(هذه القصة ارويها عن والدي الشيخ مخلص حماد الراوي كما رواها هو عن شيخه وجدي الشيخ احمد محمد أمين الراوي عليهم رحمة الله جميعاً )
بسم الله الرحمن الرحيم
كان شابا بسيطا ينزل من الصعيد إلى القاهرة للمرة الأولى في حياته ، بهرته بهرجت الحياة وصخبها الذي لم يتوقعه ، وبينما هو سائر في طرقات القاهرة رأى فتاة جميلة بهره جمالها كما بهره من قبل جمال المدينة وفتنتها ، سار خلفها وتتبع أثرها حتى إذا دخلت بيتها ، سارع لطرق الباب و حين خرجت لتنظر الطارق سألها عن أهلها طالبا مقابلة أبيها وإخوانها ، فقالت انه لا احد منهم موجود في الدار هذه الساعة ، ولكنها سألت وما الأمر الذي تريده منهم . فقال بالعفوية والبساطة التي يعيشها في قريته بأنه يريد أن يخطبها منهم .
تفاجأت من هذه السذاجة في التفكير وهذه الجرأة والثقة بالنفس التي لا يبدوا لها اثر من رصيد ، فسألته وما هي مؤهلاتك لذلك وهل لك نصيب من الدراسة والعلم ، فأجابها بالنفي ، فقالت له بذكاء و وضوح : إننا عائلة عرف أهلها بالعلم وإنني لا اعتقد ا ن أبي سيوافق على طلبك وهو الشيخ المعروف بين المتعلمين وكذلك لن يوافق إخوتي على ذلك وهم طلبة علم واجتهاد .
قال : إذا ما العمل . قالت : اذهب وتعلم قراءة القران على الأقل ثم تعال وتقدم إلى أبي وإخوتي .
انصرف وهو عازم على أن يحقق ذلك ، فبحث عن معلم للقران في إحدى الكتاتيب وجد واجتهد حتى أتقن ذلك في بضعة أشهر.
تفاجئت حين رأته يطرق بابها مرة أخرى ، فرحا وهو يخبرها بأنه حقق ما أرادت ، و آملا في تلبية طلبه ومقابلة أهلها . قالت له : أكمل مجهودك بحفظ شي من القران .
انطلق إلى الجامع الأزهر والتحق بإحدى حلقات تحفيظ القران . حتى إذا أتم حفظ بضع أجزاء من القران الكريم . عاد إليها ليكرر الطلب ، فقالت : انه من المناسب لك بعد هذا المجهود أن تقرا طرفاً من العلم ( وليكن شيئاً من الفقه ) ليكون قبولك عند عائلتي مضمونا .
عاد إلى الجامع الأزهر لينظم هذه المرة إلى إحدى حلقات تدريس العلم . وأخذته الرغبة والاجتهاد والسعي والسنين حتى نسي دافعه الأول وما عاد إليه .
تتبعت هي أخباره فعلمت انه أصبح عالما مثابراً و معروفا بين العلماء . حتى علمت انه أصبح له كرسي تدريس وإفتاء في الجامع الأزهر ( وذلك اثر وفاة شيخ كبير من شيوخ الأزهر فاختير ليحل محله ) .
فجاءت لتحضر احد دروسه العامة عند العمود الذي خصص له في الجامع ، وبعد انصراف الطلاب اقتربت من مجلس الشيخ ، نظر إليها ظاناً إن لها استفسارا أو سؤلاً، حينها كشفت عن وجهها وقالت له : لقد نسيتنا يا شيخ ؟
اطرق بحياء وقال : طلبنا العلم لغير الله فأبى العلم إلا أن يكون لله .