🏠︎ الرئيسة » كتابات » تدوينات » وأنَّ إلى ربك المنتهى
👤 محمد أحمد البكري | 🗓 26-11-2021
يظلُّ المرء يلهث –عمرَه– بحثًا عن «الاستقرار» في كل شخص/ مكان/ شيء يُقابِله، حتى إذا صحبه/ سكنه/ حازه لم يجده شيئًا؛ بل يزداد حملُه به ثقلًا على ثقله، فلا يلبث أن يتابع رحلة اللهث من جديد خلف هذا «الاستقرار»؛ لكن بحمل أثقل!
ولو توقَّف لحظةً وتأمَّل في كل شخص لقيه وفي كل مكان مرَّ به وفي كل شيء حازه؛ لأيقن بحتمية التغيُّر وسُنَّة التقلُّب، ولفطن إلى ركن ثابت وحيد في هذه المُتقلِّبة لا يملُّ تكرار عودة له بعد طول غياب، ولا يردُّ مُتحوِّلًا عنه بعد إياب، ولا يلقاه بعد العودة بالتأنيب والعتاب!
منذ أيَّام وكلمات سيِّدنا جبريل –عليه السلام– لحبيبنا مُحمَّد ﷺ لا تفارقني: «أتاني جبريلُ عليه السَّلامُ فقال: يا محمَّدُ! عِشْ ما شئتَ فإنَّك ميِّتٌ، وأحبِبْ مَن شئتَ فإنَّك مفارقُه، واعمَلْ ما شئتَ فإنَّك مَجزِيٌّ به، ثمَّ قال: يا محمَّدُ! شرفُ المؤمنِ قيامُه باللَّيلِ، وعِزُّه استغناؤُه عن النَّاسِ» [الطبراني في المعجم الأوسط (4278)، والحاكم (7921) باختلاف يسير]
فكلُّ جملة في هذا الحديث الشريف لوحةٌ نسيجةُ وحدِها تصلح لأن تكون شعارًا للغرباء في دروب الوحشة التي يعانيها إنسانُ هذا الزمان؛ وكل كلمة من كلماته لؤلؤة فريدة تُتِمُّ مع أختها عِقدًا مُتراصًّا في نظام مُحكَم يأخذ بك إلى نهاية واحدة!
• عِش ما شِئتَ.. فإنك ميِّت!
لا تركن إلى هذه الحياة؛ فإنَّكَ إلينا راجعٌ وإن عُمِّرتَ فيها ما عُمِّرت!
• وأحبِبْ مَن شئتَ.. فإنَّك مُفارِقُه!
ولا تتعلَّق بأيِّ أحد –وإن بلغ بينكما الحبُّ ما بلغ!– فإنَّك إمَّا أن تُفارِقَه أنت، وإمَّا أن يُفارِقَك هو!
• واعمَلْ ما شئتَ.. فإنَّك مَجزِيٌّ به!
وانشغل بغرسٍ تضع أصلَه اليوم بيدك هاهنا لتحصد ثمرَه مُفتخِرًا به يوم لقائنا: ﴿وَأَن لَّیۡسَ لِلۡإِنسَـٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ وَأَنَّ سَعۡیَهُۥ سَوۡفَ یُرَىٰ ثُمَّ یُجۡزَىٰهُ ٱلۡجَزَاۤءَ ٱلۡأَوۡفَىٰ وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلۡمُنتَهَىٰ﴾ [النجم: ٣٩-٤٢]
• شرفُ المؤمنِ قيامُه باللَّيلِ!
إن أردتَ الشرف؛ فلا تبحث عنه في منصب ولا في مال وإن حُزتَهما واستتبَّا لك؛ إنَّما الشرف في محرابنا حصرًا حيث تجيش عبراتُ التيه فتستحيلُ في إثرها النفسُ مطمئنَّةً مُستقرَّة، وتذلُّ جباهٌ بالليل فتستحيلُ في النهار عزيزةً شريفة!
• وعِزُّه استغناؤُه عن النَّاسِ!
متى استغنَيْتَ عن الخلق غَنِيتَ، ومتى انخلعتَ من طَوْق تعلُّقك بهم تحرَّرتَ؛ فأنت أسيرٌ ثقيلٌ بتعلُّقك ذليل؛ حُرٌّ خفيفٌ باستغنائك عزيز!
فارجع أيُّها المسافر من غياهب التنقيب عن المجهول ومن دهاليز التيه والوحشة إلى فضاءات الأمن والطمأنينة، وكفاك أيها المُتعلِّق لهثًا وراء كل مُتغيِّر مُتقلِّب عابر، والزم هذا الركن الذي عرفتَ حيث الثباتُ الأوحد والاستقرارُ الأوطد!