🏠︎ الرئيسة » كتابات » مع القرآن » مع خاتمة فاتحة الكتاب (1-2)
👤 محمد أحمد البكري | 🗓 08-04-2020
سأل أخي الفاضل الأستاذ سعيد صويني سؤالًا لغويًّا بديعًا في خاتمة سورة الفاتحة، هو أجمل عندي من كل جواب يأتي على أثره؛ فإنَّ سؤالًا يفتح باب التأمُّل في كتاب الله تعالى هو أجمل من كل جواب.. سأل فقال: لماذا جيء بصيغة الفعل الماضي عند ذكر الإنعام: ﴿ٱلَّذِینَ أَنۡعَمۡتَ﴾، واسم المفعول في الغضب: ﴿غَیۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ﴾، واسم الفاعل في الضلال: ﴿وَلَا ٱلضَّاۤلِّینَ﴾؟
فقلتُ مستعينًا بالله: لعلَّ الاختيارات الثلاثة في الآية الكريمة -اختيار إسناد الفعل الماضي إلى الله تعالى في "الإنعام"، واختيار صيغة اسم المفعول في "الغضب"، واختيار صيغة اسم الفاعل في "الضلال"- أليقُ بالمتأدِّب مع ربِّه في مقام الفاتحة الذي هو مقامُ حمد وثناء وافتقار ودعاء؛
1. ففي اختيار إسناد الفعل الماضي إلى الله تعالى في ﴿أَنۡعَمۡتَ﴾ تأدُّبٌ من العبد مع ربِّه المُنعِم المُتفضِّل؛ إذ في هذا الإسناد إثباتٌ لمَنِّه سبحانه وتفضُّله، وهو تفضُّل سابق على عباده، ومتواصل بتواصل أنفاسهم؛ وفي هذا الإسناد كذلك شكرٌ من العبد لربِّه والتماسٌ لطلب مزيد.
2. وفي اختيار صيغة اسم المفعول مع ﴿ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَیۡهِمۡ﴾ تأدُّبٌ كذلك مع الله تعالى. فكما أنَّ إسناد الفعل إلى الله كان تأدُّبًا في مقام "الإنعام"، فإنَّ اختيار اسم مفعول لم يُسَمَّ فاعلُه في مقام "الغضب" هو تأدُّب رفيع أيضًا مع الله تعالى، وإن كان معلومًا أنَّ الغضب منه سبحانه عليهم.
3. وفي اختيار اسم الفاعل مع ﴿ٱلضَّاۤلِّینَ﴾ مناسبةٌ قويةٌ لإثبات مسؤوليتهم عن هذا الضلال من ناحية؛ لأنَّ المسؤولية تستوجب الحساب والعقاب على مَن اتَّبع غير سبيل الهدى من بعد ما تبيَّن له. ومن ناحية أخرى، فإنَّ اختيار اسم الفاعل في مقام "الضلال" فيه تأدُّب مع الله عزَّ وجلَّ؛ فلا يليق بالعبد إسناد الإضلال إلى الله مباشرة كما في "الإنعام"، ولا يليق به عدم تسمية المسنَد إليه كما في "الغضب"؛ وإنَّما المناسبُ هنا نسبة الضلال إلى من سلك دربه مختارًا، وهذا يُؤدِّيه اسم الفاعل.
والله تعالى أعلى وأجلُّ وأعلم