هذه تقريرات رائقة وتحقيقات فائقة نمقها الجهبذ النجيب واتقها الألمعي الأديب الفاضل الأمجد والهمام الأوحد الشيخ محمّد الأزهري نجل القلم الشهير والبدر المنير الأستاذ الشيخ حسن العدوي والحمزاوي وشح بها حواشي الإمام العارف بالله تعالى سيدي محمّد الحنفي على شرح الرسالة الوضعية العضدية للعلامة أبي القاسم السمرقندي نفعنا الله بهم وبعلومهم آمين
بسم الله الرحمن الرحيم
إن أغلى ما نظمه أرباب البصائر في سلك أوضاع المباني، وأعلى ما استخرجته إشارات التأمل في مصادر المعاني، حمد واضع لموارد الكائنات لا على مثال سبق، ومخصص للإنسان بمعرفة وضع الكلام على أكمل نظام ونسق، والصلاة والسلام على الموصول بكل فخار وعلى آله وصحبه الطيبين الأخيار.
وبعد: فيقول راجي الخلوص من رحمة المساوي، محمّد الأزهري بن الإمام العدوي المشهور بالحمزاوي: هذه تعليقات شريفة وتحقيقات فائقة منيفة على حاشية البدر الحفني على شرح الرسالة العضدية التي أفادها المحقق العضد في العلوم الوضعية، أودعت فيها خلاصة ما سطره الأفاضل ووشحتها بجم غفير من مخدرات المسائل مع تحرير مبانيها وتهذيب معانيها أسأل الله أن يجعل فيها نفع طالبيها.
قال رحمه الله تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم) اعلم أنه ينبغي لكل شارع في فن أن يتكلم على البسملة بطرف مما يناسب الفن المشروع فيه فالشارع في علم الوضع كما هنا يبحث عنها من جهة وضع ألفاظها.
وقبل الخوض في ذلك نذكر لك الوضع وأقسامه لتكون على بصيرة فنقول: الوضع اصطلاحا هو تعيين شيء للدلالة على شيء، ووضع اللفظ التحقيقي هو تعيين اللفظ للدلالة على معنى بنفسه. وأقسامه على ما سيأتي للشارح أربعة لأن المعنى إما مشخص أو لا وعلى كل فالوضع إما خاص أو لا.
فالأول ما يكون موضوعا لمشخص باعتبار تعقله بخصوصه ويسمى هذا الوضع وضعا خاصا لموضوع له خاص كما إذا تصورت ذات زيد ووضعت لفظة زيد بإزائه.
والثاني ما وضع لمشخص باعتبار تعقله لا بخصوصه بل بأمر عام ويسمى ذلك الوضع وضعا عاما لموضوع له خاص كأسماء الإشارة وهذا القسم يجب أن يكون معناه متعددا.
والثالث ما وضع لأمر كلي باعتبار تعقله كذلك أي: على عمومه ويسمى هذا الوضع وضعا عاما لموضوع له عام كما إذا تصورت معنى الحيوان الناطق ووضعت لفظ الإنسان بإزائه.
والرابع ما وضع لكلي باعتبار تعقله بخصوصية بعض الأفراد، وهذا القسم مما لا وجود له بل حكموا باستحالته لأن الخصوصيات لا يعقل كونها مرآة لملاحظة كلياتها بخلاف العكس.
ثم إن الوضع إن تعين فيه اللفظ الموضوع فشخصي، وإن لم يتعين كأن يقول الواضع وضعت كل لفظ على هيئة كذا لمعنى كذا فنوعي ومنه المجاز وكل ما دلالته على المعنى بالهيئة كالمركب والمشتق والمصغر والمنسوب والمثنى والجمع، والحاصل أن الواضع الشخصي هو ما تعين فيه اللفظ الموضوع سواء كان الموضوع له خاصا ملحوظا بخصوصه كوذع الأعلام لمسمياتها ويسمى هذا الوضع وضعا خاصا لموضوع له خاص، أو ملحوظا بأمر عام له ولغيره من أمثاله ويسمى هذا الوضع وضعا عاما لموضوع له خاص وذلك كوضع الحروف، أو عاما ملحوظا بعمومه كوضع أسماء الأجناس لمفهوماتها الكلية ويسمى هذا وضعا عاما لموضوع له عام، وأما كون المعنى العام ملحوظا بأمر خاص فيكون الوضع خاصا لموضوع له عام فمحال.
إذا تمهد هذا فنقول: وضع الباء هنا من الوضع الشخصي العام لموضوع له خاص، ولفظ اسم من حيث هو كلي موضوع لمعنى كلي وهو ما دل على مسمى فهو من الوضع الشخصي العام لموضوع له عام، ولفظ الجلالة علم شخصي موضوع لمعنى في الخارج وهو الذات الواجب الوجود فالموضوع والموضوع له جزئيان، وآلة الوضع وهي استحضار الواضع الموضوع له بأوصافه العلية كلية أصالة منحصرة خارجا في ذاته تعالى، وهذا بناء على أن الواضع البشر أما على التحقيق من أن الواضع هو الله تعالى فلا آلة للوضع أصلا لكون الوضع قديما.
والرحمن الرحيم من حيث كونهما وصفين كليان لأن الصفة مدلولها كلي كضارب وضع لذات متصفة بالضرب غير معينة ومعناهما المنعم أو المريد للإنعام فكل من الموضوع والموضوع له كلي وآلة الوضع كذلك نظرا إلى الموضوع له.
وحينئذ فقد وجد في البسملة أقسام الوضع الثلاثة وهي الوضع الشخصي العام لموضوع له خاص في وضع الباء لأن الواضع لاحظ لفظها بخصوصه وعينه للدلالة على كل جزئي من جزئيات الإلصاق المستحضرة له بالقانون الكلي العام المندرجة تحته تلك الجزئيات وهو الإلصاق الكلي، والوضع الشخصي العام لموضوع له عام في وضع لفظ اسم فإنه موضوع لما دل على مسمى، والوضع الشخصي الخاص لموضوع له خاص في وضع لفظ الجلالة.
واعلم أن كون لفظ الجلالة من الوضع الشخصي الخاص لموضوع له خاص مبني على التحقيق من أنه موضوع للدلالة على ذات الواجب الوجود بملاحظة صفاته الجزئية لأنها وإن كانت كلية أصالة لأن الكلية معتبرة في مفهوم مطلق صفة إلا أنها انحصرت خارجا في ذاته تعالى وهذا يكفي في وضع علم الشخص كما قالوه في تسمية المولود قبل رؤيته فإن الوالد لم يلاحظه بمشخصاته وإنما لاحظه بوجه عام منحصر فيه وأما على أنه علم جنس فوضعه من قبيل الوضع العام لموضوع له عام.
ثم إن تلك الأقسام الثلاثة كما تجري في الوضع الشخصي تجري في الوضع النوعي لأن ملاحظة اللفظ لها صورتان ملاحظته بشخصه وباعتبارها يسمى الوضع شخصيا وملاحظته بكلي يعمه وسائر جزئياته وباعتباره يسمى نوعيا وهاتان الصورتان معتبرتان في كل من أقسام المعنى الثلاثة.
فالأقسام ستة: الأول وضع شخصي خاص لموضوع له خاص كوضع العلم الشخصي، والثاني شخصي عام لموضوع له خاص كوضع الحرف واسم الإشارة والموصول والضمير، والثالث شخصي عام لموضوع له عام كوضع أسماء الأجناس، والرابع وضع نوعي خاص لموضوع له خاص كوضع أعلام أجناس الصيغ وذلك كأن يقول الواضع كل ما يصح تركيبه من ف ع ل مفتوح اللام مع تحرك العين عينته للدلالة على هذه الصيغة الثلاثية الماضوية، والخامس نوعي عام لموضوع له خاص كوضع صيغ الأفعال لجزئيات الزمن والنسبة، والسادس نوعي عاما لموضوع له عام كوضع هيئات المركبات للدلالة على ثبوت شيء لشيء والمشتقات والمجازات.
واعلم أنه كما اشتملت البسملة على أقسام الوضع الشخصي الثلاثة فقد اشتملت على بعض أقسام النوعي، وذلك لأن لفظ اسم باعتبار إضافته للفظ الجلالة من الوضع النوعي لدخوله تحت قاعدة كل اسم أضيف إلى اسم آخر يعمل فيه الجر فهو من قبيل الوضع النوعي العام للموضوع له الخاص لأن المركبات تامة أو ناقصة موضوعة بالوضع النوعي لصور كلية عقلية، والرحمن من الوضع النوعي العام لموضوع له عام لأن معناه ذات متصفة بالرحمة وتلك الذات مبهمة في أصل الوضع ومثله الرحيم.
قوله (بعلية ما منه الاشتقاق) فيه أن إفادة ترتيب الحكم على المشتق علية ما منه الاشتقاق تفيد قصر الحمد لله على تخصيصه الإنسان إلخ مع أنه يستحق الحمد لذاته ولصفاته ولإحسانه. والجواب عن ذلك أن التخصيص ليس علة لاستحقاقه المحامد بل هو علة لإخبار الشيخ بثبوت استحقاقه المحامد.
والحاصل أن مقتضى العبارة علية التخصيص لثبوت الحمد لله ولا يخفى ما في ذلك، أما أولا فلأن من الحمد الحمد القديم بناء على أن المراد بالحمد ما يشمله كما هو المتبادر وليس بثبوته له تعالى معللا أصلا لا بالتخصيص ولا غيره، وأما ثانيا فلأن ثبوت حمد الحوادث له تعالى ليس لخصوص التخصيص بل لكونه الإله الحق المنعم بجميع النعم المتصف بالصفات الجميلة التخصيص وغيره من الخلق والرزق.
وحاصل الجواب عنهما أن المعلل هنا ليس نفس الحكم الذي هو الثبوت المذكور بل إنشاء الثناء به على أن الجملة خبرية لفظا إنشائية معنى أو الإخبار بالثبوت بناء على أنها خبرية معنى.
لا يقال الإخبار المذكور ليس حمدا لأنا نقول بل هو حمد لأن الإخبار عن الحمد بثبوته له تعالى حمد لأنه الثناء بالجميل ووصفه تعالى بثبوت الحمد له ثناء عليه بجميل، وأما قولهم الإخبار عن الشيء ليس من ذلك الشيء فمحله إذا لم ينطبق تعريف المخبر عنه على الإخبار وإلا كان الإخبار من المخبر عنه كما هنا وكما في قولهم الخبر يحتمل الصدق والكذب.
قوله (ثواب الواجب) أي: بخلاف الحمد المطلق الذي لذات القديم فإنه يثاب عليه ثواب المندوب.
إن قلت كيف يكون الحمد المتعلق بالذات مندوبا والمتعلق بالنعمة واجبا والشيء إنما يشرف بشرف ما يتعلق به فاللائق العكس.
قلت أجابوا عنه بأن الحمد المطلق فيه ملاحظة الذات فقط والحمد المقيد فيه ملاحظة الذات وصفة الفعل وملاحظة الذات والصفة أفضل.
وبما تقرر علم أنه ليس المراد بالمطلق ما ليس واقعا في مقابلة شيء بل ما كان في مقابلة الذات وحينئذ لا يرد أن من أركان الحمد المحمود عليه ولا وجود للماهية عند فقد بعض الأركان.
قوله (انفراده به) فيه تساهل والأولى إفراده وكذا في قوله (عدم عموم المعنى) والأولى وجعل الشيء غير شامل لشيئين فأكثر.
قوله (من بين العقلاء) المراد بالعقلاء أفراد الحيوان الناطق لأن العقل خاص بالإنسان كما يفيده قول شيخ الإسلام في بحث الملازمة ولا عبرة بنطق الملك والجن والببغا لما قالوه من أن المراد بالنطق ما يجري على الجنان لا على اللسان وليس للملك والجن جنان ولا يجري على جنان الببغاء ومعلوم أن الجنان هو محل العقل وهذا لا يظهر إلا على احتمال عهدية أل في الإنسان وأن المراد به آدم كما يأتي له.
قوله (والفارق دخول الباء) لا يقال المعنيان المذكوران للاختصاص متلازمان وحينئذ لا وجه لتخصيص الباء بالمقصور على المعنى الأول وبالمقصور على الثاني لأنا نقول وجه التخصيص المذكور إفادة المعنى المراد وحصول الثاني غير مراد وإن لزم.
ثم إنه تحصل مما هنا ومما يأتي في القولة الآتية أن في دخول الباء ثلاثة مذاهب كما سينبه عليه: الأول ما هنا وهو دخولها على المقصور إن كان بمعنى الإفراد وعلى المقصور عليه إن كان بمعنى عدم عموم المعنى لشيئين، الثاني دخولها عليهما إن كانت صلة القصر وما أخذ منه عند العلامتين وكذا إن كانت صلة التخصيص وما أخذ منه وهو ما نقله الكردي عن العصام فيما سيأتي وأشار إلى أنه مذهب السيد هذا والذي يؤخذ مما للسعد فيما كتبه في شرح قول صاحب التلخيص وأما فضله فلتخصيصه بالمسند حيث قال بعد جعل الباء فيه داخلة على المقصور.
فإن قلت الذي يسبق إلى الفهم من تخصيص المسند إليه بالمسند هو قصره على المسند لأن معناه جعل المسند إليه بحيث يخص المسند ولا يعمه وغيره.
قلت نعم ولكن غالب استعماله في الاصطلاح على أن يكون المقصور هو المذكور بعد الباء على طريقة قولهم خصصت فلانا بالذكر إذا ذكرته دون غيره وجعلته من بين الأشخاص مختصا بالذكر فكان المعنى جعل هذا المسند إليه من بين ما يصح اتصافه بكونه مسندا إليه مختصا بأن يثبت له المسند وهذا معنى قصر المسند عليه ألا ترى إلى قولهم في ﴿إياك نعبد﴾ معناه نخصك بالعبادة لا نعبد غيرك اهـ ومما كتبه عليه قدس سره حيث قال قوله فإن قلت إلخ محصله أن الذي يسبق إلى الفهم بحسب الوضع ويتبادر إليه هو كون الباء داخلة على المقصور عليه عكس ما صنعته في حل عبارة المصنف، وقوله قلت نعم أي: مسلم كون الباء إنما تدخل على المقصور عليه بحسب الوضع ولكن لم يبق التخصيص هنا على معناه وحقيقته بل المراد به التمييز والإفراد مجازا مرسلا من باب إطلاق اسم الملزوم وإرادة اللازم واشتهر ذلك في العرف حتى صار كأنه حقيقة فيه أو تضمنيا ملاحظا فيه المعنيان فتكون الباء داخلة على المقصود وهذا الاستعمال هو الغالب في العرف وبالجملة فتخصيص شيء كالجود بآخر كزيد في قوة تمييز الآخر وهو زيد به أي: بالشيء وهو الجود اهـ أنهما متفقان على أن الأكثر في الاستعمال دخولها على المقصور وأنه لا خلاف بينهما في الغالب في الاصطلاح إلا أن السعد يقول أنها تدخل لغة على كل مع كون التخصيص على حقيقته فيكون دخولها في الاصطلاح على المقصور بطريق الحقيقة وبطريق المجاز أو التضمين عند السيد.
قوله (للعهد) أي: والإضافة حينئذ في أوضاع الكلام من إضافة الصفة للموصوف.
ثم إن أقسام أل أربعة: الأول أن يراد بمدخولها الحقيقة من غير اعتبار لشيء مما صدق عليه من الأفراد نحو الرجل خير من المرأة وهذا القسم لا تصح إرادته هنا كما هو ظاهر.
الثاني أن يراد به الحقيقة في ضمن فرد غير معين والأداة فيه لتعريف العهد الذهني أي: العلمي.
الثالث أن يراد به جميع الأفراد على سبيل الشمول وهو المشار إليه بقوله أو المراد به أفراد الحيوان إلخ.
الرابع أن يراد به بعض من الأفراد المعينة في الخارج واللام فيه لتعريف العهد الخارجي ومدخولها في معنى علم الشخص وهو المشار إليه بقوله يجعل أل للعهد فمراده بالعهد العهد الخارجي.
قوله (بجعل أل للاستغراق) فيه أن بعض الناس لا يعرف ذلك إلا أن يراد خصه بتأهيله لمعرفة إلخ.
قوله (فلا ينافي إلخ) أي: بناء على أن أل جنسية لا على أنها استغراقية ويصح اعتبار استغراقيتها والأولية حينئذ بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم.
قوله (من ترادف العلم والمعرفة) مقابله قولان الأول أن العلم مختص بإدراك المركبات كإدراك قيام زيد من نحو قام زيد والكليات كإدراك معنى الإنسان والمعرفة بالبسائط كإدراك النقطة والجزئيات كإدراك زيد، الثاني أن المعرفة تختص بالإدراك المسبوق بالجهل والعلم بخلافها.
قوله (وإن اختلفا عملا) أي: بتعدي المعرفة لمفعول واحد والعلم لاثنين.
قوله (في الغالب في الاصطلاح) قد عرفت مما نقلناه لك عنهما أنه لا خلاف بينهما في الغالب في الاصطلاح وهو دخولها على المقصور إلا أنه بطريق الحقيقة عند السعد وبطريق المجاز أو التضمين عند السيد والمراد بالاصطلاح العرف العام وإن كان الاصطلاح اصطلاحا هو العرف الخاص لأن العرف الخاص غير مختص بذلك بالنسبة للعرف العام وما للمحشي هنا نحوه لابن قاسم حيث قال دخول الباء يعني بعد مادة الاختصاص على المقصور، قال السعد إنه غالب الاستعمال في الاصطلاح وخالف السيد فجعل الغالب دخولها على المقصور عليه وباتفاقهما جواز الأمرين لغة والنزاع في الغالب في الاصطلاح، ورده العلامة يس بأن الذي في حواشي الكشاف للسيد وحواشي المطول له أن دخولها على المقصور أكثر في الاستعمال بناء على أن تخصيص الجود بزيد مثلا في قوة تمييز زيد به عن نظائره أو أفراده به فاستعمل التخصيص فيه على طريق المجاز واشتهر حتى صار كأنه حقيقة فيه أو بطريق التضمين فقيل على كل خصصت زيدا بالجود وإن كان التخصيص يقتضي بحسب مفهومه الأصلي دخولها على المقصور عليه فيقال اختص الجود بزيد أي: صار الجود مقصورا على زيد لا يتجاوزه إلى غيره وهذا عربي جيد إلا أن الأكثر في الاستعمال دخولها على المقصور كما بين.
قوله (أن في دخول الباء ثلاثة مذاهب) قد عرفتها مما كتبناه على قوله والفارق دخول الباء إلخ.
قوله (تكلف بجعل الجمع إلخ) لا يقال هذا الاحتمال هو المتعين لأنه لا معنى لتخصيصه بتصور الأوضاع للكلام لأن المقصود تخصيصه بمعرفة مدلولات الألفاظ الموضوعة لأنا نقول لا مانع من كون المراد خصه بإدراك وضع الله الألفاظ إلهاما منه، نعم قوله تعالى: ﴿وعلم آدم الأسماء كلها﴾ مما يؤيد أنه من إضافة الصفة للموصوف، ثم إن ظاهره أن المراد بالمعرفة التصور الساذج وظاهر أنه ليس المراد خصه بوقوع صورة الوضع الذي هو فعل الفاعل في ذهنه كما تقع صورة زيد في ذهنك بل المراد المعرفة التصديقية أي: خصه بالجزم بأوضاع الكلام أي: بوضع كل جزء من مدلوله الذي وضع له.
ثم إن عبارة الشارح على كل حال لا تقتضي الجري على القول الضعيف وهو أن الواضع غير الله لأن تخصيص الإنسان بمعرفة الوضع لا يستلزم كونه واضعا أي: يلزم هذا لو قلنا إن المراد بمعرفة الوضع إلهامه أن يضع هذا اللفظ لهذا المعنى وهذا وإن كان كلام الشارح يحتمله إلا أنه غير متعين.
قوله (الشخصي والنوعي) قد عرفت فيما تقدم أن الوضع الشخصي ما تعين فيه اللفظ الموضوع والنوعي ما تعلق بكل ككل فعل وفاعل موضوع لثبوت الحدث للفاعل، لا يقال الوضع النوعي لم يذكره المصنف في كتابه فلا تصح إرادته هنا في الديباجة لأنا نقول بل تصح إرادته هنا ولو لم يذكره المصنف لمجرد إفادة أن الأوضاع لا تنحصر في الوضع الشخصي الذي ذكره المصنف.
قوله (يتعين عطفه على أوضاع) أي: ولا يصح عطفه على الكلام لأن الضمير راجع له فيلزم إضافة الشيء إلى نفسه وأيضا يكون تكرارا مع ما قبله.
قوله (ورفع الصوت لغة) الأحسن والاستهلال لغة رفع الصوت بدليل قوله ياقل استهل المولود إلخ وعبارة غيره الاستهلال معناه الابتداء يقال فعل كذا في مستهل الشهر أي: ابتدائه والبراعة من برع الرجل إذا فاق أقرانه في العلم أو غيره ويتسبب عنه حسن ابتدائه فإطلاق البراعة على حسن الابتداء من إطلاق السبب على المسبب والاستهلال في الأصل أول ظهور الهلال ثم استعمل في مطلق افتتاح الشيء كصياح المولود عند ولادته فإضافة البراعة إلى الاستهلال للملابسة أي: البراعة الملابسة للاستهلال أي: ابتداء الكلام اصطلاحا أن يذكر المتكلم في أول كلامه ما يدل على مقصوده.
قوله (فاندفع ما زعمه البغدادي إلخ) قد علمت مما تقدم أن كلام الشارح يحتمله لا أن في كلامه إشارة إليه.
قوله: (والمراد به الكلمات) يحتمل أيضا أن المراد به الحروف بواسطة الكلمات لأن الحروف تتركب منها الكلمات والكلمات ينبني عليها الكلام.
قوله: (أي: الكلام بمعنى اللفظ) تفسير لمرجع الضمير في كلمه.
واعلم أن الكلم اسم جنس جمعي على المختار لأنه لا يقال إلا على ما فوق العشرة عند قوم أو على ثلاث كلمات فأكثر سواء اتحد نوعها أو لا، وقيل اسم جنس إفرادي كماء وتراب، وقيل هو جمع، ثم إن الأصول جمع أصل يطلق على الكثير وعلى الغالب وعلى ما ينبني عليه غيره كما هو المراد هنا.
قوله: (أي: بعد جعلها أجزاء للكلمة) يعني أن الحروف ظروف لمعاني الكلام بعد تركب الكلمات منها وبعد تركب الكلام من الكلمات وحينئذ لا ينتجه تنظير أبي البقاء في عبارة الشارح بأنها تفيد أن الكلام له معنى وذلك المعنى مظروف في الحروف مع أن المعنى إنما هو مظروف في الكلام نفسه وإنما كان جعل الحروف ظروفا للمعاني نعمة يحمد عليها لأنها يتوصل بها إلى معنى الكلام.
قوله: (كان الأولى زيادة السلام إلخ) أي: زيادته خطا لأجل الخروج من كراهة الإفراد ومقتضاه أنه لا يخرج عن الكراهة إلا إذا أتى بهما لفظا أو خطا فلو تلفظ بأحدهما وخط الآخر أو تلفظ بأحدهما فقط أو خط أحدهما فقط أو تلفظ بأحدهما وكتبه ولم يتلفظ بالآخر ولم يكتبه كان مكروها في الصور الأربع فإن أتى بهما لفظا فقط أو أتى بهما لفظا أو خطا فلا كراهة.
قوله: (ولعل مذهب الشارح) أي: أن الشارح لا يوافق على كراهة الإفراد مطلقا بل يرى انتفاء ما بالجمع لفظا ولا يرى كراهة الإفراد خطا ثم إنه لم يتكلم على معاني الصلاة وقد ذكروا لها ثلاثة معان الأول لغوي فقط وهو الدعاء مطلقا وقيل بخير والثاني شرعي فقط وهو أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم بشرائط مخصوصة والثالث لغوي شرعي وهو عند الجمهور بالنسبة لله الرحمة وبالنسبة لغيره من ملائكة وغيرهم الدعاء واختار ابن هشام في مغنيه أنه العطف أي: الفعل الحسن وهو بالنسبة لله الرحمة إلخ ويترتب على هذا الخلاف أنها من قبيل المشترك اللفظي على الأول وضابطه أن يتحد اللفظ ويتعدد المعنى كعين فإنها موضوعة للباصرة بوضع وللجارية بوضع وللذهب بوضع وأنها من قبيل المشترك المعنوي على المثال الثاني وضابطه أن يتحد كل من اللفظ والمعنى لكن تتعدد الأفراد المشتركة في ذلك المعنى كأسد فإنه موضوع للحيوان المفترس وتحته أفراد مشتركة فيه والتحقيق الثاني لأن الأصل عدم تعدد الوضع.
قوله: (استعارة مصرحة) أي: تبعية بأن يقال في تقريرها شبه إخراج ذاته صلى الله عليه وسلم من قريش باشتقاق الفعل أو الوصف من المصدر بجامع كثرة الإفادة في كل لأن المشتق أكثر إفادة من المصدر لدلالته على الحدث والزمان والنسبة أو الحدث والذات ودلالة المصدر على مجرد الحدث وكذلك ذاته صلى الله عليه وسلم أكثر كرما وحكما أي: علوما من قريش واستعير اسم المشبه به للمشبه واشتق من الاشتقاق مشتق بمعنى مخرج على طريق الاستعارة المصرحة التبعية.
قوله: (بيانية) لا يتعين ذلك بل يحتمل أن تكون لامية ثم إن ضابط الإضافة البيانية عند قوم أن يكون بين المتضايفين عموم وخصوص وجهي والتي للبيان أن يكون بين متضايفيها عموم وخصوص مطلق وعند قوم لا فرق بينهما ولعل كلامه رحمه الله مبني على هذا وإلا فالمصدر أعم مطلقا من الفضل.
قوله: (أي: المشتق داله) فيه إشارة إلى أن إسناد الاشتقاق إليه صلى الله عليه وسلم مجاز عقلي ويحتمل تقدير مضاف قبل المشتق أي: مدلول المشتق إلخ.
قوله: (إن سلمت مصدريتها) وإلا فالمشتق بالنسبة إليها معناه المأخوذ.
قوله: (في هذا القيل نظر لعدم ورود إلخ) يجاب عنه بأنه على طريقة من يجوز إطلاق كل ما يدل على الكمال وإن لم يرد على أن التحقيق أن محل التوقف على الورود إذا كان الإطلاق على سبيل التسمية الخاصة كأن يراد بمصدر هنا مجرد الذات الأقدس بقطع النظر عن المصدرية لكل فضل وحكمة أي: والمراد هنا الذات المتصفة بالمصدرية لما ذكر فلا مانع من الإطلاق وهو ظاهر.
قوله: (جمع حكمة) وهي العلوم الأدبية لا الشرعية إذ لا شرع إذ ذاك وممن معاني الحكمة أيضا النبوة والهدى والقرآن والإنجيل والحلم.
قوله: (فإن كانت باحثة إلخ) هذا التقسيم لا يخص علم الحكمة بل يعم العلوم كلها وذلك لأن العلوم إما نظرية أي: غير متعلقة بكيفية عمل وإما عملية متعلقة بها ثم النظري والعملي يستعملان في معان ثلاثة أحدها في تقسيم العلوم مطلقا فالمنطق والحكمة العملية والطب العملي وعلم الحياكة كلها داخلة في العملي المذكور لأنها بأسرها متعلقة بكيفية عمل إما ذهني كالمنطقي أو خارجي كالطب مثلا، وثانيها في تقسيم الحكمة فإن لم يعتبر في تعريف الحكمة قيد الأعيان كان المنطق داخلا في تعريف الحكمة النظرية دون العملية إذ ليس بحثه إلا عن المعقولات الثانية التي ليس وجودها بقدرتنا واختيارنا ومن هذا البحث تعلم كيفية العمل الذي هو الفكر إذ ليس يجب من تعلق العلم بكيفية عمل أن يكون ذلك العمل موضوعه كما في الحكمة العملية وإن اعتبر فيه ذلك القيد كان المنطق خارجا عن القسمين معا، وثالثها ما ذكر في تقسيم الصناعات من أنها إما عملية أي: يتوقف حصولها على ممارسة العمل أو نظرية لا يتوقف حصولها عليها وعلى هذا يكون علم النحو والفقه والمنطق والحكمة العملية وذلك القسم من الطب خارجة عن العملية بهذا المعنى إذ لا حاجة في حصولها إلى مزاولة الأعمال بخلاف علوم الحياطة والحياكة والحجامة لتوقفها على الممارسة والمزاولة.
قوله: (كالسماء والأرض) هذا النوع من العلم الطبيعي سماه المعلم علم السماء وهو ما يبحث فيه عن الأفلاك والعناصر.
قوله: (من إضافة الصفة للموصوف) أي: ما كان صفة لما كان موصوفا والمراد الصفة والموصوف بالمعنى اللغوي فلا يقال إن النعت لا يتقدم على المنعوت ولا يضاف إليه، لا يقال في إضافته الصفة للموصوف إضافة الشيء إلى نفسه لأن الصفة عين الموصوف لأنا نقول إنهما متغايران بدلالة الصفة على ما يدل عليه الموصوف من المعنى القائم به على أنه لا مانع من إضافة الشيء لنفسه إذا اختلف اللفظ كما في قوله تعالى: ﴿كتب ربكم على نفسه الرحمة﴾.
قوله: (جمع شيمة) لم يذكر مفرد محاسن وقد ذكر غيره أنه جمع حسن على غير قياس أو جمع محسن كمذهب ومذاهب ومصدر ومصادر.
قوله: (الخلق والعادة) أي: الجبلة والطبيعة والمراد بمحاسن الأفعال الأمور الظاهرة ومكارم الشيم الأمور الباطنة فالنبي صلى الله عليه وسلم ظاهره وباطنه حسن.
قوله: (أي: المعلق إلخ) اعلم أن الموصول من الوصل وهو ارتباط شيء بآخر والمراد هنا الارتباط المعنوي ففيه استعارة مصرحة تبعية حيث شبه الارتباط المعنوي بالوصل واستعير اسم الوصل للارتباط المعنوي واشتق من الوصل موصول بمعنى مرتبط.
قوله: (أو الاهتداء) اعلم أن الهدى لغة الإمالة يقال هداه إلى كذا أماله إليه ويقال هداه الطريق إذا أدخله فيها وسار معه حتى بلغ المقصد وعرفا تعلق قدرة الله بوقوع الأفعال موافقة للشرع فهو كون الله هاديا لنا فهو وصف لله ويصح أن يراد به كونه مهديا والمعنى المرتبط بألفاظه صلى الله عليه وسلم أنواع العلم التي هي سبب في السعادة والهدى أي: الإسلام والاهتداء وأصله مصدر ووزنه نادر ليس من أوزان المصادر المطردة المشهورة قيل لم يرد منه إلا التقى والهدى والسرى والبكى بالقصر وعطف الهدى على السعادات من عطف الخاص على العام.
قوله: (أو خبر مبتدأ محذوف) هذا الاحتمال هو راجح الاحتمالين قبله لأنه عليه يكون عمدة كما أن مسماه عمدة الخلق صلى الله عليه وسلم ولعله ترك احتمال كونه نعتا لقولهم العلم ينعت ولا ينعت به لجموده وقد يقال العلم المرتجل لا المنقول الذي كان وصفا كما هنا لأن علميته لا تمنع اعتبار وصفيته الأصلية.
قوله: (اسمه في التوراة طاب) أفاد بهذا أن المراد ذكر اسمه لا بعنوان محمّد صلى الله عليه وسلم.
قوله: (فلا معنى لبطلان إلخ) لأ،ه حينئذ يكون من تحصيل الحاصل أو يراد به المتبادر منه ويرتكب التجريد في الأباطيل بأن يراد بها مجرد الذات بقطع النظر عن وصفها بالبطلان.
قوله: (الحدث في الأولين) أي: اجراؤها وارساؤها وكل تمزيق، وقوله والزمان في الأخير أي: في أمسائنا وأصباحنا.
قوله: (غير سديد) فيه أنه سديد لأن الباء حينئذ للتثنية فهو وصف لمحمد وآله كما هو ظاهر.
قوله: (فواعل لفوعل إلخ) من أمثلة جمع الكثرة فواعل وهو لاسم على فوعل كجوهر وجواهر أو على فاعل بفتح العين كطابع وطوابع وخاتم وخواتم أو على فاعلاء نحو قاصعاء وقواصع والقاصعاء أحد جردة يربوع الذي يقصع أي: يدخل فيه وعلى فاعل نحو كاهل وكواهل، وقوله مع نحو كاهل أي: من كل اسم على فاعل بالكسر غير صفة علما كان كجابر وجوابر أو لا ككاهل وهو أعلى الظهر مما يلي العنق.
قوله: (مدة ظهور إلخ) أي: وهذا كناية عن دوام الصلاة كما هو عادة العرب من كنايتهم عن التأبيد بالتحديد.
قوله: (تقديرا) إما مشروطا بأ، يكون ما بعد الخبر أمرا ونهيا ناصبا لما قبله أو مفسرا له كما نصوا عليه.
قوله: (أو توهما لها) فيه أيضا أن توهم أمام لم يعتبره جمهور النحاة وحينئذ فالأولى أن تكون الفاء زائدة وبعد مفعول لمحذوف أي: وأقول بعد ما تقدم لما شاع إلخ.
قوله: (أو المقدرة منزلة المحققة) الأولى حذفه لأن المقدر كالثابت ولا يجمع بينها وبين الواو إلا أن تجعل الواو عاطفة والحاصل أنه وقع خلاف في الواو الداخلة على الظرف بعد حذف أما فقال الجمهور هي نائبة عن أما النائبة عن مهما ويكن بدليل لزوم الفاء في حيزها والفاء لا تلزم إلا في جواب الشرط وهي الناصبة للظرف لنيابتها عن أما النائبة عن فعل الشرط الناصب في الحقيقة قياسا على أصلها أما بجامع النيابة عن عامل فلما نابت في اللفظ جاز أن تكون نائبة في العمل وقال غيره هي عاطفة لمجموع الجمل التي بعدها على مجموع ما قبلها من الجمل وقيل هي استئنافية والفاء على هذين القولين زائدة على توهم أما إشعارا بلزوم ما بعدها لما قبلها والعامل في الظرف محذوف تقديره أقول فقوله فيما تقدم أو توهما لها صريح فيما لغير الجمهور من زيادة الفاء بناء على أن الواو عاطفة أو استئنافية وقوله قبله تقديرا لأما صريح في مذهب الجمهور من لزوم الفاء بناء على أن الواو نائبة عن أما وإذا كانت الواو نائبة عنها لا يقال تقديرا لأما لأن المقدر كالثابت ولا يجمع بين العوض والمعوض ويشير لذلك قول العلامة الدسوقي في جواب أما المتوهمة أو التي نابت عنها الواو.
قوله: (تشبيه بليغ) أي: كظهور جزئي من جزئياتها لأن الشمس كلي والظاهر فرد من أفرادها وإن كان الكلي منحصرا فيه، وقوله في النهار تأكيد لما يفهم مما قبله نظير سمعت بأذني والجامع عدم الخفاء في كل والحاصل أن النهار الزمن الممتد من طلوع الشمس إلى غروبها والشمس الكوكب المضيء وهو كلي وجد منه فرد واحد فقوله ظهور الشمس أي: ظهور جزئي من جزئياتها لكونه لم يوجد إلا فرد واحد وأما الشمس الذي هو كلي فلم يظهر.
قوله: (فالرسالة أخص من الأخيرين مطلقا) لأنها أخص من المختصر الأخص من الكتاب فتكون أخص من الكتاب أيضا لأن الأخص من الأخص من شيء أخص من ذلك الشيء التي أفادها لأن الإفادة لا تستعمل إلا في المعاني وإن كان التحقيق أن المراد من لفظ كتاب ورسالة مثلا الألفاظ المخصوصة الدالة على المعاني المخصوصة وعليه فإيقاع الغائرة على الألفاظ مجاز عقلي في النسبة الإيقاعية.
قوله: (وكل مناسب هنا) أي: كل من المعاني الثلاثة مناسب هنا والمعنى على الأول التي أفادها السيد أي: الذي يفزع إليه في مهمات الأمور من العلوم وغيرها أو الناصر لأهل الحق بإقامة الأدلة والرد على المخالفين من أهل الضلال وإنما أتى الشارح بقوله التي أفادها وإن علمت إفادتها من نسبتها إلى العضد توطئة لتلك الصفات الجليلة.
قوله: (وهو المراد هنا) أي: المراد هنا المقدم على غيره أي: في العلوم العقلية والنقلية ويصح أيضا أن يراد به المقتدى به.
قوله: (وليس على حد عدل) فيه أنهم قالوا عدلان.
قوله: (وهو تقوية الدليل إلخ) أي: وذلك بأن يكون بعض مقدمات الدليل الأول نظرية فيؤتى بدليل آخر كأن تقول في الاستدلال على حدوث العالم العالم متغير وكل متغير حادث ثم تقيم دليلا على الصغرى بقولك العالم ملازم للأعراض التي شوهد تغيرها وكل ملازم المتغير فهو متغير.
قوله: (الذي هو في الأصل الشخص) هذا على قراءة خاتم بكسر التاء ويصح قراءته بفتحها اسم للآلة التي يطبع بها وحينئذ يكون فيه تشبيه بليغ أي: كالخاتم بجامع الترويج في كل لأن الختم يروج الرسائل المطبوعة.
قوله: (في استنباط الأحكام) اعلم أن المجتهد ثلاثة أقسام لأنه إما مطلق وهو المؤسس للقواعد وإما مجتهد مذهب وهو الذي يستنبط الفروع من القواعد التي أسسها إمامه وإما مجتهد فتوى وهو الذي ينظر في الأدلة ويرجح بعض الأقوال على بعض.
قوله: (وإرادة المعنيين) هما بذل المجهود في طلب المقصود وبذل المجهود في استنباط الأحكام من الكتاب والسنة والظاهر أنه كان مجتهدا في العلوم العقلية والإلهية أي: مجتهد مذهب في تلك العلوم لا أنه مجتهد فتوى ولا مجتهد مطلق في قواعد العلوم المذكورة في حاشية العلامة الدسوقي في ما نصه وقد يقال لا مانع من أنه كان أيضا مجتهد مذهب في فقه إمامه وهو مذهب الإمام الشافعي اهـ.
قوله: (أي: مقويهما) اعلم أن العضد في الأصل ما فوق المرفق من الكتف وهو محل قوة اليد وأصل قوة البدن قوة اليد وحينئذ ففي الكلام مجاز مرسل فقد أطلق الملزوم وهو العضد وأريد لازمه وهو القوة واشتق من القوة مقوى فهو مجاز مرسل تبعي لأنه نقل من المرفق إلى لازمه وهو القوة مجازا مرسلا أصليا ثم إن أريد من القوة المقوى من إطلاق الدال على المصدر وإرادة اسم الفاعل والعلاقة التعلق الاشتقاقي فهو مجاز على مجاز أو إن في الكلام استعارة بالكناية بأن يشبه الحق بإنسان وإتيان العضد تخييل.
قوله: (أي: في ارفع أعلى مكان) بيان لمحصل المعنى المراد والجار والمجرور متعلق بمحذوف أي: وجعلها في أرفع أعلى إلخ.
قوله: (وكلا المعنيين مناسب هنا) أي: المعنيين لعليين وهو كونه اسم مكان في أعلى الجنة وكونه اسم مكان في السماء السابعة والحاصل أنه اختلف فيه فقال مجاهد هو في السماء السابعة وقيل مكان فيها تحت العرش يقال له الدال البيضاء تجتمع فيه أرواح المؤمنين وقيل سدرة المنتهى وقيل اسم لوح من زبرجد معلق بالعرش مكتوب فيه أعمالهم وقيل كتاب جامع لأعمال الخير من الملائكة ومؤمني الثقلين وقيل اسم مكان في أعلى الجنة وعلى هذه الأقوال هو ملحق بجمع المذكر السالبم.
قوله: (ومشتملة خبرها) تكلم على الفعل م حيث التمام والنقصان ولم يتكلم على الاشتمال والظاهر أن اشتمال الرسالة على المسائل من اشتمال الظرف على المظروف لأن الألفاظ قوالب المعاني وعلى ما تقدم من أن المراد من الرسالة هنا المعاني يكون اشتمالها على المسائل من اشتمال الكل على الأجزاء.
قوله: (بمعنى آخر الشيء إلخ) اعلم أن الغاية والنهاية لغة أقصى الشيء وعرفا ترتيب الأثر على الشيء أي: حصول فائدته واختلف في الفرق بين الغاية والنهاية فقيل الغاية في الأزمنة والنهاية في الأمكنة وقيل الغاية في المعاني والنهاية في الذوات وقيل هما متغايران لأن الغاية لما كان معناها أقصى الشيء أي: ما انتهى إليه الفعل كظهور الماء مثلا بالنسبة لحفر البئر وكان معنى النهاية جزء الشيء الأ×ير كآخر ضربة من الحفر مثلا التي ظهر عقبها الماء صح أن تعتبر الغاية نهاية باعتبار أنها جزء أخير لما هي فيه لكن هذا كله باعتبار معنى اللفظين اللغوي لا بالنظر لما نحن فيه في هذا المقام لعدم صحته لأن المراد من كلامه رحمه الله أن هذه الرسالة بلغت النهاية في تعليل اللفظ المؤد للمعنى بحيث لا يمكن التعبير بأنقص منه وأنها بلغت غاية الاختصار على معنى أ،ها لو نزلت إلى ما دونه لم يحصل المراد منها فالكلام كناية عن كونها قليلة اللفظ كثيرة المعنى.
وقد يقال لا مانع من تفسير الغاية هنا بمعناها اللغوي المار بمعنى أنه ترتب على المبالغة في تقليل الألفاظ الوصول إلى حد لا يمكن التعبير بأقصر منه والأمر ظاهر أيضا بالنسبة للنهاية وذلك لأن غاية فعله من الإيجاز هو هذا وأما الختصار والإيجار فقيل متغايران لاشتراكهما في حذف شيء من الكلام لا حاجة إليه وقيل الاختصار الحذف من عرض الكلام وهو تكرره والإيجاز حذف طوله وهو الإطناب كما قيل وقيل الإيجاز حذف المفردات والاختصار أعم وقيل الإيجاز حذف لا دليل عليه والاختصار حذف في اللفظ عليه دليل هذا والراجح عند أهل اللغة أنهما بمعنى واحد وهو تقليل اللفظ كثر المعنى أم لا وهل مع كثرة المعنى وهو المناسب هنا وأن الغاية والنهاية بمعنى واحد أيضا وهو آخر الشيء فالجمع بين المتعاطفين للتأكيد والمبالغة في صغر حجم الرسالة.
قوله: (عن شرح موصوف بما ذكر) اعلم أن الشرح في اللغة الحفظ والفتح والفهم والبيان وهو المراد هنا مأخوذ من التشريح وهو التبيين يقال شرح فلان أمره أي: أوضحه وشرح مسئلة مشكلة إذا بينها.
قوله: (على حال من الأحوال) يشير به إلى ن جملة أحصاها حالية ولم يتكلم على جملة لا يغادر وهي صلة لشرح لما شاع من أن الجمل والظروف بعد النكرات لفظا ومعنى صفات وبعد المعارف والنكرات المخصوصة أحوال.
قوله: (الاقتباس) هو أن يتضمن الكلام شيئا من لفظ القرآن أو السنة لا على أنه منه فمن الأول قول ابن الروس المذكور وقول الآخر:
إن كنت اضمرت على هجرنا
*
من غير ما جرم فصبر جميل
وإن تبدلت بنا غيرنا
*
فحسبنا الله ونعم الوكيل
ومن الثاني قوله:
قال لي إن رقيتي
*
سيئ الخلق فداره
قلت دعني وجهك
*
الجنة حفت بالمكاره
وهو جائز إجماعا إلا أنهم كرهوه في الشعر خاصة ولا يقدح فيه مخالفته لما اقتبس منه في المعنى.
قوله: (موصوف الصغيرة والكبيرة الجمع) أو يقال إنه حذف من الأول لدلالة الثاني أي: لا يغادر نكتة صغيرة إلا أحصاها ولا كبيرة إلا أحصاها.
قوله: (وقد يقال هو راجع للمرام والمقاصد) أي: راجع للمضاف إليه لا للمضاف وفيه أنه يصح أيضا رجوعه للمضاف ولم يثن الضمير لأن المراد تبيينات وتحقيقات فمرجع الضمير جمع وإنما لم يجمع التبيين والتحقيق لأنهما مصدران فالمعنى ويبلغ في تبيين المرام وتحقيق المقاصد أقصاها أي: أقصى التبيينات والتحقيقات وبهذا التقرير لا يرد أن التحقيق ليس قاصرا على أقصى المقاصد أي: غايتها دون أولها وأوسطها.
قوله: (حال من تتميم) يصح كونه حالا من الخوض أي: حال كون الخوض أي: الشروع إلخ ثم إن المراد بتتميم المرام تبيينه على وجه التمام فلا يقال إن ظاهره أنه شرع في المرام قبل ذلك ثم أتمه وليس كذلك ولا أن المناسب لمراعاة المطابقة اللفظية أن يقول تبيين المرام لأن التبيين على وجه التمام لا يستفاد من التعبير بتبيين فلذلك عدل عنه إلى تتميم.
قوله: (وكل من الوجوه إلخ) أي: كل من اللثام والوجوه والكشف ترشيح باق على حقيقته أو مستعار لملائم المشبه كاستعارة اللثام للخفاء والوجوه للمسائل العالية في الدقة والكشف للإزالة والمعنى يزيل عن مسائلها الدقيقة الخفاء.
قوله: (مردود) أي: لأن المشبه به مذكور والإستعارة بالكناية لا يذكر فيها اسم المشبه به.
قوله: (والقريحة في الأصل إلخ) حاصله أن القريحة في الأصل أو مستنبط من ماء البئر أطلقت عن قيد الماء واستعملت في أول مستنبط من العلم إما مجاز مرسل أو استعارة أو تطلق القريحة عن القيذس وتستعمل في المستنبط من العلم مطلقا إما مجاز مرسل أو استعارة وعلى كل فالجمود ترشيح إما باق على حقيقته أو مستعار من جمود الماء والمحشى أجرى فيه الإستعارة أولا.
قوله: (عبر بها عن عبد الكريم) إما مجاز أي: مرسلا علاقته المجاورة إذ حضرة الزحل مجلسه.
قوله: (أي: الوكيل الحاذق الحافظ) لما كان يتوهم من قهرمان الذي معناه ما ذكر أنه بخيل وصفه بالأكرم إشارة إلى أنه مع كونه حافظا ومدبرا هو كريم لا بخيل.
قوله: (أي: كظل الله) لأنه يدفع الأذى عن الناس كما يدفع الظل أذى الشمس ويلجأ المظلوم إليه كما يلجأ المحرور إلى الظل.
قوله: (حيث شبهه بالظل) فيه أنه يلزم عليه الجمع بين الطرفين على وجه ينبئ عن التشبيه إلا أن يقال أن جريان الاستعارة فيه مبني على مذهب السعد بأن يجعل المشبه مطلق سلطان لا خصوص هذا السلطان الذي هو عبد الكريم بل هو فرد من أفراد المشبه ولذلك عدل العلامة الدسوقي عما للمحشي حيث أجرى الإستعارة في ظل بجعله مستعملا في نعمة الله تعالى لا في السلطان كما صنع المحشي وعبارته من المعلوم أن ظل الشيء صورة تحاكي جسمه والظل يشعر بالتجسيم فظاهر العبارة يشعر بالتجسم لله وهو محال والجواب أن المراد بالظل في الكلام النعمة أي: نعمة الله على الأنام فشبه نعمة الله بالظل بجامع الراحة في كل واستعير اسم المشبه به للمشبه على طريق الإستعارة التصريحية وإنما كان هذا الممدوح نعمة من الله واصلة للأنام لدفعه المضار عنهم الواصلة لهم من أعدائهم ولحمله لهم على العمل بالشرائع فالمراد بالأنام العقلاء ويحتمل أن يراد بهم جميع أفراد الحيوان فالممدوح نعمة من الله واصلة لكل الخلق لكونه سببا في كل خير لكونه عدلا اهـ.
قوله: (وأما ما ذكره الحفيد) حاصل ما للحفيد أنه إنما سمي السلطان بذلك لأن ظل الشيء ما يناسبه في المقدار ويحكى عنه صورته فشبه السلطان بظل الله لما بينه وبين الله تعالى من المناسبة من جهة ارتباط الأشياء فالله تعالى ترتبط به الممكنات والموجودات لأنه موجدها ومتصرف فيها والسلطان يرتبط به نظام مملكته من حيث التدبير والسياسة.
قوله: (ويحكى عنه في الجملة) أي: لا على التحقيق إذ الظل يحكى عنه صورته من حيث اشتماله على أعضائه هالمخصوصة وأما لونها وما عليها من الملبوس فلا يعرف من الظل.
قوله: (كون الشيء سلطانا) لابد عليه من تقدير المضاف أي: ذوي السلطنة وذوو السلطنة هم الملوك وإلا فالكون سلطانا لا تيجان له والمعنى الذي اشتاقت يتجان السلاطين إلى رأسه لتوضع عليها.
قوله: (كون الشخص أميرا) أي: ملكا لابد فيه أيضا من تقدير المضاف أي: ذوي الإمارة وإلا فالكون أميرا لا حلل له.
قوله: (وقد سبق بيان الحكمتين إلخ) حاصل القول فيهما أن الحكمتين تثنية حكمة وهي تحقيق العلم واتقان العمل وتطلق على العلم فقط وعلى المعرفة فقط وما سبق في بيانهما هو أ،ها علم باحث عن أحوال الموجودات إلخ ما تقدم وتنقسم إلى عملية وهي المتعلقة بكيفية عمل وإلى علمية وهي المتعلقة بتحقيق العلم وقيل هي المتعلقة بالسماء والأفلاك وقيل هي ما وافقت الحق أو علم الشرائع وقيل إن العلمية ما ترجع لعلم الفروع.
قوله: (استعارة بالكناية وتخييل) ويحتمل أيضا أن إضافة سجال للنوال من إضافة المشبه به ولابد من تجريد فياض عن بعض معناه بأن يراد منه كثير الصب ولابد من تقدير في الكلام والمعنى كثير صب النوال الشبيه ذلك النوال بالسجال أي: بالحال فيها ويحتمل أن في الكلام استعارة تمثيلية بأن يقال شبه حال الملك في نفعه العام وكثرة عدله بالسجال المفاض ما فيها ليرتوى به بجامع عموم النفع واستعمل اللفظ الدال على الثاني في الأول استعارة تمثيلية وذكر النوال تجريد.
قوله: (الفاء تعليلية) أي: لأن نوال الأمير ويصح أن تكون تفسيرية أفصحت عن شرط مقدار أي: إن أردت بيان ذلك فنقول لك نوال الأمير إلخ والنوال مصدر نال من باب قال أي: أعطى.
قوله: (هي عشرة آلاف درهم) حاصله أنه اختلف في العن فقيل هي الدنانير المسبوكة وحينئذ ففيه تناف لأن البدرة من الفضة والعين ذهب ولذلك قال ابن قاسم الظاهر أنه تفسير للمضاف فقط وحينئذ يكون غرض الشاعر بالإضافة أن نواله من العين قدر البدرة من الدراهم فعطاؤه من الذهب يعادل بدرة من الدراهم ويجاب أيضا عن التنافي على هذا القول بارتكاب التجريد في الكلام بأن يراد بالبدرة مجرد العدد أي: فنوال الأمير عدد من الذهب وقيل إن العين تطلق على الذهب والفضة وحينئذ فلا إشكال من أصله.
قوله: (التفريق) أي]: صفة التفريق وهو إيقاع تباين بين أمرين من نوع واحد في المدح أو غيره وذلك لأن النوالين من نوع واحد وهو العطاء وقد أوقع الشاعر بينهما تباينا حيث حمل بدرة عين على نوال الأمير وإعطائه وقطرة ما على نوال الغمام وإعطائه.
قوله: (من الملك) بضم الميم فمعناه المتصرف بالأمر والنهي في كل الأمور.
قوله: (التعلق بالأعيان المملوكة) فهو استيلاء على شيء خاص فتلخص من هذا أن ملك أمدح من مالك ولذلك لا يضاف إلا إلى عظيم كقولهم ملك العرب والعجم والروم فلا يقال ملك الطيور والأنعام والدواب بل مالك ولا يطلق إلا على من قدر على التصرف بخلاف مالك يضاف إلى العظيم وغيره ومن لا يملك التصرف فيما يملكه فبينهما عموم وخصوص وجهي.
قوله: (جمع مرسوم) وقيل جمع مرسم.
قوله: (الحيز الناحية) أي: المكان الذي يحيل فيه شيء وقوله وفي جعل إلخ جواب عما يقال لا معنى لوقوع الشرح في مكان القبول لأن مكان الشيء لا يسع غيره وحاصله أنه كناية عن وقوعه في نفس القبول فكان القبول شيء محسوس محيط بالشرح من جميع الجهات.
قوله: (كالأمر الواحد) أفاد به أن لهذه الفوائد جهة واحدة تضبطها أي: أن المصنف عبر عن الأمور المتعددة التي كل واحدة منها فائدة بالواحدة إشارة إلى كونها منضبطة بجهة واحدة بها صارت واحدة كما أنهم عبروا عن القوانين المنطقية مع كونها كثيرة بالقانون حيث قالوا المنطق قانون إلخ هذا ويحتمل أن الإطلاق المذكور لأجل مطابقة هذه في الأفراد بحسب اللفظ أو أنه تواضع منه.