بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء لعام 2018، يبلغ عدد العاملين في قطاع التمريض في مصر166 ألف، موزعين ما بين 143.200 ممرض في القطاع الحكومي، و22.800 ممرض في القطاع الخاص.
مع مجيء المولود الثاني، زادت الأحمال على أسرة دعاء التي صارت الآن خمسة أفراد. إجازة وضع انتهت سريعًا لتعود هي إلى عملها وتساند براتبها زوجها، لكن مع تقدم عمر الأطفال، والتحاق الكبرى بالمدرسة والصغير بالحضانة، تضاعفت المصروفات الشهرية التي لم يعد جمع رواتبهم يسدها حتى مع حالة تقشف حاول اتباعها كلًا من الأب والأم.
5200 جنيه أي ما يساوي 330 دولار تقريبًا، هي جل ما تجمعه الأسرة شهريًا، ثلاث ألاف هو راتب الأب في أحد شركات القطاع الخاص، و2200 هو راتب الأم مقابل عملها كممرضة في أحد المستشفيات الحكومية بمحافظة الدقهلية.
في أواخر ديسمبر الماضي، بدت المستشفى الخيري الجديد -التي أقامها أهل المدينة التي تسكن فيها دعاء عبر التبرعات- بارقة أمل لها، فالمستشفى أعلنت عن احتياجها لطاقم تمريضي لتوظيفه فيها. تخرُج دعاء من كلية التمريض، جعل راتبها في المستشفى كمشرف عام على مكافحة العدوى، يصل إلى 3300 جنيه، بفارق 1100 جنيه زيادة عن راتبها في المستشفى الحكومي وبفارق 2000 عن باقي هيئة التمريض الذين تم توظيفهم في المستشفى والذين كما تقول لم يكن مشترط فيهن أن يكونوا من دارسين التمريض، بل كان عدد منهن من خريجات معاهد التمريض.
قبلت دعاء على الفور، وتقدمت بإجازة إلى مستشفاها الحكومي، فالزيادة في الراتب وإن بدت قليلة أمام مخاطر القسم الجديد الذي ستعمل فيه، إلا أنها كانت مناسبة في مساندة الأسرة مادية ولو قليلًا. تقول دعاء: "لم أكن أعلم أن بعد ثلاث أشهر من بدء العمل في الوحدة، ستضطرب الأمور في المستشفيات ونصبح كعاملين في القطاع الصحي على خطوط النار".
لم تستقر دعاء كثيرًا، فما أن بدأت في ترتيب أوضاعها في عملها الجديد، حتى أخطرت وزارة الصحة في يوليو الماضي مديرياتها ومستشفياتها بالمحافظات بقرار منع كافة الإجازات الوجوبية وغير الوجوبية على كل العاملين في القطاع الطبي؛ أطباء، تمريض، إداريين، صيادلة، فنيين، وغيره لحين انتهاء "ما يواجهه القطاع الطبي من تفشي لفيروس كورونا المستجد".
قرار وزارة الصحة صار مصدر قلق على دعاء وأسرتها، خوفًا من أن تقوم المستشفى الحكومي بإستدعاؤها لقطع إجازتها والعودة للعمل بها، تقول: "كنت أتابع زميلاتي منذ اشتداد الأزمة في مارس، كان هناك ضغط شديد، وخوف طوال الوقت بسبب عدم توافر المستلزمات الطبية في البداية، حتى بعد أن تم توفيرها، كانت الكمامات العادية وليست الطبية، مقابل ذلك ارتفعت الأسعار، زادت فواتير الكهرباء والمياه والغاز مع الزيادة الحكومية، زادت مصروفاتنا اليومية لأننا كنا نضطر إلى شراء مستلزمات الوقاية لي ولزوجي ولأطفالي أثناء طريقنا اليومي إلى والدتي".
وتضيف: "كثير من قطاع التمريض يعتمد على أن يعمل في القطاع الخاص إلى جانب عمله في القطاع العام لرفع دخله الشهري، لك أن تتخيل أن راتبي الحالي في القطاع الخاص يقارب أقصى راتب يستطيع أن يحصل عليه الممرض/ة في القطاع العام، والذي يساوي أربعة ألاف جنيه تقريبًا بعدما يصل إلى الدرجة الأولى، أي بعدما يقضي ما لا يقل عن 15 عام في العمل".
توقعت دعاء وغيرها من العاملين في أطقم التمريض، أن تكون أزمة كورونا بداية لتحسن أوضاعهم، والنظر إلى رواتبهم التي تُظهر البيانات ضعف زيادتها على مدار العشر سنوات الأخيرة، مقارنة بارتفاع أسعار الخدمات ونفقات الأسرة، ومقارنة بارتفاع الرواتب في قطاعات العمل الأخرى.
لم يحدث أي شيء، حتى مع وعود التي صدرت من مجلس الوزراء بصرف مكافآت تشجيعية لهم بسبب الضغوط التي يلاقونا أثناء الأزمة وذلك ضمن الإجراءات الخاصة بتخصيص 100 مليار جنيه من الاحتياطات المالية للدولة لمواجهة الفيروس. تقول دعاء: "لم تصرف أيًا من زميلاتي في المستشفى الحكومي أي مكافآت، رغم تحويل المستشفى لمبنى كامل فيها إلى حميات، للتعامل المباشر مع مرضى كورونا وعزلهم".
"الراتب لم يعد يكفي نص الاحتياجات التي يتطلبها المنزل"، تقول سارة، والتي تعمل في هيئة التمريض بأحد المستشفيات الحكومية في محافظة القاهرة.
تحصل سارة على 2300 شهريًا، وهذا يتضمن الراتب الأساسي، والزيادة مقابل "ساعات السهر"، والتي تقضي بأن تعمل لمدة 12 ساعة يوم في الأسبوع.
تقول: "كل العالم يركز الآن مع الأطقم الطبية، لكن لا أحد يدرك أن رواتبنا قليلة للغاية، ولا تسد احتياجاتنا".
تشير سارة أن تعيينها في المستشفى بدأ عام 2014، تصف أن الراتب في هذا الوقت كان جيد مقارنة ببدايتها، لكن مع اتخاذ الحكومة المصرية عام 2016 قرار تعويم الجنيه المصري، تضاعفت أسعار كل شيء، فضلًا عن أن القرار جاء مع بدء رفع الدعم عن المواد البترولية والكهرباء والمياه والغاز. تعلق: "فجأة وجدت أنا وزوجي أمام وضع سيء للغاية، كل الأسعار تتضاعف ورواتبنا ثابتة، حتى ايجار الشقة التي كنا نسكن فيها وفقًا لقانون الإيجار الجديد، صاحبها طالب في تجديد عقدنا بزيادة تصل إلى نصف المبلغ، وفشلنا في التفاوض معه واضطرينا إلى الانتقال إلى شقة أخرى أصغر لمجرد أن زيادتها أقل. الحقيقة الحياة بقت صعبة".
كانت سارة تعمل في أحد العيادات الخاصة قبل فترة تفشي فيروس كورونا، كانت تعمل فيها ليلًا لمدة 5 ساعات ثلاث أيام اسبوعيًا مقابل ألف جنيه. تقول: "كانوا يدعمونا قليلًا، زوجي أيضًا كان ينزل للعمل على سيارة تاكسي لقريب لنا، اتفق معه أن يؤجره منه ليلًا. كنا نرغب أن نؤجر شقة لمدة طويلة قليلًا بدلًا من سنة واحدة، لكن كان المستأجرين يريدون مقدم، فكنا نحاول أن نجمعه".
مع بداية اشتداد الضغط على المستشفيات والأطقم الطبية في مارس الماضي، أغلق الطبيب الذي كانت سارة تعمل معه عيادته، بل أن زيادة الضغط وساعات العمل في المستشفى بات يمنعها من ذلك، غير خوفها من انتقال العدوى لها أو لأحد أفراد أسرتها. ومع قرار الحظر الليلي، توقف زوجها عن العمل على التاكسي كما كان يقوم من قبل. تقول: "الوضع صعب جدًا، احنا الاتنين عاملين ومع ذلك رواتبنا لا تكفينا، صرنا ننفق مما كنا قد ادخرناه. سنضطر إلى تأجيل حلم الاستقرار في المنزل".
شكوى دعاء وسارة من ضعف رواتبهم في القطاع الحكومي ولجوئهم إلى أعمال إضافية لتحسين دخولهم الشهرية، تبدو حلولًا غير موجودة أمام ولاء، التي تعمل في أحد مستشفيات القطاع الخاص، مقابل 1100 جنيه شهريًا فقط. إقامة ولاء مع والدة زوجها المريضة، جعلها لا تستطيع أن تعمل سوى في أحد المستشفيات الخاصة فترة المساء، حتى يكون زوجها قد عاد من عمله فيستطيع أن يبقى مع والدته وطفليه، وتذهب جهاد إلى المستشفى التي وافقت على العمل فيها لكونها تبعد عن منزلها لمدة 15 دقيقة فقط.
كانت المصروفات ضاغطة على أسرة ولاء، لكن "كانت الحياة ماشية"، حتى بداية أزمة كورونا. فالزوج فقد عمله، وبات حمل المصروفات للأسرة بالكامل على كاهل ولاء، تقول: "ماذا تفعل 1100 لأسرة من 4 أفراد".
كانت الاستدانة هي الحل أمامهم، في الشهور الأولى على الأقل، صارت المصروفات إلى أضيق الحدود. "كان ما يشغلنا أن نسدد الفواتير الشهرية وعلاج والدته، أما الطعام والشراب فاستغنينا عن كثير من فئاته، وعن نفسي استبدلت مثلًا الذهاب إلى العمل سيرًا على الأقدام بدلًا من التوك توك الذي كنت أرتاده وكان يحصل على 3 جنيه للمشوار" أي 36 جنيه أسبوعيًا.
ورغم حصول زوج ولاء مؤخرًا على عمل جديد، إلا أن الديون باتت تحاصرهم. تقول: "في العمل أخشى من ان تنتقل العدوى لي، وأنقلها إلى أسرتي، لكني كنت أخشى أكثر إذا انتقلت العدوى لي أن يخصم المدير من راتبي فترة عزلي، كما حدث مع أكثر من زميلة لي انتقل إليهن الفيروس، فكان يعطيهن إجازة 14 يوم بعد ظهور الأعراض، لكنه يخبرهن بأن ذلك سيًخصم من راتبهم".
تضيف: "طوال الوقت أنا بين نارين، أخشى عليهم من الفيروس وفي الوقت ذاته من الفقر والجوع، وفي النهاية الاسم إني ممرضة".
--
الأسماء المستخدمة في هذا التقرير هي الأسماء الأولى فقط للمصادر وفقًا لطلبهم خوفًا من التعرض لأذى من الحديث.