🏠︎ الرئيسة » كتابات » تدوينات » عصر «التحويش»
👤 محمد أحمد البكري | 🗓 01-08-2023
هذا عصر يغلب على أهله نزعة «التحويش» والاستحواذ على كل شيء –احتاجوا إليه أم لم يحتاجوا– على مبدأ "هاته اهو مايخسّرش"؛ وهي نتيجة طبيعية لثقافة الاستهلاك التي استغرقتنا جميعًا –إلا من رحم الله– حتى كدنا نفقد معها إنسانيتنا ووجهتنا.
وهذا ليس بعجيب ولا بمستغرب في حقّ «الأشياء»؛ فالمرء بطبعه في كل زمان لديه من الميل إلى الدنيا ومتاعها ما يجعله فريسة سهلة للوقوع في شراك هذه النزعة منذ أغوى إبليس أبانا آدم عليه السلام.
إنَّما العجيب أن تنسحب هذه النزعة فتصير في حقّ «الناس» بعضهم مع بعض يتعاملون في ما بينهم تعاملهم مع الأشياء المستهلَكة، فتجدهم حريصين على توسيع دوائر الصداقات والمعارف من حولهم حرصًا عجيبًا؛ وهو «تحويش» يحاكي «تحويش» الأشياء لكن مع البشر هذه المرَّة، ربَّما على المبدأ السابق نفسه: «ضيفه اهو مايخسّرش»..
وهو يشبه –إلى حدٍّ ما– ما عبَّر عنه د. المسيري رحمه الله بمصطلح «التَّشْيِيء» [أن تجعل كل ما حولك –محسوسًا كان أم ملموسًا– قابلًا لأن يكون شيئًا ومادَّة].
ومَن يعش ويعاين بعين البصيرة الدنيا وأهلَها: يدرك عين الإدراك أنَّ التخفُّف هو الأصل، سواء في ذلك التخفُّف من متاعها والتخفُّف من أهلها؛ فما المرء فيها إلا غريبٌ يوشك أن يعود أدراجَه مهما طال به المُقام، أو عابرُ سبيل يوشك أن يقطعها فيبلغ النهاية.. وكلاهما أحوجُ ما يكون إلى الإسراع وإلى تخلية ما قد يُبطئه ويعرقل سيره.