🏠︎ الرئيسة » كتابات » تدوينات » في الغربة
👤 محمد أحمد البكري | 🗓 01-07-2017
علَّمَتْني الغُرْبةُ على قسوتها وشِدَّتها دروسًا شتَّى لم أتعلَّمْها في ما مضى من حياتي لا درسًا واحدًا، وأحمَدُ لها بعد الله مِنَحَها قبل مِحَنِها!
في الغُرْبة عاينتُ بعين اليقين قولَ الحبيب ﷺ: «اللَّهُمَّ أنتَ الصاحبُ في السفر» وعشتُ معه بقلبي حقيقةً بعد أن كان مُجرَّدَ ذِكْرٍ يَلهَجُ به اللسانُ في الأسفار القصيرة ذهابًا وإيابا!
في الغُرْبة عرَفتُ القيمةَ الحقيقيَّة لنفسي، ووجدتُ فرصةً للجلوس إليها، وتعلَّمتُ أن أُنزِلَها مَنزِلَتَها التي تستحقُّ بين الناس دون تواضُع مُزيَّف أو استعلاء مُتكلَّف!
في الغُرْبة خبرتُ القيمةَ الحقيقيَّة لأناسٍ كانوا في حياتي منحتُهم حيِّزًا من نفسي ووقتي أكثر ممَّا يستحقُّون، ولولا أنَّني عاينتُهم بنفسي في ساحة الغُرْبة ما تكشَّف لي مَعدِنُهم ولو بعد حين!
في الغُرْبة أدركتُ بمُعاشَرة الآخَرين قيمةَ أحبابٍ خلَّفتُهم ورائي لم أكن أُعطِيهم قبلُ في زحام الحياة وشواغلها ما يستحقُّونه من حُبٍّ واهتمام ورعاية!
في الغُرْبة تعلَّمتُ أن أُحافِظ على مبادئي وألَّا أتنازل عن واحدٍ منها ولو قِيد شِبْرٍ إرضاءً للناس أو تعايُشًا معهم؛ فهي رأسُ المال الذي يعيش به المرءُ في حياته ويتميَّز ولو لم يبقَ معه غيرُه!
في الغُرْبة تعلَّمتُ أن أعتمد على نفسي وحدها بعد اعتمادي على الله دون أدنى تفكيرٍ في الاستعانة بأحدٍ، وأنْ ليس لي إلَّا ما سعَيْتُ، وأنَّ يدي لا يأخُذ بها مِثْلُ يدي!
في الغُرْبة تعلَّمتُ أنَّ كُلَّ الابتلاءات والمِحَن وأنَّ كُلَّ العطايا والمِنَح هي في باطنها دروبٌ تُحوِجُ مَن نزلَتْ به إلى عَتَبة الخالق سبحانه دون أحدٍ من خلقه؛ فهو وحده الصاحِبُ المُستحِقُّ للصُّحبة في سفرنا القصير في هذه الحياة!