🏠︎ الرئيسة » كتابات » تدوينات » اترك مسافة احترام
👤 محمد أحمد البكري | 🗓 15-07-2023
لا يزال المرء بخير ما تعهَّد نفسه بالحرص على حفظ أقدار ذوي الفضل وإنزالهم منازلهم كما يتعهَّد الزارع نباته بالسقيا والرعاية.
نشأ جيلٌ لا يرعى لكبير عمرًا ولا يحفظ لذي فضل فضلًا أو مقامًا! ما إن يصل إليك سالكًا طريقه معك بأسئلة حائرة علمية أو مهنية تلمس فيها حرصه على الفائدة –ومن حقّه الذي أوجبه اللهُ عليك أن تجيبه عنها بما تعلمه ويناسبه، وألَّا تضنَّ بما منَّ الله به عليك– حتى تؤول طريقتُه معك كأنَّك صديق طفولته أو رفيق مقعد دراسيّ زامله لسنوات!
وقد رأيتُ بعيني أحد أولئك يُعلِّق على منشور صديق يسبقني فضلًا وسنًّا ويسبقه أفضالًا وسنواتٍ مناديًا إيَّاه بـ«اسم الدلع»!
ولا يزال هكذا حائمًا هائمًا حول أهل مجاله واختصاصه يبحث عن منفذ يلج منه إليهم ليضمَّهم إلى قائمة «معارفه» واحدًا تلو الآخر، ولا يعلم المسكين أنَّه بهذا قد أخَّر نفسه ولم يُقدِّمها كما توهَّم، وأنَّه قد أضاع على نفسه خيرًا عميمًا ونفعًا عظيما!
لا أعلم أحدًا من أساتذتي توطَّدت العلاقة بيني وبينه –وإن تقارب العمر بيننا– إلَّا وازددتُ مع هذا التقارُب حرصًا على حفظ قدره ومناداته بـ«أستاذي» وبلقبه الذي يستحقُّ ويرتضي؛ بل أنا حريصٌ على هذا في ما بيني وبين أخي الأكبر –وهو أقربُ الناس صداقةً لي– فلا أتجاوز حدًّا معه في مزاح أو غيره مهما تبسَّط هو.
ومهما تقارب العمر بينك وبين أستاذك أو بينك وبين من له فضل عليك، ومهما توطَّدت علاقتُكما حتى صرتما كصديقين حميمين: فاترك مسافة احترام بينك وبينه، واحفظ قدره عندك شهودًا وغَيبة: في ندائه، ومعاملته، وتقديمه؛ ذلك أدعى لاستبقاء الوفاء مُتوارَثًا بين الناس، واستبقاء الودّ قائمًا بينكما، وحفظ قدر نفسك عند نفسك أولا.
يُروى عن ابن عبَّاس، رضي الله عنهما: "لا يعرف الفضلَ لأهل الفضل إلا ذوو الفضل".