🏠︎ الرئيسة » كتابات » تدوينات » أيُّهما أسرع في اكتساب الفصحى: عامِّيٌّ أم غيرُ عربيّ؟
👤 محمد أحمد البكري | 🗓 07-12-2022
الزعم أنَّ مُتعلِّمًا جديدًا للفصحى ليست العربيةُ لغتَه الأمَّ هو أقدرُ على اكتسابها من مُتعلِّمٍ آخر لغتُه الأمُّ هي إحدى العامِّيَّات العربية: زعمٌ يحتاج إلى إعادة نظر؛
فالذي لا يعرف من العربية إلا عامِّيَّتها لديه أساسٌ متين لا يتوافر لمُتعلِّم يبدأ سُلَّم العربية كلِّها من الصفر ولا يملك أساسًا لا من الفصحى ولا من العامِّيَّة، هذا على افتراض أنَّ هذا العامِّيَّ لم يتعرَّض في حياته لشيء من الفصحى: لا من القرآن قراءةً وسماعًا، ولا من الكتب والخطب، ولا من الإذاعات والإعلام، ولا من غير ذلك!
كما أنَّ لديه فهمًا واستيعابًا للمنطق العامِّ للتركيب يستطيع البناء عليه في فهم بعض التراكيب الخاصَّة غير المعهودة، بخلاف الآخر الذي يتطلَّب منه استيعابُ منطق العربية في تركيبها البسيط وقتًا طويلًا في بداية تعلُّمه، فضلًا عن استيعاب منطقها في تراكيبها المُعقَّدة.
قد أتفهَّم أن يُلام مَن لسانُه عربيٌّ حين يُهمِل الفصحى ويتقاعس حتى يسبقه مَن لسانُه غيرُ عربيّ، واللومُ هنا ليس لأنَّه عربيٌّ والآخر ليس عربيًّا –فما زلتُ مؤمنًا بأنَّ كل من انضوى تحت راية الإسلام وتكلَّم بالعربية فهو عربيٌّ– وإنَّما لأنَّ مَن لا يملك أداةً قد تفوَّق على مَن يملك أداة؛ والأوَّل في هذه الحال حقُّه التوبيخُ لا اللوم. وقد أتفهَّم كذلك أن تُنبَذ العامِّيَّةُ إذا وُضعت في سياق مُفاضَلة مع الفصحى أو في سياق دعوة إلى أن تَحُلَّ محلَّها..
لكن أن يُفترَض أنَّ المُتحدِّث بالعامِّيَّة مُتأخِّر في اكتساب الفصحى أمام مَن لسانُه ليس عربيًّا وأنَّه غير قادر على مُجاراته في اكتساب الفصحى إذا وُضعا في مضمار واحد، أو أن يُفترَض أن العامِّيَّة منبوذة في كل سياق؛ فهذا افتراض جانبه الصوابُ ويحتاج إلى إعادة نظر.
ألا إنَّ الفصحى والعامِّيَّة وثيقتا الصلة، والعامِّيَّة ابنة الفصحى، وفي العامِّيَّات العربية –لمن تأمَّل– كثير ظواهر باتت مهجورة في فصحى اليوم وبقيت راسخة في العامِّيَّات العربية المختلفة، سواءٌ في أصواتها وصرفها ومعجمها؛ بل وفي أساليب بلاغية مُتأصِّلة في الفصحى لا تسمعها اليوم في غير العامِّيَّة، والشواهد على هذا أكثر من أن تُحصى.
خلاصة القول أنَّ مُتعلِّمًا للفصحى من غير أهل لسانها قد يسبق مُتعلِّمًا عربيًّا، نعم.. هذا صحيح ومُشاهَد؛ لكن بإخلاص واجتهاد ودأب وهمَّة لا تفتر يقابلها تقاعُس وإهمال وفتور من الأخير.