أقول: مراده بـ«الدلالة الوضعية»: اللفظية بدليل قوله في البيت: «دلالة اللفظ»، ومراده في البيت: «دلالة اللفظ» الوضعية بدليل قوله في الترجمة: «الوضعية»، فقد حذف من كل من الترجمة والبيت ما أثبت نظيره في الآخر، وهو نوع من الجناس يسمى احتباكاً.▶️
و«الدلالة» فهم أمر من أمر كفهمنا الجرم المعهود من لفظ السماء، فلفظ السماء يسمى دالاً والجرم المعهود مدلولاً.▶️
والدلالة بحسب الدال ستة أقسام؛ لأن الدال إما أن يكون لفظاً كالمثال المتقدم أو غير لفظ كالدخَان الدال على النار، وكل منهما إما أن يكون دالاً بالوضع أو بالطبع أو بالعقل.▶️ ▶️
- مثال دلالة غير اللفظ الوضعية: دلالة الإشارة على معنى (نعم) أو (لا)، ودلالة النقوش على الألفاظ.▶️
- ومثال الطبيعية: دلالة الحمرة على الخجل، والصفرة على الوجل.▶️
- ومثال العقلية: دلالة العالم على موجده وهو الباري جل وعلا، والدخان على النار.▶️
- ومثال دلالة اللفظ الوضعية: دلالة الأسد على الحيوان المفترس، والإنسان على الحيوان الناطق.▶️
- ومثال الطبيعية: دلالة الأنين على المرض، وأُح على ألم بالصدر.▶️
- ومثال العقلية: دلالة كلام المتكلم من وراء جدار على حياته، والصراخ على مصيبة نزلت بالصارخ.▶️
والمختار من هذه الأقسام الدلالة اللفظية الوضعية،▶️فقولنا: (اللفظية) مخرج لغير اللفظية بأقسامها الثلاثة، وقولنا: (الوضعية) مخرج للفظية الطبيعية والعقلية.▶️
ثم هذه الدلالة ثلاثة أقسام: مطابقية وتضمنية والتزامية.▶️
فالأولى: دلالة اللفظ على تمام ما وضع له كدلالة الإنسان على مجموع الحيوان الناطق.▶️
والثانية: دلالته على جزء المعنى في ضمنه كدلالته على الحيوان، أو الناطق في ضمن الحيوان الناطق.▶️ ▶️
والثالثة: دلالته على أمر خارج عن المعنى لازم له▶️ كدلالته على قبول العلم وصنعة الكتابة على ما فيه،▶️ وهذا معنى قوله: «دلالة اللفظ» البيتين.▶️
وسميت الأولى دلالة المطابقة؛ لمطابقة الفهم للوضع اللغوي؛▶️ لأن الواضع وضع اللفظ ليدل على المعنى بتمامه، وقد فهمناه منه بتمامه.▶️
والثانيةَ دلالةَ تضمّن؛ لأن الجزء في ضمن الكل..▶️
والثالثةَ دلالة التزام؛ لأن المفهوم خارج عن المعنى لازم له.▶️
وقوله: «إن بعقل التزم» أشار به إلى أن اللازم لا بدّ أن يكون لازماً في الذهن▶️سواء كان ذلك في الخارج كلزوم الزوجية للأربعة أم لا▶️كلزوم البصر للعمى،▶️ وأما إذا كان لازماً في الخارج فقط كسواد الغراب فلا يسمى فهمه من اللفظ دلالة التزام عند المناطقة، وإن سمي بذلك عند الأصوليين، فالباء في قوله: «بعقل التزم» بمعنى: (في)▶️
والمراد بـ«العقل»: الذهن أي: القوة المدركة.
ثم إن كلاً من دلالة التضمن والالتزام يستلزم دلالة المطابقة، وهي لا تستلزمهما كما إذا كان المعنى بسيطاً ولا لازم له.
ودلالة التضمن قد تجتمع مع دلالة الالتزام فيما إذا كان المعنى مركباً وله لازم ذهني، وتنفرد دلالة التضمن فيما إذا كان المعنى مركباً ولا لازم له ذهنياً، وتنفرد دلالة الالتزام فيما إذا كان المعنى بسيطاً كالنقطة وله لازم ذهني.
والله أعلم