🏠︎ الرئيسة » كتابات » مع القرآن » يُخرِجُ الحيَّ.. ومُخرِجُ الميِّت..؟ (2-2)
👤 أ. عبد القدُّوس سماتي | 🗓 20-04-2020
ذكرنا في التدوينة السابقة ما أورده الرازي -رحمه الله- في الفرق بين التعبير بالفعل (يُخْرِجُ الحيَّ) والتعبير باسم الفاعل (مُخْرِج الميِّت) في آية الأنعام؛ غير أنِّي وجدتُ في نفسي شيئًا من قوله رحمه الله: "لفظ الفعل [يُخرِج] يدلُّ على أنَّ ذلك الفاعل يعتني بذلك الفعل في كل حين وأوان. وأمَّا لفظُ الاسم [مُخرِج]؛ فإنَّه لا يفيد التجدُّد والاعتناء به ساعةً فساعة"؛ فلا أدري هل قصد بـ"الفاعل" هنا ربَّ العزَّة ﷻ أم قصد به الفاعل في اصطلاح أهل اللغة، كما لم أستسغ قوله: "لا يُفيد التجدُّد والاعتناء به ساعةً فساعة".
ومن عادتي إذا أشكل عليَّ شيءٌ في أثناء قراءتي أن أحسن الظنَّ بالنصِّ وصاحبه وأسيء الظنَّ بفهمي، فأُفتِّش عن تأويل جيِّد في ما يسعني أو أستعين برأي بعض الفضلاء من أساتذة وإخوة أثق برأيهم وفهمهم.
فلمَّا طال عليَّ الإشكال، كتبتُ إلى أخي عبد القدوس سماتي أطلب رأيه، ففتح الله له بجواب شفى من نفسي ما وجدت.. أنقله هنا بنصِّه:
"1- قولُه "...وهو أنَّ لفظ الفعل..." يبدو أنَّه يقصدُ به الفاعل لغةً، ألا ترى أنَّه ذكرَ القاعدة البلاغية مُتعمِّدًا ألا يُورِد شيئًا من ألفاظ الآية؟
ثُمَّ إنَّ القارئ ينقل معناها إلى الآيةِ وذلك ضروريٌّ ولا شيء فيه إطلاقًا. ألا ترى أنَّنا نقول إذا أردنا الإعراب: اسم الجلالة (أو: الاسم الكريم) فاعل مرفوع.. فلا يكون في ذلك بأس؟
بل إنَّ الله نسبَ الفعل إلى نفسه (إن الله يفعل ما يريد) وغيرها في القرآن.
2- وقد يقع في النفس حرجٌ من "نفي التجدد والاعتناء" عن الله عزَّ وجل، ولا أرى في هذا بأسًا أيضًا؛ بل إنَّ في القرآن ما هو أوضحُ منه وأقوى معنًى، واقرأ إن شئت قوله تعالى (نسوا الله فنسيَهم).
ثُمَّ إنَّ حقيقةَ الموتِ هي هذا الذي ذكره؛ أعني عدم التجدُّد والاعتناء، ومن هنا يزدادُ معنى الربوبية وضوحًا وقوة؛ فالربُّ هو القائم على كل نفسٍ تجديدًا واعتناءً كلَّ لحظة، ولولا ذلك ما استمرَّت لها الحياة (القيُّوم)، والموتُ هو رفع هذا الاعتناء وقَطْعُ ذلك التجديد [وفي هذا المعنى تلتقي أسماء كثيرة من أسماء الله الحسنى مثل الحي والمحيي (إن ثبت) والقيُّوم والغنيّ والصمد وغيرها].
ثُمَّ إنَّ نفي التجدُّد والاعتناء لا يعني نفيَ العِلم من الله؛ فالعلم يشمل الحيَّ والميت، وكذلك التصرُّف؛ إنَّما يعني ذلك نفيَ تجديدِ أسباب الحياة وشروطِها. والله أعلم". انتهى كلامه جزاه الله خيرا.