أين الحل؟


تقــــــديم

كيف نجعل مادة الرياضيات في متناول جميع التلاميذ؟ إنه السؤال الذي يحير كل مهتم بالبحث عن أساليب لتدريس مادة الرياضيات، تأخذ بعين الاعتبار تحقيق الأهداف التي من أجلها أدرجت هذه المادة في المناهج الدراسية، وتعير الاهتمام اللازم لأساسيات التفكير الرياضياتي. إنه سؤال شغل بال الباحثين في كيفية تعلم الرياضيات مند زمن بعيد، ولقد احتلت محاولات الإجابة عنه مجالات متعددة من اهتمامات هؤلاء، حيث ورد ضمن محاولاتهم بعض عناصر الإجابة عن هذا السؤال، اقتصرت على الجانب النظري، ولم يكتب لها أن تكون نتيجة لتجارب مجتمعية. إنه مجرد سؤال يطرح كلما أعلنت نتائج أحد الاختبارات المدرسية، وسرعان ما يصبح هذا السؤال مناسبة لتقديم العتاب، يوجه إلى التلاميذ على وجه الخصوص.

ورغم المجهودات التي تبدلها المنظومة التربوية في سبيل الإحاطة بمستلزمات الرفع من مستوى التحصيل الدراسي عند التلاميذ فإن هذه المنظومة تجد نفسها أمام سؤال آخر: كيف يمكن تدليل صعوبات تعلم مادة الرياضيات؟ إنه سؤال يتفرع عن السؤال الأول، نظرا لكون مادة الرياضيات كانت ومازالت تطرح صعوبات أمام المتعلم، ولا يتم التفكير فيها إلا عند الكشف عن نتائج الاختبارات المدرسية أو عن نتائج بعض الدراسات الدولية، ولا يتم الأخذ بها إلا عندما يتقرر بناء برامج دراسية جديدة، على ضوء برامج دراسية أخرى سبق لها التعامل معها بشكل من الأشكال، كالحذف أو التبسيط أو التنميط.... . ولا يتم اعتبارها إلا في حالة الشعور بأهمية هذه الصعوبات، وتأثيراتها على نتائج الامتحانات الإشهادية.

وتقوم المنظومة التربوية ببعض الإجراءات في سبيل تحسين مستوى التحصيل الدراسي لدى تلاميذ الأقسام النهائية لكل سلك، ولكنها تجد نفسها أمام السؤال التالي: لماذا لا يتحسن مستوى التحصيل الدراسي بالقدر المرجو؟ إنه سؤال مرتبط بالسؤالين السابقين، نظرا لكون علة ذلك لا توجد في النظام الامتحاني المعمول به فقط ولا في التلميذ ولا في الأستاذ، لا بد من التفكير في أصل صعوبات تعلم هذه المادة، قصد العمل على إعداد خطة طريق تسمح من اتخاذ إجراءات مضمونة النتائج نظريا على الأقل.

إن التفكير في تحديد بعض العناصر البسيطة للإجابة عن هذه الأسئلة قد تعقد في ضل تعدد القنوات التي تقدم المعرفة، حيث أصبحت المعرفة وسيلة لتحقيق غايات لا تنسجم مع تلك التي يرمي إليها تدريس مادة، أخذت من علم ساهم في تكوين العقل البشري. إن النظام الامتحاني المعمول به هو السبب الرئيسي لتعقيد البحث عن حلول للإشكاليات التي تطرح من خلال هذه الأسئلة، نظرا لكون هذه القنوات تسعى إلى جعل التلميذ يستجيب لمتطلبات هذا النظام، فهي لا تسعى إلى تزويده بآليات معرفية تمكنه من مواجهة جميع الوضعيات الامتحانية.

ومن أجل تقديم المعرفة الرياضياتية، وفق الشروط التي فرضتها هذه القنوات، يتم التضحية بأهم مميزات التفكير الرياضياتي، والذي يؤسسه البرهان الرياضياتي. إن هذا الإقصاء جعل المادة المدرسة تطبيقية، مضامينها تأخذ من الرياضيات النظرية، فمازالت المتابعة التعليمية تقدم ما يمكن تقديمه بالدقة الرياضياتية والوضوح الرياضياتي، وتحيل التلميذ إلى بدل مجهودات لفهم ما لا يمكن تقديمه بالدقة الرياضياتية والوضوح الرياضياتي، وعلى ضوء ذلك، أصبح استيعاب كل ما هو نظري على عاتق المتعلم.

وقد تتكاثر المعارف بشكل غير ممنهج، يجعل من الصعب التعرف على المعارف الأساسية التي تكون مولدة لمعارف أخرى، والتي تعفي الباحث عن المعرفة الملائمة من استبطان كل هذا الكم الهائل من المعارف ، مما يجعل المناهج الدراسية في أزمة اختيار المضامين، وتجعل المدرس أمام تعدد المقاربات(ملائمة أو لا) للمفهوم الواحد. وعلى سبيل المثال، عندما نطلب من المحرك "كوكل" البحث عن مبرهنة فيثاغورس في الويب فإنه يخبرنا بوجود عدد كبير من العنوانين الالكترونية، قد يصل إلى المليون أو يزيد، علما بأن هذا العدد قد يزيد أو ينقص كل يوم، فهل باستطاعة المدرس أن يقرأ هذا الكم الهائل من المساهمات من أجل الوقوف على ما يناسبه؟. إن الجواب سيكون بالنفي بطبيعة الحال، فليس باستطاعته أن يتعرف على العنوانين الالكترونية التي تحمل مساهمات ذات الجودة العلمية العالية؟، ولا يمكنه القيام بذلك إلا في حدود معينة، وتكون هذه الحدود مرتبطة بالوقت واهتماماته الشخصية ومؤهلاته المعرفية.

وبفضل هذه القنوات المعرفية الجديدة قد يصبح هذا النوع من المعارف منتشرا على نطاق واسع، فلا حاجة الدارس إلى المدرس لكي يعيد له إنتاج معرفة بنفس الكيفية، فكيف يمكن للتلميذ أن يتقبل معرفة قدمت له دون مقدمات في حين نجدها في الانترنيت تقدم بشكل يدفع إلى الدهشة أحيانا؟. وما هي الجدوى من معرفة حل لمسألة هندسية، ونحن لا ندرك أهمية بواعثها؟، وما الفائدة من إدراج هندسة في برامج دراسية، وطريقة تدريسها لا تترك سمتها الأساسية في تفكير المتعلم. وقد تنهار المدرسة بكثرة معارفها وقلة الاستفادة منها.

وأمام هذا التدفق المعرفي يجد المدرس نفسه أمام موقفَين متناقضَين، لا مناص من الأخذ بأحدهما؛ فإما أن يتعامل مع بعض هذه المحتويات حسب قابليتها للاستبطان من طرف المتعلم ومتطلبات الحياة المدرسية للمتعلم، ويرفض البعض الآخر(قد يكون بغير قصد) بطرق غير محددة الأهداف ولا مدروسة النتائج، وإما أن يتعامل معها وفق منهجية واضحة المعالم، تنظم هذه المحتويات ضمن برنامج أهدافه صريحة، تتماشى مع المنهاج الدراسي الرسمي، وتهيِّئ للمتعلم الظروف الملائمة للتعلم، وتدلل الصعوبات التي قد تعيقه في هذا التعلم، ثم تطرح أساليب للتقويم تساعده على أخد الوعي بما قد يساعده على التعرف على نسبة النجاح في تعلماته.

الأساليب المعتمدة لتحسين مستوى التحصيل الدراسي

ويعتمد في الرفع من مستوى التحصيل الدراسي في مادة الرياضيات على عدة إجراءات، تتأرجح بين حذف بعض المفاهيم مستعصية الفهم من البرامج الدراسية وبين تبسيط وتنميط مواضيع الامتحانات الإشهادية. وغالبا ما تكون أهداف بعض هذه الإجراءات ضمنية، يمكن التوقف عندها من خلال دراسة آثارها على الساحة التعليمية. ورغم هذه الإجراءات فإن النتائج المتوخاة تبقى دون العتبة المرجوة.

إن التلميذ يجد صعوبة في التعامل مع مضامين هذه المادة، رغم كل هذه الإجراءات، وهذه حقيقة لا يمكن القفز عليها، إذا أريد البحث عن وسائل لتدليل الصعوبات التي تعترض التلميذ في تعلمه لمادة الرياضيات، دون إرهاق كاهله أو كاهل أسرته.

ولا شك أن ما تواجه المنظومة التعليمية في مجال تطوير المنتوج التعليمي هو تزاحم المشكلات، والحلول الظرفية التي تقدم لها، والتي لا تأخذ بعين الاعتبار ما في عقول الأساتذة من مفاهيم وتصورات،ومناهج في التفكير، و التي لا تأخذ بمسببات النجاح كمنطلقات في صياغتها. وتبدو الوسيلة الوحيد للرفع من نوعية المنتوج التعليمي هو محاولة دعمه من داخل المنظومة التعليمية، حيث يلاحظ أن أغلب الإجراءات التي يتم اتخاذها تعطى مكانة لعملية الدعم التربوي. وعند الحديث عن الدعم التربوي، بعيدا عن الأدبيات التربوية، تطرح مسألة واحدة فقط، ويتعلق الأمر بكيفية تدبير حصة دراسية، يكون الهدف منها هو مساعدة التلاميذ على الحصول على نتائج أفضل في الاختبارات المدرسية. إن المهم في هذا الطرح هو كيفية الرفع من نتائج الاختبارات الإشهادية فقط، لأن المؤشر الوحيد لنجاعة نظام تعليمي امتحاني( نظام يعتمد على نتائج الاختبارات الإشهادية لتقويمه) هو النسب المئوية العالية المحصل عليها من خلال الامتحانات الإشهادية.

إن الرغبة في تحسين التحصيل الدراسي يصطدم بعدة معيقات، تتمثل في اتخاذ بعض الإجراءات بغض النظر عن مدى إمكانية تنفيذها، فلا يجوز في هذا الصدد، أن تختزل إجراءات الدعم التربوي في إصدار بعض الوثائق الرقمية أو الورقية، بل يجب التفكير في تزويد الأستاذ بآليات معرفية ومادية تمكنه من القيام بتدعيم المستوى المعرفي لتلاميذه، وتزويده بتجارب ناجحة في هذا المجال قصد اتخاذها نماذج للتصرف.

إن مصطلح الدعم يطرح إشكالا أمام تدريس مادة الرياضيات، ولا يمكن النظر إليه بمعزل عن الإشكالات الأخرى التي يطرحها تدريس الرياضيات: فقد يقال إنه من الممكن تقديم طريقة لمعالجة كل صعوبة بمعزل عن الصعوبات الأخرى، الشيء الذي يخالف كون هذه الصعوبات تندرج في إطار نظام للصعوبات، الذي يعتمد على منطق وعلى التمثلات التي يكونها التلاميذ حول المفاهيم الرياضياتية.

ويقصد بمصطلح الدعم في تدريس مادة الرياضيات، حسب بعض الباحثين التربويين: كل فعل تعليمي، يهدف إلى تمكين التلميذ من امتلاك الخبرات أو الكفايات(معرفة،مهارة،….) التي لم يمكنه التعليم القبلي من تحقيقها على الأشكال المنتظرة. وليس من السهل تصور طريقة عامة لتفادي هذه الصعوبات التي تعترض التلميذ في استيعابه لمفاهيم هذه المادة، لأن الاستيعاب الجيد لمفهوم رياضياتي يتطلب تجاوز بعض العوائق التي أنتجها التصور السابق لهذا المفهوم، وقد تأتي بعض الصعوبات مجتمعة من خلال صعوبة ظاهرة، وكمثال على ذلك، نجد أن أغلب التلاميذ يعبر عن صعوبة في تقديم الصياغة الملائمة لحل تمرين رياضياتي.ولا يمكن معالجة هذه الصعوبة بغض النظر عن الصعوبات التي يطرحها هذا التمرين.

ومن السائد أن النجاح في مادة الرياضيات يعتمد على إنجاز عدد كبير من التمارين، بغض النظر عن نوعيتها وأهليتها( ملاءمتها مع الأهداف المتوخاة من تدريس الرياضيات). ويؤدي هذا الاعتقاد إلى حصر عمليات الدعم التربوي في المشاركة في حصص لتصحيح التمارين، قد يقودها بعض التلاميذ المتفوقين.

ولا يمكن النظر إلى عمليات الدعم من المنظور النظري فقط، بل يكون من المفيد أن ننطلق من دراسة بعض الممارسات التي تنتهج في هذا الإطار، وذلك قصد الوقوف على ما قد يساعد على تحديد إستراتيجية تساهم على تنمية مهارات المدرس الخاصة بعمليات الدعم.

إن الحاجة إلى إنجاز عدد كبير من التمارين،أملا في الحصول على نتائج أفضل، أدت إلى بروز ممارسات، تتمثل في ظهور عدة كتب للتمارين المحلولة أو كتب تحمل حلولا لمواضيع لامتحانات إشهادية سابقة.