ضمن برنامج هدايـــــــــة
قال تعالى: ﴿قالَت يا أَيُّهَا المَلَأُ أَفتوني في أَمري ما كُنتُ قاطِعَةً أَمرًا حَتّى تَشهَدونِ * قالوا نَحنُ أُولو قُوَّةٍ وَأُولو بَأسٍ شَديدٍ وَالأَمرُ إِلَيكِ فَانظُري ماذا تَأمُرينَ * قالَت إِنَّ المُلوكَ إِذا دَخَلوا قَريَةً أَفسَدوها وَجَعَلوا أَعِزَّةَ أَهلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفعَلونَ﴾ [النمل: ٣٢-٣٤].
فما أحوج بعض أهل العلم وطلابه اليوم إلى فقه بلقيس، وترك الطيش والحماس، فهي بحكمتها التي قصها عليناﷻ -لنعتبر- نظرت في عواقب الأمور، مع قول الملأ: {نَحنُ أُولو قُوَّةٍ وَأُولو بَأسٍ شَديدٍ وَالأَمرُ إِلَيكِ فَانظُري ماذا تَأمُرينَ} واستعدادهم للقتال، فقالت: {إِنَّ المُلوكَ إِذا دَخَلوا قَريَةً أَفسَدوها وَجَعَلوا أَعِزَّةَ أَهلِها أَذِلَّةً} وبهذا الفقه، استطاعت دفع الفساد عن قومها، ومنّ الله عليها بالإسلام، وثبتت في ملكها.
وفي ذلك التنبيه أنّ السلطان الحكيم مهما تيسر له دفع الخصوم بطريق صالح لا يوقع نفسه في خطر الهلاك بالمحاربة والمقاتلة بالاختيار إلا أن يكون مضطراً، وقالﷺ: ((لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ)) متفق عليه.
وقال الحافظ في الفتح: "قال ابن بطال: حكمة النهي أن المرء لا يعلم ما يئول إليه الأمر، وهو نظير سؤال العافية من الفتن"، وقال غيره: "إنما نهى عن تمني لقاء العدو لما فيه من صورة الإعجاب والاتكال على النفوس والوثوق بالقوة وقلة الاهتمام بالعدو، وكل ذلك يباين الاحتياط والأخذ بالحزم" انتهى.
وقال تعالى: ﴿وَأَوحَينا إِلى موسى وَأَخيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَومِكُما بِمِصرَ بُيوتًا وَاجعَلوا بُيوتَكُم قِبلَةً وَأَقيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ المُؤمِنينَ﴾ [يونس: ٨٧].
والله أعلم.
🖊حرر في: 24 ـ 04 ـ1446هـ.
قال تعالى :﴿ ﴿قَالَتۡ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلۡمَلَؤُا۟ أَفۡتُونِی فِیۤ أَمۡرِی مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمۡرًا حَتَّىٰ تَشۡهَدُونِ قَالُوا۟ نَحۡنُ أُو۟لُوا۟ قُوَّةࣲ وَأُو۟لُوا۟ بَأۡسࣲ شَدِیدࣲ وَٱلۡأَمۡرُ إِلَیۡكِ فَٱنظُرِی مَاذَا تَأۡمُرِینَ ﴾ [النمل 32-33]
فما أحوج بعض أهل العلم وطلابه اليوم إلى فقه بلقيس ، وترك الطيش والحماس ، فهي بحكمتها التي قصها علينا ﷻ لنعتبر ، نظرت في عواقب الأمور ، مع قول الملأ ﴿ نَحۡنُ أُو۟لُوا۟ قُوَّةࣲ وَأُو۟لُوا۟ بَأۡسࣲ شَدِیدࣲ وَٱلۡأَمۡرُ ﴾ واستعدادهم للقتال ، فقالت ﴿ إِنَّ ٱلۡمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا۟ قَرۡیَةً أَفۡسَدُوهَا وَجَعَلُوۤا۟ أَعِزَّةَ أَهۡلِهَاۤ أَذِلَّةࣰۚ ﴾ وبهذا الفقه ، استطاعت دفع الفساد عن قومها ، و منّ الله عليها بالإسلام ، وثبتت في ملكها .
وفي ذلك التنبيه أنّ السلطان الحكيم مهما تيسر له دفع الخصوم بطريق صالح لا يوقع نفسه في خطر الهلاك بالمحاربة والمقاتلة بالاختيار إلا أن يكون مضطراً .
وقال ﷺ " لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ " متفق عليه .
وقال الحافظ في الفتح " قال ابن بطال: حكمة النهي أن المرء لا يعلم ما يئول إليه الأمر، وهو نظير سؤال العافية من الفتن ، وقال غيره: إنما نهى عن تمني لقاء العدو لما فيه من صورة الإعجاب والاتكال على النفوس والوثوق بالقوة وقلة الاهتمام بالعدو، وكل ذلك يباين الاحتياط والأخذ بالحزم " انتهى ،
و قال تعالى :﴿ وَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِیهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوۡمِكُمَا بِمِصۡرَ بُیُوتࣰا وَٱجۡعَلُوا۟ بُیُوتَكُمۡ قِبۡلَةࣰ وَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ﴾ [يونس:87].
قال تعالى: ﴿قُل بِفَضلِ اللَّهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذلِكَ فَليَفرَحوا هُوَ خَيرٌ مِمّا يَجمَعونَ﴾ [يونس: ٥٨]
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- في قوله: ﴿قُلْ بِفَضْلِ الله وبِرَحْمَتِه﴾، قال: "فَضْلُه: الإسلامُ، ورحمتُه: القرآنُ" انتهى.
↩وقالﷺ: ((ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ)) متفق عليه.
وفيهما التنبيه إلى أنّ الإنسان مهما بلغت ثروته من المليارات، ومهما استمتع من الدنيا، من النساء والعقار والأثاث والمراكب بأنواعها، لا تساوي فرح المؤمن بالقرآن والعمل الصالح.
قال ابن القيّم -رحمه الله-: "المؤمن المخلص لله من أطيب الناس عيشا وأنعمهم بالا وأشرحهم صدرا وأسرهم قلبا، وهذه جنة عاجلة قبل الجنة الآجلة" انتهى.
وقال تعالى: ﴿مَن كانَ يُريدُ ثَوابَ الدُّنيا فَعِندَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنيا وَالآخِرَةِ وَكانَ اللَّهُ سَميعًا بَصيرًا﴾ [النساء: ١٣٤].
والله أعلم.
🖊حرر في: 08 ـ 04 ـ1446هـ.
قال تعالى: ﴿مَن يَشفَع شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَهُ نَصيبٌ مِنها وَمَن يَشفَع شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَهُ كِفلٌ مِنها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيءٍ مُقيتًا﴾ [النساء: ٨٥].
وفي قوله تعالى: {مَن يَشفَع شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَهُ نَصيبٌ مِنها} الإشارة إلى حديث أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِﷺ: ((مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ إِلَّا قَالَ الْمَلَكُ: وَلَكَ بِمِثْلٍ)) رواه مسلم.
قال الإمام سفيان الثوري -رحمه الله: "كنَّا إذا أردنَا أن يُستجاب لنَا، دعونَا لإخواننَا فِي ظهر الغَيب".
↩وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "أسرع الدعاء إجابة؛ دعاء غائب لغائب".
والله أعلم.
🖊حرر في: 08 ـ 04 ـ1446هـ.
قال تعالى : ﴿ إِنَّمَا ٱلسَّبِیلُ عَلَى ٱلَّذِینَ یَظۡلِمُونَ ٱلنَّاسَ وَیَبۡغُونَ فِی ٱلۡأَرۡضِ بِغَیۡرِ ٱلۡحَقِّۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمࣱ ﴾ [الشورى: 42]
وقال تعالى : ﴿ لَّا یُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلۡجَهۡرَ بِٱلسُّوۤءِ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ إِلَّا مَن ظُلِمَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِیعًا عَلِیمًا ﴾ [النساء: 148]
وقال تعالى : ﴿ فَمَا بَكَتۡ عَلَیۡهِمُ ٱلسَّمَاۤءُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَا كَانُوا۟ مُنظَرِینَ ﴾ [الدخان: 29]
عن سعيد بن جُبير في قوله تعالى ﴿ فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ والأَرْضُ﴾، قال : " لم تبكِ عليهم السماءِ؛ لأنهم لم يكونوا يُرفع لهم فيها عمل صالح، ولم تبكِ عليهم الأرض؛ لأنهم لم يكونوا يعملون فيها بعملٍ صالح " انتهى من الدر المنثور عزاه لعبد بن حميد .
وروى الشيخان عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ ، أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ، فَقَالَ : " مُسْتَرِيحٌ، وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ ". قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ ؟ قَالَ : " الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ "
🖊حرر في: 27 ـ 3 - 1446 هـ .
قال تعالى : ﴿ قَالَ نُوحࣱ رَّبِّ إِنَّهُمۡ عَصَوۡنِی وَٱتَّبَعُوا۟ مَن لَّمۡ یَزِدۡهُ مَالُهُۥ وَوَلَدُهُۥۤ إِلَّا خَسَارࣰا وَمَكَرُوا۟ مَكۡرࣰا كُبَّارࣰا ﴾ [نوح 21-22]
روى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : صَارَتِ الْأَوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ فِي الْعَرَبِ بَعْدُ ؛ أَمَّا وَدٌّ كَانَتْ لِكَلْبٍ بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ، وَأَمَّا سُوَاعٌ كَانَتْ لِهُذَيْلٍ، وَأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ، ثُمَّ لِبَنِي غُطَيْفٍ بِالْجَوْفِ عِنْدَ سَبَأٍ، وَأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ، وَأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ لِآلِ ذِي الْكَلَاعِ أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا، وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ. فَفَعَلُوا، فَلَمْ تُعْبَدْ، حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ، وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ "
وقال ابن القيّم -رحمه الله - في وصف من عمِل عمَل قوم نوح من هذه الأمّة :" فلو رأيت غلاة المتخذين لها عيداً ، وقد نزلوا عن الأكوار والدواب إذا رأوها من مكان بعيد فوضعوا لها الجباه ، وقبلوا الأرض ، وكشفوا الرؤوس ، وارتفعت أصواتهم بالضجيج ، وتباكوا ؛ حتى تسمع لهم النشيج ، ورأوا أنهم قد أربوا في الربح على الحجيج ، فاستغاثوا بمن لا يبدئ ولا يعيد ، ونادوا ولكن من مكان بعيد ، حتى إذا دنوا منها صلوا عند القبر ركعتين ، ورأوا أنه قد أحرزوا من الأجر ولا أجر من صلى إلى القبلتين ، فتراهم حول القبر ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الميت ورضواناً ، وقد ملئوا أكفهم خيبة وخسراناً ، فلغير الله ما يراق هناك من العبرات ويرتفع من الأصوات ، ويطلب من الميت الحاجات ، ويسأل من تفريج الكربات ، وإغاثة اللهفات ، وإغناء ذوي الفاقات ، ومعافاة ذوي العاهات والبليات ، ثم انثنوا بعد ذلك حول القبر طائفين تشبيهاً له بالبيت الحرام الذي جعله الله مباركاً وهدىً للعالمين ؛ ثم أخذوا في التقبيل والاستلام ؛ أرأيت الحجر الأسود وما يفعل به وفد البيت الحرام ؛ ثم عفروا لديه تلك الجباه والخدود ، التي يعلم الله أنها لم تعفر كذلك بين يديه في السجود . ثم كملوا مناسك حج القبر بالتقصير هنالك والحلاق واستمتعوا بخلاقهم من ذلك الوثن إذ لم يكن لهم عند الله من خلاق ؛ وقد قربوا لذلك الوثن من القرابين ، وكانت صلاتهم ونسكهم وقربانهم لغير الله رب العالمين ، فلو رأيتهم يهنئ بعضهم بعضاً ويقول : أجزل الله لنا ولكم أجراً وافراً وحظاً . فإن رجعوا سألهم غلاة المتخلفين أن يبيع أحدهم ثواب حجة القبر بحجة إلى البيت الحرام ، فيأبى ويقول : ولا بعشر حجج إلى البيت الحرام" انتهى
👈 وإذا كانت هذه حال معظم المسلمين اليوم وأخص منهم الرافضة ، وغلاة الصوفيّة ، فكيف يرجون النصر من الله ، وكيف يرجون الفلاح والنجاح من الله سبحانه وتعالى وهم لم يقروا بعبادته وحده ، ولم يخلصوا له العبادة ، فهؤلاء يصدق عليهم قوله تعالى :﴿ قُلۡ مَا یَعۡبَؤُا۟ بِكُمۡ رَبِّی لَوۡلَا دُعَاۤؤُكُمۡۖ فَقَدۡ كَذَّبۡتُمۡ فَسَوۡفَ یَكُونُ لِزَامَۢا ﴾[الفرقان:77]. أي لولا توحيدكم ، وقوله ﷺ " يُقْبَضُ الصَّالِحُونَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ حَتَّى يَبْقَى كَحُثَالَةِ التَّمْرِ، أَوِ الشَّعِيرِ لَا يُبَالِي اللَّهُ بِهِمْ شَيْئًا " رواه الدارمي وأصله في البخاري .
قال تعالى : ﴿ فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ فِی زِینَتِهِۦۖ قَالَ ٱلَّذِینَ یُرِیدُونَ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا یَـٰلَیۡتَ لَنَا مِثۡلَ مَاۤ أُوتِیَ قَـٰرُونُ إِنَّهُۥ لَذُو حَظٍّ عَظِیمࣲ ، وَقَالَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡعِلۡمَ وَیۡلَكُمۡ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَیۡرࣱ لِّمَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحࣰاۚ وَلَا یُلَقَّىٰهَاۤ إِلَّا ٱلصَّـٰبِرُونَ ﴾ [القصص: 79].
📖 قال تعالى : ﴿ فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ فِی زِینَتِهِۦۖ قَالَ ٱلَّذِینَ یُرِیدُونَ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا یَـٰلَیۡتَ لَنَا مِثۡلَ مَاۤ أُوتِیَ قَـٰرُونُ إِنَّهُۥ لَذُو حَظٍّ عَظِیمࣲ ، وَقَالَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡعِلۡمَ وَیۡلَكُمۡ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَیۡرࣱ لِّمَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحࣰاۚ وَلَا یُلَقَّىٰهَاۤ إِلَّا ٱلصَّـٰبِرُونَ
﴾[القصص: 79].
📌 وفيها التنبيه : إلى أنّ العلماء الربانيين علماء عامة ، خطابهم موجه للعامة لما فيه صلاح دينهم ، وحثهم العامة على التمسك بالعقيدة والعمل الصالح ، معرضين عن إقحامهم في صراع مع أهل النفوذ والسلطة .
📖 قال تعالى : ﴿ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِ ٱسۡتَعِینُوا۟ بِٱللَّهِ وَٱصۡبِرُوۤا۟ۖ إِنَّ ٱلۡأَرۡضَ لِلَّهِ یُورِثُهَا مَن یَشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ وَٱلۡعَـٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِینَ ﴾[الأعراف: 128].
قال تعالى : ﴿ وَإِذۡ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِیۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمۡ ذُرِّیَّتَهُمۡ وَأَشۡهَدَهُمۡ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡۖ قَالُوا۟ بَلَىٰ شَهِدۡنَاۤۚ أَن تَقُولُوا۟ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنۡ هَـٰذَا غَـٰفِلِینَ ﴾[الأعراف: 172].
وتجديد هذا العهد والميثاق أن يقول مارواه ابوداود عن أنس مرفوعاً " من قالَ حينَ يصبحُ اللَّهمَّ إنِّي أصبحتُ أشْهدُكَ وأشْهدُ حملةَ عرشِكَ وملائِكتَكَ وجميعَ خلقِكَ أنَّكَ أنتَ اللَّهُ لا إلَهَ إلَّا أنتَ وحدَكَ لا شريكَ لَكَ وأنَّ محمَّدًا عبدُكَ ورسولُكَ إلَّا غفرَ لَهُ ما أصابَ في يومِهِ ذلِكَ من ذنبٍ وإن قالَها حينَ يمسي غفرَ لَهُ ما أصابَ تلْكَ اللَّيلةَ " وحسنه الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله ، ↩وله شاهد رواه الحاكم بلفظ " مَنْ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ وَأُشْهِدُ مَلَائِكَتَكَ وَحَمَلَةَ عَرْشِكَ، وَأُشْهِدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، مَنْ قَالَهَا مَرَّةً أَعْتَقَ اللَّهُ ثُلُثَهُ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ قَالَهَا مَرَّتَيْنِ أَعْتَقَ اللَّهُ ثُلُثَيْهِ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ قَالَهَا ثَلَاثًا أَعْتَقَ اللَّهُ كُلَّهُ مِنَ النَّارِ " وصححه الألباني رحمه الله في الصحيحة .
قال تعالى: ﴿الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ * الرَّحمنِ الرَّحيمِ * مالِكِ يَومِ الدّينِ * إِيّاكَ نَعبُدُ وَإِيّاكَ نَستَعينُ * اهدِنَا الصِّراطَ المُستَقيمَ * صِراطَ الَّذينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم غَيرِ المَغضوبِ عَلَيهِم وَلَا الضّالّينَ﴾ [الفاتحة: ٢-٧].
قال تعالى: ﴿الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ * الرَّحمنِ الرَّحيمِ * مالِكِ يَومِ الدّينِ * إِيّاكَ نَعبُدُ وَإِيّاكَ نَستَعينُ * اهدِنَا الصِّراطَ المُستَقيمَ * صِراطَ الَّذينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم غَيرِ المَغضوبِ عَلَيهِم وَلَا الضّالّينَ﴾ [الفاتحة: ٢-٧].
لم يقلﷻ اهدنا إلى عبادتك؛ "التوحيد" لأنّ هذا مافطر الله العباد عليه، ولكنّه ﷻ قال: {اهدِنَا الصِّراطَ المُستَقيمَ} وفي ذلك التنبيه أنّ الإستقامة على السبيل والسُنّة، والثبات على الحق، هو الفيصل بين العباد.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "فَمَا يُعْلَمُ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَائِهِمْ، وَلا صَالِحِ عَامَّتِهِمْ، رَجَعَ قَطُّ عَنْ قَوْلِهِ وَاعْتِقَادِهِ، بَلْ هُمْ أَعْظَمُ النَّاسِ صَبْرًا عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ اُمْتُحِنُوا بِأَنْوَاعِ الْمِحَنِ، وَفُتِنُوا بِأَنْوَاعِ الْفِتَنِ، فَالثَّبَاتُ وَالاسْتِقْرَارُ فِي أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ أَضْعَافُ أَضْعَافِ أَضْعَافِ مَا هُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْكَلامِ وَالْفَلْسَفَةِ؛ بَلْ الْمُتَفَلْسِفُ أَعْظَمُ اضْطِرَابًا وَحَيْرَةً فِي أَمْرِهِ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ" انتهى.
ولهذا قالﷻ بعدها: {صِرَ ٰطَ ٱلَّذِینَ أَنۡعَمۡتَ عَلَیۡهِمۡ غَیۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَیۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّاۤلِّینَ} وفي ذلك الإشارة إلى قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذي بَعَثَ فِي الأُمِّيّينَ رَسولًا مِنهُم يَتلو عَلَيهِم آياتِهِ وَيُزَكّيهِم وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ وَالحِكمَةَ وَإِن كانوا مِن قَبلُ لَفي ضَلالٍ مُبينٍ﴾ [الجمعة: ٢].
↩وقوله تعالى: ﴿أَفَتَطمَعونَ أَن يُؤمِنوا لَكُم وَقَد كانَ فَريقٌ مِنهُم يَسمَعونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفونَهُ مِن بَعدِ ما عَقَلوهُ وَهُم يَعلَمونَ﴾ [البقرة: ٧٥].
↩وقوله تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذينَ حُمِّلُوا التَّوراةَ ثُمَّ لَم يَحمِلوها كَمَثَلِ الحِمارِ يَحمِلُ أَسفارًا بِئسَ مَثَلُ القَومِ الَّذينَ كَذَّبوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهدِي القَومَ الظّالِمينَ﴾ [الجمعة: ٥].
وقالﷺ؛ ((مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ، يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ، وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ)) رواه مسلم.
فالذين أنعم الله عليهم؛ هم النبيﷺ وأصحابه والذين اتبعوهم بإحسان قال ﷻ: ﴿وَآخَرينَ مِنهُم لَمّا يَلحَقوا بِهِم وَهُوَ العَزيزُ الحَكيمُ﴾ [الجمعة: ٣]، وقالﷺ: ((لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ)) متفق عليه.
↩وعن أبي بن كعبٍ -رضي الله عنه- قال؛ (عليكم بالسبيل والسنة؛ فإنه ليس من عبدٍ على سبيلٍ وسنة ذكر الرحمنَ، ففاضت عيناهُ من خشية الله؛ فتمسه النار، وليس من عبدٍ على سبيل وسنة ذكر الرحمن، فاقشعرَّ جلده من خشية الله، إلا كان مَثَلُه مثل شجرةٍ يبس ورقها، فبينما هي كذلك إذ أصابتها الريح، فتحات عنها ورقها، إلا تحاتت عنه ذنوبه كما تحات عن هذه الشجرة ورقُها، وإن اقتصادًا في سبيل وسنة، خيرٌ من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة). رواه ابو داود في الزهد وابو نعيم في الحلية بإسناد صحيح.
والذين غضب الله عليهم والضالون هم الذين خالفوهم، وبهذا تواترت السُنن عن نبيناﷺ، ومنها حديث: ((لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ)). قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: ((فَمَنْ))!.
↩وقولهﷺ: ((افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى -أَوْ ثِنْتَيْنِ- وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفَرَّقَتِ النَّصَارَى عَلَى إِحْدَى -أَوْ ثِنْتَيْنِ- وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً)). وقالﷺ: ((أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ؛ ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ)) رواهما احمد وأهل السنن.
↩وفي رواية: ((لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ، حَتَّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلَانِيَةً لَكَانَ فِي أُمَّتِي مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ، وَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، كُلُّهُمْ فِي النَّارِ، إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً)). قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي)).
📖وقال تعالى: ﴿وَمَن يُشاقِقِ الرَّسولَ مِن بَعدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الهُدى وَيَتَّبِع غَيرَ سَبيلِ المُؤمِنينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلّى وَنُصلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَت مَصيرًا﴾ [النساء: ١١٥].
↩وقال تعالى: ﴿مِنَ المُؤمِنينَ رِجالٌ صَدَقوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيهِ فَمِنهُم مَن قَضى نَحبَهُ وَمِنهُم مَن يَنتَظِرُ وَما بَدَّلوا تَبديلًا﴾ [الأحزاب: ٢٣].
فتضمنت فاتحة الكتاب العقيدة والمنهاج.
والله أعلم.
قال تعالى : ﴿ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَیۡهِمۡۛ أَرۡبَعِینَ سَنَةࣰۛ یَتِیهُونَ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَـٰسِقِینَ ﴾[المائدة: 26].
قال تعالى : ﴿ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَیۡهِمۡۛ أَرۡبَعِینَ سَنَةࣰۛ یَتِیهُونَ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَـٰسِقِینَ ﴾[المائدة: 26].
وقال تعالى : ﴿ أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلۡمَلَإِ مِنۢ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰۤ إِذۡ قَالُوا۟ لِنَبِیࣲّ لَّهُمُ ٱبۡعَثۡ لَنَا مَلِكࣰا نُّقَـٰتِلۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِۖ قَالَ هَلۡ عَسَیۡتُمۡ إِن كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ أَلَّا تُقَـٰتِلُوا۟ۖ قَالُوا۟ وَمَا لَنَاۤ أَلَّا نُقَـٰتِلَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَقَدۡ أُخۡرِجۡنَا مِن دِیَـٰرِنَا وَأَبۡنَاۤىِٕنَاۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَیۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ تَوَلَّوۡا۟ إِلَّا قَلِیلࣰا مِّنۡهُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِیمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِینَ ﴾[البقرة: 246].
بنو اسرائيل حين فارقهم موسى وهارون -عليهما السلام - تاهوا في الأرض أربعين عاماً وضربت عليهم الذلة والمسكنة ، ولما جاء الجيل الذين بعدهم ، علموا أنّه لا يخرجهم من ذلك الواقع ، إلاّ أن يجتمعوا على إمام ، فقالوا لنبيهم ﴿ ٱبۡعَثۡ لَنَا مَلِكࣰا ﴾
وفيها التنبيه على ضرورة المحافظة على وحدة الجماعة على إمام ولذلك كان هذا الأمر من كُليات الشريعة وأهم مقاصدها .
روى الدارمي عن عمر -رضي الله عنه - قال " لا إسلام إلا بجماعة ولا جماعة إلا بإمام ولا إمام إلا بطاعة "
قال شيخ الإسلام -رحمه الله - " وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم وإقامة الحدود , لا تتم إلا بالقوة والإمارة , ولهذا روي " أن السلطان ظل الله في الأرض " ، ويقال : " ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان " والتجربة تبين ذلك " انتهى " مجموع الفتاوى 28 / 391
والأحاديث في هذا المعنى متواترة عند علماء الإسلام .
وقال تعالى : ﴿ فَهَلۡ عَسَیۡتُمۡ إِن تَوَلَّیۡتُمۡ أَن تُفۡسِدُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَتُقَطِّعُوۤا۟ أَرۡحَامَكُمۡ ، أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمۡ وَأَعۡمَىٰۤ أَبۡصَـٰرَهُمۡ ﴾[محمد: 22].
قال تعالى : ﴿ قُلۡ إِنَّ ٱلۡأَمۡرَ كُلَّهُۥ لِلَّهِۗ ﴾ [ آل عمران : 154].
قال تعالى : ﴿ قُلۡ إِنَّ ٱلۡأَمۡرَ كُلَّهُۥ لِلَّهِۗ ﴾ [ آل عمران : 154].
وفي الأثر : " اللهمَّ لك الحمدُ كلُّه ولك الملكُ كلُّه بيدِك الخيرُ كلُّه إليك يرجعُ الأمرُ كلُّه علانيتُه وسرُّه "
قال ابن القيّم - رحمه الله - " فمن علِم أن الله على كل شيء قدير، وأنه المتفرد بالاختيار والتدبير، وأن تدبيره لعبده خير من تدبير العبد لنفسه، وأنه أعلم بمصلحته من العبد، وأقدر على جلبها وتحصيلها منه، وأنصح للعبد منه لنفسه، وأرحم به منه لنفسه، وأبرُّ به منه بنفسه، وعلِم مع ذلك أنه لا يستطيع أن يتقدم بين يدي تدبيره خطوة واحدة، ولا يتأخر عن تدبيره له خطوة واحدة، فلا متقدم له بين يدي قضائه وقدره ولا متأخر، فألقى نفسه بين يديه، وسلَّم الأمر كله إليه، وانطرح بين يديه انطراح عبدٍ مملوك ضعيف بين يدي ملك عزيز قاهر ، له التصرف في عبده بكل ما يشاء، وليس للعبد التصرف فيه بوجه من الوجوه - فاستراح حينئذٍ من الهموم والغموم والأنكاد والحسرات، وحمل كلَّه وحوائجه ومصالحه من لا يبالي بحملها ولا تُثقِله ولا يكترث بها، فتولاها دونه، وأراه لطفه وبره ورحمته وإحسانه فيها، من غير تعب من العبد ولا نَصَبٍ ولا اهتمام منه؛ لأنه صرف اهتمامه كله إليه، وجعله وحده همه، فصرف عنه اهتمامه بحوائجه ومصالح دنياه، وفرغ قلبه منها، فما أطيب عيشه ، وما أنعم قلبه وأعظم سروره وفرحه " الفوائد لابن القيّم
و قال تعالى : ﴿ فَٱنقَلَبُوا۟ بِنِعۡمَةࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلࣲ لَّمۡ یَمۡسَسۡهُمۡ سُوۤءࣱ وَٱتَّبَعُوا۟ رِضۡوَ ٰنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَظِیمٍ ﴾ [ آل عمران : 174].
قال تعالى : ﴿ وَقَالُوا۟ قُلُوبُنَا فِیۤ أَكِنَّةࣲ مِّمَّا تَدۡعُونَاۤ إِلَیۡهِ وَفِیۤ ءَاذَانِنَا وَقۡرࣱ وَمِنۢ بَیۡنِنَا وَبَیۡنِكَ حِجَابࣱ فَٱعۡمَلۡ إِنَّنَا عَـٰمِلُونَ ﴾[فصلت: 5].
قال تعالى : ﴿ وَقَالُوا۟ قُلُوبُنَا فِیۤ أَكِنَّةࣲ مِّمَّا تَدۡعُونَاۤ إِلَیۡهِ وَفِیۤ ءَاذَانِنَا وَقۡرࣱ وَمِنۢ بَیۡنِنَا وَبَیۡنِكَ حِجَابࣱ فَٱعۡمَلۡ إِنَّنَا عَـٰمِلُونَ ﴾[فصلت: 5].
وفيها التنبيه إلى حال المصرين على البدع من هذه الأمّة ، ومنها بدعة المولد النبوي ، وأُمر أهل التوحيد والإتباع أن يقولوا ﴿ قُلۡ أَتُحَاۤجُّونَنَا فِی ٱللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمۡ وَلَنَاۤ أَعۡمَـٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَـٰلُكُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُخۡلِصُونَ ﴾[البقرة: 139].
وقال ﷺ " مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ " متفق عليه وهذا لفظ مسلم ، وقال ﷺ " مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ، يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ، وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ " الحديث رواه مسلم ،
و قال تعالى : ﴿ أَفَمَن زُیِّنَ لَهُۥ سُوۤءُ عَمَلِهِۦ فَرَءَاهُ حَسَنࣰاۖ فَإِنَّ ٱللَّهَ یُضِلُّ مَن یَشَاۤءُ وَیَهۡدِی مَن یَشَاۤءُۖ فَلَا تَذۡهَبۡ نَفۡسُكَ عَلَیۡهِمۡ حَسَرَ ٰتٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِیمُۢ بِمَا یَصۡنَعُونَ ﴾[فاطر: 8].
قال تعالى : ﴿ فَلَا تَجۡعَلُوا۟ لِلَّهِ أَندَادࣰا وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ﴾[البقرة: 22].
قال تعالى : ﴿ فَلَا تَجۡعَلُوا۟ لِلَّهِ أَندَادࣰا وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ﴾[البقرة: 22].
وفيها الإشارة إلى مارواه الإمام أحمد عن أبي موسى الْأَشْعَرِيُّ ، قال : يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّقُوا هَذَا الشِّرْكَ ؛ فَإِنَّهُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ. فَقَامَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَزْنٍ وَقَيْسُ بْنُ الْمُضَارِبِ، فَقَالَا : وَاللَّهِ لَتَخْرُجَنَّ مِمَّا قُلْتَ، أَوْ لَنَأْتِيَنَّ عُمَرَ مَأْذُونٌ لَنَا أَوْ غَيْرُ مَأْذُونٍ. قَالَ : بَلْ أَخْرُجُ مِمَّا قُلْتُ، خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ : " أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّقُوا هَذَا الشِّرْكَ ؛ فَإِنَّهُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ ". فَقَالَ لَهُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ : وَكَيْفَ نَتَّقِيهِ وَهُوَ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " قُولُوا : اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نُشْرِكَ بِكَ شَيْئًا نَعْلَمُهُ، وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا نَعْلَمُ "
وعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ" قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "الرِّيَاءُ يَقُولُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ -إِذَا جُزِيَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ- اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً" رَوْاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ ،
وعن معقل بن يسار قال: انطلقت مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " يا أبا بكر للشرك فيكم أخفى من دبيب النمل " فقال أبو بكر:" وهل الشرك إلا من جعل مع الله إلها آخر" قال النبي صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده للشرك أخفى من دبيب النمل ألا أدلك على شيء إذا قلته ذهب عنك قليله وكثيره قال قل اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم " رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني .
وفي الآية والأحاديث التنبيه إلى أنّ الله ﷻ لايتجاوز لإهل الشرك الأصغر ، إلاّ بالتوبة ،فكيف بمن أشرك الشرك الأكبر متعمداً ، متقرباً .
و قال تعالى : ﴿ مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ إِیمَـٰنِهِۦۤ إِلَّا مَنۡ أُكۡرِهَ وَقَلۡبُهُۥ مُطۡمَىِٕنُّۢ بِٱلۡإِیمَـٰنِ وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِٱلۡكُفۡرِ صَدۡرࣰا فَعَلَیۡهِمۡ غَضَبࣱ مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِیمࣱ ﴾[النحل: 106].
و قال تعالى : ﴿ وَلَیۡسَ عَلَیۡكُمۡ جُنَاحࣱ فِیمَاۤ أَخۡطَأۡتُم بِهِۦ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتۡ قُلُوبُكُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورࣰا رَّحِیمًا ﴾[الأحزاب: 5].
و قال تعالى : ﴿ وَمِنۡهُمۡ أُمِّیُّونَ لَا یَعۡلَمُونَ ٱلۡكِتَـٰبَ إِلَّاۤ أَمَانِیَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا یَظُنُّونَ ﴾[البقرة: 68].
و قال تعالى : ﴿ فَرِیقًا هَدَىٰ وَفَرِیقًا حَقَّ عَلَیۡهِمُ ٱلضَّلَـٰلَةُۚ إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا۟ ٱلشَّیَـٰطِینَ أَوۡلِیَاۤءَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَیَحۡسَبُونَ أَنَّهُم مُّهۡتَدُونَ ﴾[الأعراف: 30].
و قال تعالى : ﴿ ٱلَّذِینَ ضَلَّ سَعۡیُهُمۡ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَهُمۡ یَحۡسَبُونَ أَنَّهُمۡ یُحۡسِنُونَ صُنۡعًا ﴾[الكهف: 104].
و قال تعالى : ﴿ أَلَمۡ أَعۡهَدۡ إِلَیۡكُمۡ یَـٰبَنِیۤ ءَادَمَ أَن لَّا تَعۡبُدُوا۟ ٱلشَّیۡطَـٰنَۖ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوࣱّ مُّبِینࣱ ﴾[يس: 60].
و قال تعالى : ﴿ قَالُوۤا۟ إِنَّكُمۡ كُنتُمۡ تَأۡتُونَنَا عَنِ ٱلۡیَمِینِ قَالُوا۟ بَل لَّمۡ تَكُونُوا۟ مُؤۡمِنِینَ وَمَا كَانَ لَنَا عَلَیۡكُم مِّن سُلۡطَـٰنِۭۖ بَلۡ كُنتُمۡ قَوۡمࣰا طَـٰغِینَ ﴾[الصافات: 29-30].
و قال تعالى : ﴿ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیُضِلَّ قَوۡمَۢا بَعۡدَ إِذۡ هَدَىٰهُمۡ حَتَّىٰ یُبَیِّنَ لَهُم مَّا یَتَّقُونَۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمٌ ﴾[التوبة: 115].
و قال تعالى : ﴿ قُلۡ فَلِلَّهِ ٱلۡحُجَّةُ ٱلۡبَـٰلِغَةُۖ فَلَوۡ شَاۤءَ لَهَدَىٰكُمۡ أَجۡمَعِینَ ﴾[الأنعام: 149].
و قال تعالى : ﴿ قُلۡ أَیُّ شَیۡءٍ أَكۡبَرُ شَهَـٰدَةࣰۖ قُلِ ٱللَّهُۖ شَهِیدُۢ بَیۡنِی وَبَیۡنَكُمۡۚ وَأُوحِیَ إِلَیَّ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ لِأُنذِرَكُم بِهِۦ وَمَنۢ بَلَغَۚ ﴾[الأنعام: 19].
و قال تعالى : ﴿ أَن تَقُولُوۤا۟ إِنَّمَاۤ أُنزِلَ ٱلۡكِتَـٰبُ عَلَىٰ طَاۤىِٕفَتَیۡنِ مِن قَبۡلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمۡ لَغَـٰفِلِینَ أَوۡ تَقُولُوا۟ لَوۡ أَنَّاۤ أُنزِلَ عَلَیۡنَا ٱلۡكِتَـٰبُ لَكُنَّاۤ أَهۡدَىٰ مِنۡهُمۡۚ فَقَدۡ جَاۤءَكُم بَیِّنَةࣱ مِّن
رَّبِّكُمۡ وَهُدࣰى وَرَحۡمَةࣱۚ فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ وَصَدَفَ عَنۡهَاۗ سَنَجۡزِی ٱلَّذِینَ یَصۡدِفُونَ عَنۡ ءَایَـٰتِنَا سُوۤءَ ٱلۡعَذَابِ بِمَا كَانُوا۟ یَصۡدِفُونَ ﴾[الأنعام: 156-157].
و قال تعالى : ﴿ أَوۡ تَقُولُوۤا۟ إِنَّمَاۤ أَشۡرَكَ ءَابَاۤؤُنَا مِن قَبۡلُ وَكُنَّا ذُرِّیَّةࣰ مِّنۢ بَعۡدِهِمۡۖ أَفَتُهۡلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلۡمُبۡطِلُونَ ﴾[الأعراف: 173].
وفي الحديث القدسي " يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ " رواه مسلم
قال تعالى : ﴿ وَلَن تَرۡضَىٰ عَنكَ ٱلۡیَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡۗ قُلۡ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلۡهُدَىٰۗ وَلَىِٕنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَاۤءَهُم بَعۡدَ ٱلَّذِی جَاۤءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِیࣲّ وَلَا نَصِیرٍ ﴾[البقرة: 120].
قال تعالى : ﴿ وَلَن تَرۡضَىٰ عَنكَ ٱلۡیَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡۗ قُلۡ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلۡهُدَىٰۗ وَلَىِٕنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَاۤءَهُم بَعۡدَ ٱلَّذِی جَاۤءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِیࣲّ وَلَا نَصِیرٍ ﴾[البقرة: 120].
وقال تعالى : ﴿ وَقَالُوا۟ كُونُوا۟ هُودًا أَوۡ نَصَـٰرَىٰ تَهۡتَدُوا۟ۗ قُلۡ بَلۡ مِلَّةَ إِبۡرَ ٰهِـۧمَ حَنِیفࣰاۖ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ ﴾[البقرة: 135].
وفيها التنبيه إلى أنّ اليهود والنصارى يرضون عمَّن لم يكن على ملّة إبراهيم من المنتسبين للإسلام مثل الرافضة والنصيريّة والإسماعيليّة والدروز وغلاة الصوفيّة ، قال تعالى : ﴿ قُلۡ كُلࣱّ یَعۡمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِۦ فَرَبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَنۡ هُوَ أَهۡدَىٰ سَبِیلࣰا ﴾[الإسراء: 84].
وتجمعهم عبادة الشيطان ، قال تعالى : ﴿ وَٱمۡتَـٰزُوا۟ ٱلۡیَوۡمَ أَیُّهَا ٱلۡمُجۡرِمُونَ أَلَمۡ أَعۡهَدۡ إِلَیۡكُمۡ یَـٰبَنِیۤ ءَادَمَ أَن لَّا تَعۡبُدُوا۟ ٱلشَّیۡطَـٰنَۖ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوࣱّ مُّبِینࣱ ﴾[يس: 59-60]
قال تعالى : ﴿ یَـٰۤأَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ لِمَ تُحَاۤجُّونَ فِیۤ إِبۡرَ ٰهِیمَ وَمَاۤ أُنزِلَتِ ٱلتَّوۡرَىٰةُ وَٱلۡإِنجِیلُ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِهِۦۤۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ ﴾[آل عمران: 65].
قال تعالى : ﴿ یَـٰۤأَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ لِمَ تُحَاۤجُّونَ فِیۤ إِبۡرَ ٰهِیمَ وَمَاۤ أُنزِلَتِ ٱلتَّوۡرَىٰةُ وَٱلۡإِنجِیلُ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِهِۦۤۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ ﴾[آل عمران: 65].
و قال تعالى : ﴿ مَا كَانَ إِبۡرَ ٰهِیمُ یَهُودِيّاً وَلَا نَصۡرَانِيّاً وَلَـٰكِن كَانَ حَنِیفاً مُّسۡلِمَاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ ﴾[آل عمران: 67].
و قال تعالى : ﴿ إِنَّ أَوۡلَى ٱلنَّاسِ بِإِبۡرَ ٰهِیمَ لَلَّذِینَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا ٱلنَّبِیُّ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ۗ وَٱللَّهُ وَلِیُّ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ﴾[آل عمران: 68].
وفيها التنبيه إلى وحدة ملّة الأنبياء والرسل ، وأنّ اليهوديّة والنصرانيّة بدعة وإنحراف عن ملّة إبراهيم عليه السلام .
وفيها التنبيه أيضا إلى أنّه لا بد من وجود مرجعيّة للناس تفصل الحق من الباطل ، وفي عهد نبيّنا ﷺ حين خالفه اليهود و النصارى ، كان ابراهيم هو المرجعيّة ،
وبعد نبينا ﷺ المرجعيّة بين المسلمين أنفسهم ، وبينهم وبين أهل الملل الأخرى هو نبينا ﷺ ، فمن وافقه فهو على الهدى ومن خالفه فهو على الضلال .
وفي الصحيح قال ﷺ " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ، وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ "
وهكذا ضلال من خالفه ممن ينتسب للإسلام مثل الروافض والخوارج والمعتزلة والجهميّة والقدريّة والمرجئة ، وفي عصرنا اجتمعت هذه الطوائف في فرقة الإخوان
المسلمون .
قال ﷺ " مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ، يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ، وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ،
وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ " رواه مسلم .
فكل مخالف للفرقة الناجية الطائفة المنصورة ، يحاكم إلى ماكان عليه النبي ﷺ وأصحابه .
قال تعالى : ﴿ وَمَن یُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ وَیَتَّبِعۡ غَیۡرَ سَبِیلِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصۡلِهِۦ جَهَنَّمَۖ وَسَاۤءَتۡ مَصِیرًا ﴾[النساء: 115].
قال تعالى: ﴿... وَلَو يَرَى الَّذينَ ظَلَموا إِذ يَرَونَ العَذابَ أَنَّ القُوَّةَ لِلَّهِ جَميعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَديدُ العَذابِ﴾ [البقرة: ١٦٥]
قال تعالى: ﴿... وَلَو يَرَى الَّذينَ ظَلَموا إِذ يَرَونَ العَذابَ أَنَّ القُوَّةَ لِلَّهِ جَميعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَديدُ العَذابِ﴾ [البقرة: ١٦٥].
وقال تعالى: ﴿قُلِ ادعُوا الَّذينَ زَعَمتُم مِن دونِهِ فَلا يَملِكونَ كَشفَ الضُّرِّ عَنكُم وَلا تَحويلًا﴾ [الإسراء: ٥٦].
وقال تعالى: ﴿يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيلَ وَالنَّهارَ إِنَّ في ذلِكَ لَعِبرَةً لِأُولِي الأَبصارِ﴾ [النور: ٤٤].
وفيها الإشارة إلى مارواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِﷺ: ((أَكْثِرْ مِنْ قَوْلِ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ؛ فَإِنَّهَا كَنْزٌ مِنَ الْجَنَّةِ)).
قَالَ مَكْحُولٌ: "فَمَنْ قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَلَا مَنْجَى مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ كَشَفَ عَنْهُ سَبْعِينَ بَابًا مِنَ الضُّرِّ أَدْنَاهُنَّ الْفَقْرُ" الحديث في إسناده انقطاع ، وأصله في الصحيحين، وإنّما سقته لقول مكحول:
"فَمَنْ قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ، وَلَا مَنْجَى مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ كَشَفَ عَنْهُ سَبْعِينَ بَابًا مِنَ الضُّرِّ أَدْنَاهُنَّ الْفَقْرُ".
كلمة؛ "لا حول ولا قوة إلا بالله" لها تأثير في دفع داء الهم والغم والحزن، بسبب ما فيها من كمال التفويض والتبرئ من الحول والقوة إلا به سبحانه، وتسليم الأمر كله له وعدم منازعته في شئ منه، قال تعالى: ﴿وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذينَ خُلِّفوا حَتّى إِذا ضاقَت عَلَيهِمُ الأَرضُ بِما رَحُبَت وَضاقَت عَلَيهِم أَنفُسُهُم وَظَنّوا أَن لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ ثُمَّ تابَ عَلَيهِم لِيَتوبوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوّابُ الرَّحيمُ﴾ [التوبة: ١١٨].
وفي الصحيحين عن عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّﷺ:
((إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلِ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً
إِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَى مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ)).
وفيها من كمال التفويض والتبرئ من الحول والقوة إلا به، وتسليم الأمر كله له وعدم منازعته في شئ منه، وعموم ذلك لكل تحول من حال إلى حال في العالم العلوي والسفلي والقوة على ذلك التحول، وأن ذلك كله بالله وحده فلا يقوم لهذه الكلمة شيء، فلا حول من معصيته إلا بعصمته ولا قوة على طاعته إلا بمعونته، وقال تعالى:
﴿وَلَولا إِذ دَخَلتَ جَنَّتَكَ قُلتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلّا بِاللَّهِ إِن تَرَنِ أَنا أَقَلَّ مِنكَ مالًا وَوَلَدًا﴾ [الكهف: ٣٩].
وقال تعالى: ﴿أَو كَالَّذي مَرَّ عَلى قَريَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُروشِها قالَ أَنّى يُحيي هذِهِ اللَّهُ بَعدَ مَوتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَم لَبِثتَ قالَ لَبِثتُ يَومًا أَو بَعضَ يَومٍ قالَ
بَل لَبِثتَ مِائَةَ عامٍ فَانظُر إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَم يَتَسَنَّه وَانظُر إِلى حِمارِكَ وَلِنَجعَلَكَ آيَةً لِلنّاسِ وَانظُر إِلَى العِظامِ كَيفَ نُنشِزُها ثُمَّ نَكسوها لَحمًا فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعلَمُ أَنَّ
اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ﴾ [البقرة: ٢٥٩].
قال تعالى : ﴿ إِنَّمَا جَزَ ٰۤؤُا۟ ٱلَّذِینَ یُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَیَسۡعَوۡنَ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا أَن یُقَتَّلُوۤا۟ أَوۡ یُصَلَّبُوۤا۟ أَوۡ تُقَطَّعَ أَیۡدِیهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَـٰفٍ أَوۡ یُنفَوۡا۟ مِنَ ٱلۡأَرۡضِۚ ذَ ٰلِكَ لَهُمۡ خِزۡیࣱ فِی ٱلدُّنۡیَاۖ وَلَهُمۡ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ عَذَابٌ عَظِیمٌ ﴾[المائدة: 34].
قال تعالى : ﴿ إِنَّمَا جَزَ ٰۤؤُا۟ ٱلَّذِینَ یُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَیَسۡعَوۡنَ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا أَن یُقَتَّلُوۤا۟ أَوۡ یُصَلَّبُوۤا۟ أَوۡ تُقَطَّعَ أَیۡدِیهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَـٰفٍ أَوۡ یُنفَوۡا۟ مِنَ ٱلۡأَرۡضِۚ ذَ ٰلِكَ لَهُمۡ خِزۡیࣱ فِی ٱلدُّنۡیَاۖ وَلَهُمۡ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ عَذَابٌ عَظِیمٌ ﴾[المائدة: 34].
وفيها التنبيه إلى أنّ من خرج على قواعد المجتمع وأنظمته فإنّ مآله إلى القتل أو السجن
قال تعالى : ﴿ قَالَ مَا مَكَّنِّی فِیهِ رَبِّی خَیۡرࣱ فَأَعِینُونِی بِقُوَّةٍ أَجۡعَلۡ بَیۡنَكُمۡ وَبَیۡنَهُمۡ رَدۡمًا ﴾[الكهف: 95].
وقال ﷺ " مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ، فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ ، يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ فَلَيْسَ مِنِّي، وَلَسْتُ مِنْهُ " رواه مسلم .
وقال ﷺ " مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ ؛ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ، إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً " متفق عليه .
قال تعالى : ﴿ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَیۡهِمۡۛ أَرۡبَعِینَ سَنَةً یَتِیهُونَ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَـٰسِقِینَ ﴾[المائدة: 26].
قال تعالى : ﴿ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَیۡهِمۡۛ أَرۡبَعِینَ سَنَةࣰۛ یَتِیهُونَ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَـٰسِقِینَ ﴾[المائدة: 26].
-بنو اسرائيل لمّا تركوا ما أُمروا به من الجهاد عاقبهم الله بالتيه ، ولما عبدوا العجل عاقبهم الله بالقتل ،
قال تعالى : ﴿ وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ یَـٰقَوۡمِ إِنَّكُمۡ ظَلَمۡتُمۡ أَنفُسَكُم بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلۡعِجۡلَ فَتُوبُوۤا۟ إِلَىٰ بَارِىِٕكُمۡ فَٱقۡتُلُوۤا۟ أَنفُسَكُمۡ ذَ ٰلِكُمۡ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ عِندَ بَارِىِٕكُمۡ فَتَابَ عَلَیۡكُمۡۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِیمُ ﴾[البقرة: 54].
- وفي ذلك التنبيه إلى أن تارك التوحيد بعد الإيمان أعظم جرماً من تارك الجهاد ، وعقوبته أشد ، بل تدل الآية أنّ أعظم أسباب تفشي القتل في الأمّة هو ترك التوحيد ، ومن هنا قال ﷺ " مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ " رواه البخاري ، فهي سُنّة الله القدريّة الشرعيّة ، فتارك التوحيد كافر
قال تعالى : ﴿ وَأُشۡرِبُوا۟ فِی قُلُوبِهِمُ ٱلۡعِجۡلَ بِكُفۡرِهِمۡۚ ﴾[البقرة: 93].
وقال تعالى : ﴿ إِنَّ ٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُوا۟ ٱلۡعِجۡلَ سَیَنَالُهُمۡ غَضَبࣱ مِّن رَّبِّهِمۡ وَذِلَّةࣱ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۚ وَكَذَ ٰلِكَ نَجۡزِی ٱلۡمُفۡتَرِینَ ﴾[الأعراف: 152].
- ويستحيل أن تحصل العزّة للأمّة بغير التوحيد
قال تعالى : ﴿ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مَن یَرۡتَدَّ مِنكُمۡ عَن دِینِهِۦ فَسَوۡفَ یَأۡتِی ٱللَّهُ بِقَوۡمࣲ یُحِبُّهُمۡ وَیُحِبُّونَهُۥۤ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلۡكَـٰفِرِینَ یُجَـٰهِدُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَلَا یَخَافُونَ لَوۡمَةَ لَاۤىِٕمࣲۚ ذَ ٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ یُؤۡتِیهِ مَن یَشَاۤءُۚ وَٱللَّهُ وَ ٰسِعٌ عَلِیمٌ ﴾[المائدة: 54].
- فلا جهاد شرعي إلاّ بالتوحيد ، وفي الصحيحين عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ : الرَّجُلُ يُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً، فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ قَالَ : " مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ "
وأمّا قتال المدافعة فالغلبة فيه للأقوى من أخذ بأسباب الغلبة ، ومن هنا يظهر لك سر قوله تعالى ﴿ كَم مِّن فِئَةࣲ قَلِیلَةٍ غَلَبَتۡ فِئَةࣰ كَثِیرَةَۢ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِینَ ﴾[البقرة: 249]. أي بتوحيد الله وتفويض الأمر إليه ،
قال تعالى : ﴿ إِن یَنصُرۡكُمُ ٱللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمۡۖ وَإِن یَخۡذُلۡكُمۡ فَمَن ذَا ٱلَّذِی یَنصُرُكُم مِّنۢ بَعۡدِهِۦۗ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡیَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ﴾[آل عمران: 160].
و قال تعالى : ﴿ فَلَمۡ تَقۡتُلُوهُمۡ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمۡۚ وَمَا رَمَیۡتَ إِذۡ رَمَیۡتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ وَلِیُبۡلِیَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ مِنۡهُ بَلَاۤءً حَسَنًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِیعٌ عَلِیمࣱ ﴾[الأنفال: 17].
-فأعظم خسارة للأمة هو فقد التوحيد ، ولا فرق بينها وبين الأمم الأخرى إلاّ بالعقيدة ،ولاقيمة لها عند الله إلاّ بالتوحيد ،
قال تعالى : ﴿ قُلۡ مَا یَعۡبَؤُا۟ بِكُمۡ رَبِّی لَوۡلَا دُعَاۤؤُكُمۡۖ فَقَدۡ كَذَّبۡتُمۡ فَسَوۡفَ یَكُونُ لِزَامَۢا ﴾[الفرقان: 77].
- أي لولا توحيدكم ، ولهذا كان أعظم مارزءت به الأمّة بعد القرون المفضلة ، هو تحريف معنى التوحيد ، وسبب ذلك ماجاء في قوله ﷺ " إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا " متفق عليه ، وأخبر ﷺ أنّه لا تزال طائفة من الأمّة على التوحيد وإن كانوا قليلاً ليكونوا
من حُجّة الله على خلقه وشاهدين عليهم قال ﷺ " لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ " متفق عليه ،
و قال تعالى : ﴿ وَءَاخَرِینَ مِنۡهُمۡ لَمَّا یَلۡحَقُوا۟ بِهِمۡۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ ﴾[الجمعة: 3].
قال تعالى ( ٱللَّهُ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَاۤءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ )
قال تعالى ( ٱللَّهُ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَاۤءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ )
جاءت هذه الآية الكريمة في نهاية المقطع وفي أوله ( مَاۤ أَنزَلۡنَا عَلَیۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لِتَشۡقَىٰۤ )
وفيها الإشارة إلى فضل التعبد بالأسماء الحسنى دعاء ثناء ودعاء مسألة ، وأنّه سبب السعادة ، وفيها التنبيه إلى أنّ الأسماء الحسنى بوّابة توحيد الأولوهية ، وتوحيد الربوبيّة ،
ومن هنا جاء قول رسول الله ﷺ " إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ " متفق عليه ، قال الإمام الشافعي " جميع القرآن شرح لأسماء الله الحسنى وصفاته العليا "
قال تعالى ( كَذَ لِكَ نَسۡلُكُهُۥ فِی قُلُوبِ ٱلۡمُجۡرِمِینَ )
قد يولع الإنسان برأي وهو موغل في الضلال وتعلقه به ليس دليلا على صحته فلن يكون أشد حبا من بني إسرائيل لعجلهم "وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ
وقال تعالى ( كَذَ لِكَ نَسۡلُكُهُۥ فِی قُلُوبِ ٱلۡمُجۡرِمِینَ )
قال تعالى ( یُؤۡتِی ٱلۡحِكۡمَةَ مَن یَشَاۤءُۚ وَمَن یُؤۡتَ ٱلۡحِكۡمَةَ فَقَدۡ أُوتِیَ خَیۡرࣰا كَثِیرࣰاۗ وَمَا یَذَّكَّرُ إِلَّاۤ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ )
قال تعالى ( یُؤۡتِی ٱلۡحِكۡمَةَ مَن یَشَاۤءُۚ وَمَن یُؤۡتَ ٱلۡحِكۡمَةَ فَقَدۡ أُوتِیَ خَیۡرࣰا كَثِیرࣰاۗ وَمَا یَذَّكَّرُ إِلَّاۤ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ )
جعل الخير الكثير مع الحكمة في قرن، فهما لا يفترقان كما لا يفترق المعلول عن علته التامة، فالحكمة فعل ما ينبغي في الوقت الذي ينبغي ، على الوجه الذي ينبغي ، وهذا يشمل الغايات والوسائل
قال تعالى ( ذَ لِكُم بِأَنَّهُۥۤ إِذَا دُعِیَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُۥ كَفَرۡتُمۡ وَإِن یُشۡرَكۡ بِهِۦ تُؤۡمِنُوا۟ۚ فَٱلۡحُكۡمُ لِلَّهِ ٱلۡعَلِیِّ ٱلۡكَبِیرِ )
قال تعالى ( ذَ لِكُم بِأَنَّهُۥۤ إِذَا دُعِیَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُۥ كَفَرۡتُمۡ وَإِن یُشۡرَكۡ بِهِۦ تُؤۡمِنُوا۟ۚ فَٱلۡحُكۡمُ لِلَّهِ ٱلۡعَلِیِّ ٱلۡكَبِیرِ )
فقوله تعالى ( إِذَا دُعِیَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُۥ كَفَرۡتُمۡ وَإِن یُشۡرَكۡ بِهِۦ تُؤۡمِنُوا۟ۚ )
التنبيه أنّه يستحيل أن يجتمع النقيضان التوحيد والشرك الأكبر في شخص واحد ،فالنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان ، فالشيء لا يكون أسود أبيض ولا يكون متحركاً وساكناً في وقت واحد ، وهكذا التوحيد والشرك لأنهما ضدان ، فمن تلبس بالشرك الاكبر ارتفع عنه اسم التوحيد ، ومن كان مشركاً ثم وحد الله وأسلم ارتفع عنه اسم المشرك ، وهذا بإجماع أهل السنّة ولم يخالف فيه إلا الجهميّة .
قال تعالى ( وَلَوۡ عَلِمَ ٱللَّهُ فِیهِمۡ خَیۡرࣰا لَّأَسۡمَعَهُمۡۖ وَلَوۡ أَسۡمَعَهُمۡ لَتَوَلَّوا۟ وَّهُم مُّعۡرِضُونَ )
قال تعالى ( وَلَوۡ عَلِمَ ٱللَّهُ فِیهِمۡ خَیۡرࣰا لَّأَسۡمَعَهُمۡۖ وَلَوۡ أَسۡمَعَهُمۡ لَتَوَلَّوا۟ وَّهُم مُّعۡرِضُونَ )
ومن هنا قال رسول الله ﷺ " مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ" متفق عليه
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " كُلُّ مَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا لَا بُدَّ أَنْ يُفَقِّهَهُ فِي الدِّينِ ، فَمَنْ لَمْ يُفَقِّهْهُ فِي الدِّين ِ، لَمْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا ، وَالدِّينُ : مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ ؛ وَهُوَ مَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْءِ التَّصْدِيقُ بِهِ وَالْعَمَلُ بِهِ ، وَعَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُصَدِّقَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ ، وَيُطِيعَهُ فِيمَا أَمَرَ ، تَصْدِيقًا عَامًّا ، وَطَاعَةً عَامَّةً "مجموع الفتاوى 28/ 80
قال تعالى ( أَلَمۡ تَرَ كَیۡفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلࣰا كَلِمَةࣰ طَیِّبَةࣰ كَشَجَرَةࣲ طَیِّبَةٍ أَصۡلُهَا ثَابِتࣱ وَفَرۡعُهَا فِی ٱلسَّمَاۤءِ ٢٤ تُؤۡتِیۤ أُكُلَهَا كُلَّ حِینِۭ بِإِذۡنِ رَبِّهَاۗ وَیَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ یَتَذَكَّرُون)
قال تعالى ( أَلَمۡ تَرَ كَیۡفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلࣰا كَلِمَةࣰ طَیِّبَةࣰ كَشَجَرَةࣲ طَیِّبَةٍ أَصۡلُهَا ثَابِتࣱ وَفَرۡعُهَا فِی ٱلسَّمَاۤءِ ٢٤ تُؤۡتِیۤ أُكُلَهَا كُلَّ حِینِۭ بِإِذۡنِ رَبِّهَاۗ وَیَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ یَتَذَكَّرُون)
أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والبَيْهَقِيُّ في «الأسْماءِ والصِّفاتِ» عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ( ﴿ألَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً﴾ ) شَهادَةُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ ( ﴿كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ﴾ ) وهُو المُؤْمِنُ ( ﴿أصْلُها ثابِتٌ﴾ ) يَقُولُ: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ ثابِتٌ في قَلْبِ المُؤْمِنِ ( ﴿وفَرْعُها في السَّماءِ﴾ ) يَقُولُ: يُرْفَعُ بِها عَمَلُ المُؤْمِنِ إلى السَّماءِ " انتهى
الشجرة لا تستحق أن تسمى شجرة إلا بثلاثة أشياء : عرق راسخ وأصل قائم وأغصان عالية ، كذلك التوحيد لايتم إلا بثلاثة أشياء معرفة في القلب ، وقول باللسان ، وعمل بالأبدان ، وثمرة التوحيد التعظيم لأمر الله وهذا هو الإحسان في عبادة الله ، والإحسان والشفقة على خلق الله ، فهو ينظر للأمور بالعبرة كما قال تعالى ( فَٱعۡتَبِرُوا۟ یَـٰۤأُو۟لِی ٱلۡأَبۡصَـٰرِ ) وسماعه بالحكمة كما قال تعالى ( ٱلَّذِینَ یَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقَوۡلَ فَیَتَّبِعُونَ أَحۡسَنَهُۥۤۚ ) ونطقه بالصدق والصواب كما قال تعالى ( كُونُوا۟ قَوَّ ٰمِینَ بِٱلۡقِسۡطِ شُهَدَاۤءَ لِلَّهِ وَلَوۡ عَلَىٰۤ أَنفُسِكُمۡ أَوِ ٱلۡوَ ٰلِدَیۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِینَۚ )
وكلما كان رسوخ شجرة التوحيد في أرض قلبه أقوى وأكمل كان ظهور هذا الآثار عنده أكثر ، ، فلا يزال يصعد منها في كل حين ولحظة كلام طيّب وعمل صالح وخضوع وخشوع وبكاء وتذلل ، كثمرة هذه الشجرة الطيّبة ، وقوله تعالى ( بِإِذۡنِ رَبِّهَاۗ ) فهو لله وبالله وهذا الذي يثمر له معيّة الله .
قال تعالى ( وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَادࣰا یُحِبُّونَهُمۡ كَحُبِّ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَشَدُّ حُبࣰّا لِّلَّهِۗ وَلَوۡ یَرَى ٱلَّذِینَ ظَلَمُوۤا۟ إِذۡ یَرَوۡنَ ٱلۡعَذَابَ أَنَّ ٱلۡقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِیعࣰا وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِیدُ ٱلۡعَذَابِ )
قال تعالى ( وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَادࣰا یُحِبُّونَهُمۡ كَحُبِّ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَشَدُّ حُبࣰّا لِّلَّهِۗ وَلَوۡ یَرَى ٱلَّذِینَ ظَلَمُوۤا۟ إِذۡ یَرَوۡنَ ٱلۡعَذَابَ أَنَّ ٱلۡقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِیعࣰا وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِیدُ ٱلۡعَذَابِ )
أكثر الناس محبتهم لله محبّة للربوبيّة ، فتكون من المؤمن والكافر ، وإنّما الشأن في محبّة الألوهيّة ، فالأولى محبّة الطلب منه ﷻ والثانية محبته لذاته وأسمائه وصفاته وهي التي تقتضي كمال التوحيد والإخلاص وإتبّاع رسوله صلى الله عليه وسلم ، وتتضمن محبة العبد لله تعالى لربوبيته ، فالأولى لا يلزم منها محبّة الله للعبد ، والثانية يلزم منها محبّة الله للعبد ، وقال تعالى ( قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِی یُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَیَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ )
قال تعالى ( أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ ثَمَرَ تࣲ مُّخۡتَلِفًا أَلۡوَ نُهَاۚ ، وَمِنَ ٱلۡجِبَالِ جُدَدُۢ بِیضࣱ وَحُمۡرࣱ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَ نُهَا وَغَرَابِیبُ سُودࣱ٢٧ وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَاۤبِّ وَٱلۡأَنۡعَـٰمِ مُخۡتَلِفٌ أَلۡوَ نُهُۥ كَذَ لِكَۗ إِنَّمَا یَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَـٰۤؤُا۟ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِیزٌ غَفُورٌ )
قال تعالى ( أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ ثَمَرَ تࣲ مُّخۡتَلِفًا أَلۡوَ نُهَاۚ ، وَمِنَ ٱلۡجِبَالِ جُدَدُۢ بِیضࣱ وَحُمۡرࣱ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَ نُهَا وَغَرَابِیبُ سُودࣱ٢٧ وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَاۤبِّ وَٱلۡأَنۡعَـٰمِ مُخۡتَلِفٌ أَلۡوَ نُهُۥ كَذَ لِكَۗ إِنَّمَا یَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَـٰۤؤُا۟ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِیزٌ غَفُورٌ )
"قوله ﷻ " وَمِنَ ٱلۡجِبَالِ جُدَدُۢ بِیضࣱ وَحُمۡرࣱ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَ نُهَا وَغَرَابِیبُ سُودࣱ
جُدد طُرق تكون في الجبل جمع جادّة ، وفي الآية الإشارة إلى قول رسول الله ﷺ " قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ، وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ "
فهي ثلاث طرق ، فالبيضاء وهي طريقة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابهِ وسلف الأُمة ، والحُمر سبيل أهل البدع لا لتباس الحق والباطل فيها ، والغرابيب هي سبيل الكفرة والمشركين لتميزها ووضوحها ، ومناسبة ذكر العلماء في الآية بعدها تنبيهاً إلى أنّهم أعلم الناس بهذه الطرق الثلاث .
قال تعالى ( فَلَمَّا جَاۤءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ فَرِحُوا۟ بِمَا عِندَهُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا۟ بِهِۦ یَسۡتَهۡزِءُونَ )
قال تعالى ( فَلَمَّا جَاۤءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ فَرِحُوا۟ بِمَا عِندَهُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا۟ بِهِۦ یَسۡتَهۡزِءُونَ )
" فَرِحُوا بِما عِنْدَهم مِنَ العِلْمِ﴾ أيْ: أظْهَرُوا الفَرَحَ بِما عِنْدَهم مِمّا يَدَّعُونَ أنَّهُ مِنَ العِلْمِ مِنَ الشُّبَهِ الدّاحِضَةِ والدَّعاوى الزّائِغَةِ، وسَمّاهُ عِلْمًا تَهَكُّمًا بِهِمْ، أوْ عَلى ما يَعْتَقِدُونَهُ" انتهى من تفسير فتح القدير للشوكاني
وفيها التنبيه أنّ الفرح بالعلم نوعان : نوع يسر النفس ويشبع رغبتها ونوع : يسر القلب ويزيده تعلقاً بالله واتباعاً للرسول ﷺ ، قال ابن القيّم رحمه الله في بيان فضل القرآن على العلوم "وعلِم أن ما عداه - أي القرآن - من كتب الناس وآرائهم ومعقولاتهم بين علوم لا ثقة بها،وإنما هى آراء وتقليد، وبين ظنون كاذبة لا تغنى من الحق شيئا، وبين أمور صحيحة لامنفعة للقلب فيها،وبين علوم صحيحة قد وعّروا الطريق إلى تحصيلها، وأطالوا الكلام فى إثباتها، مع قلة نفعها" إغاثة اللهفان١/٤٤
قال تعالى ( أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱلۡفُلۡكَ تَجۡرِی فِی ٱلۡبَحۡرِ بِنِعۡمَتِ ٱللَّهِ لِیُرِیَكُم مِّنۡ ءَایَـٰتِهِۦۤۚ إِنَّ فِی ذَ لِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّكُلِّ صَبَّارࣲ شَكُورࣲ)
قال تعالى ( أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱلۡفُلۡكَ تَجۡرِی فِی ٱلۡبَحۡرِ بِنِعۡمَتِ ٱللَّهِ لِیُرِیَكُم مِّنۡ ءَایَـٰتِهِۦۤۚ إِنَّ فِی ذَ لِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّكُلِّ صَبَّارࣲ شَكُورࣲ)
نبّه ﷻ في هذه الآية أنّ الدنيا بحر عميق وقد غرق فيها خلق كثير وأنّ سفينة النجاة منها يكون بالصبر والشكر
كما أن سفينة النجاة في البحر ألواح ودسر
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر "
قال تعالى ( ﴿إِنَّا نَحۡنُ نُحۡیِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَنَكۡتُبُ مَا قَدَّمُوا۟ وَءَاثَـٰرَهُمۡۚ وَكُلَّ شَیۡءٍ أَحۡصَیۡنَـٰهُ فِیۤ إِمَامࣲ مُّبِینࣲ)
قال تعالى ( ﴿إِنَّا نَحۡنُ نُحۡیِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَنَكۡتُبُ مَا قَدَّمُوا۟ وَءَاثَـٰرَهُمۡۚ وَكُلَّ شَیۡءٍ أَحۡصَیۡنَـٰهُ فِیۤ إِمَامࣲ مُّبِینࣲ)
ليست العبرة بطول العمر وعدد السنين وإنّما بما قدّم المرء في حياته من عمل صالح وماترك من آثار بعد موته وهو ما يعرف ببركة العمر ، قال تعالى ( أَوَلَمۡ نُعَمِّرۡكُم مَّا یَتَذَكَّرُ فِیهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاۤءَكُمُ ٱلنَّذِیرُۖ فَذُوقُوا۟ فَمَا لِلظَّـٰلِمِینَ مِن نَّصِیرٍ )
قال تعالى: ﴿وَلَو عَلِمَ اللَّهُ فيهِم خَيرًا لَأَسمَعَهُم وَلَو أَسمَعَهُم لَتَوَلَّوا وَهُم مُعرِضونَ﴾ [الأنفال: ٢٣].
قال تعالى: ﴿وَلَو عَلِمَ اللَّهُ فيهِم خَيرًا لَأَسمَعَهُم وَلَو أَسمَعَهُم لَتَوَلَّوا وَهُم مُعرِضونَ﴾ [الأنفال: ٢٣].
🔦ومن هنا قال رسول اللهﷺ: ((مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ)) متفق عليه.
📜قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "كُلُّ مَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا لَا بُدَّ أَنْ يُفَقِّهَهُ فِي الدِّينِ، فَمَنْ لَمْ يُفَقِّهْهُ فِي الدِّين ، لَمْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا، وَالدِّينُ: مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ؛ وَهُوَ مَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْءِ التَّصْدِيقُ بِهِ وَالْعَمَلُ بِهِ، وَعَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُصَدِّقَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ، وَيُطِيعَهُ فِيمَا أَمَرَ، تَصْدِيقًا عَامًّا، وَطَاعَةً عَامَّةً". [مجموع الفتاوى (28/ 80)].
قال تعالى: ﴿وَمِنَ الأَنعامِ حَمولَةً وَفَرشًا كُلوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعوا خُطُواتِ الشَّيطانِ إِنَّهُ لَكُم عَدُوٌّ مُبينٌ﴾ [الأنعام: ١٤٢]
قال تعالى: ﴿وَمِنَ الأَنعامِ حَمولَةً وَفَرشًا كُلوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعوا خُطُواتِ الشَّيطانِ إِنَّهُ لَكُم عَدُوٌّ مُبينٌ﴾ [الأنعام: ١٤٢]
وفيها قولهﷻ: {وَفَرۡشࣰاۚ} هي صِغار الإبل، وليس معناها الفِراش، أخرج ابن أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قالَ: (الحَمُولَةُ ما حُمِلَ عَلَيْهِ مِنَ الإبِلِ، والفَرْشُ صِغارُ الإبِلِ الَّتِي لا تَحْمِلُ).
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ أبِي حاتم ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ -رضي الله عنهما- قالَ: (الحَمُولَةُ الكِبارُ مِنَ الإبِلِ، والفَرْشُ الصِّغارُ مِنَ الإبِلِ).
وقيل الفرش صغار بهيمة الأنعام، وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ -رضي الله عنهما- قالَ: (الحَمُولَةُ الإبِلُ والخَيْلُ والبِغالُ والحَمِيرُ، وكُلُّ شَيْءٍ يُحْمَلُ عَلَيْهِ، والفَرْشُ الغَنَمُ).
قال تعالى: ﴿وَإِذ جَعَلنَا البَيتَ مَثابَةً لِلنّاسِ وَأَمنًا وَاتَّخِذوا مِن مَقامِ إِبراهيمَ مُصَلًّى ..﴾ [البقرة: ١٢٥]
قال تعالى: ﴿وَإِذ جَعَلنَا البَيتَ مَثابَةً لِلنّاسِ وَأَمنًا وَاتَّخِذوا مِن مَقامِ إِبراهيمَ مُصَلًّى ..﴾ [البقرة: ١٢٥]
وذلك مندرج ضمن قوله تعالى: ﴿.. إِنّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمامًا ..﴾ [البقرة: ١٢٤]. لم يقل اتخذوا من مقام إبراهيم مسجدا وإنّما قال: {مُصَلًّى}.
وفيه التنبيه إلى بطلان إتخاذ المساجد على القبور، وأنّه من مظاهر الشرك كما دلت عليه السُنّة الصحيحة المستفيضة عن النبيﷺ.
قال تعالى: ﴿لَقَد تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالمُهاجِرينَ وَالأَنصارِ الَّذينَ اتَّبَعوهُ في ساعَةِ العُسرَةِ مِن بَعدِ ما كادَ يَزيغُ قُلوبُ فَريقٍ مِنهُم ثُمَّ تابَ عَلَيهِم إِنَّهُ بِهِم رَءوفٌ رَحيمٌ﴾ [التوبة: ١١٧].
قال تعالى: ﴿لَقَد تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالمُهاجِرينَ وَالأَنصارِ الَّذينَ اتَّبَعوهُ في ساعَةِ العُسرَةِ مِن بَعدِ ما كادَ يَزيغُ قُلوبُ فَريقٍ مِنهُم ثُمَّ تابَ عَلَيهِم إِنَّهُ بِهِم رَءوفٌ رَحيمٌ﴾ [التوبة: ١١٧].
كانوا في عسرة من الزمان بالجدب والضيقة الشديدة والحر الشديد، وعسرة من الظهر، يعتقب العشرة على بعير واحد، وعسرة من الزاد، وعسرة من الماء؛ ومع هذا كله سماها ساعة
وفي ذلك الإشارة إلى قولهﷺ: ((وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ، مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ، وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطّ)) رواه مسلم.
قال تعالى: ﴿الَّذينَ آمَنوا وَلَم يَلبِسوا إيمانَهُم بِظُلمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الأَمنُ وَهُم مُهتَدونَ﴾ [الأنعام: ٨٢].
قال تعالى: ﴿الَّذينَ آمَنوا وَلَم يَلبِسوا إيمانَهُم بِظُلمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الأَمنُ وَهُم مُهتَدونَ﴾ [الأنعام: ٨٢].
وقال تعالى: ﴿مَن جاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ خَيرٌ مِنها وَهُم مِن فَزَعٍ يَومَئِذٍ آمِنونَ﴾ [النمل: ٨٩].
أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والبَيْهَقِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ -رضي الله عنهما-: ﴿مَن جاءَ بِالحَسَنَةِ﴾ قالَ: بِ: لا إلَهٍ إلّا اللَّهُ، ﴿فَلَهُ خَيْرٌ مِنها﴾ قالَ: فَمِنها وصَلَ إلى الخَيْرُ، ﴿ومَن جاءَ بِالسَّيِّئَةِ﴾ قالَ: الشِّرْكِ".
فالتوحيد أعظم أسباب الأمن في الدنيا والآخرة وحقيقته إفراد الله بالتعلّق تعبُداً وا ستعانة، قال تعالى: {إِیَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِیَّاكَ نَسۡتَعِینُ}.
قال تعالى: ﴿قُل إِنَّ صَلاتي وَنُسُكي وَمَحيايَ وَمَماتي لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ﴾ [الأنعام: ١٦٢]
قال تعالى: ﴿قُل إِنَّ صَلاتي وَنُسُكي وَمَحيايَ وَمَماتي لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ﴾ [الأنعام: ١٦٢]
قولهﷻ: {وَمَحيايَ وَمَماتي}.
المقصود بمحيياي ماجاء في قوله تعالى: ﴿أَوَمَن كانَ مَيتًا فَأَحيَيناهُ وَجَعَلنا لَهُ نورًا يَمشي بِهِ فِي النّاسِ كَمَن مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيسَ بِخارِجٍ مِنها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلكافِرينَ ما كانوا يَعمَلونَ﴾ [الأنعام: ١٢٢]
وقولهﷻ: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا استَجيبوا لِلَّهِ وَلِلرَّسولِ إِذا دَعاكُم لِما يُحييكُم وَاعلَموا أَنَّ اللَّهَ يَحولُ بَينَ المَرءِ وَقَلبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيهِ تُحشَرونَ﴾ [الأنفال: ٢٤]
وقوله تعالى: ﴿أَم حَسِبَ الَّذينَ اجتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَجعَلَهُم كَالَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَواءً مَحياهُم وَمَماتُهُم ساءَ ما يَحكُمونَ﴾ [الجاثية: ٢١]
فالمقصود بقولهﷻ {وَمَحۡیَایَ} أي: على التوحيد والإستقامة، وكذا مماتي، قالﷺ: ((اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِيمَانِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِسْلَامِ)) لفظ أبي داود.
قال تعالى: ﴿إِذ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسلِم قالَ أَسلَمتُ لِرَبِّ العالَمينَ﴾ [البقرة: ١٣١].
قال تعالى: ﴿إِذ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسلِم قالَ أَسلَمتُ لِرَبِّ العالَمينَ﴾ [البقرة: ١٣١]
التوكل: إسقاط التدبير، يعني؛ الاستسلام لتدبير الرب لك وهذا في غير باب الأمر والنهي بل فيما يفعله بك لا فيما أمرك بفعله، فتمام التوكل في التكاليف الإستعانة للقيام بأمره واعلم -رحمك الله- أنّ روح التوكل على الله ولبه وحقيقته هو إلقاء أمورك كلها إلى الله وإنزالها به طلبا واختيارا لا كرها واضطرارا بل كتفويض الابن العاجز الضعيف المغلوب على أمره كل أموره إلى أبيه العالم بشفقته عليه ورحمته وتمام كفايته وحسن ولايته له وتدبيره له فهو يرى أن تدبير أبيه له خير من تدبيره لنفسه وقيامه بمصالحه وتوليه لها خير من قيامه هو بمصالح نفسه وتوليه لها، فلا يجد له أصلح ولا أرفق من تفويضه أموره كلها إلى أبيه وراحته من حمل كلفها وثقل حملها مع عجزه عنها وجهله بوجوه المصالح فيها وعلمه بكمال علم من فوض إليه وقدرته وشفقته" [انتهى من كلام ابن القيّم رحمه الله]
وقال تعالى: ﴿وَأَوحَينا إِلى أُمِّ موسى أَن أَرضِعيهِ فَإِذا خِفتِ عَلَيهِ فَأَلقيهِ فِي اليَمِّ وَلا تَخافي وَلا تَحزَني إِنّا رادّوهُ إِلَيكِ وَجاعِلوهُ مِنَ المُرسَلينَ﴾ [القصص: ٧]
الإلقاء في اليم مظنة هلاك، لكنها هذه المرة لموسى سببُ نجاة، فتسليم المرء أموره لله
أنفع له في العاجل والآجل، وذلك لعدم علمك بعواقب الأمور، فربما دبرت أمرًا عظيمًا ظننت أنه لك فكان عليك، وربما أتت الفوائد من وجوه الشدائد، والشدائد من وجوه الفوائد، والأضرار من وجوه المسار، والمسار من وجوه الأضرار ، وربما كمنت المنن في المحن، والمحن في المنن، وربما انتفعت على أيدي الأعداء وأُرديت على أيدي الأحباب، ولا يغب عنك ماجرى في قصة موسى مع الخضر عليهما السلام ، فكان للأمور ظاهر وباطن لا يعلم حقيقته إلا الله.
قال تعالى: ﴿وَمِنَ النّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دونِ اللَّهِ أَندادًا يُحِبّونَهُم كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذينَ آمَنوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَو يَرَى الَّذينَ ظَلَموا إِذ يَرَونَ العَذابَ أَنَّ القُوَّةَ لِلَّهِ جَميعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَديدُ العَذابِ﴾ [البقرة: ١٦٥].
قال تعالى: ﴿وَمِنَ النّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دونِ اللَّهِ أَندادًا يُحِبّونَهُم كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذينَ آمَنوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَو يَرَى الَّذينَ ظَلَموا إِذ يَرَونَ العَذابَ أَنَّ القُوَّةَ لِلَّهِ جَميعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَديدُ العَذابِ﴾ [البقرة: ١٦٥].
أكثر الناس محبتهم لله محبّة للربوبيّة، فتكون من المؤمن والكافر، وإنّما الشأن في محبّة الألوهيّة، فالأولى محبّة الطلب منهﷻ، والثانية محبته لذاته وأسمائه وصفاته وهي التي تقتضي كمال التوحيد والإخلاص وإتبّاع رسوله صلى الله عليه وسلم، وتتضمن محبة العبد لله تعالى لربوبيته
فالأولى لا يلزم منها محبّة الله للعبد، والثانية يلزم منها محبّة الله للعبد، وقال تعالى: ﴿قُل إِن كُنتُم تُحِبّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعوني يُحبِبكُمُ اللَّهُ وَيَغفِر لَكُم ذُنوبَكُم وَاللَّهُ غَفورٌ رَحيمٌ﴾ [آل عمران: ٣١]
قال تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعلَمُ أَنَّكَ تَقومُ أَدنى مِن ثُلُثَيِ اللَّيلِ وَنِصفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَن لَن تُحصوهُ فَتابَ عَلَيكُم فَاقرَءوا ما تَيَسَّرَ مِنَ القُرآنِ عَلِمَ أَن سَيَكونُ مِنكُم مَرضى وَآخَرونَ يَضرِبونَ فِي الأَرضِ يَبتَغونَ مِن فَضلِ اللَّهِ وَآخَرونَ يُقاتِلونَ في سَبيلِ اللَّهِ فَاقرَءوا ما تَيَسَّرَ مِنهُ وَأَقيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقرِضُوا اللَّهَ قَرضًا حَسَنًا وَما تُقَدِّموا لِأَنفُسِكُم مِن خَيرٍ تَجِدوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيرًا وَأَعظَمَ أَجرًا وَاستَغفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفورٌ رَحيمٌ﴾ [المزمل: ٢٠].
قال تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعلَمُ أَنَّكَ تَقومُ أَدنى مِن ثُلُثَيِ اللَّيلِ وَنِصفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَن لَن تُحصوهُ فَتابَ عَلَيكُم فَاقرَءوا ما تَيَسَّرَ مِنَ القُرآنِ عَلِمَ أَن سَيَكونُ مِنكُم مَرضى وَآخَرونَ يَضرِبونَ فِي الأَرضِ يَبتَغونَ مِن فَضلِ اللَّهِ وَآخَرونَ يُقاتِلونَ في سَبيلِ اللَّهِ فَاقرَءوا ما تَيَسَّرَ مِنهُ وَأَقيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقرِضُوا اللَّهَ قَرضًا حَسَنًا وَما تُقَدِّموا لِأَنفُسِكُم مِن خَيرٍ تَجِدوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيرًا وَأَعظَمَ أَجرًا وَاستَغفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفورٌ رَحيمٌ﴾ [المزمل: ٢٠].
ذُكرت في الآية جملة من العبادات ومنها الصلاة وقراءة القرآن وختمت بالإستغفار، وهذا يُصدّق الحديث الذي رواه النسائي وبوب عليه: [ماتختم به تلاوة القرآن]
عن عائشةَ -رضي الله عنها- أنّها قالتْ: ما جَلَسَ رَسُولُ اللهِﷺ مَجْلِسًا قَطُّ، ولا تَلا قُرْآنًا، ولا صَلّى صَلاةً، إلاَّ خَتَمَ ذَلِكَ بِكَلِماتٍ، قالَتْ: فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، أراكَ ما تَجْلِسُ مَجْلِسًا، ولا تَتْلُو قُرْآنًا، ولا تُصَلِّي صَلاةً، إلاَّ خَتَمْتَ بِهَؤُلاءِ الكَلِماتِ؟ قالَ: ((نَعَمْ، مَن قالَ خَيْرًا، خُتِمَ لَهُ طابَعٌ عَلى ذَلِكَ الخَيْرِ، ومَن قالَ شَرًّا، كُنَّ لَهُ كَفّارَةً: سُبْحانَكَ وبِحَمْدِكَ، لا إلَهَ إلاَّ أنْتَ، أسْتَغْفِرُكَ وأَتُوبُ إلَيْكَ)). وصححه الحافظ ابن حجر في النُكت، والألباني -رحمهما الله-
ويشهد له حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- من توضأَ فقال : ((سبحانك اللَّهمَّ وبحمدِك أشهدُ أن لا إلهَ إلا أنت أستغفرُك وأتوبُ إليك، كُتِبَ في رقٍّ ثم طُبِعَ بطابعٍ، فلم يُكْسَرْ إلى يومِ القيامةِ)). رواه النسائي وصحح وقفه، ومثله لا يقال بالرأي
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وَهَذَا الذِّكْرُ يَتَضَمَّنُ التَّوْحِيدَ وَالِاسْتِغْفَارَ". [انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5/ 236)]
قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَتَّبِعوا خُطُواتِ الشَّيطانِ وَمَن يَتَّبِع خُطُواتِ الشَّيطانِ فَإِنَّهُ يَأمُرُ بِالفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَلَولا فَضلُ اللَّهِ عَلَيكُم وَرَحمَتُهُ ما زَكى مِنكُم مِن أَحَدٍ أَبَدًا وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكّي مَن يَشاءُ وَاللَّهُ سَميعٌ عَليمٌ﴾ [النور: ٢١].
قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَتَّبِعوا خُطُواتِ الشَّيطانِ وَمَن يَتَّبِع خُطُواتِ الشَّيطانِ فَإِنَّهُ يَأمُرُ بِالفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَلَولا فَضلُ اللَّهِ عَلَيكُم وَرَحمَتُهُ ما زَكى مِنكُم مِن أَحَدٍ أَبَدًا وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكّي مَن يَشاءُ وَاللَّهُ سَميعٌ عَليمٌ﴾ [النور: ٢١].
وفيها التنبيه إلى أنّ:
أصعب الحرام أوله ثم يسهل ثم يستساغ ثم يُؤْلَف ثم يحلو ثم يطبع على القلب ثم يبحث القلب عن حرام آخر!!.
كما قال الأعشى:
وَكَأسٍ شَرِبتُ عَلى لَذَّةٍ
وَأُخرى تَداوَيتُ مِنها بِها
قال تعالى: ﴿قالَ سَآوي إِلى جَبَلٍ يَعصِمُني مِنَ الماءِ قالَ لا عاصِمَ اليَومَ مِن أَمرِ اللَّهِ إِلّا مَن رَحِمَ وَحالَ بَينَهُمَا المَوجُ فَكانَ مِنَ المُغرَقينَ﴾ [هود: ٤٣].
قال تعالى: ﴿قالَ سَآوي إِلى جَبَلٍ يَعصِمُني مِنَ الماءِ قالَ لا عاصِمَ اليَومَ مِن أَمرِ اللَّهِ إِلّا مَن رَحِمَ وَحالَ بَينَهُمَا المَوجُ فَكانَ مِنَ المُغرَقينَ﴾ [هود: ٤٣].
وفيها:
{إِلى جَبَلٍ يَعصِمُني}، أَيْ: يَمْنَعُنِي، {مِنَ الْماءِ} فَلَا أَغْرَقُ
إذا تعلَّق القلبُ بغير الله محبةً، أو توكلاً، أو خوفًا، أو رجاءً، فلا بد أن يشقى العبد، فهو تَعِيس غير سعيد، والأمر كما قال النبيﷺ: ((تَعِس عبدُ الدينار، وعبدُ الدِّرهم، وعبد الخَمِيصة، وعبد القَطِيفة)) رواه البخاري
وقال ابن القيّم -رحمه الله-: "إذا تعلق بغير الله وكَّله الله إلى ما تعلق به، وخذله من جهة ما تعلق به، وَ فَاتَه تحصيل مقصوده من الله عز وجل بتعلقه بغيره والتفاته إلى سواه، فلا على نصيبه من الله حصل، ولا إلى ما أمله ممن تعلق به وصل، قال الله تعالى: ﴿وَاتَّخَذوا مِن دونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكونوا لَهُم عِزًّا * كَلّا سَيَكفُرونَ بِعِبادَتِهِم وَيَكونونَ عَلَيهِم ضِدًّا﴾ [مريم: ٨١-٨٢]
وقال تعالى: ﴿وَاتَّخَذوا مِن دونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُم يُنصَرونَ * لا يَستَطيعونَ نَصرَهُم وَهُم لَهُم جُندٌ مُحضَرونَ﴾ [يس: ٧٤-٧٥]
قال تعالى: ﴿.. وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُليا وَاللَّهُ عَزيزٌ حَكيمٌ﴾ [التوبة: ٤٠].
قال تعالى: ﴿.. وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُليا وَاللَّهُ عَزيزٌ حَكيمٌ﴾ [التوبة: ٤٠].
أخرج ابْنُ أبِي حاتِمٍ، والبَيْهَقِيُّ في ”الأسْماءِ والصِّفاتِ“ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ -رضي الله عنهما- في قَوْلِهِ: {وكَلِمَةُ اللَّهِ هي العُلْيا} قالَ: (لا إلَهَ إلّا اللَّه}.
وفيها من الفوائد:
① أنّ تفاوت منازل الناس في الجنّة، سببه تفاوت حظهم من كلمة التوحيد علماً وعملاً.
② وفيها: أنّ ظهور المسلمين على غيرهم من الأمم سببه علمهم بكلمة التوحيد وعملهم بها.
③ وفيها: أنّ ذكر الله ب "لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" سببٌ للعلو على شياطين الإنس، كما ثبت في الحديث.
④ وفيها: أنّ كل جماعة أوحزب إسلامي لا يكون محور دعوتها وأساسة كلمة التوحيد علماً وعملاً ودعوةً وولاءً ومعاداةً فهي دعوة فاشلة
وفي حديث أبي الْأَشْعَرِيُّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَجُلًا أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِيَّﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُذْكَرَ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُﷺ: ((مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ أَعْلَى فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)) متفق عليه .
قال تعالى: ﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَن تَبيدَ هذِهِ أَبَدًا * وَما أَظُنُّ السّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِن رُدِدتُ إِلى رَبّي لَأَجِدَنَّ خَيرًا مِنها مُنقَلَبًا﴾ [الكهف: ٣٥-٣٦].
قال تعالى: ﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَن تَبيدَ هذِهِ أَبَدًا * وَما أَظُنُّ السّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِن رُدِدتُ إِلى رَبّي لَأَجِدَنَّ خَيرًا مِنها مُنقَلَبًا﴾ [الكهف: ٣٥-٣٦].
قال بعدها: ﴿... يا لَيتَني لَم أُشرِك بِرَبّي أَحَدًا﴾ [الكهف: ٤٢].
قد يتسائل أحدٌ ماهو الشرك الذي وقع فيه؟!!
والجواب هو أنّه نسب ماهو فيه من خير لنفسه، بل قال: {وَلَئِن رُدِدتُ إِلى رَبّي لَأَجِدَنَّ خَيرًا مِنها مُنقَلَبًا} وذلك أنّه لَمّا أعْطاهُ الله المالَ في الدُّنْيا ظَنَّ أنَّهُ إنَّما أعْطاهُ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مُسْتَحِقًّا لَهُ، والِاسْتِحْقاقُ باقٍ بَعْدِ المَوْتِ فَوَجَبَ حُصُولُ العَطاءِ!!
ونظيرها قوله تعالى: ﴿فَإِذا مَسَّ الإِنسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلناهُ نِعمَةً مِنّا قالَ إِنَّما أوتيتُهُ عَلى عِلمٍ بَل هِيَ فِتنَةٌ وَلكِنَّ أَكثَرَهُم لا يَعلَمونَ﴾ [الزمر: ٤٩].
وفي ذلك التنبيه إلى أنّ الشرك، ليس مقصوراً على صرف العبادة لغير الله، بل نسبة النعم إلى غيره من الشرك الأ كبر، إذا كان عقيدة، ولهذا قال له صاحبه: ﴿قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرتَ بِالَّذي خَلَقَكَ مِن تُرابٍ ثُمَّ مِن نُطفَةٍ ثُمَّ سَوّاكَ رَجُلًا﴾ [الكهف: ٣٧].
ومن هنا قال سليمان -عليه السلام-: ﴿قالَ الَّذي عِندَهُ عِلمٌ مِنَ الكِتابِ أَنا آتيكَ بِهِ قَبلَ أَن يَرتَدَّ إِلَيكَ طَرفُكَ فَلَمّا رَآهُ مُستَقِرًّا عِندَهُ قالَ هذا مِن فَضلِ رَبّي لِيَبلُوَني أَأَشكُرُ أَم أَكفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّما يَشكُرُ لِنَفسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبّي غَنِيٌّ كَريمٌ﴾ [النمل: ٤٠].
قال تعالى: ﴿قالَ الَّذينَ استَكبَروا لِلَّذينَ استُضعِفوا أَنَحنُ صَدَدناكُم عَنِ الهُدى بَعدَ إِذ جاءَكُم بَل كُنتُم مُجرِمينَ﴾ [سبأ: ٣٢].
قال تعالى: ﴿قالَ الَّذينَ استَكبَروا لِلَّذينَ استُضعِفوا أَنَحنُ صَدَدناكُم عَنِ الهُدى بَعدَ إِذ جاءَكُم بَل كُنتُم مُجرِمينَ﴾ [سبأ: ٣٢].
وفيها:
قولهم: {أَنَحۡنُ صَدَدۡنَـٰكُمۡ عَنِ ٱلۡهُدَىٰ بَعۡدَ إِذۡ جَاۤءَكُمۖ} هذا قالوه في دار الحق، حيث لا مجال لقول الباطل.
وفيه التنبيه أنّه لا عذر لأحد بإضلال غيره له بعد بلوغ الرسالة، وذلك أنّ التوحيد عمل قلبي لا سلطة لبشر عليه، ولهذا لم يستثن اللهﷻ إلا المُكره، قال تعالى: ﴿مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعدِ إيمانِهِ إِلّا مَن أُكرِهَ وَقَلبُهُ مُطمَئِنٌّ بِالإيمانِ وَلكِن مَن شَرَحَ بِالكُفرِ صَدرًا فَعَلَيهِم غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُم عَذابٌ عَظيمٌ﴾ [النحل: ١٠٦].
ومن استغاث بالأموات وقدّم لهم القرابين وصرف العبادة لهم فقد شرح بالكفر صدراً، وفي الصحيحين عن أَنَسٍ -رضي الله عنه- يَرْفَعُهُ: ((إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لِأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا: لَوْ أَنَّ لَكَ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ كُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَقَدْ سَأَلْتُكَ مَا هُوَ أَهْوَنُ مِنْ هَذَا، وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ؛ أَنْ لَا تُشْرِكَ بِي، فَأَبَيْتَ إِلَّا الشِّرْكَ)).
قال تعالى: ﴿يَحلِفونَ بِاللَّهِ لَكُم لِيُرضوكُم وَاللَّهُ وَرَسولُهُ أَحَقُّ أَن يُرضوهُ إِن كانوا مُؤمِنينَ﴾ [التوبة: ٦٢].
قال تعالى: ﴿يَحلِفونَ بِاللَّهِ لَكُم لِيُرضوكُم وَاللَّهُ وَرَسولُهُ أَحَقُّ أَن يُرضوهُ إِن كانوا مُؤمِنينَ﴾ [التوبة: ٦٢].
وفيها:
إذا رأيت نفسك تحرص على إرضاء الناس مثل إرضاء الله أو أكثر فاعلم أنّ فيها شعبة من شُعب النفاق، كَتَبَ مُعَاوِيَةُ -رضي الله عنه- إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: (أَنِ اكْتُبِي إِلَيَّ كِتَابًا تُوصِينِي فِيهِ، وَلَا تُكْثِرِي عَلَيَّ). فَكَتَبَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِلَى معاوية -رضي الله عنه-: (سَلَامٌ عَلَيْكَ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((مَنِ الْتَمَسَ رِضَاءَ اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَاءَ النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ)). وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ). رواه الترمذي بإسناد صحيح.
قال تعالى: ﴿أَم لِلإِنسانِ ما تَمَنّى﴾ [النجم: ٢٤]
قال تعالى: ﴿أَم لِلإِنسانِ ما تَمَنّى﴾ [النجم: ٢٤].
وفيها:
"المُرادُ نَفْيُ أنْ يَكُونَ لِلْكَفَرَةِ ما كانُوا يَطْمَعُونَ فِيهِ مِن شَفاعَةِ الآلِهَةِ والظَّفَرِ بِالحُسْنى عِنْدَ اللَّهِ تَعالى يَوْمَ القِيامَةِ، وما كانُوا يَشْتَهُونَهُ مِن نُزُولِ القُرْآنِ عَلى رَجُلٍ مِن إحْدى القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ونَحْوَ ذَلِكَ" [انتهى من تفسير الألوسي].
و قال الحسن البصري -رحمه الله-: "ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، إن قومًا ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، وقالوا: نُحْسِنَ الظنَّ بالله تعالى، وكذبوا لو أحسنوا الظنَّ لأحسنوا العمل".
قال تعالى: ﴿قُل بِفَضلِ اللَّهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذلِكَ فَليَفرَحوا هُوَ خَيرٌ مِمّا يَجمَعونَ﴾ [يونس: ٥٨].
قال تعالى: ﴿قُل بِفَضلِ اللَّهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذلِكَ فَليَفرَحوا هُوَ خَيرٌ مِمّا يَجمَعونَ﴾ [يونس: ٥٨].
وفيها:
يُر شد ﷻ إلى أعظم أسباب السعادة في الحياة الدنيا، فقوله: {بفضل الله} إشارة إلى الإيمان المتضمن الأنس بالله والفرح بالقرب منه، وهو شعور يمتزج بالمحبة والهيبة والإجلال، فإذا كان نعيم الجنة كله لا يساوي شيئا بالنسبة إلى لذة النظر إلى وجه الله الكريم، فكذلك نعيم الدنيا لايساوي شيئا مقارنة بنعيم الأنس بالله.
⁃وأمّا الفرح برحمته فهو القرآن، قال ﷻ في الآية التي قبلها: ﴿يا أَيُّهَا النّاسُ قَد جاءَتكُم مَوعِظَةٌ مِن رَبِّكُم وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدورِ وَهُدًى وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ﴾ [يونس: ٥٧].
▪️فالقرآن واعظٌ وشفاءٌ وهدايَةٌ ورحمةٌ، ومن الفرح برحمته العمل الصالح، قال رسول اللهﷺ: ((لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا؛ إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ)) متفق عليه.
ولذا يجد المؤمن في شهر رمضان من السعادة والطمأنينة مالا يجده في غيره، بسبب المدوامة على العبادة، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "فإن أرفع درجات القلوب فرحها التام بما جاء به الرسولﷺ، وابتهاجها وسرورها، كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ [الرعد: ٣٦]، وقال تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ [يونس: 58]. ففضل الله ورحمته القرآن والإيمان؛ من فرح به فقد فرح بأعظم مفروح به" [المجموع (١٦/٤٩)].
قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اذكُرُوا اللَّهَ ذِكرًا كَثيرًا * وَسَبِّحوهُ بُكرَةً وَأَصيلًا * هُوَ الَّذي يُصَلّي عَلَيكُم وَمَلائِكَتُهُ لِيُخرِجَكُم مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النّورِ وَكانَ بِالمُؤمِنينَ رَحيمًا﴾ [الأحزاب: ٤١-٤٣].
قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اذكُرُوا اللَّهَ ذِكرًا كَثيرًا * وَسَبِّحوهُ بُكرَةً وَأَصيلًا * هُوَ الَّذي يُصَلّي عَلَيكُم وَمَلائِكَتُهُ لِيُخرِجَكُم مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النّورِ وَكانَ بِالمُؤمِنينَ رَحيمًا﴾ [الأحزاب: ٤١-٤٣].
وفيها:
أخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنْ عِكْرِمَةَ قالَ: "صَلاةُ الرَّبِّ الرَّحْمَةُ، وصَلاةُ المَلائِكَةِ الِاسْتِغْفارُ".
وفي الآية التنبيه إلى أعظم أسباب صلاة اللهﷻ وملائكته على العبد، وذلك يشمل الفرائض والنوافل، وروى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّﷺ قَالَ : ((إِنَّ أَحَدَكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَتِ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ. وَالْمَلَائِكَةُ تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، مَا لَمْ يَقُمْ مِنْ صَلَاتِهِ أَوْ يُحْدِثْ)).
وأخْرَجَ الحاكِمُ والبَيْهَقِيُّ في ”الدَّلائِلِ“، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عامِرٍ قالَ: جاءَ رَجُلٌ إلى أبِي أُمامَةَ فَقالَ: إنِّي رَأيْتُ في مَنامِي أنَّ المَلائِكَةَ تُصَلِّي عَلَيْكَ كُلَّما دَخَلْتَ، وكُلَّما خَرَجْتَ، وكُلَّما قُمْتَ، وكُلَّما جَلَسْتَ! قالَ: وأنْتُمْ لَوْ شِئْتُمْ صَلَّتْ عَلَيْكُمُ المَلائِكَةُ، ثُمَّ قَرَأ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ الآية".
قال تعالى: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضلَلنَ كَثيرًا مِنَ النّاسِ فَمَن تَبِعَني فَإِنَّهُ مِنّي وَمَن عَصاني فَإِنَّكَ غَفورٌ رَحيمٌ﴾ [إبراهيم: ٣٦].
قال تعالى: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضلَلنَ كَثيرًا مِنَ النّاسِ فَمَن تَبِعَني فَإِنَّهُ مِنّي وَمَن عَصاني فَإِنَّكَ غَفورٌ رَحيمٌ﴾ [إبراهيم: ٣٦].
وفيها أنَّ:
من لم يتابعه فليس منه ولوكان من أهله،قال تعالى: {إِنَّهُۥ لَیۡسَ مِنۡ أَهۡلِكَۖ}، وقال رسول اللهﷺ: ((سلمان منّا أهل البيت)).
فالمتابعة تثبت الإتصال، وعدمها يثبت الإنفصال، وقال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "وكلما كان الرجل أتبع لمحمدﷺ كان أعظم توحيداً لله وإخلاصاً له في الدين، و إذا بعد عن متابعته نقص من دينه بحسب ذلك، فإذا أكثر بعده عنه ظهر فيه من الشرك والبدع ما لا يظهر فيمن هو أقرب منه إلى اتباع الرسولﷺ" [انتهى من المجموع].
وقال تعالى: ﴿قُل إِن كُنتُم تُحِبّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعوني يُحبِبكُمُ اللَّهُ وَيَغفِر لَكُم ذُنوبَكُم وَاللَّهُ غَفورٌ رَحيمٌ﴾ [آل عمران: ٣١].
قال تعالى: ﴿دَعواهُم فيها سُبحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُم فيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعواهُم أَنِ الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ﴾ [يونس: ١٠].
قال تعالى: ﴿دَعواهُم فيها سُبحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُم فيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعواهُم أَنِ الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ﴾ [يونس: ١٠].
وفيها:
الدَّعْوى هاهُنا بِمَعْنى الدُّعاءِ، يُقالُ: دَعا يَدْعُو دُعاءً ودَعْوى، كَما يُقالُ: شَكا يَشْكُو شِكايَةً وشَكْوى، والمُدَّعِيَ لِلشَّيْءِ يَكُونُ مُواظِبًا عَلى ذِكْرِهِ، و جَعَلَ لَفْظَ الدَّعْوى كِنايَةً عَنْ تِلْكَ المُواظَبَةِ والمُلازَمَةِ.
أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ وأبُو الشَّيْخِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قالَ: أُخْبِرْتُ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ﴾ إذا مَرَّ بِهِمُ الطّائِرُ يَشْتَهُونَهُ قالُوا: سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ. ذَلِكَ دُعاؤُهم بِهِ، فَيَأْتِيهِمُ المَلَكُ بِما اشْتَهَوْا، فَإذا جاءَ المَلَكُ بِما يَشْتَهُونَ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وتَحِيَّتُهم فِيها سَلامٌ﴾ فَإذا أكَلُوا قَدْرَ حاجَتِهِمْ قالُوا: الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وآخِرُ دَعْواهم أنِ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ﴾
قلت؛ وفيها بيان أعظم أسباب تجدد النعم وأسباب دوامها؛ فالتسبيح سبب حدوث النعم والحمد سبب دوامها.
وروى الإمام احمد والطبراني وصححه الألباني: قال نوحٌ لابنِه: (إنِّي موصيك بوصيَّةٍ وقاصرُها لكي لا تنساها؛ أوصيك باثنتَيْن وأنهاك عن اثنتَيْن، أمَّا اللَّتان أوصيك بهما فيستبشرُ اللهُ بهما وصالحُ خلقِه وهما يُكثرانِ الوُلوجَ على اللهِ؛ "أوصيك بلا إلهَ إلَّا اللهُ فإنَّ السَّماواتِ والأرضَ لو كانتا حلقةً قصمتْهما ولو كانتا في كِفَّةٍ وزنتْهما، وأوصيك بسبحانَ اللهِ وبحمدِه فإنَّها صلاةُ الخلقِ وبهما يُرزقُ الخلقُ وإن من شيءٍ إلَّا يُسبِّحُ بحمدِه ولكن لا تفقهون تسبيحَهم إنَّه كان حليمًا غفورًا"، وأمَّا اللَّتان أنهاك عنهما فيحتجِبُ اللهُ منهما وصالحُ خلقِه؛ "أنهاك عن الشِّركِ والكِبْرِ").
وأمّا الحمد روى ابن ماجه في سننه من حديث أنس -رضي الله عنه- أن النبيﷺ قال: ((مَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلهِ، إِلا كَانَ الذِي أَعْطَاهُ أَفْضَلَ مِما أَخَذَ)) وهو حديث حسن.
فاشتغالهم بِتَسْبِيحِ اللَّهِ تَعالى وتَمْجِيدِهِ مِن أعْظَمِ نِعَمِ اللَّهِ تَعالى عَلَيْهِمْ، وفي صحيح مسلم مرفوعاً: ((يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ، كَمَا تُلْهَمُونَ النَّفَسَ)).
قال تعالى: ﴿إِنَّني أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنا فَاعبُدني وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكري﴾ [طه: ١٤].
قال تعالى: ﴿إِنَّني أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنا فَاعبُدني وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكري﴾ [طه: ١٤].
وقال تعالى: ﴿وَاصطَنَعتُكَ لِنَفسِي﴾ [طه: ٤١].
وفيها التنبيه إلى:
الموحدون أكملهم من يكون تعلقه بالألوهيّة، وقال تعالى: ﴿... وَأَلقَيتُ عَلَيكَ مَحَبَّةً مِنّي وَلِتُصنَعَ عَلى عَيني﴾ [طه: ٣٩].
وكما جاء في الحديث القدسي: (وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ) رواه البخاري.
فمن قرّت عينه بالله؛ قرّت به كل عين، وقال ابن القيّم -رحمه الله-: "من كان بالله سبحانه وأسمائه وصفاته أعرفَ، وفيه أرغب، وله أحب، وإليه أقرب؛ وجد من هذه الحلاوة في قلبه ما لا يمكن التعبير عنه، ولا يُعرفُ إلا بالذوق والوجد، ومتى ذاق القلب ذلك لم يمكنه أن يقدم عليه حبًّا لغيره، ولا أُنْسًا به، وكلما ازداد له حبًّا ازداد له عبودية وذلًّا وخضوعًا ورِقًّا له، وحرية عن رقِّ غيره" انتهى.
وجاء مرفوعاً: ((رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّارًا، لَكَ ذَكَّارًا، لَكَ رَهَّابًا، لَكَ مِطْوَاعًا، لَكَ مُخْبِتًا، إِلَيْكَ أَوَّاهًا مُنِيبًا)) رواه أحمد وأبوداود.
قال تعالى: ﴿وَلَقَد آتَينا لُقمانَ الحِكمَةَ أَنِ اشكُر لِلَّهِ وَمَن يَشكُر فَإِنَّما يَشكُرُ لِنَفسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَميدٌ﴾ [لقمان: ١٢].
قال تعالى: ﴿وَلَقَد آتَينا لُقمانَ الحِكمَةَ أَنِ اشكُر لِلَّهِ وَمَن يَشكُر فَإِنَّما يَشكُرُ لِنَفسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَميدٌ﴾ [لقمان: ١٢].
جعل سبحانه الشكر في مقابل الكفر، و ذلك يشير إلى أنّ التوحيد بكماله هو رأس الشكر وضده صرف العبادة لغير الله، قال تعالى: ﴿إِنّا هَدَيناهُ السَّبيلَ إِمّا شاكِرًا وَإِمّا كَفورًا﴾ [الإنسان: ٣].
وعبّر عن الشكر بصيغة المستقبل إشارة إلى أنّ الشكر ينبغي أن يتكرر في كل وقت لتكرر النعم، كما قال تعالى: ﴿فَسُبحانَ اللَّهِ حينَ تُمسونَ وَحينَ تُصبِحونَ * وَلَهُ الحَمدُ فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ وَعَشِيًّا وَحينَ تُظهِرونَ﴾ [الروم: ١٧-١٨].
وعبّر عن الكفر بالماضي تنبيهاً إلى أنّه مقطوع الخير والبركة ويجب الإقلاع عنه وتركه.
قال تعالى: ﴿لَقَد جاءَكُم رَسولٌ مِن أَنفُسِكُم عَزيزٌ عَلَيهِ ما عَنِتُّم حَريصٌ عَلَيكُم بِالمُؤمِنينَ رَءوفٌ رَحيمٌ﴾ [التوبة: ١٢٨].
قال تعالى: ﴿لَقَد جاءَكُم رَسولٌ مِن أَنفُسِكُم عَزيزٌ عَلَيهِ ما عَنِتُّم حَريصٌ عَلَيكُم بِالمُؤمِنينَ رَءوفٌ رَحيمٌ﴾ [التوبة: ١٢٨].
جاءت هذه الآية المباركة في آخر سورة التوبة لتبين فضل رسول اللهﷺ على أمته.
وفيها ذكر خبر الثلاثة الذين خُلِّفوا فتاب الله عليهم بفضل بركة صدقهم، يقول كَعْبُ بنُ مَالِكٍ مبيّنا شيئاً مما ذكره الله عن نبيّهﷺ: (فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ، وَيَقُولُ: ((أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ)). قَالَ: فَقُلْتُ: (أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ؟) فَقَالَ: ((لَا، بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ)). (وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ كَأَنَّ وَجْهَهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، قَالَ: وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ) متفق عليه.
قال تعالى: ﴿وَاسأَلهُم عَنِ القَريَةِ الَّتي كانَت حاضِرَةَ البَحرِ إِذ يَعدونَ فِي السَّبتِ إِذ تَأتيهِم حيتانُهُم يَومَ سَبتِهِم شُرَّعًا وَيَومَ لا يَسبِتونَ لا تَأتيهِم كَذلِكَ نَبلوهُم بِما كانوا يَفسُقونَ﴾ [الأعراف: ١٦٣].
قال تعالى: ﴿وَاسأَلهُم عَنِ القَريَةِ الَّتي كانَت حاضِرَةَ البَحرِ إِذ يَعدونَ فِي السَّبتِ إِذ تَأتيهِم حيتانُهُم يَومَ سَبتِهِم شُرَّعًا وَيَومَ لا يَسبِتونَ لا تَأتيهِم كَذلِكَ نَبلوهُم بِما كانوا يَفسُقونَ﴾ [الأعراف: ١٦٣].
فقوله تعالى: {كَذلِكَ نَبلوهُم بِما كانوا يَفسُقونَ} أيْ: نَمْتَحِنُ طاعَتَهم بِتَعْرِيضِهِمْ لِداعِي العِصْيانِ وهو وُجُودُ وسهولة المُشْتَهى المَمْنُوعِ بِسَبَبِ فِسْقِهِمْ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ مَن أطاعَ اللَّهَ تَعالى خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُ أحْوالَ الدُّنْيا والآخِرَةِ، ومَن عَصاه ابْتَلاهُ بِأنْواعِ البَلاءِ والمِحَنِ، وأعظم العصيان أجتماع الناس على المنكر والمجاهرة به، قالﷺ: ((كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ)) رواه البخاري.
قال تعالى: ﴿وَإِذا رَأَيتَ ثَمَّ رَأَيتَ نَعيمًا وَمُلكًا كَبيرًا﴾ [الإنسان: ٢٠].
قال تعالى: ﴿وَإِذا رَأَيتَ ثَمَّ رَأَيتَ نَعيمًا وَمُلكًا كَبيرًا﴾ [الإنسان: ٢٠].
قولهﷻ: {وَمُلكًا كَبيرًا}؛ يتضمن الخلود في الجنّة، وسعة الملك بحيث أنّ أدناهم منزلة له مثل عشرة ملوك من ملوك الدنيا، فيسيرُ في ملكه ألف عام ما يقطعه، مابين روضات وأنهار وقصور و حور عين وخدم، ويتضمن تنوع الأرزاق وديمومة تجددها، حتى صورهم تتجدد، ويتضمن سلامتهم من جميع الآفات فلا نصب ولا لغوب ولا سقم، سعادة دائمة مطلقة، مُتَوَّجَةً برؤيتهم ربهم ذي الجلال والإكرام، ورضوانه وسلامه عليهم، وهم لا يفترون عن التسبيح يلهمونه كما يلهمون النفس، ﴿.. وَنودوا أَن تِلكُمُ الجَنَّةُ أورِثتُموها بِما كُنتُم تَعمَلونَ﴾ [الأعراف: ٤٣].
قال تعالى: ﴿فَلَمّا جاءَتهُم رُسُلُهُم بِالبَيِّناتِ فَرِحوا بِما عِندَهُم مِنَ العِلمِ وَحاقَ بِهِم ما كانوا بِهِ يَستَهزِئونَ﴾ [غافر: ٨٣].
قال تعالى: ﴿فَلَمّا جاءَتهُم رُسُلُهُم بِالبَيِّناتِ فَرِحوا بِما عِندَهُم مِنَ العِلمِ وَحاقَ بِهِم ما كانوا بِهِ يَستَهزِئونَ﴾ [غافر: ٨٣].
{فَرِحوا بِما عِندَهُم مِنَ العِلمِ}أيْ: أظْهَرُوا الفَرَحَ بِما عِنْدَهم مِمّا يَدَّعُونَ أنَّهُ مِنَ العِلْمِ مِنَ الشُّبَهِ الدّاحِضَةِ والدَّعاوى الزّائِغَةِ، وسَمّاهُ عِلْمًا تَهَكُّمًا بِهِمْ، أوْ عَلى ما يَعْتَقِدُونَهُ" [انتهى من تفسير فتح القدير للشوكاني].
وفيها التنبيه أنّ الفرح بالعلم نوعان:
نوع يسر النفس ويشبع رغبتها.
نوع يسر القلب ويزيده تعلقاً بالله واتباعاً للرسولﷺ.
قال ابن القيّم -رحمه الله- في بيان فضل القرآن على العلوم: "وعَلِمَ أن ما عداه -أي القرآن- من كتب الناس وآرائهم ومعقولاتهم بين علوم لا ثقة بها، وإنما هى آراء وتقليد، وبين ظنون كاذبة لا تغنى من الحق شيئا، وبين أمور صحيحة لامنفعة للقلب فيها، وبين علوم صحيحة قد وعّروا الطريق إلى تحصيلها، وأطالوا الكلام فى إثباتها، مع قلة نفعها" [إغاثة اللهفان (١/٤٤)].
قال تعالى: ﴿لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون﴾ [المجادلة: ٢٢].
قال تعالى: ﴿لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون﴾ [المجادلة: ٢٢].
قولهﷻ: {كَتَبَ فِی قُلُوبِهِمُ ٱلۡإِیمَـٰنَ وَأَیَّدَهُم} بعد ذكر المعاداة والبراء أصلٌ لقولهﷺ: ((إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ: أَنْ تُحِبَّ فِي اللهِ، وَتُبْغِضَ فِي اللهِ)). رواه أحمد وحسنّه الالباني وتلقاه العلماء بالقبول
قال تعالى: ﴿إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون﴾ [المائدة: ٤٤]
قال تعالى: ﴿إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون﴾ [المائدة: ٤٤]
وفيها التنبيه:
على معنى الكفر في الآية؛ قسم العلامة ابن القيم -رحمه الله تعالى- كفر الجحود إلى نوعين:
●جحود مطلق عام.
●وجحود مقيد خاص.
فالمطلق: أن يجحد جملةَ ما أنزل الله، وإرساله الرسول.
والخاص المقيد: أن يجحد فرضاً من فروض الإسلام، أو تحريمَ محرمٍ من محرماته، أو صفةً وصف الله بها نفسه، أو خبراً أخبر الله به؛ عمدا، أو تقديماً لقول من خالفه عليه، لغرض من الأغراض" انتهى.
ويعبر عنه أهل العلم أيضا بجحد معلوم من الدين بالضرورة أو بالإستحلال.
ومن هنا فصل الصحابة في معنى الكفر الوارد في الآية رداً
على الخوارج، فأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ -رضي الله عنه- في قَوْلِهِ: ﴿ومَن لَمْ يَحْكُمْ﴾ يَقُولُ: (مَن جَحَدَ الحُكْمَ بِما أنْزَلَ اللَّهُ فَقَدْ كَفَرَ، ومَن أقَرَّ بِهِ ولَمْ يَحْكم بِهِ فَهو ظالِمٌ فاسِقٌ).
وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، والفِرْيابِيُّ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، والبَيْهَقِيُّ في ”سُنَنِهِ“، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ -رضي الله عنه- في قَوْلِهِ: ﴿ومَن لَمْ يَحْكم بِما أنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ﴾ قالَ: (إنَّهُ لَيْسَ بِالكُفْرِ الَّذِي تَذْهَبُونَ إلَيْهِ، إنَّهُ لَيْسَ كُفْرًا يَنْقُلُ عَنِ المِلَّةِ، كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ).
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ -رضي الله عنه- في قَوْلِهِ: ﴿ومَن لَمْ يَحْكم بِما أنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ﴾ قالَ: (هي بِهِ كُفْرٌ، ولَيْسَ كَمَن كَفَرَ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ).
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنْ عَطاءِ بْنِ أبِي رَباحٍ في قَوْلِهِ: ﴿ومَن لَمْ يَحْكم بِما أنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ﴾، ﴿ومَن لَمْ يَحْكم بِما أنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ﴾ [المائدة: ٤٥]، ﴿ومَن لَمْ يَحْكم بِما أنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ﴾ [المائدة: ٤٧]، قالَ: "كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ، وظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ، وفِسْقٌ دُونَ فِسْقٍ".
وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وأبُو الشَّيْخِ، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ -رضي الله عنه- قالَ: (إنَّما نَزَّلَ اللَّهُ: ﴿ومَن لَمْ يَحْكم بِما أنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ﴾ والظّالِمُونَ، والفاسِقُونَ في اليَهُودِ خاصَّةً).
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أبِي صالِحٍ قالَ: "الثَّلاثُ الآياتِ الَّتِي في المائِدَةِ: ﴿ومَن لَمْ يَحْكم بِما أنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ﴾، ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ﴾، ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ﴾ لَيْسَ في أهْلِ الإسْلامِ مِنها شَيْءٌ، هي في الكُفّارِ).
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ الضَّحّاكِ في قَوْلِهِ: ﴿ومَن لَمْ يَحْكم بِما أنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ﴾، والظّالِمُونَ، والفاسِقُونَ، قالَ: "نَزَلَتْ هَؤُلاءِ الآياتُ في أهْلِ الكِتابِ".
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قالَ: "نَزَلَتْ هَؤُلاءِ الآياتُ في أهْلِ الكِتابِ"
وماجاء في هذه الآثار من عقيدة هو الذي قرره أئمة أهل السنّة في عصرنا ومنهم الإمامان عبدالعزيز بن باز وناصر الدين الألباني -رحمهما الله-.
قال تعالى: ﴿وَلَبِثوا في كَهفِهِم ثَلاثَ مِائَةٍ سِنينَ وَازدادوا تِسعًا﴾ [الكهف: ٢٥].
قال تعالى: ﴿وَلَبِثوا في كَهفِهِم ثَلاثَ مِائَةٍ سِنينَ وَازدادوا تِسعًا﴾ [الكهف: ٢٥].
فيها بيان فضل التوحيد في حفظ أهله حتى في قبورهم، بل من كَمُل توحيدُه لم يَبْلَ جسدُه في قبره بعد موته، فإنّ أصحاب الكهف مكثوا قرونا ثم استيقظوا وقد تبدل العالم من حولهم وهم على حالهم ولم يتغير منهم شيء، ولم يذكر القرآن لهم عمل سوى تحقيق التوحيد.
قال تعالى: ﴿لا إِكراهَ فِي الدّينِ قَد تَبَيَّنَ الرُّشدُ مِنَ الغَيِّ فَمَن يَكفُر بِالطّاغوتِ وَيُؤمِن بِاللَّهِ فَقَدِ استَمسَكَ بِالعُروَةِ الوُثقى لَا انفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَميعٌ عَليمٌ﴾ [البقرة: ٢٥٦].
قال تعالى: ﴿لا إِكراهَ فِي الدّينِ قَد تَبَيَّنَ الرُّشدُ مِنَ الغَيِّ فَمَن يَكفُر بِالطّاغوتِ وَيُؤمِن بِاللَّهِ فَقَدِ استَمسَكَ بِالعُروَةِ الوُثقى لَا انفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَميعٌ عَليمٌ﴾ [البقرة: ٢٥٦].
جاءت هذه الآية بعد آية الكرسي والتي بيّن الله فيها أنّه لا يشفع أحدٌ لأحدٍ يوم القيامة إلا بعد أن يأذن الله له بالشفاعة، حتى النبيﷺ؛ لا يشفع لأحد إلا بعد أن يأذن الله له، فيُقال له: ((يا محمد، ارفع رأسك، وسل تعطى، واشفع تشفع)) متفق عليه.
وفائدة ورودها بعد آية الكرسي التنبيه إلى أعظم أسباب نيل الشفاعة وهو التوحيد، وفي صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِﷺ: ((لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لَا يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ، لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ")).
قال تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ المُلكِ تُؤتِي المُلكَ مَن تَشاءُ وَتَنزِعُ المُلكَ مِمَّن تَشاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشاءُ بِيَدِكَ الخَيرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ﴾ [آل عمران: ٢٦].
قال تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ المُلكِ تُؤتِي المُلكَ مَن تَشاءُ وَتَنزِعُ المُلكَ مِمَّن تَشاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشاءُ بِيَدِكَ الخَيرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ﴾ [آل عمران: ٢٦].
وقال تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالأَرضِ عالِمَ الغَيبِ وَالشَّهادَةِ أَنتَ تَحكُمُ بَينَ عِبادِكَ في ما كانوا فيهِ يَختَلِفونَ﴾ [الزمر: ٤٦].
هاتان الآيتان علمها اللهُ نبيَّهﷺ للتوسل بهما قبل الدعاء، فيتلوهما قبل الدعاء وبعد الحمد كما ثبت عنهﷺ.
وتقدم في أثر ابن عبّاس -رضي الله عنهما- في هداية سابقة التوسل بقوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالأَرضِ عالِمَ الغَيبِ وَالشَّهادَةِ} الآية.
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول اللهﷺ لمعاذ -رضي الله عنه-: ((ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك مثلُ جبلِ أُحُدٍ دَيناً لأداه الله عنك؟ قل يا معاذ: اللهم مالك الملك، تؤتي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء، وتذل من تشاء، بيدك الخير، إنك على كل شيء قدير، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، تعطيهما من تشاء، وتمنع منهما من تشاء، ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك)) وحسنه الالباني.
ومن الحمد قوله تعالى: ﴿وَقُلِ الحَمدُ لِلَّهِ الَّذي لَم يَتَّخِذ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَهُ شَريكٌ فِي المُلكِ وَلَم يَكُن لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرهُ تَكبيرًا﴾ [الإسراء: ١١١].
قال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقُرآنٌ كَريمٌ﴾ [الواقعة: ٧٧].
قال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقُرآنٌ كَريمٌ﴾ [الواقعة: ٧٧].
قولهﷻ؛ {كَريمٌ}: فيه نكتة لطيفة وهي أَنَّ الْكَلَامَ إِذَا قُرِئَ كَثِيرًا يَهُونُ فِي الْأَعْيُنِ وَالْآذَانِ، وَلِهَذَا تَرَى مَنْ قَالَ: شَيْئًا فِي مَجْلِسٍ لَا يَذْكُرُهُ ثَانِيًا، وَلَوْ قِيلَ فِيهِ: يُقَالُ لِقَائِلِهِ لِمَ تُكَرِّرُ هَذَا، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ} أَيْ مَقْرُوءٌ، قَالَ: {كَرِيمٌ} أَيْ لَا يَخلق بِكَثْرَةِ التِّلَاوَةَ وَيَبْقَى أَبَدَ الدَّهْرِ غضاً طريّا
قال تعالى: ﴿فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الحَقُّ فَماذا بَعدَ الحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنّى تُصرَفونَ﴾ [يونس: ٣٢].
قال تعالى: ﴿فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الحَقُّ فَماذا بَعدَ الحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنّى تُصرَفونَ﴾ [يونس: ٣٢].
سَألَ رَجُلٌ اِبْنَ مَسْعُوْدٍ مَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم؟ قَالَ: تَرَكْنَا مُحَمَّدﷺ فِي أَدْنَاهُ وَطَرَفه فِي الْجَنَّة، وَعَنْ يَمِينه جَوَادُّ وَعَنْ يَسَاره جَوَادُّ، ثُمَّ رِجَال يَدْعُونَ مَنْ مَرَّ بِهِمْ فَمَنْ أَخَذَ فِي تِلْكَ الْجَوَادّ -يعني: الطرق الجانبية هذه- اِنْتَهَتْ بِهِ إِلَى النَّار، وَمَنْ أَخَذَ عَلَى الصِّرَاط اِنْتَهَى بِهِ إِلَى الْجَنَّة. ثم قرأ هذه الآية، {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُل فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيله} الْآيَة. [تفسير الطبري: (9/671)].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "إن الحق واحد، ولا يخرج عما جاءت به الرسل، وهو الموافق لصريح العقل فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا" [منهاج السنة النبوية: (5/190)].
فأهل السنة والجماعة، والطائفة المنصورة والفرقة الناجية شيء واحد، قال عليه الصلاة والسلام: ((لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس)) رواه البخاري ومسلم.
وجميع من خالفهم من الفرق على ضلال قال رسولﷺ: ((ألا إن مَن قَبْلَكُم مِن أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملّة، وأن هذه الملّة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة)) رواه أبو داود وصححه الألباني.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "صار المتمسكون بالإسلام المحض الخالص عن الشَّوب، هم أهل السنة والجماعة، وفيهم الصديقون، والشهداء، والصالحون، ومنهم أعلام الهدى، ومصابيح الدجى، وهم الطائفة المنصورة". [العقيدة الواسطيّة].
وأعظم مايميزهم إتِّبَاعهم لملة إبراهيم عقيدة وعملاً وولاءً وبراءً، قال تعالى: ﴿إِنَّ أَولَى النّاسِ بِإِبراهيمَ لَلَّذينَ اتَّبَعوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذينَ آمَنوا وَاللَّهُ وَلِيُّ المُؤمِنينَ﴾ [آل عمران: ٦٨].
قال تعالى: ﴿إِنّي وَجَدتُ امرَأَةً تَملِكُهُم وَأوتِيَت مِن كُلِّ شَيءٍ وَلَها عَرشٌ عَظيمٌ﴾ [النمل: ٢٣].
قال تعالى: ﴿إِنّي وَجَدتُ امرَأَةً تَملِكُهُم وَأوتِيَت مِن كُلِّ شَيءٍ وَلَها عَرشٌ عَظيمٌ﴾ [النمل: ٢٣].
تعجب الهدهد أن وجد امرأة تملكهم وذلك خلاف الفطرة، ولهذا لم يقل ملكة تملكهم!!.
قال تعالى: ﴿... وَخَلَقَ مِنها زَوجَها وَبَثَّ مِنهُما رِجالًا كَثيرًا وَنِساءً ..﴾ [النساء: ١].
وقالﷺ: ((لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ، وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً)) رواه البخاري.
قال تعالى: ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرضِ لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ﴾ [التغابن: ١].
قال تعالى: ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرضِ لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ﴾ [التغابن: ١].
أي: يسبّح لله مافي السموات ومافي الأرض بأنّ له الملك وله الحمد.
قدّم الظرفان لبيان إختصاص الملك والحمد بالله، لأنّ الملك في الحقيقة له؛ لأنه مبدئ لكل شيءٍ ومبدعه والقائم به والمهيمن عليه، فهو
المتصرِف في ملكه، ولمّا كان التصرف لا بد له من قدرة قال عز وجل {وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ}،
وكذلك الحمد فإنّ أصول النِّعم وفروعها منه، وكان رسول اللهﷺ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ: ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ)) متفق عليه.
فهو الذي لا إله بحق إلا هو، أي: لا معبود بحق إلا هو، ولا مقصود إلا هو، عليه التوكل في الأمور كلها، قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ غَيبُ السَّماواتِ وَالأَرضِ وَإِلَيهِ يُرجَعُ الأَمرُ كُلُّهُ فَاعبُدهُ وَتَوَكَّل عَلَيهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمّا تَعمَلونَ﴾ [هود: ١٢٣].
قال تعالى: ﴿أَلَم تَرَ كَيفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصلُها ثابِتٌ وَفَرعُها فِي السَّماءِ * تُؤتي أُكُلَها كُلَّ حينٍ بِإِذنِ رَبِّها وَيَضرِبُ اللَّهُ الأَمثالَ لِلنّاسِ لَعَلَّهُم يَتَذَكَّرونَ﴾ [إبراهيم: ٢٤-٢٥].
قال تعالى: ﴿أَلَم تَرَ كَيفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصلُها ثابِتٌ وَفَرعُها فِي السَّماءِ * تُؤتي أُكُلَها كُلَّ حينٍ بِإِذنِ رَبِّها وَيَضرِبُ اللَّهُ الأَمثالَ لِلنّاسِ لَعَلَّهُم يَتَذَكَّرونَ﴾ [إبراهيم: ٢٤-٢٥].
أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والبَيْهَقِيُّ في «الأسْماءِ والصِّفاتِ» عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿ألَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً﴾؛ (شَهادَةُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ)، ﴿كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ﴾؛ (وهُو المُؤْمِنُ)، ﴿أصْلُها ثابِتٌ﴾ يَقُولُ: (لا إلَهَ إلّا اللَّهُ ثابِتٌ في قَلْبِ المُؤْمِنِ)، ﴿وفَرْعُها في السَّماءِ﴾ يَقُولُ: (يُرْفَعُ بِها عَمَلُ المُؤْمِنِ إلى السَّماءِ). انتهى.
الشجرة لا تستحق أن تسمى شجرة إلا بثلاثة أشياء: عرق راسخ، وأصل قائم، وأغصان عالية؛ كذلك التوحيد لايتم إلا بثلاثة أشياء: معرفة في القلب، وقول باللسان، وعمل بالأبدان.
وثمرة التوحيد التعظيم لأمر الله وهذا هو الإحسان في عبادة الله، والإحسان والشفقة على خلق الله، فهو ينظر للأمور بالعبرة كما قال تعالى: {فَٱعۡتَبِرُوا۟ یَـٰۤأُو۟لِی ٱلۡأَبۡصَـٰرِ} وسماعه بالحكمة كما قال تعالى: {ٱلَّذِینَ یَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقَوۡلَ فَیَتَّبِعُونَ أَحۡسَنَهُۥۤۚ}، ونطقه بالصدق والصواب كما قال تعالى: {كُونُوا۟ قَوَّ مِینَ بِٱلۡقِسۡطِ شُهَدَاۤءَ لِلَّهِ وَلَوۡ عَلَىٰۤ أَنفُسِكُمۡ أَوِ ٱلۡوَ لِدَیۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِینَۚ}.
وكلما كان رسوخ شجرة التوحيد في أرض قلبه أقوى وأكمل كان ظهور هذه الآثار عنده أكثر، فلا يزال يصعد منها في كل حين ولحظة كلام طيّب وعمل صالح وخضوع وخشوع وبكاء وتذلل، كثمرة هذه الشجرة الطيّبة، وقوله تعالى: {بِإِذۡنِ رَبِّهَاۗ}، فهو لله وبالله، وهذا الذي يثمر له معيّة الله.
قال تعالى: ﴿إِلهُكُم إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذينَ لا يُؤمِنونَ بِالآخِرَةِ قُلوبُهُم مُنكِرَةٌ وَهُم مُستَكبِرونَ﴾ [النحل: ٢٢].
قال تعالى: ﴿إِلهُكُم إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذينَ لا يُؤمِنونَ بِالآخِرَةِ قُلوبُهُم مُنكِرَةٌ وَهُم مُستَكبِرونَ﴾ [النحل: ٢٢].
وفي قوله تعالى {قُلوبُهُم مُنكِرَةٌ} أَي: جاحدة، فعمل القلب هو الأصل وإلى هذا أشار قولهﷺ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ)) رواه مسلم.
والإنكار بالقلب، يعني: بغض المنكر، وكراهته واعتقاد أنه منكر وأنه محرم.
«وذلك أضعف الإيمان» يعني: هذا أقل درجات الإيمان؛ لأنه هو الذي يجب على كل أحد.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "فأضعف الإيمان الإنكار بالقلب، فمن لم يكن في قلبه بُغضُ المنكر الذي يُبغضه الله ورسوله لم يكن معه من الإيمان شيء". [مجموع الفتاوى(8/367)].
قال تعالى: ﴿... وَأُشرِبوا في قُلوبِهِمُ العِجلَ بِكُفرِهِم ..﴾ [البقرة: ٩٣].
قال تعالى: ﴿... وَأُشرِبوا في قُلوبِهِمُ العِجلَ بِكُفرِهِم ..﴾ [البقرة: ٩٣].
وفيها التنبيه إلى أنه:
قد يتعلق الإنسان بأمرٍ ويتمسك به تديناً ويبالغ في محبته وتعظيمه وهو أبعد مايكون عن الهدى والصراط المستقيم، بل الدافع له الهوى قالﷺ: ((لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ)) رواه مسلم.
قيل لـسفيان بن عيينة: ما بال أهل الأهواء لهم محبة شديدة لأهوائهم؟! فقال: (أنسيت قوله تعالى: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ}).
ورأينا في أحداث مضت عصفت بالمسلمين، كيف تعلق بها خلق كثير وفتنوا بها، ثم تبين لهم ولغيرهم أنّها سراب بقيعة.
قال تعالى: ﴿أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنتُم بِهِ آلآنَ وَقَد كُنتُم بِهِ تَستَعجِلونَ﴾ [يونس: ٥١].
قال تعالى: ﴿أَلَم تَرَ أَنَّ الفُلكَ تَجري فِي البَحرِ بِنِعمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِن آياتِهِ إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكورٍ﴾ [لقمان: ٣١].
قال تعالى: ﴿أَلَم تَرَ أَنَّ الفُلكَ تَجري فِي البَحرِ بِنِعمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِن آياتِهِ إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكورٍ﴾ [لقمان: ٣١].
نبّه ﷻ في هذه الآية:
أنّ الدنيا بحر عميق وقد غرق فيها خلق كثير، وأنّ سفينة النجاة منها تكون بالصبر والشكر
كما أن سفينة النجاة في البحر ألواح ودسر.
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر).
قال تعالى: ﴿وَالَّذينَ يَقولونَ رَبَّنا هَب لَنا مِن أَزواجِنا وَذُرِّيّاتِنا قُرَّةَ أَعيُنٍ وَاجعَلنا لِلمُتَّقينَ إِمامًا﴾ [الفرقان: ٧٤].
قال تعالى: ﴿وَالَّذينَ يَقولونَ رَبَّنا هَب لَنا مِن أَزواجِنا وَذُرِّيّاتِنا قُرَّةَ أَعيُنٍ وَاجعَلنا لِلمُتَّقينَ إِمامًا﴾ [الفرقان: ٧٤].
وقال تعالى:
وفي قوله تعالى: {وَاجعَلنا لِلمُتَّقينَ إِمامًا} التنبيه إلى:
وجوب وحدة السبيل وهو منهاج السلف الصالح، وضلال جميع من خالفه في العقيدة والعمل.
قال ابن القيّم -رحمه الله-: "وهو أن المتقين كلهم على طريق واحد، ومعبودهم واحد، وأتباع كتاب واحد ونبي واحد، وعبيد رب واحد؛ فدينهم واحد ونبيهم واحد وكتابهم واحد ومعبودهم واحد، فكأنهم كلهم إمامٌ واحد لمن بعدهم، ليسوا كالأئمة المختلفين الذين قد اختلفت طرائقهم، ومذاهبهم، وعقائدهم، فالائتمام إنما هو بما هم عليه، وهو شيءٌ واحد، وهو الإمام في الحقيقة" انتهى.
ونظيرها قوله تعالى: ﴿أَفَمَن كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّهِ وَيَتلوهُ شاهِدٌ مِنهُ وَمِن قَبلِهِ كِتابُ موسى إِمامًا وَرَحمَةً..﴾ [هود: ١٧].
قال تعالى:{ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا } [الإنسان:24].
قال تعالى:{ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا } [الإنسان:24].
أعظم مقامات الصبر الثبات على أحكام الكتاب والسنّة ، وأعلاها الثبات على التوحيد.
قال ﷻ:{ وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا ۞ وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ۞ إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا } [الإسراء:73-75].
جاء في تفسيرها أخْرَجَ اِبْنُ إسْحاقَ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدُويَهْ، عَنِ اِبْنِ عَبّاسٍ قالَ: «إنَّ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ وأبا جَهْلِ بْنَ هِشامٍ ورِجالًا مِن قُرَيْشٍ أتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقالُوا: تَعالَ فَتَمَسَّحْ بِآلِهَتِنا ونَدْخُلَ مَعَكَ في دِينِكَ. وكانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ فِراقُ قَوْمِهِ ويُحِبُّ إسْلامَهُمْ، فَرَقَّ لَهُمْ، فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وإنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ﴾ . إلى قَوْلِهِ: ﴿نَصِيرًا﴾
وأخْرَجَ اِبْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قالَ: «كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَسْتَلِمُ الحَجَرَ فَقالُوا: لا نَدَعُكَ تَسْتَلِمُهُ حَتّى تُلِمَّ بِآلِهَتِنا. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”وما عَلَيَّ لَوْ فَعَلْتُ واللَّهُ يَعْلَمُ مِنِّي خِلافَهُ؟“ . فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وإنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ﴾ . إلى قَوْلِهِ: ﴿نَصِيرًا﴾.
قال تعالى: { قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا } [الكهف:66].
قال تعالى: { قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا } [الكهف:66].
وفيها التنبيه أنّ طلب العلم من الكتب لا يكفي، بل لا بد من صحبة أهل العلم للتبصر والرشاد.
وقال ﷻ: { وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } [سبأ:6].
ولهذا اشتهرت مقولة من كان شيخه كتابه كثر خطؤه على صوابه
وقال ﷻ: { وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } [الأنبياء:7].
وقال تعالى: { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } [الأحزاب:21].
قال تعالى: { وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } [فاطر:37].
قال تعالى: { وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } [فاطر:37].
أخرجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ في الآيَةِ قالَ: "اعْلَمُوا أنَّ طُولَ العُمُرِ حُجَّةٌ، فَنَعُوذُ بِاللَّهِ أنْ نُعَيَّرَ بِطُولِ العُمُرِ ".
قال القرافي: "لأنَّ القاعدة الشرعية دلت على أن كل جهل يمكن المكلف رفعه لا يكون حجة للجاهل لاسيما مع طول الزمان واستمرار الأيام فإنَّ الذي لا يُعلم اليوم يُعلم في غدٍ" [الفروق (4/448)]
قال تعالى: { قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ } [الزمر:64].
وفي الآيات التنبيه على أنّ الجهل بالتوحيد ذنب وليس بعذر،
وجاء في السنّة قوله ﷺ " رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي كُلِّهِ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَايَايَ وَعَمْدِي، وَجَهْلِي وَهَزْلِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي " متفق عليه.
وقال تعالى: { وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ } [القصص:55].
قال تعالى: { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [المائدة:118].
قال تعالى: { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [المائدة:118].
لم يقل عليه السلام فإنّك أنت الغفور الرحيم لسببين :
أولهما : أنّه يتضمن الشفاعة ، والشفاعة شرطها التوحيد ولا تكون للمشركين.
ثانيهما : أنّ الشفاعة لا تكون إلا بإذن الله فلا يشفع أحد إبتداءً عند الله.
قال تعالى: { يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } [الأعراف:31].
قال تعالى: { يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } [الأعراف:31].
وقال تعالى: { وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا } [الفرقان:67].
وقال تعالى: { فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ } [التوبة:55].
وقال ﷺ " ثلاثٌ مهلكاتٌ، وثلاثٌ منجياتٌ، وثلاثٌ كفاراتٌ، وثلاثُ درجاتٍ، فأمَّا المهلكات: فشُحٌّ مطاع، وهوًى مُتَّبعٌ، وإعجابُ المرء بنفسِه، وأما المنجياتُ: فالعدل في الغضب والرضا، والقصدُ في الفقر والغنى، وخشية الله تعالى في السر والعلانية، وأما الكفارات: فانتظار الصلاة بعد الصلاة، وإسباغ الوضوء في السَبَرات، ونقل الأقدام إلى الجماعات، وأما الدرجات: فإطعام الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام " رواه الطبراني في معجمه الأوسط، وقال الألباني: حسن لغيره.
وفيها من الفوائد أنَّ الدُّنْيا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، والحَواسُّ مائِلَةٌ إلَيْها، فَإذا كَثُرَتْ وتَوالَتِ اسْتَغْرَقْتَ فِيها وانْصَرَفَتِ النَّفْسُ بِكُلِّيَّتِها إلَيْها، فَيَصِيرُ ذَلِكَ سَبَبًا لِحِرْمانِهِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، ثُمَّ إنَّهُ يَحْصُلُ في قَلْبِهِ نَوْعُ قَسْوَةٍ وقُوَّةٍ وقَهْرٍ، وكُلَّما كانَ المالُ والجاهُ أكْثَرَ، كانَتْ تِلْكَ القَسْوَةُ أقْوى، وإلَيْهِ الإشارَةُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ الإنْسانَ لَيَطْغى﴾ ﴿أنْ رَآهُ اسْتَغْنى﴾ [العلق: ٦]
قال شيخ الإ سلام رحمه الله: " إنّ تعلق العبد بما سوى الله مضرة عليه ، إذ أخذ منه القدر الزائد على حاجته في عبادة الله؛ فإنه أن نال من الطعام والشراب فوق حاجته؛ ضره وأهلكه؛ وكذلك من النكاح واللباس ، وأن أحب شيئًّا حبًّا تامًّا بحيث يخاللـه فلا بد أن يسأمه؛ أو يفارقه، وفي الأثر المأثور: أحبب ما شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك ملاقية، وكن كما شئت فكما تدين تدان.
واعلم أن كل من أحب شيئًا لغير الله فلا بد أن يضره محبوبه؛ ويكون ذلك سببا لعذابه؛ ولهذا كان الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله؛ يمثل لأحدهم كنزه يوم القيامة شجاع أقرع يأخذ بلهزمته، يقول: أنا كنزك أنا مالك [المجموع: 1/ 28].
قال تعالى: { وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ } [التوبة:6].
قال تعالى: { وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ } [التوبة:6].
في قوله تعالى {حَتَّىٰ یَسۡمَعَ كَلَـٰمَ ٱللَّهِ}
برهان على انّ الحجة الرساليّة تقوم على الإنسان إذا بلغه القرآن.
كما قال تعالى:{ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَىٰ قُل لَّا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } [الأنعام:19].
وفي الآية التنبيه إلى أنّ الإقرار بالتوحيد والبراءة من الشرك هو الغاية من الرسالة ، وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ حَسَنِ بْنِ صالِحٍ قالَ: سَألْتُ لَيْثًا هَلْ بَقِيَ أحَدٌ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ؟ قالَ: كانَ مُجاهِدٌ يَقُولُ: حَيْثُما يَأْتِي القُرْآنُ فَهو داعٍ، وهو نَذِيرٌ، ثُمَّ قَرَأ ﴿لأُنْذِرَكم بِهِ ومَن بَلَغَ﴾
وأخْرَجَ آدَمُ بْنُ أبِي إياسٍ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ والبَيْهَقِيُّ في الأسْماءِ والصِّفاتِ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿وأُوحِيَ إلَيَّ هَذا القُرْآنُ لأُنْذِرَكم بِهِ﴾ قالَ: العَرَبَ، ﴿ومَن بَلَغَ﴾ قالَ: العَجَمَ.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وأبُو نُعَيْمٍ، والخَطِيبُ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَن بَلَغَهُ القُرْآنُ فَكَأنَّما شافَهْتُهُ بِهِ، ثُمَّ قَرَأ: ﴿وأُوحِيَ إلَيَّ هَذا القُرْآنُ لأُنْذِرَكم بِهِ ومَن بَلَغَ﴾ [الأنعام»: ١٩] .
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿وأُوحِيَ إلَيَّ هَذا القُرْآنُ لأُنْذِرَكم بِهِ ومَن بَلَغَ﴾ . إنَّ النَّبِيَّ ﷺ كانَ يَقُولُ: "بَلِّغُوا عَنِ اللَّهِ، فَمَن بَلَغَتْهُ آيَةٌ مِن كِتابِ اللَّهِ فَقَدْ بَلَغَهُ أمْرُ اللَّهِ".
قال تعالى: { وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا } [مريم:31]
قال تعالى: { وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا } [مريم:31].
فيها التنبيه على أنّ الأنبياء تنقطع أعمالهم بالموت مثل غيرهم من البشر ، فإذا كان ذلك فإنّ صلتهم بالخلق تنقطع من باب أولى.
قال المسيح عليه السلام {مَا قُلۡتُ لَهُمۡ إِلَّا مَاۤ أَمَرۡتَنِی بِهِۦۤ أَنِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ رَبِّی وَرَبَّكُمۡۚ وَكُنتُ عَلَیۡهِمۡ شَهِیدࣰا مَّا دُمۡتُ فِیهِمۡۖ فَلَمَّا تَوَفَّیۡتَنِی كُنتَ أَنتَ ٱلرَّقِیبَ عَلَیۡهِمۡۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ شَهِیدٌ}،
ونبيّنا ﷺ يقال له "إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ". متفق عليه.
وعليه فإنّ طلب الشفاعة منهم بعد موتهم هو تسوية لهم بالخالق فيما لايقدر عليه إلا الله.
من جهتين الأولى : من جهة السؤال ، والثانية : من جهة العلم بالغيب ، فما من شبهة يتعلق بها المشركون إلا وقد أبطلها القرآن.
قال تعالى:{ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا } [الفرقان:58].
قال تعالى: { ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ۞ لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } [النحل:54-55].
قال تعالى: { ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ۞ لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } [النحل:54-55].
وقال تعالى: { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ۞ لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } [العنكبوت:65-66].
وقال تعالى:{ وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ۞ لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } [الروم:33-34]
فهذه ثلاثة مواضع من كتاب الله في ثلاث سور وهي النحل والعنكبوت والروم ، يبين الله فيها أنّ كل مشرك كافر.
وفي سورة الكهف قال تعالى:{ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ۞ لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا } [الكهف:37-38].
فالكفر بمعنى الجحود هو أيضا شرك بالله.
ولهذا قال ﷻ عنه: { وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا } [الكهف:42].
فالمشرك كافر ، والكافر مشرك.
قال ﷻ: { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } [الجاثية:23].
وقال ﷻ: { ذَٰلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ } [غافر:12].
وقال ﷻ عن إبليس:{ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [إبراهيم:22].
وفي الآيات التنبيه إلى أنّ التوحيد لايصح إلا بالبراءة من الشرك وأهله.
قال ﷻ: { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} الآية [الممتحنة:4].
قال تعالى:{ ذَٰلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ } [غافر:12]
قال تعالى:{ ذَٰلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ } [غافر:12].
فقوله تعالى {إِذَا دُعِیَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُۥ كَفَرۡتُمۡ وَإِن یُشۡرَكۡ بِهِۦ تُؤۡمِنُوا۟ۚ}
فيه التنبيه أنّه يستحيل أن يجتمع النقيضان؛ التوحيد والشرك الأكبر في شخص واحد ، فالنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان ، فالشيء لا يكون أسود و أبيض ولا يكون متحركاً وساكناً في وقت واحد.
وهكذا التوحيد والشرك لأنهما ضدان،
فمن تلبس بالشرك الاكبر ارتفع عنه اسم التوحيد ، ومن كان مشركاً ثم وحد الله وأسلم ارتفع عنه اسم المشرك ، وهذا بإجماع أهل السنّة ولم يخالف فيه إلا الجهميَّة.
قال تعالى: { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [النور:35].
قال تعالى: { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [النور:35].
قالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: مَثَلُ نُورِهِ في قَلْبِ المُؤْمِنِ فَهَذا نُورٌ يُضافُ إلى الرَّبِّ، ويُقالُ: هو نُورُ اللَّهِ، كَما أضافَهُ اللَّهُ سُبْحانَهُ إلى نَفْسِهِ، والمُرادُ: نُورُ الإيمانِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ خَلْقًا وتَكْوِينًا ".
وقد جاء تفسيرها في حديث حذيفة رضي الله عنه قال حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَيْنِ، رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا، وَأَنَا أَنْتَظِرُ الْآخَرَ ؛ حَدَّثَنَا " أَنَّ الْأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ " متفق عليه.
فالمراد بالأمانة الإيمان وهو النور الأول ، وأمّا النور الثاني فهو القرآن والسنّة ، وهو المشار إليه بقوله تعالى {یُوقَدُ مِن شَجَرَةࣲ مُّبَـٰرَكَةࣲ}.
قال ابن القيّم رحمه الله: " والمِصْباحُ هو نُورُ الإيمانِ في قَلْبِهِ والشَّجَرَةُ المُبارَكَةُ هي شَجَرَةُ الوَحْيِ المُتَضَمِّنَةُ لِلْهُدى، ودِينُ الحَقِّ وهي مادَّةُ المِصْباحِ الَّتِي يَتَّقِدُ مِنها، والنُّورُ عَلى النُّورِ: نُورُ الفِطْرَةِ الصَّحِيحَةِ والإدْراكِ الصَّحِيحِ، ونُورُ الوَحْيِ والكِتابِ، فَيَنْضافُ أحَدُ النُّورَيْنِ إلى الآخَرِ فَيَزْدادُ العَبْدُ نُورًا عَلى نُورٍ، ولِهَذا يَكادُ يَنْطِقُ بِالحَقِّ والحِكْمَةِ قَبْلَ أنْ يَسْمَعَ ما فِيهِ بِالأثَرِ ثُمَّ يَبْلُغُهُ الأثَرُ بِمِثْلِ ما وقَعَ في قَلْبِهِ ونَطَقَ بِهِ فَيَتَّفِقُ عِنْدَهُ شاهِدُ العَقْلِ والشَّرْعِ والفِطْرَةُ والوَحْيُ فَيُرِيَهُ عَقْلُهُ وفِطْرَتُهُ وذَوْقُهُ أنَّ الَّذِي جاءَ بِهِ الرَّسُولُ ﷺ هو الحَقُّ لا يَتَعارَضُ عِنْدَهُ العَقْلُ والنَّقْلُ البَتَّةَ بَلْ يَتَصادَقانِ ويَتَوافَقانِ فَهَذا عَلامَةُ النُّورِ عَلى النُّورِ ".
قال تعالى: { وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ۞ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ } [الأنبياء:87-88].
قال تعالى: { وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ۞ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ } [الأنبياء:87-88].
في الآية التنبيه إلى أنّ الداعية إلى الله لا ينبغي له ان يستعجل نتيجة دعوته أو يستعجل العذاب لقومه، بل يكون صبوراً ، فمعالجة الناس تحتاج إلى علم وحلم ورفق وصبر.
قال ﷺ: " إِذَا قَالَ الرَّجُلُ : هَلَكَ النَّاسُ. فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ " رواه مسلم.
وفيها من الفوائد أنّ قوله مُغاضِبًا أي "مِن أجْلِ رَبِّهِ "، فَذَهَب فَارًّا بِنَفْسِه، وَلَمْ يَصْبِر عَلَى أَذَاهُم وَقَدْ كَانَ اللَّهُ أَمَرَه بِمُلَازَمَتِهِم ودعوتهم، فَكَانَ ذَنْبُهُ خُرُوجَه مِنْ بَيْنِهِم مِنْ غَيْرِ إذن من الله.
قال تعالى: { فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ ۞ لَّوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ } [القلم:48-49].
فكانت العقوبة له لا لقومه، وفي ذلك تحذير الدعاة إلى الله من مخالفة شرع الله في الدعوة إليه، وفي الآيات
الإشارة إلى فضل التسبيح والإستغفار فإنّه كان سبباً لنجاته عليه السلام.
قال تعالى:{ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ۞ أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ۞ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [البقرة:76-78].
قال تعالى:{ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ۞ أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ۞ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [البقرة:76-78].
وفيها التنبيه إلى أنّ العالم المعاند والعامي المقلد سواء في الضلال، لأنّ العالم عليه أن يعمل بعلمه، وعلى العامي أن لا يرضى بالتقليد والظن وهو متمكن من العلم بما آتاه الله من العقل والسمع والبصر.
قال تعالى: {إِنَّ فِی ذَ لِكَ لَذِكۡرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلۡبٌ أَوۡ أَلۡقَى ٱلسَّمۡعَ وَهُوَ شَهِیدࣱ}، وأنّ الدين ليس بالتمني قال تعالى {أَمۡ لِلۡإِنسَـٰنِ مَا تَمَنَّىٰ}.
فالمقلد ليس له نصيب من كتاب الله إلا التلاوة، والحجة قائمة عليه فهم أم لم يفهم.
قال تعالى:{ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } [الزخرف:37].
وقال تعالى:{ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا } [الإسراء:41].
وقال تعالى:{ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا } [الكهف:54].
قال تعالى:{ فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } [القصص:24].
قال تعالى:{ فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } [القصص:24].
تأمل طلب موسى من ربه وجود الرزق ولم يواجهه بالطلب مباشرة ، بل اعترف بين يدي الله بوصف الفقر والفاقة، وعرف ربّه بالغنى والسيادة المطلقة ، ولم يحدد طلبه ، تسليماً لتدبير الله له ، وقد قال قبل ذلك {عَسَىٰ رَبِّیۤ أَن یَهۡدِیَنِی سَوَاۤءَ ٱلسَّبِیلَ}.
قال ابن القيّم رحمه الله: " والدعاء ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته وهذا أحد التأويلين في قوله تعالى {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}.
والثاني : أن تسأله بحاجتك وفقرك وذلك فتقول أنا العبد الفقير المسكين البائس الذليل المستجير ونحو ذلك
والثالث: أن تسأل حاجتك ولا تذكر واحدا من الأمرين، فالأول أكمل من الثاني، والثاني أكمل من الثالث، فإذا جمع الدعاء الأمور الثلاثة كان أكمل" (جلاء الأفهام ١٥٣/١).
قلت ودعاء موسى عليه السلام في أعلى المقامات، فإنّه توسل باسم الرب وفي ضمنه الإيمان بأنّ له الملك كله وله الخلق كله وبيده الخير كله وإليه يرجع الأمر كله ، ووصف نفسه بالفقر، وهذا من بسط المناجاة، وفيه التنبيه إلى كمال العبوديّة والتسليم.
قال تعالى: { وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَٰنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي } [طه:90]
قال تعالى: { وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَٰنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي } [طه:90].
كان الذين ثبتوا على التوحيد مع هارون هم الأقل، والأكثر عبدوا العجل، فالتوحيد عزيز فلا تغتر بالكثرة.
قال نبينا ﷺ:" وَمَا أَنْتُمْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ إِلَّا كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الْأَسْوَدِ، أَوْ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الْأَحْمَرِ " متفق عليه.
قال تعالى:{ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا } [الآية يوسف:100].
قال تعالى:{ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا } [الآية يوسف:100].
السجود يكون عبادة ويكون تحيّة ، وماجاء في هذه الآية هو من الثاني قطعاً بإتفاق أهل العلم
وهكذا مارواه ابن ماجة ، والبيهقي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ : " لَمَّا قَدِمَ مُعَاذٌ مِنَ الشَّامِ سَجَدَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ:" مَا هَذَا يَا مُعَاذُ ؟" قَالَ : أَتَيْتُ الشَّامَ فَوَافَقْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لِأَسَاقِفَتِهِمْ وَبَطَارِقَتِهِمْ ، فَوَدِدْتُ فِي نَفْسِي أَنْ نَفْعَلَ ذَلِكَ بِكَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "فَلَا تَفْعَلُوا ، فَإِنِّي لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللَّهِ ، لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَا تُؤَدِّي الْمَرْأَةُ حَقَّ رَبِّهَا حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا ، وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِيَ عَلَى قَتَبٍ لَمْ تَمْنَعْهُ".
هو من هذا الباب لا من باب العبادة، وقد نُسخ في شريعتنا لكمال حمايتها لجناب التوحيد ولأنّها خاتمة الرسالات لجميع الناس.
وأمّا سجود العبادة فهو شرك أكبر، ومنه قوله تعالى {یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱرۡكَعُوا۟ وَٱسۡجُدُوا۟ وَٱعۡبُدُوا۟ رَبَّكُمۡ وَٱفۡعَلُوا۟ ٱلۡخَیۡرَ لَعَلَّكُمۡ تُفْلِحُونَ} ، وقوله تعالى {وَجَدتُّهَا وَقَوۡمَهَا یَسۡجُدُونَ لِلشَّمۡسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَزَیَّنَ لَهُمُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ أَعۡمَـٰلَهُمۡ فَصَدَّهُمۡ عَنِ ٱلسَّبِیلِ فَهُمۡ لَا یَهۡتَدُونَ}، وقوله تعالى { یَـٰمَرۡیَمُ ٱقۡنُتِی لِرَبِّكِ وَٱسۡجُدِی وَٱرۡكَعِی مَعَ ٱلرَّ كِعِینَ}، وقوله تعالى { إِنَّ ٱلَّذِینَ عِندَ رَبِّكَ لَا یَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَیُسَبِّحُونَهُۥ وَلَهُۥ یَسۡجُدُونَ}، وقوله تعالى {كَلَّا لَا تُطِعۡهُ وَٱسۡجُدۡ وَٱقۡتَرِب}، وقوله تعالى {وَمِنۡ ءَایَـٰتِهِ ٱلَّیۡلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُۚ لَا تَسۡجُدُوا۟ لِلشَّمۡسِ وَلَا لِلۡقَمَرِ وَٱسۡجُدُوا۟ لِلَّهِ ٱلَّذِی خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمۡ إِیَّاهُ تَعْبُدُونَ} .
قال تعالى: { أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ } [الزمر:22].
قال تعالى: { أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ } [الزمر:22].
"أي لا تلين لكتابه، ولا تتذكر آياته، ولا تطمئن بذكره، بل هي معرضة عن ربها، ملتفتة إلى غيره، فهؤلاء لهم الويل ". (انتهى من تفسير السعدي).
وقال تعالى: {وَیَخِرُّونَ لِلۡأَذۡقَانِ یَبۡكُونَ وَیَزِیدُهُمۡ خُشُوعࣰا}.
وأخْرَجَ اِبْنُ المُبارَكِ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ عَبْدِ الأعْلى التَّيْمِيِّ قالَ: إنَّ مَن أُوتِيَ مِنَ العِلْمِ ما لا يُبَكِّيهِ، لَخَلِيقٌ أنْ قَدْ أُوتِيَ مِنَ العِلْمِ ما لا يَنْفَعُهُ؛ لِأنَّ اللَّهَ نَعَتَ أهْلَ العِلْمِ فَقالَ: {ويَخِرُّونَ لِلأذْقانِ يَبْكُونَ}.
قال تعالى: { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا } [النساء:140].
قال تعالى: { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا } [النساء:140].
وفيها التنبيه إلى أن كل من يقرأ أو يسمع أو يطلع على استهزاء الملحدين بآيات الله تعالى فهو إذاً مثلهم والعياذ بالله، وأن كل من يقعد أو يستمع لأمثال هؤلاء الملحدين والمشككين هو منافق سيجمعه الله معهم في نار جهنم يوم القيامة، وأّنّ على المؤمن أنّ يحذر من الشُبه عموماً ، فإنّ بني اسرائيل كفروا بالله بسبب شُبه السامري ، فشربته قلوبهم ولم يقدروا على الخلاص من تلك الشبه ،
قال تعالى: {وَأُشۡرِبُوا۟ فِی قُلُوبِهِمُ ٱلۡعِجۡلَ بِكُفۡرِهِمۡۚ قُلۡ بِئۡسَمَا یَأۡمُرُكُم بِهِۦۤ إِیمَـٰنُكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ}.
أي تداخل حبه في قلوبهم ورسخ فيها صورته لفرط شغفهم به وحرصهم على عبادته كما يتداخل الصبغ الثوب، والشراب أعماق البدن،
وفيه تشبيه بليغ أي جعلت قلوبهم لتمكن حب العجل منها كأنها تشربه، وإنما عبّر عن حب العجل بالشرب دون الأكل لأن شرب الماء يتغلغل في الأعضاء حتى يصل إلى باطنها، والطعام يتجاوزها ولا يتغلغل فيها.
وقال ﷻ:{ فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ۞ ذَٰلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَىٰ } [النجم:29-30]
قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } [النور:19].
قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } [النور:19].
في قوله ﷻ { لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} التنبيه إلى أنّ عقوبة من ينشر الفاحشة في الذين آمنوا معجلة في الدنيا.
وعن أبي هُرَيْرَةَ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " كُلُّ أُمَّتِي مُعَافىً إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ " رواه البخاري.
وقال ابن جرير الطبري رحمه الله: "إن الذين يحبون أن يذيع الزنا في الذين صدَّقوا بالله ورسوله، ويظهرَ ذلك فيهم، {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} "
يشير رحمه الله إلى قوله تعالى { وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا } [الإسراء:32]. و الفَاحِشَةُ: القبيحُ الشنيع من قولٍ أو فعل ومنه قوله تعالى { وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ } [العنكبوت:28].
و عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ : " يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ : لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ، وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا ". الحديث رواه ابن ماجة والطبراني في الأوسط والحاكم بإسناد حسن وصححه الألباني.
ومصداقه في القرآن قوله تعالى { وَمَا نُرِيهِم مِّنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [الزخرف:48].
وقوله تعالى { وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [السجدة:21].
قال تعالى:{ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } [الأنعام:68].
قال تعالى:{ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } [الأنعام:68].
قال ابن قدامة رحمه الله: " فمجالسة الفساق تبعث على مساوقة طباعهم وأخلاقهم الرديئة، وهو داء دفين قلّ ما يتنبه له العقلاء فضلاً عن الغافلين، وذلك أنه قلّ أن يجالس الإنسان فاسقاً مدة مع كونه منكراً عليه في باطنه إلا ولو قاس نفسه إلى ما قبل مجالسته لوجد فرقاً في النفور عن الفساد؛ لأن الفساد يصير بكثرة المباشرة هيناً على الطبع ويسقط وقعه واستعظامه ".
قلت ومنه مداومة النظر في القنوات ونحوها
قال تعالى:{ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [البقرة:213].
قال تعالى:{ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [البقرة:213].
من سمات الفتن والمحن اختلاط الامور فيها وعدم التبين لتفاصيلها.
فكان من دعائه ﷺ ما رواه مسلم في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ : كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ : " اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ ؛ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ".
فما أحوج المسلم في زماننا الذي تموج فيه الفتن إلى هذا الدعاء.
قال تعالى:{ وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِّنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } [المائدة:71].
قال تعالى:{ وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا } [طه:97].
قال تعالى:{ وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا } [طه:97].
بالغ في تدميره بالحرق والنسف في البحر ، ليستأصله من قلوبهم ، وكان من هدي نبيّنا ﷺ طمس معالم الشرك ،
فقد روى مسلم في الصحيح عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ ، قَالَ : قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ :" أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ، وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ ".
وقال تعالى:{ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ } [الصافات:93].
قوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [المائدة:94].
قوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [المائدة:94].
فَابْتَلَاهم اللَّهُ فِيه مَعَ الْإِحْرَامِ وَالْحرم، كَمَا ابْتَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي أَلَّا يَعْتَدُوا فِي السَّبْتِ.
فالمعاصي قد تيسر للناس لتمييز الخبيث من الطيب ، فقد روى مسلم في الصحيح عن حذيفة رضي الله عنه قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدَ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا ، لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ".
قال تعالى: { فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا } [الكهف:19].
قال تعالى: { فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا } [الكهف:19].
فقوله {وليتلطف} فيه الإشارة إلى قوله ﷺ "إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ " متفق عليه،
وفي رواية لمسلم " إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ ".
وقوله ﷺ " مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الْخَيْرَ " رواه مسلم ، وقوله ﷺ " إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ " رواه مسلم.
فالرفق من أهم وسائل السعادة في الحياة الدنيا
قال تعالى: { وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَيْءٍ ذَٰلِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ } [يوسف:38].
قال تعالى: { وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَيْءٍ ذَٰلِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ } [يوسف:38].
قوله {ذلك من فضل الله علينا} قالها يوسف عليه السلام وهو في السجن.
وفيها التنبيه أنّ نعمة التوحيد أعظم النعم على الإطلاق ، فينبغي لمن كان
موحداً وأصابه الهم أوالحزن أن يتذكر فضل الله عليه بالتوحيد فتزول همومه وأحزانه لأنًه سبب سعادة الأبد ،
قال تعالى:{ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا } [الإنسان:3
قال تعالى ( وَإِذَا جَاۤءَهُمۡ أَمۡرࣱ مِّنَ ٱلۡأَمۡنِ أَوِ ٱلۡخَوۡفِ أَذَاعُوا۟ بِهِۦۖ وَلَوۡ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰۤ أُو۟لِی ٱلۡأَمۡرِ مِنۡهُمۡ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِینَ یَسۡتَنۢبِطُونَهُۥ مِنۡهُمۡۗ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ لَٱتَّبَعۡتُمُ ٱلشَّیۡطَـٰنَ إِلَّا قَلِیلࣰا )
قال تعالى ( وَإِذَا جَاۤءَهُمۡ أَمۡرࣱ مِّنَ ٱلۡأَمۡنِ أَوِ ٱلۡخَوۡفِ أَذَاعُوا۟ بِهِۦۖ وَلَوۡ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰۤ أُو۟لِی ٱلۡأَمۡرِ مِنۡهُمۡ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِینَ یَسۡتَنۢبِطُونَهُۥ مِنۡهُمۡۗ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ لَٱتَّبَعۡتُمُ ٱلشَّیۡطَـٰنَ إِلَّا قَلِیلࣰا )
وقال تعالى ( قُلۡ أَطِیعُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِیعُوا۟ ٱلرَّسُولَۖ فَإِن تَوَلَّوۡا۟ فَإِنَّمَا عَلَیۡهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَیۡكُم مَّا حُمِّلۡتُمۡۖ وَإِن تُطِیعُوهُ تَهۡتَدُوا۟ۚ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلَّا ٱلۡبَلَـٰغُ ٱلۡمُبِینُ)
قال ابن عبدالبر
وروى معمر عن الزهري عن السائب بن يزيد قال :
قال رجل لعمر رضي الله عنه: ألا أخاف في الله لومة لائم خير لي، أم أقبل على أمري؟ فقال عمر: أما من ولي من أمر المسلمين شيئاً فلا يخف في الله لومة لائم، ومن كان خلواً، فليقبل على نفسه، ولينصح لأميره " التمهيد ٢٨٥/٢١
قال تعالى ( أَیَّامࣰا مَّعۡدُودَ ٰتࣲۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِیضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرࣲ فَعِدَّةࣱ مِّنۡ أَیَّامٍ أُخَرَۚ وَعَلَى ٱلَّذِینَ یُطِیقُونَهُۥ فِدۡیَةࣱ طَعَامُ مِسۡكِینࣲۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَیۡرࣰا فَهُوَ خَیۡرࣱ لَّهُۥۚ وَأَن تَصُومُوا۟ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ )
قال تعالى ( أَیَّامࣰا مَّعۡدُودَ ٰتࣲۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِیضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرࣲ فَعِدَّةࣱ مِّنۡ أَیَّامٍ أُخَرَۚ وَعَلَى ٱلَّذِینَ یُطِیقُونَهُۥ فِدۡیَةࣱ طَعَامُ مِسۡكِینࣲۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَیۡرࣰا فَهُوَ خَیۡرࣱ لَّهُۥۚ وَأَن تَصُومُوا۟ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ )
روى البخاري عن عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ كانَ يَقْرَأُ: ”وعَلى الَّذِينَ يُطَوَّقُونَهُ“ مُشَدَّدَةً قالَ: يُكَلَّفُونَهُ ولا يُطِيقُونَهُ. ويَقُولُ: لَيْسَتْ بِمَنسُوخَةٍ، هو الشَّيْخُ الكَبِيرُ الهِمُّ، والعَجُوزُ الكَبِيرَةُ الهِمَّةُ، يُطْعِمُونَ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا ولا يَقْضُونَ "
و أخْرَجَ وكِيعٌ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾ قالَ: أطْعَمَ المِسْكِينَ صاعًا "
وفيهما التنبيه إلى أنّ الإطعام هو المقارن للصيام ، ففي أول الأمر خيّر بين الإطعام والصيام ، ثم رخص للكبير بالإطعام ، ثم رغب في التطوع في الإطعام ،
وذلك كلّه يشير إلى أنّ زكاة الفطر بالإطعام هي المقارنة للصيام ، ولا يجوز تبديلها بالنقد ولا يجزئ ، لمخالفته للكتاب والسنّة وعمل السلف الصالح ، وأما مع غير الصيام فقد ذكر الله الصدقة بالمال في مواضع كثيرة منها قوله تعالى ( ٱلَّذِی یُؤۡتِی مَالَهُۥ یَتَزَكَّىٰ)
قال تعالى ( وَلَمۡ نَكُ نُطۡعِمُ ٱلۡمِسۡكِینَ )
قال تعالى ( وَلَمۡ نَكُ نُطۡعِمُ ٱلۡمِسۡكِینَ )
وقال تعالى ( أَنُطۡعِمُ مَن لَّوۡ یَشَاۤءُ ٱللَّهُ أَطۡعَمَهُۥۤ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا فِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینࣲ )
وقال تعالى ( وَیُطۡعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسۡكِینࣰا وَیَتِیمࣰا وَأَسِیرًا ، إِنَّمَا نُطۡعِمُكُمۡ لِوَجۡهِ ٱللَّهِ لَا نُرِیدُ مِنكُمۡ جَزَاۤءࣰ وَلَا شُكُورًا )
وفي الآيات التنبيه إلى السر في تخصيص الطعام في زكاة الفطر ، وفي الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ ؟ قَالَ : " تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ "
وعنه رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اعْبُدُوا الرَّحْمَنَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَأَفْشُوا السَّلَامَ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ " رواه الترمذي وقال حسن صحيح ،
وقال تعالى في فضل إطعام الطعام ( فَوَقَىٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَ ٰلِكَ ٱلۡیَوۡمِ وَلَقَّىٰهُمۡ نَضۡرَةࣰ وَسُرُورࣰا )
قال تعالى ( نَرۡفَعُ دَرَجَـٰتࣲ مَّن نَّشَاۤءُۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِیمٌ عَلِیمࣱ )
قال تعالى ( نَرۡفَعُ دَرَجَـٰتࣲ مَّن نَّشَاۤءُۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِیمٌ عَلِیمࣱ )
قال شيخ الإسلام ابن تيمية " فرفع الدرجات والأقدار على قدر معاملة القلوب بالعلم والإيمان، فكم ممن يختم القرآن في اليوم مرة أو مرتين وآخر لا ينام الليل وآخر لا يفطر ، وغيرهم أقل عبادة منهم وأرفع قدرا في قلوب الأمة، وذلك لقوة وصفاء المعاملة وخلوصها من شهوات النفوس " مجموع فتاوى ابن تيمية ١٦ /٤٩
وقال تعالى ( وَلَا عَلَى ٱلَّذِینَ إِذَا مَاۤ أَتَوۡكَ لِتَحۡمِلَهُمۡ قُلۡتَ لَاۤ أَجِدُ مَاۤ أَحۡمِلُكُمۡ عَلَیۡهِ تَوَلَّوا۟ وَّأَعۡیُنُهُمۡ تَفِیضُ مِنَ ٱلدَّمۡعِ حَزَنًا أَلَّا یَجِدُوا۟ مَا یُنفِقُونَ )
قال تعالى ( فَٱعۡلَمۡ أَنَّهُۥ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَلِلۡمُؤۡمِنِینَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِۗ وَٱللَّهُ یَعۡلَمُ مُتَقَلَّبَكُمۡ وَمَثۡوَىٰكُمۡ )
قال تعالى ( فَٱعۡلَمۡ أَنَّهُۥ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَلِلۡمُؤۡمِنِینَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِۗ وَٱللَّهُ یَعۡلَمُ مُتَقَلَّبَكُمۡ وَمَثۡوَىٰكُمۡ )
قال سفيان ابن عيينة : ما أنعم الله على العباد نعمة أعظم من أن عرفهم لا إله إلا الله "
وقال تعالى ( إِنَّنِیۤ أَنَا ٱللَّهُ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّاۤ أَنَا۠ فَٱعۡبُدۡنِی وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكۡرِیۤ )
قال تعالى ( وَعَرَضۡنَا جَهَنَّمَ یَوۡمَىِٕذࣲ لِّلۡكَـٰفِرِینَ عَرۡضًا ، ٱلَّذِینَ كَانَتۡ أَعۡیُنُهُمۡ فِی غِطَاۤءٍ عَن ذِكۡرِی وَكَانُوا۟ لَا یَسۡتَطِیعُونَ سَمۡعًا )
قال تعالى ( وَعَرَضۡنَا جَهَنَّمَ یَوۡمَىِٕذࣲ لِّلۡكَـٰفِرِینَ عَرۡضًا ، ٱلَّذِینَ كَانَتۡ أَعۡیُنُهُمۡ فِی غِطَاۤءٍ عَن ذِكۡرِی وَكَانُوا۟ لَا یَسۡتَطِیعُونَ سَمۡعًا )
وقال ابن القيّم رحمه الله :
" وهذا يتضمن معنيين:
أحدهما :
أن أعينهم في غطاء عما تضمنه الذكر من آيات الله، وأدلة توحيده، وعجائب قدرته
والثاني :
أن أعين قلوبهم في غطاء عن فهم القرآن وتدبره، والاهتداء به ، و هذا الغطاء للقلب أولا ، ثم يسري منه إلى العين" انتهى
قلت وينكشف الغطاء عند الموت ويحصل اليقين قال تعالى ( لَّقَدۡ كُنتَ فِی غَفۡلَةࣲ مِّنۡ هَـٰذَا فَكَشَفۡنَا عَنكَ غِطَاۤءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلۡیَوۡمَ حَدِیدࣱ )
وقال تعالى ( وَلَوۡ تَرَىٰۤ إِذِ ٱلۡمُجۡرِمُونَ نَاكِسُوا۟ رُءُوسِهِمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ رَبَّنَاۤ أَبۡصَرۡنَا وَسَمِعۡنَا فَٱرۡجِعۡنَا نَعۡمَلۡ صَـٰلِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ )
وقال تعالى ( ءَاۤلۡـَٔـٰنَ وَقَدۡ عَصَیۡتَ قَبۡلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِینَ )
قال تعالى ( قُلۡ سُبۡحَانَ رَبِّی هَلۡ كُنتُ إِلَّا بَشَرࣰا رَّسُولࣰا )
قال تعالى ( قُلۡ سُبۡحَانَ رَبِّی هَلۡ كُنتُ إِلَّا بَشَرࣰا رَّسُولࣰا )
جاءت هذه الآية بعد مطالبة المشركين لنبينا بما لا يقدر عليه البشر في العادة ، وفيها
التنبيه إلى بطلان عقائد الروافض وغالب الصوفيّة الذين يعتقدون في النبي ﷺ وغيره من الصالحين القدرة على التصرف في الكون ، والخلق والرزق والعلم بالغيب
عوداً إلى ماكانت عليه الجاهليّة بصورة تعظيم في الصالحين ، قال تعالى ( قُل لَّاۤ أَمۡلِكُ لِنَفۡسِی نَفۡعࣰا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاۤءَ ٱللَّهُۚ وَلَوۡ كُنتُ أَعۡلَمُ ٱلۡغَیۡبَ لَٱسۡتَكۡثَرۡتُ مِنَ ٱلۡخَیۡرِ وَمَا مَسَّنِیَ ٱلسُّوۤءُۚ إِنۡ أَنَا۠ إِلَّا نَذِیرࣱ وَبَشِیرࣱ لِّقَوۡمࣲ یُؤۡمِنُونَ )