"خائن"



حفرةٌ بلا قعر


تلك المدينة، التي نهضت من بين ظلمات الأراضي النائية المحيطة بها، كانت تستحق لقب ’هِوّة‘.


لم يكن حاجز ذو طبقات، من النوع الذي يفصل النهار عن الليل؛ النور عن الظلام. بل كان حاجزاً متناغماً، يرسم الحدود بين الأشياء من النوع نفسه. ذلك كان الشيء الغريب حول مدينة سنوفيلد.


لقد كان خطاً فاصلاً، ولكن الأشياء التي كان يفصلها، لم تكن مختلفة جداً مثل السحر والشعوذة، وليست متشابهة كالبشر والوحوش.


تحديداً، لقد كان حاجزاً ضبابياً، ملطخ بألوان الفجر والغسق. ولكنه كان أكثر من مجرد انفصال. رابطة سوداء، مولودة من دمج الألوان.


بصيغةٍ أخرى، إنه الخط الفاصل بين مدينةٍ وأخرى؛ بين الطبيعة والبشر؛ بين البشر والمدينة الكبيرة. لم يكن مختلف على الإطلاق عن ذلك التشويش الغامض الذي يفصل الأحلام عن النوم.


أمريكا الغربية. تقع المدينة في شمال لوس فيقاس.


كان محيط المدينة ناتجٌ عن توازنٍ دقيق. يوجد في شمال المدينة وادٍ شاسع، يذكّرنا بالوادي الكبير. في الغرب، غابة كثيفة، منظر غير معتاد في مثل هذه الأرض القاحلة. في الشرق، قطعة أرض مكونةٌ من بحيراتٍ ومستنقعات؛ في الجنوب، صحراء شاسعة مكشوفة.


على الرغم من أنّ المدينة لم يكن لديها أراضي زراعية، إلا أنها كانت محاطة من الاتجاهات الأربعة بأراضٍ مناسبةٍ جداً للزراعة. في الواقع، وجود المدينة لوحدها كان غريباً لأنها برزت من محيطها كنبض الإبهام عند الألم.


مدينة مزدهرة مع نظرة متجهة للمستقبل؛ مدينة مزيجها بين الطبيعي والمصنّع، هذا ما كان البعض ليصف مدينة سنوفيلد، مبهوراً بجمالها. ولكن في الواقع، لقد تم بناء المدينة بمفاهيمٍ متغطرسة. في بعض الأحيان، تلك المفاهيم تكون واضحة؛ وأحياناً لا.


كذبة محيط المدينة كانت طبيعية بقدر المستطاع. وكأن تلك المدينة، تلك الهِوّة، تلك الرابطة، ذلك المزيج من الألوان الغير متناهية أُعتبر مناسباً لتحقيق التوازن في البيئة. أصبحت المدينة كالمرحلة السوداء، تقيّم كل ما يحيط بها.




حسب السجلات المتعلقة ببداية القرن العشرين، كانت المنطقة في ذلك الوقت موطناً للقليل من السكان الأصليين هنا وهناك، ولا أحد غيرهم.

منذ حوالي 70 سنة، بدأت المنطقة بالتطور بسرعة كبيرة. بحلول القرن الحادي والعشرون، خضعت الأرض لتحولٍ كلي. الآن، هي مدينة مزدهرة تضم 800,000 شخص.


"بالطبع، التطور بسرعة من الممكن أن يحصل في أي مكان. تشير حقيقة أنه طُلب منّا التحقيق في مثل هذه المدينة التي تبدو مثالية، إلى أنه يجب علينا تركيز اهتمامنا لأصول المدينة" تذمر رجل عجوز، يرتدي رداء أسود مُزْرق.


في ليلةٍ مظلمة، لا وجود للنجومِ في السماء. يبدو وكأن الغيوم توشك على الانفجار في أيّ لحظة.


من أوراق بستان الأشجار على حافة الغابة الواسعة إلى غرب المدينة، حدَّق الرجل العجوز من خلال المنظار. بينما ينظر الى الضوء الذي ألقته تكتل ناطحات السحاب، استمر بالتحديق، وبازدراءٍ واضحٍ في صوته قال: "همم...مناظير هذه الأيام عملية للغاية. تركّز على الأشياء بمجرد ضغطة زر؛ واستخدامها أقل صعوبة من عناء الخوض في مشاكل إرسال روح مساعدة... يا له من عصرٍ بائس نعيش فيه"


مع نظرةٍ كريهةٍ على وجهه، تحدث الرجل العجوز لتلميذه الشاب الواقف خلفه، وسأله: "ألا تتفق، يا فالديوس؟"


وقف الرجل المدعو بفالديوس بجانب الشجرة مبتعداً بحوالي مترين عن العجوز. وبصوت مليءٍ بالريبة، قال: "وإن يكن. الأهم من ذلك، أعلينا حقاً القلق بشأن ذلك الشيء؟ المدعو ب ’حرب الكأس المقدسة‘ ؟"


—حرب الكأس المقدسة—


جملةٌ غالباً ما تظهر في قصص الخيال والأساطير في قديم الزمان. في لحظةِ خروج هذه الجملة من شَفَتي فالديوس، قام معلمه بخفض منظاره ومن ثم تحدث إليه وعيناه مرهقتان قائلاً: "يا فالديوس، أهذه مزحة؟"


"لا...أنا أعني...،" تلعثم التلميذ. ثم أخفض رأسه، كما لو كان يتوقع عقوبة قاسية.


هز العجوز رأسه وتنهد بعدها، وبصوتٍ غاضب، قال: "لم أكن أعتقد أنني يجب أن أسأل، ولكن... ما مقدار معرفتك عن حرب الكأس المقدسة؟"


"لقد ألقيت نظرة على الأساسيات المعطاة لي، ولكن..."


"إذاً أنت تعرف ما يكفي. سواءٌ كانت مجرد إشاعة بين الأطفال أو كلامٌ لا يلقى له بال في مجلة، طالما كانت هناك احتمالية، مهما كانت ضئيلة، بأن جسماً يوصفُ بالكأس المقدسةِ سيظهر، لا يمكننا أن نتجاهلها"


مع أنها الرغبة الحقيقية لجميع السحرة، فهي في الوقت نفسه مجرد وسيلة لتحقيق الغاية المطلقة.



في يوم من الأيام كان هناك قتال


حدث في دولة ما في أقصى الشرق


وقع القتال في مدينةٍ عادية، من دون علم سكانها


وفوق ذلك، قامت تلك المعركة بإخفاء سرٍ مخيفٍ حقاً. في الواقع، كانت حرب جلبت معجزة تسمى بالكأس المقدسة.


الكأس المقدسة


هي المعجزة


هي الأسطورة


هي أثرٌ من عهد الآلهة


هي النهاية


هي الأمل، والسعيُ إليهِ يعد اعترافاً باليأس


يتغير أصل تلك القطعة المشارُ إليها بالكأس المقدسة من وقتٍ لآخر، من مكانٍ لمكان، من شخصٍ لشخص. في تلك الحرب، لم تكن الكأس المقدسة 'بقايا مقدسة' كما يتصور أن تكون في الغالب.


يقال، أن المعجزة المسماة بالكأس المقدسة تظهر على شكل أداة مطلقة قادرة على تحقيق جميع الرغبات.


هذا ما يقال عنها ولكن، عندما يحين الوقت للحصول عليها، الأداة ذو القدرة المطلقة على منح الأماني المسماة بالكأس المقدسة، ليس لها وجود.


قبل ظهور الكأس نفسها، تتجسد سبعة أرواح.


من وسط تاريخ هذا العالم، وتقاليده، وسحره، وخياله، يُختارون ’الأبطال‘ ليتم استدعائهم إلى الحاضر ك ’خدم‘.


شكّلوا أساس حرب الكأس المقدسة، وهم ضروريين لاستدعاء الكأس المقدسة.


تلك الأرواح، التي لا حدود لقوتها مقارنةً بالبشر، يتم استدعائهم من أجل تدمير بعضهم البعض.




السحرة الذين يستدعون تلك الأرواح يعرفون بـ ’الأسياد‘. من أجل كسب أحقية الحصول على الكأس، الأحقية التي يكسبها شخص واحد، تراهم يقتلون بعضهم البعض. تلك المذبحة هي بالتأكيد ما تسمى بحرب الكأس المقدسة.


عندما تُقتل الأرواح في المعركة، فإنها تتدفق الى وعاء الكأس المقدسة؛ وعندما يمتلئ الوعاء، فإن آلة تحقيق الأماني تكتمل. هذا هو أساس نظام حرب الكأس المقدسة.


من الممكن لتلك المعارك أن تكون هي الأكثر دموية، وأكثر الأماكن دماراً في العالم.


يُخفي السحرة المشاركون في الحرب وجودهم عن باقي العالم، كالعادة، وبخطواتٍ هادئةٍ في الليل، يُشعلون نيران الحرب المخفية عن الأنظار.


كجزءٍ من مهمتها في الإشراف على تلك الأشياء المسماة بالكأس المقدسة، أرسلت الكنيسة مشرفها على الحرب.


تظهر تلك المعارك المدمرة بمظهرٍ دموي مخادع، ويتم تطهيرها من قبل تلك الأرواح القوية للغاية.


والآن...


حرب الكأس المقدسة: المعركة التي أُقيمت خمس مرات في إحدى الجزر في أقصى الشرق.


ظهر شيء ما في مدينة عادية في الولايات. يصاحب ذلك الشيء نذير شبيه بأولئك الذين شُوهِدوا في تلك الحرب في أقصى الشرق. انتشرت شائعات عن ذلك الشيء بين السحرة.


نتيجة لذلك، جمعية السحرة، تلك المنظمة التي تضم جميع السحرة، أعدّت الإجراءات اللازمة لإقامة تحقيق سري في تلك المدينة. ولذلك، اتّضح أنه تم إرسال ساحر مسن وتلميذه لتلك المدينة.


X X


"...جيد جداً. معرفتك عن حرب الكأس المقدسة كافية. ومع ذلك، يا فالديوس. أنا غير مرتاح مع تصرفاتك الباردة. يخيب أملي أن تكون على علمٍ بالكثير، ولكنك لا تلقي بالاً للأمر. اعتماداً على مجرى الأحداث، من الممكن أن تصبح مسألة تهم جمعية السحرة بأكملها. وعندما يحدث ذلك، فبتأكيد، أشقياء الكنيسة سيظهرون. تمالك نفسك، يا فالديوس."


رد فالديوس، مشككاً بكلام معلمه على الرغم من تحذيره: "ولكن هل حقاً هذا هو المكان؟"


"أُنشئ النظام الأساسي لحرب الكأس المقدسة من قبل الآينزبيرن والماكيري. ألا يجب أن تُقام الحرب في الأرض التي اختارها التوساكا؟ هل من الممكن أن يكون هناك أحد قد استبدل النظام... من قبل سبعة عقود؟"




"إن كان هذا هو المكان فعلاً... أوه، نعم. في أسوء سيناريو، من الممكن أن يكون هذا المكان مبني خصيصاً من أجل حرب الكأس المقدسة."


"أمن الممكن أن يكون!"


"هدئ من روعك؛ هذا كان أحد الاحتمالات. وكما يقال، أن العائلات المؤسسة الثلاثة فعلت كل شيء للحصول على الكأس. على أيّ حال، لم نصل بعد إلى الشخص الذي يحاول إعادة إقامة حرب الكأس المقدسة في هذه المدينة، يا فالديوس. لن أتفاجأ أبداً إن كان المرتكب على علاقةٍ مع الآينزبيرن أو الماكيري. ...أحد أعضاء التوساكا موجودٌ في برج الساعة، لذلك أشك أن يكون من عملهم."


عاد العجوز بالنظر لمنظاره، مع إبقاء فكرة أنه من الممكن أن تكون العائلات المؤسسة مشاركة.


لم يتبقى إلا ساعة حتى منتصف الليل، ومع ذلك فإن أنوار المدينة مضيئة كالعادة.


وقفت مدينة سنوفيلد بهدوء أمام سماء الليل المعتمة، معتزةً بوجودها.


بعد مسح المنطقة لبضع دقائق، ألقى العجوز تعويذة، كما لو كان هو الشيء المنطقي الوحيد لفعله. ستجعل التعويذة منظاره قادر على مشاهدة المد والجزر لخطوط لاي/Lay Lines. (خطوط


حدّق التلميذ إلى معلمه من الخلف، وسأله بتواضع: "إن فعلاً وقعت حرب الكأس المقدسة، فبالتأكيد أننا لن نضل صامتين حيال الأمر نحن جمعية السحرة ولا حتى متعصبي الكنيسة...؟"


"بالتأكيد... ولكن حتى الآن، هذه ليست سوى تنبؤات. سابقاً في برج الساعة، لقد قال اللورد اليميلوي أن هناك أشياء شاذة تحدث في خطوط لاي، ولكن... حسناً، لقد كانت هذه فرضية فظة من قبله، ناهيك عن طالبه. لذلك، نحن الآن في هذه المنطقة لتحقق من صحة تنبؤاته."


ضحك العجوز، مرهقاً، وبصوتٍ يتغلغله الاحتقار والغضب معاً، تحدث وتحدث بإسهاب، ربما كان الكلام موجهٌ لتلميذه، وربما لنفسه، فقال: "بالطبع، لا يمكن استدعاء روح بطولية ما لم يتم تجهيز التحضيرات للكأس المقدسة مسبقاً. إن كان قد تم بالفعل استدعاء روح بطولية، ستمحى شكوكنا على الفور... على الرغم من أنني لا أُريد حصول ذلك."


"من المفاجئ سماع هذا الكلام منك، يا سيدي."


"أتكلم عن نفسي، أنا آمل أن تكون تلك الإشاعات حول المنطقة هي فعلاً مجرد إشاعات. وإن كان هناك شيء قد تجسد بالفعل هنا، أودها أن تكون كأس مقدسة مزيفة."


"ألا يتعارض هذا مع ما قلته سابقاً؟ أن الكأس المقدسة هي الرغبة الحقيقية لجميع السحرة ووسيلة للغاية المطلقة...؟"



أجاب، قائلاً: "حسناً... أعتقد أنها كذلك،" ومع تجاعيدٍ على جبينه، أكمل: "ومع ذلك، لنفترض أن هناك شيء يستحق أن يقال له الكأس المقدسة الحقيقية، سأرتبك حيال ذلك! سيكون من المزعج أن تظهر الكأس في بلدة ذو تاريخ نحيل...أنا متأكد من أن الكثير من السحرة سيفعلون أي شيء للوصول إلى الجذر، ولكن، لأكون صريحاً معك، أنا لا أريد حدوث ذلك. إن وصلت إلى الجذر... سيكون الأمر وكأن شاباً صغيراً غير مهذب يعيق حجرة نومي بحذائه الأشعث. وهذا لن يفيدني" وهز رأسه بسخط.


"هل هو كذلك؟"


وللمرة الرابعة عشر، تنهد الساحر العجوز باتجاه تلميذه: "على كل حال،" تساءلَ بصوتٍ مرتفع، مغيراً من موضوع الحديث، فقال: "في هذه الأرض الجديدة، يجب علي أن أتساءل... عن ماهية الطريقة التي يمكن استدعاء الخدم فيها؟"


"فعلاً. بترك فئة أساشين جانباً، هوية الفئات الخمسة الأخرى تعتمد كلياً على مستدعيها، لذا ليس لدينا أي طريقة للتنبؤ بما قد يحدث."


غير قادر على احتواء تفاقمه مع فالديوس، قام الساحر بتوبيخه بشده: "بترك فئة أساشين جانباً، هناك ست فئات متبقية، أيها الغبي! لم تمضي دقيقتين منذ أن تحدثت عن السبعة خدم! كفاك حماقة!"


جميع الأرواح البطولية التي تستدعى لحرب الكأس المقدسة تأخذ أحدَ هذه الفئات السبعة.


سيبر

آرتشر

لانسر

رايدر

كاستر

أساشين

بارساكر


تُستدعى الأرواح البطولية على شكل يتوافق مع خصائصها المختلفة الخاصة، وبالتالي تُشحذ قدراتهم إلى أبعد من ذلك. بطلٌ ذو سيف، فمن الممكن أن يُستدعى كسيبر؛ بطلٌ ماهر بالرمح، كلانسر.


إن الإفشاء بالاسم الحقيقي للروح البطولية هو بمثابة كشف نقاط الضعف وقدرته الخاصة؛ لذلك، يُشار عادةً إلى الخدم بأسماءِ فئاتهم. تُزوّد كل فئةٍ بمهاراتٍ مختلفة، كلٌ منها قادر على التأثير في القتال بطريقته الخاصة.


على سبيل المثال، تتمتّع فئة الكاستر بالقوة لإنشاء حقل طاقة، بينما فئة الأساشين لديهم القدرة على إخفاء وجودهم.


بصيغةٍ أخرى، تستطيع تشبيه الفئات بقطع الشطرنج، لكلٍ منها قدرتها الخاصة.



ولكن لكل لاعب قطعةٌ واحدةٌ فقط. ولكنها ليست رقعة شطرنج عادية، بل صمّمت من أجل معركة بقاء (باتل رويال).


ولكل قطعةٍ القدرة على تغيير الرقعة، بشرط أن يكون محرك تلك القطعة ’السيد‘، قويٌ كفاية.


كان ذلك المبدأ الأساسي لحرب الكأس المقدسة الذي أخطأ فيه فالديوس. نَحَب المعلم بأن لديه تلميذ غير جدير بذلك، إلا أنّ فالديوس بقي بارداً غير مكترثٍ بالأمر، مع العلم أنه كان يوبّخ.


لم يكن وكأنه لم يستمع لكلمات معلمه، أو طموحاته. ثم تحدث بصوت ناعم وواثق، فقال: "لا، مجموع الفئات هي ست، يا سيد رونغال،"


"...ماذا؟"


فجأةً، نفضت القشعريرة العمود الفقري للساحر العجوز، رونغال.


هذه المرة الأولى التي ينطق فالديوس بها اسمه.


لقد أراد أن يتحدث بصوت مرتفع باتجاه فالديوس؛ ليسأله ما الذي يحدث في رأسه، ولكنَّ نظرات فالديوس الباردة أوقفته. بقي رونغال صامتاً.


تغيرت ملامح وجه فالديوس الباردة، ثم تحدث مشيراً بهدوء إلى خطأ معلمه: "في حرب الكأس المقدسة التي نشبت في اليابان، فهذا صحيح، لقد كان هناك سبع فئات،" وأكمل: " ولكن، في هذه المدينة، يوجد فقط ست فئات. فئة السيبر، الأقوى والأنسب للمعارك، ليس لها وجود في حرب الكأس المقدسة المزيفة."


"ما الذي... تتحدث عنه؟" انسحق شيء من عموده الفقري.


دوائره السحرية، أعصابه، وأوعيته الدموية، قامت بنقل إشاراتِ تحذير، مما تسبب في رنين جرس إنذار في أُذنيه.


تلميذه، أو بالأحرى، الرجل الذي كان من المفترض أن يكون تلميذه قبل بضع دقائق، خطى خطوةً باتجاهه. "النظام المبتكر من قبل الماكيري، والآينزبيرن، والتوساكا كان مدهشاً حقاً،" قالها بصوتٍ بارد مفتقر للعاطفة، ثم أكمل: "لهذا السبب، لم نستطع أن ننسخه بإتقان. كنا نود أن نبدأ الحرب بنسخةٍ مطابقة... ولكننا استخدمنا حرب الكأس المقدسة الثالثة كقالب، ولكنّ ذلك الشيء بحد ذاته خطأٌ فادح كما ترى. يا له من عار."


بدا فالديوس وبوضوح أنه شاب لم يتعدى منتصف العشرينات، إلّا أنه كان يروي أحداثاً منذُ أكثرَ من سبعين سنةٍ كما لو أنه قد رآها بنفسه.


وعندما بدا أن تعابير وجهه ستتحول إلى تعابيرَ شريرة، التَوت زوايا شفتيه، كما لو كانت مشدودة بسلاسلَ غير مرئية. هادئٌ كعادته، تحدث من أعماق قلبه قائلاً:


"لقد أشرت الى أُمتي باسم ’الشباب‘. ولكن هذا أكثر سبب سيجعلك تتذكر، أيها المس،"


...ماذا؟""


"أنه لا يجب عليك أن تستهين بالشعوب الناشئة."


سحق طحن سحق فرقعة تحطم طحن تكسر طقطقة


جميع عظام وعضلات رونغال تشققت. ربما كان ذلك بسبب تشديده لحراسته، أو كان بسبب غضبه الشديد.


"أيها الحقير... من...أنت؟"


"أنا فالديوس بالطبع، أيها الصديق القديم. حسناً، الشيء الوحيد الذي تعرفه عني هو اسمي. على أي حال، لقد تعلّمتُ الكثير عن جمعية السحرة ’لحد الآن. أعتقد أنه يجب علي شكرك على ذلك."


"......."


باعتماده على خبرته الواسعةِ كساحر، علم رونغال فوراً أنّ الشخص الواقف أمامه لم يعد تلميذه؛ أو بالأحرى، قد أصبح عدوه.


هيّأَ رونغال نفسه لقتل فالديوس في اللحظةِ التي قام فيها الشخص الذي يعرفه منذُ وقتٍ طويل، باتخاذ خطوة. إلّا أن جرس الإنذار استمر في الرنين في أّذنيه.


كان يعرف بالضبط عن مدى قدرة الساحر فالديوس.


لم تكن هناك أيُّ إشارةٍ على أنّ فالديوس كان يكبح قوته. وكجاسوسٍ ذو خبرة لجمعية السحرة، كان متأكد من ذلك.


إلّا أنه كان يعلم في نفس الوقت، أنه في موقف خطر.


"على ما يبدو أنك عميل، إذاً، فأنت من منظمةٍ أخرى، أُرسلت للتسلل على الجمعية. ولقد كنت منهم، منذ أن أخبرتني أنك تسعى لتصبح ساحراً."


"من منظمة أخرى، ها؟" وبصوتٍ عالٍ وشائك، قام فالديوس بتصحيح كلامِ رونغال: "يبدو بأن جمعية السحرة تظن أنّ هناك مجموعة من السحرة غير مرتبطين بهم، هم المسؤولون عن إحداث حرب الكأس المقدسةِ هذه، ولكن...صِدقاً، كيف من الممكن... حسناً، لا يهم."


وبإيحاءٍ يشير أنه لا يوجد شيءٌ آخر ليقال، خطى فالديوس خطوةً إلى الأمام.



لم يكن يقصد فيها التهديد، ولا أن يقدم نفسه كعدو، بل كان من الواضح أنه كان يخطط لشيءٍ ما. أطبق رونغال أسنانه بإحكام، وبسلاسةٍ أخفض مركز ثقله، مستعداً للرد على أي شيءٍ قد يفعله فالديوس.


"لا تقلل من شأني، أيها الطفل"


وفي أثناء حديثة، أعدّ خطةً للقيام بالحركة الأولى في مبارزة السحرة هذه، ولكنه قد خسر بالفعل.


في الوقت الذي بدأوا فيه محاولة التفوق على بعضهم البعض كسحرة،


كان قد هُزم رونغال بالفعل من قبل الشخص الواقف أمامه، فرد عليه: "أنا لا أقلل من شأنك، يا سيدي."


فالديوس الذي لم يكن ينوي أن يقاتل منذ بداية الأمر كساحر.


سأضربك بكل ما لدي.""


أشعل فالديوس الولاعةَ التي كان يحملها بيدٍ واحدة. وفجأةً ظهرت سيجارة بيده الأخرى، مع العِلم أنها كانت خاويةً طيلة الوقت.


بدا الأمر وكأنها مساعدة، ولكن لم تكن هناك أيُّ إشارةٍ على استخدامه لطاقة سحرية.


عندما رأى فالديوس رونغال في حيرةٍ من أمره، ابتسم. لقد كانت ابتسامة من أعماق قلبه، ابتسامةً لم يرها رونغال قط. ثم تحدث فقال: "هاها، لقد كانت مجرد حركة يد بهلوانية. ليس سحراً."


".......؟"


قال فالديوس، بصوتٍ ليس فيه حتى أدنى حد من التوتر، تاركاً السيجارة: "أوه، أتعلم، نحن لسنا حقاً منظمة سحرة تحديداً. آمل ألّا يخيب أملك كثيراً،" ثم أكمل:


"لقد أجبنا لنداء الولايات المتحدة الأمريكية. لقد صدف وأن كان لدينا بعض السحرة في مجموعتنا؛ هذا كل ما في الأمر."


بقي رونغال صامتاً لبعض الوقت، ثم رد قائلاً: "لقد فهمت. الآن أخبرني، ما علاقة هذه السيجارة بكل هذا؟"


كان يحاول رونغال كسب بعض الوقت لتجهيز سحره. ولكن في لحظة حديثه بتلك الكلمات—


طلقةٌ نارية اخترقت جانب رأسه. تحدد كل شيء في لحظة.



لقد كان انفجاراً منتشراً ومليئاً بالسوائل.


تباطأت الطلقة بسبب اختراقها للجمجمة. مما أدّى إلى تناثر البارود في كل مكان، جاعلاً الرصاص يسبح في سائله النخاعي وهو يحرقه.


بدل من أن تخرج الرصاصة من الجانب الآخر من جمجمته، ارتدت الرصاصة داخل دماغه، واضعةً نهايةً فورية وأبدية للعجوز.


وبعد ذلك، مع أنه كان شبه ميت، عشرات من الطلقات النارية ثقبت جسمه، كما لو أنها الضربة القاضية.


لم تأتي جميع الطلقات من مكان واحد. كان من المؤكد أنّ هناك العديد من القناصين وُضِعوا في أماكن مختلفة.


كانت تلك إبادةً مبالغةٌ فيها. يا له من تدمير لا رحمة فيه.


تقوست أطرافه المسنة بلا حول ولا قوة، مثل دمية متحركة تُجبر على الرقص على موسيقى الراب.


"رَقصةٌ تشكر عليها. كان ذلك ممتعاً."


أطلق جسم رونغال رذاذاً أحمر أثناء سقوطه على الأرض، وهو يُسحق. نظر فالديوس للجثة الحديثة وربّت ببطء، وقال: "تبدو أصغر بثلاثين سنةٍ الآن، يا سيد رونغال."


بعد بضع دقائق—


وقف فالديوس صامتاً أمام جثة معلمه المنهار في بركةٍ من دماءه.


تغيرت الغابة المحيطة به. لقد كان هناك شعورٌ غريب يحوم حوله.


عشرات من الرجال يرتدون ملابس مموهة خرجوا من الغابة من خلف فالديوس.


كل واحد منهم مرتدي غطاءً أسود، وممسك بسلاح هجومي كاتم، كل منها منقوش بتصميم مختلف عن الآخر.


بالكاد يمكن تمييز أصلهم، ناهيك عن تأثيرات انفعالهم. قام أحدهم بالوقوف والذهاب لفالديوس، ألقى التحية أثناء حديثه ثم قال: "التقرير، يا سيدي. الحالة مستقرة. لم نجد أي شيء خارج عن المعتاد."


رد فالديوس: "أحسنت عملاً، يا زميل،" بينما كان يتحدث التابع بشكل ٍ رسمي، أجاب فالديوس بصوتٍ ودّي.


يحوم بتمهل حول جثة الساحر القديم، وهو ينظر إليه بابتسامةٍ خفيفةٍ على وجهه.




وبينما لا يزال ملقي وجهه بعكس اتجاه تابعيه، قال: "حسناً إذاً... بالنظر إلى البعض منكم، يبدو بأنكم لا تعلمون الكثير عن هؤلاء المسميين ’بالسحرة‘، اسمحوا لي بأن ألخّص لكم الأمر."


الرجال ذوي الأزياء الرسمية كانوا قد شكلوا تشكيلة في ذلك الحين خلفه. وفي صمت، استمعوا لحديث فالديوس.


"السحرة ليسوا مشعوذين. لا تشوشوا خيالكم بكائنات القصص الخيالية أو الوحوش الأسطورية. فكروا في... مممم نعم تلك هي— فكّروا على غرار الانمي أو أفلام هوليوود. هذا كل ما في الأمر."


تربَّع أمام جثة معلمه السابق، ممسكاً بقطعةٍ منه، وتركها في الهواء بيده العاريتين.


كان منظراً غريباً، ولكن لم يرفع أحد حاجبيه.


"يموتون عندما يقتلوا، والهجمات الجسدية فعالةٌ أمامهم.


هناك من يحمون أنفسهم بغطاءٍ من الزئبق، قوي كفاية لردع الآلاف من الرصاص. وهناك آخرون من يستطيعون نقل وعيهم وتمديد حياتهم بمساعدة الحشرات الموجودة في أجسادهم. ولكن... حسناً، النوع الأول لا يستطيع الدفاع عن نفسه ضد قناصة مضادة للدبابات، والنوع الآخر، من المؤكد أنه لا يستطيع العيش بعد أن يُضرب بصاروخ على سبيل المثال."


من الممكن أنهم اعتقدوا أنّ فالديوس كان يمزح. حاول التابعون قمع ضَحِكِهم.


ولكن عند لحظة سماعهم بما قاله فالديوس بعد ذلك، صمتوا مباشرةً.


"إلّا أنّ هناك استثناءات... على سبيل المثال، هذا الرفيق، الذي لم يكن هنا منذ بدايةِ الأمر."


أستفسر أحد الرجال المسلّحين، بشكلٍ رسمي للغاية، فقال: "هل يمكنني أن أطلب منك توضيح ما قلته، يا سيد فالديوس؟" ضحك فالديوس وقام بإلقاء قطعة من لحم الجثة عليه.


أمسك بها فوراً. نظر إلى قطعة اللحم، على الأرجح أنها جزءٌ من إصبع، وشهق بدهشة: "...ما؟"


تحت إضاءة مصباحه، كان من الواضح أن العظم الأبيض بارز من بين اللحم الأحمر.


ولكن كان هناك شيءٌ ما خاطئ. شيءٌ ما مختلف عن لحم الإنسان الحقيقي.


خيوط شفافة، لا تختلف كلياً عن أسلاك الألياف البصرية، ممتدة من اللحم، وتهتز بشكل حلزوني مزعج.




"جسدٌ اصطناعيْ، إن جاز التعبير؟ حسناً، نحن نطلق عليها اسم ’دمى‘. سيد رونغال محقق حذرٌ للغاية، أفهمت. هو ليس بهذا الغباء ليأتيَ إلى هنا بجسده الحقيقي. على الأرجح أنه في هذه اللحظة متواجد في أحد فروع الجمعية، أو في ورشة السحر خاصته. أراهن أنه في حالة رعبٍ وانفعالٍ الآن."


دمى...؟ هذا منافٍ للعقل!""


تحدث فالديوس باستمرار بلا مبالاة، كما لو كان يتكلم بصفته طرفاً ثالثاً لا علاقة له بالأمر: "أحد التقنيات المذهلة، ولكن، ألم تلاحظ أنه لم يستطع جعلها إنساناً تماماً. اتِّخاذ شكلِ رجلٍ عجوز كان شيء جيد لإخفاء تلك العيوب. سمعت أن هناك دمى لا يمكن تمييزها عن الأجسام التي بُنيت عليها... وبإمكانهم أيضاً تجاوز اختبار الحمض النووي."


عبس الجندي، ثم سأل سيده فالديوس: "في هذه الحالة، ألم يكن بإمكانه سماع كل ما قلته سابقاً؟"


"بلا يستطيع. كما هو مخططٌ له."


"ها..؟"


"لقد اخترت عناء الشماتة به مثل الأحمق قبل قتله متعمداً للتأكد من أن الجمعية ستعرف بكل ما قلته." ثم وقف فالديوس فوق الجسد المزيف، الملقى في بحيرة من الدم المزيف، وحدّق في السماء المعتمة في حين بدأ المطر بالتساقط. ثم تمتم بارتياح، وقال: "اعتبر هذا الإعلان... تحذيرنا للسحرة."


وهذا مؤشر للبداية—


بداية مجزرة البشر والأرواح البطولية؛ بداية حرب الكأس المقدسة المزيفة.