🏠︎ الرئيسة » كتابات » تدوينات » منصَّات التواصل بين الحضور والانقطاع
👤 محمد أحمد البكري | 🗓 07-07-2023
انقطعتُ عن فضاء «فيس بوك» وعموم فضاءات التواصل مرَّات عديدة من قبل بلغ بعضُها ما يقرب من العامين؛ إمَّا لانشغال بتحصيل، وإمَّا لخلوة بالنفس بعيدًا عمَّا يُكدِّر عليها صفوها ويُوغِر صدرها، وإمَّا مُزاوَجةً بين التحصيل والخلوة..
وقد وجدتُ في فترات الانقطاع تلك من هدوء البال والبركة في التحصيل والقدرة على التركيز والإنجاز في شؤون الحياة شيئًا كثيرًا لم أكن أجده في أثناء الحضور بها. وإنّي لأعرف من أساتذتي المُقرَّبين مَن ترك هذه المواقع كُلَّها جملةً واحدةً حتى كاد اسمُه يُمحى من ذاكرة أهلها وعكف على التركيز على حياته وإنجاز مشروعاته، وقد رأيتُ بعيني مآل هذا وبركته.
ثم إنِّي لا ألبث في كل مرَّة أنقطع فيها أن أشعر في قرارة نفسي بالتقصير تجاه أساتذة وإخوة ومعارف أجبرني تغرُّبي وأجبرتنا ما آلت إليه الحياة على أن يكون مثل هذه الفضاءات القناة الوحيدة للتواصل معهم والاطمئنان على أحوالهم وسماع أخبارهم وإن وُجد في سبيل ذلك بعض الكدر ممَّا ذكرتُ.. فأعود مُحدِّثًا النفس بإمكان تحقيق المُوازَنة بين خيرَي الحضور والانقطاع.
أضف إلى ذلك أنَّ مَن اعتاد الكتابة قد لا ينهض إليها إن لم يجد ما يُحفِّزه إليها أو ما يستفزُّ قلمَه، وكل من اشتغل بالكتابة ثم انشغل عنها فترة من الزمن يعرف جيِّدًا ما يُخلِّفه ذلك ممَّا قد يصل به إلى حدِّ الألم، كيف لا والفِكَرُ تعتمل في رأسه ليلَ نهارَ وتغلي كما تغلي القِدرُ بمائها ثم لا يجد لها مُتنفَّسًا ولا يجد لعقله هدأة! وإنَّ مِن إحدى حسنات هذا الفضاءات المعدودة: تشجيعَها على الكتابة حين يروق البالُ ويتَّسع المجال؛ فهي زاخرة بأدباء وكُتَّاب وقُرَّاء حقيقيِّين.
وبعد عودتي الأخيرة قبل عام إلى «فيس بوك»، آليتُ على نفسي –ما استطاعت– ألا تخرج فيه عن ثلاثة لتحقيق ما تنشد من توازن: بثِّ ما يعتمل فيها ممَّا يصلح لمُطارَحته بين الحين والآخر سواءٌ أكان في صورة شعرية أم في صورة نثرية، ومُشاطَرة مَن يشارك خبرًا سعيدًا فرحتَه، وتسلية الحزانى في مواقف آلامهم.. ثم لا يَضيرُني بعد ذلك فواتُ ما دون تلك الثلاثة.
وما زلتُ أوازن الفينة بعد الفينة بين ما أجده من إيجابيات الحضور وما كنتُ أتغيَّاه من وراء الانقطاع، فإذا تقاربت الكفَّتان –ولو بدرجة يسيرة– أبقيتُ عليهما وصبرتُ على ما فات، وإن اتَّسعت الهُوَّة ولم أستطع المُوازَنة آثرتُ الانقطاع حتى حين؛ تفرُّغًا لجمع شتات النفس وإعادة ترتيب أوراقها. والله وحده يهدي سواء السبيل.