المتن
باب الإعراب
الإعراب هو تغيير أواخر الكلم لاختلاف العوامل الداخلة عليها لفظا أو تقديرا.
باب الإعراب
((باب الإعراب)) بكسر الهمزة.
((الإعراب)) في اصطلاح من يقول إنه معنويYouTube■((هو تغيير)) أحوال ((أواخر الكلم))YouTube■ حقيقةً كآخِرِ «زيد»، أو حكماً كآخِرِ «يَدٍ، ودَمٍ».YouTube■
والمراد بتغيير الآخِرِ تَصْيِيرُهُ مرفوعاً أو منصوباً أو مخفوضاً بعد أن كان موقوفاً قبل التركيب. YouTube■
والمراد بالكلم هنا: الاسم المتمكن، والفعل المضارع الذي لم يتصل بآخره نون الإناث ولم تُبَاشِرْهُ نونُ التوكيدِ.YouTube ■YouTube■
((لاختلاف العوامل)) متعلِّق بـ«تغييرُ» على أنه علةٌ له.
والمراد باختلاف العوامل تعاقبها على الكلمYouTube ■ YouTube ■
((الداخلة عليها)) واحداً بعد واحد.YouTube ■
والعوامل جمع عامل، والمراد بالعامل ما به يَتَقَوَّمُ المعنى المقتضِي للإعراب؛ سواءٌ كان ذلك العامل لفظياً أو معنوياً.YouTube■
فالعامل اللفظي، نحو: جاء فإنه يطلب الفاعلَ المقتضِي للرفع، ونحو: رأيت، فإنه يطلب المفعولَ المقتضِي للنصب، ونحو: الباء فإنها تطلب المضاف إليه المقتضِي للجرِّ.YouTube■
والعامل المعنوي هو الابتداء والتجرُّد.YouTube■
والمراد بدخول العوامل مجيئها لما تقتضيه من الفاعلية والمفعولية والإضافة؛ سواءٌ استمرت أم حذفت، وسواء تقدمت على المعمولات؛ كرأيت زيداً، أم تأخَّرت نحو: زيداً رأيتُ.
وقول المكودي: إنَّ العوامل لا تكون إلاَّ قبل المعمولات، جَرْيٌ على الأصل الغالب.
وقول المصنف: ((لفظاً أو تقديراً)) حالان من «تغييرُ»، يعني أن تغيير أواخر الكلم تارةً يكون في اللفظ، نحو: يَضْرِبُ زيدٌ، ولن أُكْرِهَ حاتماً، ولم أَذْهَبْ بعمرٍو، فَتَلْفِظُ بالرفع في يضربُ وزيدٌ، وبالنصب في أُكْرِهَ وحاتماً، وبالجزم في أذهبْ، وبالجر في عمرٍو.YouTube■
وتارةً يكون التغيير على سبيل الفرض والتقدير، وهو المنوي كما تنوي الضمة في موسى يخشى، والفتحة في لن أخشى الفتى، والكسرة في مررت بالرحى، فموسى ويخشى مرفوعان بضمة مقدرة، وأخشى والفتى منصوبان بفتحة مقدرة، والرحى مخفوض بكسرة مقدرة،YouTube■ وهذا هو المراد بقوله: لفظاً أو تقديراً، و«أو» هنا للتقسيم لا للترديد. YouTube■
وكيفية الإعراب اللفظي أن تقول في نحو: يضرب زيد، «يضرب» فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ضمة ظاهرة في آخره، والعامل فيه الرفعَ التجردُ من الناصب والجازم، وزيدٌ فاعلُ «يضربُ» وهو مرفوع وعلامة رفعه ضمة ظاهرة في آخره، والعامل فيه الرفعَ «يضربُ». YouTube■
وتقول في مثل لن أكره حاتماً: «لن» حرفُ نفيٍ ونصبٍ واستقبالٍ، و«أكرهَ» فعل مضارع منصوب بـ«لن» وعلامة نصبه فتحة ظاهرة في آخره، والناصب له «لن»، وحاتماً مفعول به وهو منصوب وعلامة نصبه فتحة ظاهرة في آخره، والناصب له «أكره». YouTube■
وتقول في لم أذهب بعمرو: «لم» حرف نفي وجزم وقلب، وأذهب فعل مضارع مجزوم بـ«لم» وعلامة جزمه سكون آخره لفظا والجازم له «لم»، و«بعمرٍو» جار ومجرور وعلامة جره كسرة ظاهرة في آخره، والجار له الباء. YouTube■
وكيفيةُ الإعراب التقديري أن تقول في مثل موسى يخشى: موسى مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذُّرُ، والعاملُ فيه الرفعَ الابتداءُ، ويخشى فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة في آخره منع من ظهورها التعذر، والعامل فيه الرفعَ التجرُّدُ، وفاعل يخشى مستتر فيه جوازاً تقديره: «هو»، وهو وفاعله جملة فعلية في محل رفع على الخبرية لـ«موسى»، والرافعُ لمحلِّ الجملةِ الواقعةِ خبراً المبتدأُ. YouTube■
وتقول في نحو لن أخشى الفتى، «لن» حرف نفي ونصب واستقبال، وأخشى فعل مضارع منصوب بـ«لن» وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذُّرُ، و«الفتى» مفعول به وهو منصوب بـ«أخشى»، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذُّرُ. YouTube■
وتقول في مررت بالرَّحَى: مررتُ فعلٌ ماضٍ وفاعلٌ ، الفعلُ مَرَّ، والفاعلُ التاءُ، وبـ«الرَّحَى» جار ومجرور متعلق بـ«مررتُ»، والمجرور مخفوض وعلامة خفضه كسرة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذُّرُ، هذا إذا كانت الألف موجودةً. YouTube■
فإن كانت محذوفة، نحو: جاء فتىً، ورأيت فتىً، ومررت بفتىً فإنك تقول في الرفع: علامة رفعه ضمة مقدرة على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين، وفي النصب: علامة نصبه فتحة مقدرة على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين، وفي الجر: علامةُ جره كسرة مقدرة على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين. YouTube■
وتقول فيمـا إذا منع من ظهور الحركة الاستـثقالُ، نحو: جاء القاضي، فالقاضي فاعل بـ«جاء» وهو مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء منع من ظهورها الاستثقالُ، ومررت بالقاضي: فالقاضي مجرور بالباء وعلامة جره كسرة مقدرة على الياء منع من ظهورها الاستثقالُ، هذا كله إذا كانت الياء موجودة. YouTube■
فإن كانت محذوفة، نحو: جاء قاضٍ ومررت بقاضٍ، فإنك تقول في الرفع: علامة رفعه ضمة مقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين، وفي الجر كذلك، وقس على هذه الأمثلة ما أشبهها. YouTube■
فحيث كان في آخر الاسم المعرب حرف صحيح أو حرفُ علةٍ يُشبه الصحيح كالواو والياء الساكنِ ما قبلهما، كدَلْو وظَبْي فالإعراب ظاهر في آخره. YouTube ■YouTube■
وحيث كان في آخره ألف مفتوح ما قبلها كالفتى، أو ياء مكسور ما قبلها كالقاضي فالإعراب مقدرٌ فيهما، إلا أن الألفَ تقدر فيها الحركةُ تعذراً؛ لكونها لا تقبل التحريك، والياءَ تقدر فيها الحركة استثقالا لكونها تقبل الحركة، ولكنها ثقيلة عليها. YouTube ■YouTube■
والمراد بالألف: الألف الموجودة في اللفظ ولا التفات إلى كونها تكتب ياء في مثل يخشى والفتى، YouTube■
فظهر أن لِآخِرِ كلٍّ من الاسم والفعل المُعْرَبَيْنِ ثلاثة أحوال. YouTube■
وأن الانتقال من الوقف إلى الرفع، ومن الرفع إلى النصب، ومن النصب إلى غيره هو الإعراب. YouTube■ YouTube■
وأن تلك الأحوالَ المُنْتَقَلَ إليها تسمى أنواع الإعراب مجازاً، وقد بيَّنها بقوله: YouTube■ YouTube■
هذه ترجمة، وهي كلمتان ثانيتهما وهي «الإعراب» مجرورة لا غير، وأما الأولى وهي لفظة «باب»، فيجوز فيها الرفع والنصب، فالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هذا باب الإعراب، أو على أنه مبتدأ حذف خبره تقديره: باب الإعراب هذا محله.
وإذا دار الأمر بين هذين التقديرين قيل: الأول أولى؛ لأن الخبر محط الفائدة، فالأولى بالحذف المبتدأ. وقيل: الثاني هو الأولى؛ لأن المبتدأ مقصود لذاته والخبر مقصود لغيره، فالخبر أولى بالحذف.
وأما النصب فعلى أنه مفعول لفعل محذوف تقديره: اقرأ، أو تعلم باب الإعراب، ولا يصح أن يكون المحذوف اسم فعل تقديره: هاك؛ لأن اسم الفعل لا يعمل محذوفا على الأصح.
وأما الجر بحرف محذوف تقديره: انظر في باب الإعراب فمنعه الجمهور؛ لأن الجار لا يعمل محذوفا إلا شذوذا.
وأولى الكل الرفع؛ لأن فيه إبقاء أحد ركني الإسناد، ويليه النصب، وأضعفها الجر لما تقدم.
والباب لغة: ما يدخل منه إلى غيره، واصطلاحا: ألفاظ مخصوصة دالة على معان مخصوصىة على ما اختاره السيد من أن أسماء الكتب وما فيها من التراجم: عبارة عن الألفاظ المخصوصة من حيث دلالتها على معان مخصوصة.
وإضافته إلى «الإعراب» من إضافة الدال للمدلول أي: باب دال على الإعراب أي: على حقيقته وأقسامه؛ لأنه تكلم عليهما فيه، فتكلم على الأول بقوله: «هو تغيير إلخ» وعلى الثاني بقوله: «وأقسامه أربعة إلخ»
والإعراب في اللغة له معان كثيرة المناسب منها هنا: الإبانة والتغيير لظهور نقله في الاصطلاح عنهما؛ لأن الكلمة إذا أعربت ظهر معناها وبان وتغيرت عن حالة الوقف، وأما في الاصطلاح ففيه مذهبان:
أحدهما: أنه لفظي أي: نفس الحركات والسكون وما ينوب عنهما، وعليه فحده ما جيء به لبيان مقتضى العامل من حركة أو حرف أو سكون أو حذف أي: شيء جيء به لبيان الأمر الذي يطلبه العامل كالفاعلية والمفعولية والإضافة، ويقابله البناء، فحده: ما جيء به لا لبيان مقتضى العامل من شبه الإعراب وليس حكاية ولا نقلا ولا إتباعا ولا تخلصا من سكونين.
والثاني: أنه معنوي، والحركات دلائل عليه، وعليه فحده: ما قاله المصنف: «تغيير إلخ»، ويقابله البناء، فحده: لزوم آخر الكلمة حالة واحدة لغير عامل، فخرج نحو: سبحان الله، ولا اعتلال فخرج الفتى ونحوه.
والبناء لغة: وضع شيء على شيء على صفة يراد بها الثبوت، ويعلم من تعريف الإعراب والبناء تعريف ما اشتق منهما وهو المعرب والمبني.
قوله: (بكسر الهمزة) احترازا من الأعراب بفتحها وهو اسم لسكان البوادي.
قوله: (في اصطلاح من يقول إلخ) اختار هذا المذهب الأعلم وكثير، وهو ظاهر مذهب سيبويه، واعترض هذا المذهب بأنه يقتضي أن التغيير الأول ليس إعرابا؛ لأن العوامل لم تختلف وليس كذلك.
قوله: (تغيير إلخ) اعترض بأن التغيير فعل الشخص، والقصد تفسير الإعراب الذي يتصف به اللفظ، فلا يصح تفسيره به وحمله عليه مع أن الخبر عين المبتدأ، وأجيب: بأن المراد بالتغيير أثره وهو التغيير؛ لأنهم كثيرا ما يطلقون المصدر ويريدون به الحاصل بالمصدر من إطلاق اسم السبب على المسبب، وهو بهذا المعنى يصح وصف اللفظ به.
قوله: (أحوال) جمع حال، وهو الصفة، أشار به إلى أن المتغير إنما هو صفة أواخر الكلم لا ذاتها، وفيه قصور؛ لأنه لا يشتمل تغير ذات الأواخر بأن يبدل حرف بحرف آخر حقيقة كما في المثنى والجمع حال النصب والجر، أو حكما كما فيهما حال الرفع؛ لأن الألف والواو صار لشيئين بعد ما كانا لشيء واحد؛ لأنهما صارا علامتين للتثنية والجمع وعلامتين للإعراب بعد ما كانا للأول فقط.
وعبارة المتن بدون ذلك التقدير صادقة بذلك وبتغير الصفة بأن تبدل حركة بحركة أخرى حقيقة كما في زيد حال نصبه وجره أو حكما كما في غير المنصرف حال جره بعد نصبه.
ويمكن أن يجاب عن الشارح بأنه إنما قيد بالأحوال نظرا إلى أن الأصل في الإعراب أن يكون بالحركات.
قوله: (أواخر الكلم لاختلاف العوامل) اعترض بأن الأواخر جمع وأقله ثلاثة، فيلزم أن لا يتحقق الإعراب إلا بتغير ثلاثة أواخر، والأمر بخلافه.
وأجيب بأن الإضافة للجنس وهي تبطل معنى الجمعية، فالمراد جنس الأواخر الصادق بالواحد بالأكثر.
واعترض أيضا بأن الكلم اسم جنس جمعي أقل ما يطلق عليه ثلاث كلمات، فلا يدخل في التعريف تغير آخر كلمة واحدة أو كلمتين.
وأجيب بأن لامه للجنس فالمراد جنس الكلم
واعترض أيضا بأن العوامل جمع أقله ثلاثة، فيلزم أن لا يتحقق الإعراب إلا باختلاف ثلاثة عوامل والأمر بخلافه.
وأجيب بجواب ما تقدم قبله وهذا الاعتراض بعينه وارد على قول الشارح: «أحوال»
وجوابه أن الإضافة للجنس وتقييده بالأواخر بيان لمحل الإعراب لا للاحتراز، فلا يقال: ما خرج به يخرج بقوله: «لاختلاف العوامل»؛ لأن التغيير بسبب العوامل لا يكون إلا في الأواخر.
ولك أن تجعله للاحتراز من الأوائل والأواسط كتغيير التكسير والتصغير في قولك: في زيد زييد وزيود، ولا يضر خروج ذلك بما بعده؛ لأن هذا سابق وقع في مركزه والاعتراض بالمتأخر على المتقدم غير موجه.
قوله: (حقيقة أو حكما) حالان من «أواخر» يعني أن آخر الكلمة قد يكون آخرا حقيقة بأن لم يحذف منها شيء كدال زيد، وقد يكون آخرا حكما بأن يحذف منها آخرها كيد ودم؛ فإن أصلهما يدي ودمي حذفت الياء وجعلت الدال والميم في حكم الآخر بأن صارتا محل الإعراب
وكالأفعال الخمسة نحو: يفعلان، فإن علامة الأعراب فيها ثبوت النون مع أنها ليست آخرا ولا متصلة بالآخر بل بالضمير الذي هو الفاعل لكن لما كان الفاعل كالجزء من الفعل لم يعد فاصلا وكانت منزلته منزلة الآخر.
قوله: (تصييره مرفوعا إلخ) الضمير راجع لـ«الآخر» وهو يقتضي أن المرفوع أو المنصوب أو المخفوض هو نفس الآخر وليس كذلك، فإن الذي يوصف بأحد هذه الثلاثة إنما هو الكلمة بتمامها، وأما الآخر فهو محل ظهوره.
ويجاب بأن الضمير راجع لـ«الآخر» باعتبار الكلمة بتمامها، فهو من إطلاق الجزء وإرادة الكل.
ثم إن قوله: «مرفوعا إلخ» فيه قصور؛ لأنه لا يتناول الجزم في الفعل المضارع مع أنه داخل في الكلم كما سيذكره بعد، ويجاب: بأنه اقتصر في البيان على إعراب الاسم لشرفه.
وقوله: «بعد أن كان موقوفا» فيه اعتبار الانتقال من السكون إلى أحد هذه الثلاثة على البدل، ولم يعتبر الانتقال من أحدها إلى الآخر، وهذا تحكم، ويجاب بأن الانتقال من أحدها إلى الآخر يعلم أنه إعراب بالأولى؛ لأنه إذا كان الانتقال من الوقف يسمى إعرابا فبالأولى الانتقال من حالة من حالات الإعراب إلى أخرى.
قوله: (بعد أن كان موقوفا) أي: ساكنا لا متحركا بحركة إعراب ولا بناء.
قوله: (هنا) أي: في تعريف الإعراب.
قوله: (الاسم المتمكن) أي: المعرب سواء كان أمكن أي: منصرفا كزيد، أو غير أمكن أي: غير منصرف كأحمد.
قوله: (نون الإناث) أي: نون النسوة، والمراد النون الموضوعة لهن وإن استعملت في الذكور كما في قوله في صفة اللصوص:
يمرون بالدهنا خفافا عبابهم * ويرجعن من دارين بجر الحقائب
قوله: (ولم تباشره نون التوكيد) أي: لفظا أو تقديرا، فما لم تباشره نحو: ﴿لَتُبۡلَوُنَّ..﴾ و﴿ ..لَا يَصُدُّنَّكَ..﴾ فهما من المعرب.
قوله: (على أنه علة له) أي: علة لوجوده وتسميته إعرابا، فمتى وجد اختلاف العوامل وجد التغير ومتى انعدم الاختلاف انعدم التغير.
وأورد عليه أنه قد يوجد الاختلاف ولا يوجد التغير كما في ضربت زيدا وإن زيدا ورأيت زيدا، وقد يوجد التغير ولا يوجد اختلاف العامل كما في المعرب ابتداء المنقول من الوقف إلى وجه من أوجه الإعراب.
وأجيب عن الأول بأن المراد بـ«اختلاف العوامل» اختلافها في العمل، وهي في ضربت زيدا وأن زيدا ورأيت زيدا لم يختلف عملها؛ لأنه واحد وهو النصب؛ فلذا لم يتغير الآخر فاختلافها في العمل يلزمه تغير الآخر.
وعن الثاني بأن المراد بـ«اختلاف العوامل» اختلافها ولو من العدم إلى الوجود وهذا غير ما ذكره الشارح كذا يفهم من الحاشية.
أقول: هذا لا ينافي ما في الشارح لاحتمال ارتكاب التجوز في التعاقب الذي فيه بأن يراد به ما يشمل الوجود بعد العدم من إطلاق الملزوم وهو التعاقب وإرادة اللازم وهو الوجود بعد العدم، فتأمل بإنصاف.
وخرج بقيد «اختلاف العوامل» تغير الأواخر لا بسبب كحيث إذا فتح بعد ضمها، أو بسبب آخر كالتغير بسبب الاتباع كالحمد لله بكسر الدال فإن ذلك لا يسمى إعرابا.
قوله: (الداخلة عليها) صفة لـ«لعوامل»، وجاز ذلك وإن كان الموصوف جمعا؛ لأن جمع ما لا يعقل يعامل معاملة الواحد ممن يعقل، والضمير في «عليها» راجع إلى «الكلم»، و«الكلم» اسم جنس جمعي يجوز في ضميره التذكير والتأنيث والتذكير أحسن.
قوله: (واحدا بعد واحد) منصوب على أنه مفعول مطلق أي: دخول واحد بعد دخول واحد، أو على الحال أي: حال كونه مترتبة في الدخول، فلا يجتمع اثنان منها على تركيب واحد من جهة واحدة.
قوله: (جمع عامل) وإنما ساغ جمعه على فواعل مع شذوذ جمع فاعل على فواعل؛ لأن محل ذلك في غير مسائل مستثناة منها ما لم يكن فاعلا مستعملا اسما وإلا ساغ كما هنا فإن العامل صار علما بالغلبة لأمر مخصوص.
قوله: (والمراد بالعامل) المقام للإضمار، ولم يقل: بالعوامل بالجمع؛ لأن التعاريف للحقيقة المدلول عليها بالمفرد وليست للأفراد المدلول عليها بالجمع.
قوله: (ما به يتقوم إلخ) أي: شيء ملفوظ به أو مقدر أو معنوي بسببه يتحصل معنى من المعاني المقتضية أي: الطالبة للإعراب أي: لبيان الحركات والسكنات.
قوله: (لفظيا) أي: ظاهرا أو مقدرا.
قوله: (نحو: جاء) أي: جاء ونحوه كرجع وذهب.
قوله: (فإنه يطلب الفاعل) أي: المتصف بالفعل، وقوله: «المقتضي» أي: الطالب للرفع أي: من حيث فاعليته لا من حيث ذاته، فاندفع إيراد أن المقتضي للرفع إنما هو الفاعلية لا الفاعل كما علم من تعريف العامل، وإنما كانت الفاعلية مقتضية للرفع لأنه علامة عليها فافهم، وقس عليها ما بعده.
قوله: (فإنه) أي: رأيت بجملته من الفعل والفاعل على ما هو ظاهر كلامه، وهو أحد أقوال أربعة ذكرها الشارح في شرح التوضيح، أصحها أن الفعل وحده هو الذي يطلب المفعول الواقع هو عليه.
قوله: (المقتضي) أي: الطالب للنصب من حيث المفعولية لا من حيث الذات كما علم مما مر.
قوله: (فإنها تطلب المضاف إليه) المراد بالمضاف إليه هنا هو المجرور؛ لأن أحرف الجار تسمى حروف الإضافة؛ لأنها تضيف معاني الأفعال إلى الأسماء وتوصلها إليها، ولا فرق في المضاف إليه بين الحقيقي كما مثل، والحكمي كما في بحسبك زيد، فإن الباء فيه وإن كانت زائدة حصل بها كون الشيء مضافا إليه حكما وصورة، فلا يقال: أن تعريف العامل يشملها.
قوله: (المقتضي) أي: الطالب للجر أي: من حيث الإضافة لا من حيث الذات، فلا تغفل.
قوله: (الابتداء) أي: في المبتدأ.
قوله: (والتجرد) أي: في الفعل المضارع.
قوله: (مجيئها لما تقتضيه) أي: حصولها وتحققها مع الكلم وتسلطها عليها، فدخلت العوامل المقدرة والمتأخرة والمعنوية.
قوله: (من الفاعلية إلخ) بيان لـ«ما»، والياء فيه وفيما بعده ياء المصدر، فهما مصدران، فالفاعلية كون الاسم فاعلا حقيقة، أو في حكم الفاعل في كونه عمدة، والمفعولية كون الاسم مفعولا حقيقة، أو في حكم المفعول في كونه فضلة، أو مشبها به كما في اسم إن.
ولما كانت الإضافة مصدرا بنفسها لم يحتج إلى إلحاق ياء المصدر بها وهي كون الاسم مضافا إليه فكلامه على تقدير إليه.
قوله: (وسواء تقدمت إلخ) مثل ذلك ما لو قارنت كالابتداء في المبتدأ نحو: زيد قائم.
قوله: (جرى على الأصل الغالب) أو مراده أن العوامل لا تكون إلا قبل المعربات بحسب الرتبة، يعني أن رتبة العوامل التقدم على المعربات وإن تأخرت لفظا وعلى هذا تكون لفظة قبل في كلامه مستعملة في حقيقتها ومجازها.
قوله: (وقول المصنف: لفظا أو تقديرا إلخ) إعراب هذه الجملة الواقعة من الشارح أن يقال: «قول» مبتدأ وهو بمعنى المقول، وقوله: «لفظا أو تقديرا» بدل منه أو عطف بيان مرفوعا بضمة مقدرة منع من ظهورها حركة الحكاية أي: حكاية كلام المتن، وقوله: «حالان» خبر المبتدأ، وصح الإخبار عنه، وهو مفرد بذلك مع كونه مثنى؛ لأنه وإن كان مفردا لفظا مثنى معنى؛ لأن المقول اثنان: قوله: «لفظا» وقوله: «تقديرا».
قوله: (حالان) عليه يكونان مصدرين بمعنى المفعول، والمعنى: حال كون التغيير ملفوظا أي: ملفوظا أثره، أو ما يدل عليه، وهو علامته من الحركات وما ناب عنها، أو تقديرا أي: مقدرا أثره أو ما يدل عليه، فهما حالان سببيان.
وبذلك التقرير اندفع إيراد أن التغيير معنى من المعاني وهو لا يكون لفظا ولا تقديرا، وفي الحاشية أوجه أخر في إعراب المتن فراجعها إن شئت.
قوله: (تارة) منصوب على المفعول المطلق نحو: ضربته مرة، أو على الظرفية أي: في مرة.
قوله: (يكون) أي: التغيير أي: علامته لما تقدم قريبا وقوله: «في اللفظ» أي: ظاهرة في اللفظ.
قوله: (فتلفظ بالرفع) أي: بأثره أو علامته؛ لأن الرفع معنوي بناء على قول المصنف: إن الإعراب معنوي.
قوله: (وبالجزم) فيه خفاء؛ لأن كلا من الجزم وعلامته ليس لفظا؛ لأنه عدمي؛ إذ هو عدم الحركة. نعم، يصح أن يقال في علامته التي هي السكون: إنها لفظية بمعنى أنها متعلقة بلفظ؛ لأن السكون حذف الحركة.
قوله: (والتقدير) عطف تفسير.
قوله: (وهو المنوي) أي: المنوي أثره أو علامته لما تقدم بقرينة قوله: «كما تنوي الضمة» فإن الضمة المنوية ليست نفس التغيير وإنما هي علامته.
قوله: (وهذا هو المراد بقوله: لفظا أو تقديرا) كان الأولى أن يقول: وهذا بعض ما أراد بقوله: «لفظا أو تقديرا» لأن الإعراب التقديري ليس منحصرا في الاسم المقصور والفعل المضارع المعتل الآخر، بل هما بعض ما يقدر فيه الإعراب.
قوله: (وأو هنا) أي: في تعريف الإعراب في هذا الكتاب للتقسيم أي: تقسيم الإعراب إلى قسمين.
قوله: (لا للترديد) وهو مصدر ردد الكلام أي: كرره وليس مرادا، بل المراد الشك، فكان الأولى أن يقول: لا للتردد.
قوله: (وكيفية الإعراب إلخ) أراد بـ«الإعراب» هنا تطبيق التركيب على القواعد النحوية مطلقا سواء كان مبنيا أو معربا، فلا ينافي ذلك قوله: «لن حرف نفي ونصب» مع أن الحروف مبنية، وليس المراد به هنا مقابل البناء حتى يكون ذكر بعض المبنيات مستدركا.
قوله: (اللفظي) أي: الذي تكون علامته لفظية، فلا ينافي ما تقدم من أن الإعراب عند المصنف معنوي.
قوله: (ضمة ظاهرة في آخره) هل المراد: بعد آخره أو قبل آخره أو مع آخره؟ اختلف الناس على ثلاثة مذاهب، قال ابن جني: والأول هو مذهب سيبويه، وكلام الشارح محتمل للمذاهب الثلاثة بجعل «في» للمصاحبة أي: ضمة ظاهرة مع آخره.
قوله: (وكيفية الإعراب التقديري) أي: تطبيق التركيب على قواعد النحوية كما سبق، ومعنى «التقديري» المقدر علامته.
قوله: (التعذر) هو أن لا يكون الحرف الذي هو محل الإعراب قابلا للحركة الإعرابية كالاسم الذي في آخره ألف سواء كانت موجودة في اللفظ كالعصا والرحا أو محذوفة لالتقاء الساكنين.
وأما الاستثقال فهو أن يكون الحرف الذي هو محل الإعراب قابلا للحركة الإعرابية لكنها ثقيلة عليه كالاسم الذي في آخره ياء مكسور ما قبلها كقاض وداع والقاضي والداعي.
قوله: (وفاعل يخشى) لم يقل: وفاعله خوف الالتباس بعود الضمير لـ«التجريد» لأنه أقرب مذكور.
قوله: (مستتر فيه جوازا) أي: استتارا جائزا أو ذا جواز، والمستتر جوازا هو ما يخلفه الظاهر، وذلك في فعل الغائب أو الغائبة كقام ويقوم وقامت وتقوم واسم الفاعل نحو زيد قائم أبوه. وأما المستتر وجوبا فهو ما لا يخلفه الظاهر ولا الضمير المنفصل، وذلك في الفعل المضارع المبدوء بالهمزة أو بالنون أو بتاء المخاطب الواحد وفي فعل الأمر المسند إلى واحد وأفعال الاستثناء كخلا وعدا وفعل التعجب وأفعل التفضيل واسم فعل الأمر والمضارع والمصدر الواقع بدلا من اللفظ بفعله.
قوله: (لالتقاء الساكنين) أي: لدفع التقائهما، وذلك لأن أصل فتى فتو، قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فالتقى ساكنان: الألف والتنوين، فحذفت الألف؛ لأنها جزء كلمة دون التنوين؛ لأنه كلمة مستقلة، وحذف الجزء أَولى من حذف الكل، كذا في الحاشية.
أقول: وهو مخالف لنص عبارة ابن مالك في الخلاصة من أن أصل فتى فتي بالياء لا بالواو حيث قال:
*كذا الذي اليا أصله نحو الفتى * إلخ
وقال نفس المحشي على الأشموني في ذلك الموضع: ولا يرد الفتوة أي: على أنه يائيّ؛ فإن الياء قبلت فيها واوا لانضمام ما قبلها اهـ.
قوله: (الاستثقال) أي: الثقل في النطق بالياء مضمومة أو مكسورة، وأسقط النصب لأنه يظهر لخفته.
قوله: (وفي الجر كذلك) أي: بأن تقول: علامة جره كسرة مقدرة على الياء المحذوفة؛ لالتقاء الساكنين فإن الأصل: جاء قاضي ومررت بقاضي بإثبات الياء مع التنوين والتحريك، استثقلت الحركة على الياء، فحذفت، فالتقى ساكنان: الياء والتنوين، فحذفت الياء لذلك الالتقاء، وإذا دخلت أل أو الإضافة رجعت الياء وذهب التنوين نحو: هذا القاضي وقاضيك.
وأما في حالة النصب فالفتحة ظاهرة كما مر لخفتها مطلقا وينون إن لم يضف وما لم يكن فيه أل كرأيت قاضيا وهذا حكم الوصل، وأما الوقف فالأكثر على أنه كالوصل فتقول في المعرفة: هذا القاضي بالإثبات وفي النكرة هذا قاض بالحذف وقد جاء بالعكس.
قوله: (فحيث كان) أي: إذا وجد، فـ«حيث» بمعنى إذا، فهو مضمن معنى الشرط، و«كان» تامة بمعنى وجد.
قوله: (يشبه الصحيح) أي: في تحمله للحركات الثلاث وظهورها عليه.
قوله: (كالواو إلخ) الكاف استقصائية؛ إذ ليس هناك غير هذين الحرفين.
قوله: (فالإعراب ظاهر) أي: إن لم يمنع منه مانع كالإضافة إلى ياء المتكلم نحو: جاء غلامي.
قوله: (والياء تقدر فيها الحركة) أي: الضمة والكسرة وكذا الفتحة النائبة عن الكسرة فيما لا ينصرف، فتقدر على الياء كما تقدم في نحو: مررت بجوار، وأما الفتحة فتظهر لخفتها عليها كما تقدم، وكذا تقدر الضمة فقط في الواو والياء في الفعل المضارع الذي آخره واو أو ياء نحو: يدعو ويرمي؛ وتظهر الفتحة عليهما للخفة.
قوله: (ثلاثة أحوال) حال تقدر فيه الحركة للاستثقال، وحال تقدر فيه للتعذر، وحال تظهر فيه حيث لا تعذر ولا استثقال، كذا في الحاشية.
وأقول: التقرير السابق لم يظهر منه أحوال الفعل المنقوص، فتأمل.
قوله: (وأن الانتقال إلخ) أي: وظهر أن الانتقال أي: التحول من الوقف أي: حالة الوقف أي: السكون إلى الرفع أي: حالة الرفع إلخ أي: ظهر ذلك من قوله فيما سبق: «والمراد بتغيير الآخر إلخ» حيث فسر التغيير الواقع خبرا عن الإعراب بتصييره مرفوعا إلخ.
قوله: (ومن النصب إلى غيره) أي: الجر في الاسم والجزم في الفعل، ثم إن كلامه معترض باقتضائه أن الانتقال هو نفس الإعراب وليس كذلك، وإنما الإعراب هو الحال الحاصل بالانتقال، فالانتقال من الوقف إلى الرفع مثلا ليس إعرابا، بل الإعراب هو الرفع المنتقل إليه وهو التغيير المخصوص، وأجيب بأن المراد بالانتقال تغيير حالة الوقف بحالة غيرها فهو من ذكر الملزوم وإرادة لازمه.
قوله: (مجازا) حال من «أنواع» أي: حالة كون الأنواع متجوزا بها عن معناها الأصلي، وإنما كان إطلاق الأنواع على ما هنا مجازا؛ لأن النوع: كلي مقول على كثيرين متفقين بالحقيقة، وذلك غير متأت هنا؛ لأن الرفع مثلا مقول على كثيرين مختلفين بالحقيقة؛ لأن حقيقته بالضمة غير حقيقته بالواو مثلا وكذا البقية.
وهذا التجوز إنما يظهر على ما ذهب إليه غير المصنف من كون الإعراب لفظيا وأن نفس الرفع وما بعده هو الإعراب، وذاك؛ لأنها حينئذ لم تندرج تحت جنس مقول على كثيرين مختلفين بالحقيقة، ولم يندرج تحتها أشياء متفقة بالحقيقة، فليست أنواعا منطقية، بل أنواع عرفية.
وأما على ما ذهب إليه المصنف من كون الإعراب معنويا فهي أنواع حقيقية؛ لاندراجها تحت الإعراب بمعنى التغيير المطلق، فالرفع مثلا تغيير مخصوص مندرج تحت مطلق التغيير، وله أفراد تغيير بالضمة وتغيير بالواو إلخ، فهي أنواع منطقية حينئذ، كذا في الحاشية.
وأقول في قول الشارح: «وأن تلك الأحوال إلخ» شيء، وذلك؛ لأنه لم يظهر من كلامه السابق أن تسمية تلك الأحوال المنتقل إليها أنواعا تسمية مجازية وإنما الذي ظهر من قوله السابق: «والمراد بتغيير الآخر إلخ» أن هذه أنواع للإعراب ، وأما المجازية في إطلاق لفظ الأنواع عليها فمن عدم انطباق تعريف النوع عليها، فتأمل بإنصاف.