🏠︎ الرئيسة » كتابات » تدوينات » مصحفي الأول
👤 محمد أحمد البكري | 🗓 13-03-2024
إن أَنْسَ لا أَنْسَ أول مصحف حزتُه في حياتي؛ وكان مصحفَ جيبٍ صغيرًا أُهدِيتُه في مسجد حيِّنا وأنا ابن ستِّ سنينَ أو سبعٍ مُكافأةً من شيخي بعد أن منَّ الله عليَّ بحفظ قدر من القرآن الكريم، فكان مِن أَقْيَمِ ما أُهديتُ حتى يومي هذا..
وقد جُبِلتُ منذ صباي على أن أجد بيني وبين ما أملك/ ما أُهدى ألفةً لا تدعني أُفرِّط في شيء منه قبل أن تُغيِّر الغربة من هذه العادة.. فبقي المصحف معي زمنًا على حاله -بفضل الله تعالى- أصحبُه حينًا وأفارقُه.. حتى منَّ الله عليَّ أخرى فعدتُ للقرآن في المرحلة الثانوية وهو لا يزال معي أقرأ فيه تارةً وأتابع حفظي فيه تارةً..
حتى كان يومٌ من أيام شهر رمضان صلَّيتُ فيه الفجر في جامع عمرو بن العاص -رضي الله عنه- وكان قريبًا من حيِّنا قرابة نصف الساعة سيرًا على الأقدام.. وبينما كنتُ في انتظار أن تطلع الشمس لأُصلِّي الضحى قبل أن أغادر، أخذتني سِنةٌ والمصحفُ بين يدي فوق صدري.. ثم حين أفقتُ لم أجد المصحف معي، ووقع في روعي أنَّ المقام ليس مقام سرقة والمصاحف في ما عهدتُ وعهد الناسُ ليست مظنَّة للسرقة، وغلب على ظنِّي أنَّ أحد عمَّال الجامع -غفر الله لي وله!- ربما استلَّه من بين يديَّ احترامًا له خشية أن يسقط على الأرض في أثناء غفوتي..
فمكثتُ في الجامع ما شاء الله أن أمكث أبحث عنه بعيني بين رفوف المصاحف ومعي بعض الأصحاب يبحثون وبعيني الأخرى أرمق ما في يد الناس من مصاحف علِّي أجده بينها، وبقيتُ أيامًا طِوالًا على هذه الحال مُتردِّدًا على الجامع غير يائس من وجدانه، غير أنِّي لم أجده في النهاية ولم أعرف حتى اليوم أين مُستقَرُّه، وأرجو الله أن يكون قد استقرَّ في يد مَن هو أرعى للقرآن وأحسنُ تعاهُدًا له مني.
تذكَّرتُه وأنا وأقرأ في مصحف هاتفي وقد مرَّت أمام عيني صور مصاحف أخرى تلته في السنوات الماضية تناوبت عليها يدي وبرامج وتطبيقات استجدَّت فحلَّت محلَّها لم يُنسِني أيٌّ منها مصحفي الأول!