاء في حاجة إلى إجابات ولعلّ أبحاثا أكثر عمقا توفر يوما إجابات دقيقة حول هذه المدينة العريقة ويبدو أن هذه القصة وحتى إن لم تجر بهذه الصورة الموصوفة سابقا ، يبدو أنها قريبة من الحقيقة ولا سيما حين نرى في ما بعد من الأيام كيف تطورت المدينة وكيف تنوع نسيجها السكاني وكيف بدت حياتها الفلاحية والاقتصادية والتجارية وكذا العلائقية.
ذكر في قصة تأسيس بلد قطوفة أن أحد الأوائل قد تكفّل بحفر بئر قريب ويبدو أن هذا البئر لا يزال قائما وهو « بئر مستغرات » الواقع جنوبا في بلد قطوفة ويبعد عنها بعض مئات من الأمتار وقد ظلّ مستغلا إلى حد هذا اليوم وقد ذكرت بعض الوثائق آبارا أخرى مثل « بالسيفاو » من الجهة الشمالية وسانية « المرابط مسعود » وسانية « العكروت » وسانية « القاعة » وبئر « قايد » وجميعها تقع تقريبا من جهة قصر تونكت.
ولم يكتف السكان بمياه الآبار بل إنهم حفروا مواجل وفساق لتجميع مياه الأمطار وأشهر هذه الفساقي تلك التي تم إنشاؤها شرقي البلد على منبسط صخري حيث تتجمع مياه الأمطار في مكان منخفض قليلا وهي شبيهة جدا بفسقية الأغالبة غير أن جدارها الخارجي مكون من صخور مسطحة ذات أحجام كبيرة. أما داخل المدينة « بلد قطوفة » فلا تزال آثار فسقيتين اثنتين أولاهما هي فسقية جامع العزامنه وهي فسقية ذات حجم صغير تتوسط ساحته من جهة الشرق ويصل إليها الماء – مياه الأمطار طبعا- عبر جدول وهو مجرى صغير مطمور تحت الأرض ومبني بالأحجار الملساء المسطحة ويمر أسفل الجدران الخارجية للجامع في اتجاه الجهة العليا ليصل إلى سطح الجبل مارا في مجال بين الصخور الكبيرة فإذا ما تجمّعت مياه الأمطار فوق هذا السطح الواسع انسابت عبر هذا الجدول الضيق لتصل إلى فسقية الجامع أمّا الفسقية الثانية فهي فسقية سيدي سدرين وهي شبيهة بالأولى.
أبرزت الوثائق ـ الوثائق المدونة من قبل عدول الإشهاد المنتصبين ببلد قطوفة وهي وثائق تعلقت بمختلف أوجه الحياة بها : وثائق بيع وشراء وتوكيل ومبادلات وملكية ، ووثائق شكاوي ووثائق خاصة بالحالة المدنية كعقود الزواج والطلاق والنفقة وغيرها. أبرزت هذه الوثائق العدد الكبير من العدول الموثقين الذين عملوا بقطوفة وخاصة خلال الفترة التاريخية الممتدة بين نهاية القرن السابع عشر ونهاية القرن التاسع عشر.وقد وسمت هذه الوثائق بعض هؤلاء بعدة أسماء وصفات مثل : العالم والقارئ والفقيه والعدل والعدل المبرز والشيخ المزار كما أن بعض الوثائق والأحباس خاصة قد تحدثت عن جامع العزامنة وأوقفت عليه بعضا من الأملاك من أجل الإقراء والتدريس والإنارة والترميم وغيرها ، لا شكّ أن ذلك كله يدل على أن هذا الجامع كان له دور تعليمي مهم بل يبدو أن عددا من هؤلاء العدول الموثقين قد تخرجوا منه أو هم قد مروا بمرحلة تدريس أولى تعقبها مرحلة التبريز في جربة أو في الزيتونة بتونس علما بأنّه وفي مرحلة تاريخية سابقة كان عدول بلد قطوفة يأتمرون بقضاة جربة (وبعض الوثائق تبرز ذلك)
على سطح قمة هذا التفريع الجبلي من سلسلة جبل مطماطة (جبل دمر) والمتجهة شرقا تقع مدينة قطوفة التاريخية وقد أخذت شكلا هندسيا رباعي الأضلاع يمتد من الغرب إلى الشرق إلى نحو ألفي متر تقريبا بينما يبدو العرض منحسرا من جهتي الشمال والشرق إلى حوالي مائتي متر في حين يزداد العرض اتساعا عند وسط البلد ليفوق المائتي متر
وتتمثل البنايات الأساسية في ثلاثة قصور تكاد تكون متلاصقة يفصل بينها عدد من البنايات السكنية الضيقة والخدماتية وتتراص غرف الخزن صغيرها وكبيرها بل أن عددا منها يفضي إلى البعض كما ترتفع البنايات لتصل إلى خمسة أدوار ولا يزال بعضها شاهدا على ذلك. وما يميز هذه القصور ذات الغرف الكثيفة أنها لم تأخذ الشكل المستدير الذي بدت عليه أغلب القصور الصحراوية والجبلية التي شيدت قبل أو بعد هذه الحقبة فهي تتميز باستطالة شكلها العام وبارتفاع بنائها وشوارعها أو قل أزقتها الضيقة والشبيهة بالمدينة العتيقة بتونس العاصمة بل إنها أكثر ضيقا وقد أستعملت الحجارة الطويلة والمسطحة ناتئة في الجدران الخارجية لتكون مدارج للوصول إلى الغرف العلوية.
كما تحتوي هذه المدينة على عدد هائل من المساكن المتجاورة على حافتي الجبل الشمالية والجنوبية وقد تكونت من مغاور وكهوف ودور صخرية
ولا يمكن أن نتحدث عن معمار هذا البلد دون الإشارة إلى الكهوف والمغاور (الغيران) فقد كانت عنصرا أساسيا سواء في دور السكن أو في الجوامع والمعاصر. فقد احتوى بلد قطوفة على نفق يمر تحت الجبل من الشمال إلى الجنوب وهو « غار طنيش » كما يوجد كهف آخر في شكل غار عميق ولكنه لا يفضي إلى الجهتين. ولعلّ هذه الكهوف هي التي أشار إليها بعض علماء ومؤرخي الاباضية عندما ذكروا أهل الجبل وانتشار العلم في هذه الجهات حيث كانت الكهوف والمغاور أماكن للتدريس ولا سيما في بدايات انتشار الاسلام بهذا الجبل
هذا تقديم عام لبلد قطوفة وبعض آثارها ومعالمها وستكون لنا وقفات لاحقة أكثر تفصيلا مع مختلف أوجه الحياة والتي تقصيناها من بعض ما توفر من وثائق وشهادات شفوية
عبد الوهاب غبارة
متفقد أول للمدارس الابتدائية
(متقاعد)
عبدالوهاب غباره · 5 نوفمبر 2020
الصورة هي لبهو غار"طنيش"الموجود ببلد قطوفة القديمة :الفضاء الاول وهو على يمين القارئ يؤدي الى فتحة صغيرة يمكن ان يمر منها الشخص وهو "متقرفص "اي في وضع القرفصاء ليقطع مسافة بضعة امتار لتعود به الى نفس نقطة انطلاقه .اما الفتحة الموجودة على شمال القارئ فاذا دخلت وبنفس الوضع الموصوف سابقا فانها ستؤدي وبعد قطع مسافة تفوق العشرين مترا الى مكان فسيح يمكن ان يتسع الى جماعة تفوق العشرين شخصا وهناك تعتقد انك في نهاية النفق ولكن بامعان النظر ستجد ما يشبه البناء المرتع لمتر ونصف تقريبا في ناحية من الغار وتلاحظ انها تمثل اسطوانة .تستجمع قوتك وتقفز وسط هذه الاسطوانة فتجد في اسفلها فتحة تتقرفص مرة اخرى لتدخلها لتعبر مسافة لاتقل تقريبا عن خمسة عشر مترا لتجد نفسك اخير في غار اخر واسع ولكنه في الجهة الاخرى من الجبل الذي تقع عليه بلد قطوفة .وهذا النفق "الغار"العجيب متقن جدا فلا نتوءات بداخله ولا حفر ولا انهيارات .بقي ان نتساءل عن دوره ووظيفته. وتلك مسالة اخرى ولها عدة فرضيات .اليست زيارة ممتعة ؟