🏠︎ الرئيسة » كتابات » تدوينات » القرآن سبيلٌ إلى تعليم قواعد العربية
👤 محمد أحمد البكري | 🗓 03-01-2023
من عادتي مع طلابي إذا وجدتُ سعة في الوقت ووجدتُ منهم تهيُّؤًا للاستزادة= أن أُعرِّج بهم على نماذج تطبيقية من القرآن الكريم؛ تثبيتًا للقاعدة في أذهانهم، وأخذًا بأيديهم في مدارج منطق العربية، وربطًا لهم بالمصدر الأوَّل والبيان الأفصح الذي مَن استوعبه استوعب كُلَّ ما دونه.
واليوم في أثناء تدريسهم أحكام العدد والمعدود، توقَّفنا عند قول الله تعالى: ﴿وَٱلَّذِینَ یُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَیَذَرُونَ أَزۡوَ جࣰا یَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرࣲ وَعَشۡرࣰاۖ فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ فِیمَا فَعَلۡنَ فِیۤ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱللهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرࣱ﴾ [البقرة: ٢٣٤]
فسألتُهم ما إعراب الاسم الموصول (الذين)؟ فقالوا: هو مبتدأ. فسألتُهم وأين خبره؟ فأجاب أحدُهم بأنَّه الجملة الفعلية (يتربَّصن)، وأجاب آخر بأنَّ الخبر غير مذكور؛ إذ المبتدأ في حاجة إلى ما يُطابِقه تذكيرًا وجملة (يتربَّصن) لا تُحقِّق ذلك.
فما سعدتُ اليوم بشيء سعادتي بهذا الفهم الدقيق من كلا الطالبين؛ فإنِّي أرى من بين رسالات مُعلِّم العربية أن يدلَّ طلابه على الطريق ويُسلِّمهم مفتاحه ليكتشفوا بأنفسهم أغواره ويمرُّوا من حيث مرَّ حين كان طالبًا يَنشُد تبيُّن معالمه.
أمَّا القول بأنَّ جملة (يتربَّصن) هي الخبر؛ فهو قول المبرّد والفرّاء والزمخشري؛ على تقدير حذف مبتدأ ثانٍ ([أزواجُهم] يتربَّصن)، أو على تقدير حذف مبتدأ مضاف في مطلع الآية (و[أزواج] الذين يُتوفَّوْن منكم...).
وأمَّا القول بأنَّ الخبر في الآية غير مذكور؛ فهو قول سيبويه، وتقدير الخبر مُقدَّمًا: (و[في ما يُتلى عليكم حكمُ] الذين يُتوفَّوْن)؛ وعلى هذا تكون جملة (يتربَّصن) تفسيرية للحكم المتلوِّ لا محلَّ لها من الإعراب.
وفي الآية لطيفة أخرى؛ إذ جاء التعبير عن معدود محذوف تقديره المفهوم من السياق (أيَّام) بلفظ (عشرًا) مُذكَّرًا، وأوَّل ما يتبادر إلى الذهن حين التعبير عن وحدة الأشهُر (الأيَّام) أن يكون: (أربعة أشهر و[عشرة]) بتأنيث العدد لا تذكيره.
وللعلماء في تذكير (عشرًا) أقوال أجملها السمين الحلبي:
أنَّ المراد (عشرَ ليالٍ مع أيامها)؛ إذ الأيَّام مشمولة في الليالي وداخلة فيها؛
أنَّ التقدير (عشرَ مُدَدٍ كُلُّ مُدَّة منها يوم وليلة)؛
أنَّ المعدود مُذكَّر على ما يتبادر إلى الذهن وهو (الأيَّام)، وإنَّما حُذفت التاء لجواز ذكرها وعدمه إذا حُذف المعدود؛ ومنه حديث: «وأتبعه بستٍّ من شوَّال».
أنَّ التاء حسُن حذفُها للوقف؛ مُشابَهةً للفواصل في نهاية الآيات؛ كقوله تعالى: ﴿یَتَخَـٰفَتُونَ بَیۡنَهُمۡ إِن لَّبِثۡتُمۡ إِلَّا عَشۡرࣰا﴾.