🏠︎ الرئيسة » كتابات » مع القرآن » الذين يعلمون والذين لا يعلمون
👤 محمد أحمد البكري | 🗓 20-05-2020
﴿أَمَّنۡ هُوَ قَـٰنِتٌ ءَانَاۤءَ ٱلَّیۡلِ سَاجِدࣰا وَقَاۤىِٕمࣰا یَحۡذَرُ ٱلۡـَٔاخِرَةَ وَیَرۡجُوا۟ رَحۡمَةَ رَبِّهِۦۗ قُلۡ هَلۡ یَسۡتَوِی ٱلَّذِینَ یَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِینَ لَا یَعۡلَمُونَۗ إِنَّمَا یَتَذَكَّرُ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ﴾ [الزُّمَر ٩]
في الآية الكريمة لطيفتان:
١. أنَّ الله ﷻ ذكر طرَفًا واحدًا من طرَفَي المقارنة دون ذكر الطرَف الآخر –يدلُّ على هذا الحرفُ "أم" الذي يأتي للمُفاضَلة بين طرفين– فكأنَّ المعنى: "هل مَن يَقنُت آناء الليل ساجدًا وقائمًا يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه سواءٌ كغيره ممَّن لا يفعل أيًّا من هذا؟"؛ وفي هذا تعظيمٌ للمذكور وحثٌّ على سلوك مسلكه، وتحقيرٌ للمحذوف وتهوينٌ من شأنه.
٢. أنَّ الله سبحانه وسَمَ هذا الطرَف المذكور بـ﴿الذين يعلمون﴾، ولم يقل سبحانه مثلًا «الذين يعملون» على ما يظهر في الآية من أعمال مسنَدة إليهم؛ ولعلَّ في هذا إشارة إلى أنَّ مَن كانت الآخرة وجهته يحذرها في كل قول وفعل وهو لا يزال يرجو رحمة ربه كل حين هو العالِم بحقٍّ، وأنَّ كل علم لا يُؤدِّي بصاحبه إلى تذكُّر الآخرة والسعي في نيل رحمة الله هو علمٌ عقيمٌ يكون على صاحبه حِملًا ثقيلًا في الدنيا وحُجَّةً وندامةً يوم القيامة؛
وأيضًا فإنَّ في اختيار «يعلمون» دون «يعملون» إشارةً إلى أنَّ العالِم يجب أن يكون له نصيبٌ من العبادة يحفظ له هذا العلم من أن يكون محض أسفار محمولة لا ينتفع بها حاملُها، وأنَّ العلم والعمل صِنوانِ لا يقوم أحدُهما دون الآخر؛ قال الزمخشري رحمه الله: "كأنَّه جعل مَن لا يعمل غيرَ عالِم. وفيه ازدراءٌ عظيم بالذين يَقْتَنون العلومَ ثم لا يَقْنُتون، ويُفتنون فيها ثم يُفتنون بالدنيا؛ فهم عند الله جَهَلة، حيث جعل القانتين هم العلماء". انتهى كلام الزمخشري رحمه الله.
ومن فوائد الآية ما ذكره الرازي رحمه الله: "قَوْلُهُ: ﴿يَحْذَرُ الآخِرَةَ ويَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾ إشارَةٌ إلى أنَّ الإنْسانَ عِنْدَ المُواظَبَةِ يَنْكَشِفُ لَهُ في الأوَّلِ مَقامُ القَهْرِ، وهو قَوْلُهُ: ﴿يَحْذَرُ الآخِرَةَ﴾، ثُمَّ بَعْدَهُ مَقامُ الرَّحْمَةِ، وهو قَوْلُهُ: ﴿يَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾، ثُمَّ يَحْصُلُ أنْواعُ المُكاشَفاتِ، وهو المُرادُ بِقَوْلِهِ: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ والَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾. [أيضًا] أنَّهُ قالَ في مَقامِ الخَوْفِ: ﴿يَحْذَرُ الآخِرَةَ﴾ فَما أضافَ الحَذَرَ إلى نَفْسِهِ، وفي مَقامِ الرَّجاءِ أضافَهُ إلى نَفْسِهِ، وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ جانِبَ الرَّجاءِ أكْمَلُ وألْيَقُ بِحَضْرَةِ اللَّهِ تَعالى". انتهى كلام الرازي رحمه الله.