(تَـنْـبِـيـهٌ)
مَـا هُـوَ مِـنْ هَــذَا الـقَـبِـيـلِ لَا يُفِيدُ الـتَّـشَخُّصَ إِلَّا بِـقَرِيـنَةٍ مُـعَـيِّـنَةٍ، لِاسْـتِـوَاءِ نِسْبَةِ الْـوَضْعِ إِلَى الـمُسَمَّيَاتِ.
((تَـنْـبِـيـهٌ)) لَفْظُ التَّـنْبِـيهِ يُسْتَعْمَلُ في مَـقَـامَـيْـنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُـونَ الحُـكْـمُ المـذْكُـورُ بَـعْـدَهُ بَـدِيـهِـيًّا أَوَّلِـيًّا
والثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا من الكَلَامِ السَّابِقِ.
وَهَـهُنَا الحُكْمُ بَدِيهِيٌّ أَوَّلِىٌّ؛ إِذْ تَصَـوُّرُ طَـرَفَـيْـهِ مَعَ الإِسْـنَادِ يَكْفِـي في الجَزْمِ بِالنِّسْبَةِ، وَلَيْسَ مَا ذَكَرَهُ اسْتِدْلالاً بَلْ تَـنْـبِـيـهٌ يُـذْكَـرُ في صُورَةِ الاسْتِدْلالِ، وَالبَدِيـهِيَّاتُ قَدْ يُنَـبَّـهُ عَلَيْهَا إِزَالَةً لِـمَا قد يَكُونُ في بَعْضِ الأَذْهَانِ القَاصِرَةِ مِـنَ الـخَـفَـاءِ.
((مــا هُـــوَ مِــنْ هَـــذَا الـقَـبِـــيـــلِ)) أَيْ: ما صَـدَقَ عليه اللَّفـظُ الموضُوعُ لِمُشَخَّصاتٍ باعْتِـبَارِ انْدِرَاجِهَا في أَمْرٍ عَامٍّ ((لا يُفِيـدُ التَّـشَخُّصَ إِلَّا بِقَرِينَـةٍ مُعَيِّـنَةٍ)) لأَنَّ وَجْهَ إِفَادَتِهِ الوَاحِدَ مِنْ تِلْكَ الـمُشَخَّصَاتِ بِعَـيْـنِـهِ لَيْـسَ إِلَّا وَضْـعَـهُ لَــهُ، وَهُــوَ لا يَـخْــتَـصُّ بِــهِ ((لاسْـتَــوَاءِ نِـسْــبَــةِ الــوَضْــعِ إِلَـى الـمُسَمَّيَاتِ)) أَيْ لاشْتِرَاكِ الكُـلِّ في تِلْكَ، فلابُدَّ في إِفَادَةِ التَّعْيِـينِ مِنْ أَمْـرٍ يَنْـضَمُّ إِلَيْـهِ بِهِ يـَحْصُلُ ذَلِكَ التَّعْيِـينُ وهـو الـمَعْـنِـيُّ بِالْــ«قَـرِيـنَـةِ».
فَـإِنْ قِيــلَ: مـا هُـوَ مِـنْ هَـذَا الـقَبِـيـلِ والألفـاظُ الـمُشْتَرَكَةُ سِـيَّـانِ في عَدَمِ إِفَادَتِـهِ الـمَعْنَـى الـمَوْضُوعَ لَهُ بِدُونِ القَرِينَةِ وفي تَعَدُّدِ مَعْنَى الموضُوعِ لَـهُ، فَمَـا الـفَـرْقُ بَـيْـنَـهُمَـا ؟
قلنا: الفَـرْقُ بَيْنَهُمَـا لُزُومُ التَّعْيِـينِ فِي الـمَعْنَـى وَعَـدَمُـهُ وَوَحْــدَةِ الـوَضْـعِ وَتَـعَـدُّدِهِ.
فَإِنْ قُلْتَ: اللَّفْظُ بِحَـسَبِ اسْتِعْمَـالِهِ فِـي مَـعْـنَاهُ الـحَقِـيـقِـيِّ لا يـَحْتَاجُ إِلَى قَرِيـنَـةٍ دُونَ الـمَعْـنَـى الـمَجَـازِيِّ علـى ما هو المُقَرَّرُ، فكَيْـفَ حَكَمْـتَ عـليـه بِالاحْـتِـيَـاجِ
قلنا: المرادُ بِمَـا ذَكَـرُوهُ هُوَ أَنَّ اللَّـفْظَ المَوْضُوعَ لمعْـنًـى يَـكْـفِـي فـي صِـحَّـةِ اسْتِعْمَـالِهِ فـي مَعْـنَاهُ كَوْنُهُ موضوعًا لِذَلِكَ المعْنَى ولا يـَحْتَاجُ إلى القَـرِينَـةِ لمُجَرَّدِ الاسْتِعْمالِ بِخِلَافِ المَجَازِ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى قَرِينَةٍ لمُجَرَّدِ ذَلِكَ لِتَـصْرِفَ عَنْ إِرَادَةِ الـمَعْنـى الـحَقِـيقِـيِّ الـذِي وُضِــعَ الـلَّـفْــظُ للاسْـتِـعْمَـالِ فِـيـهِ، واحْتِـيَاجُ القَرِينَـةِ فِيمَـا نَحْنُ فِيهِ وَفي المُشْتَرَكِ لِدَفْعِ مُزَاحَمَةِ المَعَانِي الحَقِيقِيَّةِ وَفَـهْمِ الـمُـرَادِ لا لِلاسْـتِعْمَـالِ فِـيـهِ.
تنبيه
قوله: ((يستعمل)) أي: اصطلاحًا، وأما معناهُ لغةً فهو الإِيقَاظُ، وقيل الدلالةُ على ما غَفَلَ عنه المُخَاطَبُ، وهذا المعنَى لازِمٌ للأَوَّلِ وهو الإِيقَاظُ.
قوله: ((بديهيًّا أوليًّا)) اعلم أن الحكمَ البَدِيهِيَّ يُطْلَقُ على ما لا يَتَوَقَّفُ على نَظَرٍ واستدلالٍ سَوَاءٌ تَوَقَّفَ على تَجْرِبَةٍ أو حَدْسٍ أو لم يَتَوَقَّفْ على شيءٍ أصلا بأن كان أَوَّلِيًّا أي: حاصلا بمجردِ التفاتِ النفس له كثُبُوتِ نِصْفِيَّةِ الاثنين للواحد، وعلى هذا الإطلاقِ يكون البديهيُّ مُرَادِفًا للضروريِّ ويكونُ قولُ الشارحِ «أَوَّليًّا» صفةً مخصِّصَةً
ويُطْلَقُ البديهيُّ أيضًا على الحُكْمِ الحاصِلِ بالبَدَاهَةِ أي: بمُجَرَّدِ التِفَاتِ النَّفْسِ ولا يَتَوَقَّفُ على شيءٍ أصلا، وعلى هذا يكونُ قوله «أَوَّلِيًّا» صفةً كاشفةً أي: لم يَقْصِدْ بها الاحترازَ عن شيءٍ بل هي لمُجَرَّدِ التوضيحِ، ويكون البَدِيهِيُّ أخصَّ من الضروري.
قوله: ((أن يكون معلوما من الكلام السابق)) أي: سواء كان ضروريا أو نظريا، فبَيْنَ المعنيين عمومٌ وخصوصٌ وَجْهِيٌّ لاجتماعهما في حُكْمٍ بديهيٍّ استفيد من الكلام السابق، وينفردُ الأولُ في البديهيِّ الغيرِ المعلومِ من الكلامِ السابقِ، وينفردُ الثاني في الحكمِ النظريِّ المعلومِ من الكلامِ السابقِ
والمرادُ بكونِهِ مَعْلُومًا من الكلامِ السابقِ عِلْمُهُ منه بطريق اللزومِ بحيثُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَغْفُلَ عنه الناظرُ في الكلامِ السابقِ لعدم كونِهِ صريحًا فيه ومَسُوقًا لأجله وإِلَّا كان تَأْكِيدًا لا تَنْبِيهًا.
قوله: ((وههنا الحكم بديهي أوليّ)) ظاهِرُهُ أنه غيرُ معلومٍ من الكلامِ السابقِ بطريقِ اللزومِ مع أنه إذا عُلِمَ أن اللفظَ موضوعٌ للجزئياتِ يُعْلَمُ استواءُ الجزئياتِ في نِسْبَةِ الوَضْعِ إليها ويعلمُ من هذا أن اللفظَ لا يُفِيدُ التَّعْيِينَ إلا بقرينةٍ، فلَعَلَّ في كلامِ الشارح حَذْفَ الواوِ مع ما عَطَفَتْ أي: وههنا الحكمُ بَدِيهِيٌّ أَوَّلىٌّ ومعلومٌ من الكلامِ السابقِ، فتَأَمَّلْ.
قوله: ((إذ تصور طرفيه)) أي: الموضوعِ والمحمولِ، وهما «اللفظُ الموضوعُ لمشخَّصاتٍ باعتبار أمر عام لا يُفِيدُ التشخصَ».
قوله: ((مع الإسناد)) أراد به النسبةَ الحُكْمِيَّةَ وهي ثبوتُ المحمولِ للموضوعِ، لأن الإسنادَ بمعنى ضَمِّ المحمولِ للموضوعِ الذي هو فعل الفاعل لا يَتَعَلَّقُ به التصورُ في هذا المقامِ، ولو عَبَّرَ الشارحُ بـ«النِّسْبَةِ» بَدَلَ «الإسناد» كان أوضحَ.
قوله: ((كاف يكفي في الجزم بالنسبة)) أي: بوقوع النسبة أي: كافٍ في الجزم بإدراك أنها واقعة أي: مُطَابِقَةٌ للواقعِ، وإذا كان ما ذُكِرَ من تَصَوُّرِ هذه الأمورِ الثلاثةِ كافيًا في الجَزْمِ بالحُكْمِ فلَمْ يَتَوَقَّفِ الحُكْمُ حينئذٍ على وَاسِطَةٍ فَتَمَّ ما ذَكَرَهُ من كَوْنِ الحُكْمِ هنا بَدِيهِيًّا، إِذْ لو كان نَظَرِيًّا أو ضُرُورِيًّا غَيْرَ بَدِيهِيٍّ لَـمَا كَفَى تَصَوُّرُ هذه الأُمُورِ الثَّلَاثَةِ في الجَزْمِ به، بل لابُدَّ من الاحتياجِ لواسطةٍ إِمَّا دليلٍ أو حَدْسٍ أو تَجْرِبَةٍ.
قوله: ((وليس ما ذكر ذكره)) أي: وليس ما ذَكَرَهُ المصنفُ من قولِهِ «لاستواء نسبة الوضع..إلخ»، وهذا جوابٌ عما يُقَالُ لا نسلم أن الحكمَ هنا بديهيٌّ، إذ لو كان بديهيا لَـمَا صَحَّ إقامةُ الدليلِ عليه، لأن الدليلَ إِنَّما يُذْكَرُ لإثباتِ أَمْرٍ غيرِ مَعْلُومٍ.
قوله: ((ما هو من هذا القبيل)) مبتدأٌ، وقولُهُ «لا يفيدُ» خبرٌ، و«ما» واقعةٌ على كلٍّ من الجُزْئِيَّاتِ كـ«هَذَا، والذِّي، وأَنْتَ، ومِنْ»
والمرادُ بـ«هذا القبيلِ» اللفظُ الموضوعُ لمشخَّصاتٍ باعتبارِ أمرٍ عامٍّ، والكلامُ على حَذْفِ مُضَافٍ أي: ما هو مِنْ مَاصَدَقِ هذا القبيلِ كما أَشَارَ لذلك الشارحُ.
قوله: ((لا يفيد التشخص)) أي: التَّعَيُّنَ عن بَقِيَّةِ الأَفرادِ الموضوعِ لها.
قوله: ((إلَّا بقرينة معيِّنةٍ)) أي: كالإشارةِ الحِسِّيَّةِ والعِلْمِ بالصِّلَةِ والمتعلَّقِ والمجرورِ والتَّكُلُّمِ والخِطَابِ وتَقَدُّمِ المَرْجِعِ.
قوله: ((لأن وجه إفادته)) أي: ما صَدَقَ عليه اللفظُ الموضوع لمشخَّصات باعتبار أمر عام، والمرادُ بالوجه الطريقُ، والمرادُ بالإفادةِ الدلالةُ.
قوله: ((وهو لا يختص به)) أَيْ: وذلكَ المَاصَدَقُ لا يَخْتَصُّ بالواحدِ من تِلْكَ المشخَّصَاتِ بعَيْنِهِ
وتوضيحُهُ أن «هذا» مثلا مِنْ مَاصَدَقِ اللفظِ الموضوعِ لمشخَّصات باعتبار أمر عام لا يدل على زيد بعينه، لأن طريقَ دلالَتِهِ عليه الوضعُ له وهو غيرُ مُخْتَصٍّ بالوضع له، وحينئذٍ فلابُدَّ في دلالَتِهِ عليه من القرينةِ كالإِشَارَةِ الحِسِّيَّةِ. لتعلم ما في كلام المحشي انظر سودة
قوله: ((لاستواء ... إلخ)) فيه أن الاستواء من الأمور النسبية التي لا تُعْقَلُ إلا بَيْنَ أمرين فلا يُضَافُ لواحدٍ، فلَعَلَّ في كلامِ المصنفِ قَلْبًا، والأصلُ «لاستواء المُسَمَّيَاتِ في نسبةِ الوضعِ إليها» وإلى هذا يُشِيرُ قولُ الشارحِ «إذ مع اشتراك الكل في تلك..إلخ».
قوله: ((إذ مع اشتراك الكل)) أي: كل المسميات وقوله «في تلك» أي: في تلك النسبة أعني نسبةَ الوضعِ للمُسَمَّيَاتِ، وهذا تَتْمِيمٌ لتعليلِ المصنفِ فَكَأَنَّهُ قال: وحيث كانت جميعُ المسمَّياتِ مشترِكَةً في نسبةِ الوضع لها فلابد..إلخ.
قوله: ((في إفادة التعيين)) من إِضَافَةِ المصدرِ لمفعولِهِ بعدَ حَذْفِ الفاعلِ أي: في إفادةِ ما هو من هذا القَبِيلِ التَّعْيِينَ.
وقوله: ((ينضم إليه)) أي: لِـمَا هو من هذا القَبِيلِ.
وقوله: ((به)) أي: بسببه أي: ذلك الأَمْرِ.
وقوله: ((وهو)) أي: ذلك الأمرُ الذي يَحْصُلُ بسبب ـه التعيينُ.
وقوله: ((المعنيُّ)) أي: المقصودُ ((بالقرينةِ)).
قوله: ((سِيَّانِ)) أي: مستويان.
وقوله: ((في عدم إفادة المعنى الموضوع له بدون قرينة)) فيه أنهما يفيدانِ الموضوعَ له بدون القرينة بالنسبة للعالِـمِ بالوضعِ لكن لا يُفِيدَانِ تَعْيِينَ المرادِ إِلَّا بها.
ويجابُ بأن في الكلامِ حَذْفَ مُضَافٍ أي: سِيَّانِ في عدم إفادة تَشَخُّصِ المعنى الموضوعِ له.
قوله: ((لزوم التعيين)) أي: لُزُومُ التَّعْيِينِ والتَّشَخُّصِ في المعنى أي: فيما هو من هذا القبيلِ.
وقوله: ((وعدمُه)) أي: وعدمُ لُزُومِ تَعْيِينِ المعنى أَيْ: في المشتَرَكِ اللفظيِّ، فإنه لا يلزم فيه تَعْيِينُ المعنى الموضوعِ له بل تارةً يَحْصُلُ فيه التعيينُ لمعنى الموضوع له كما في الأَعْلامِ كـ«زيد» المشتَرَكِ فإنه موضوعٌ بأَوْضَاعٍ مُتَعَدِّدَةٍ، والموضوعُ له بكلِّ وَضْعٍ مُعَيَّنٌ، وتارةً لا يَحْصُلُ فيه تعيينُ المعنى الموضوعِ له كما في الكُلِّيَّاتِ كـ«عَيْنٍ» فإنه موضوعٌ للباصرة والجارية، والباصرةُ غيرُ مُعَيَّنَةٍ لصِدْقِهَا على عَيْنِ زيدٍ وعمرٍو وغيرِهما، وكذا الجاريةُ.
قوله: ((ووحدة الوضع)) أي: ولزومُ وَحْدَةِ الوضعِ فيما هو من هذا القبيل ولزومُ تعددِهِ في الألفاظِ المشتَرَكَة.
قوله: ((فإن قلت اللفظ ... إلخ)) هذا مَنْعٌ لقوله «ما هو من هذا القبيل لا يفيدُ التشخص إلا بقرينة» وهذا المنعُ الذي ذَكَرَهُ الشارحُ مُحَصَّلُهُ قياسٌ من الشَّكْلِ الأَوَّلِ حُذِفَتْ صُغْرَاهُ لسُهُولَةِ حُصُولِها وحُذِفَتْ نتيجتُهُ أيضًا
وتقريرُهُ هكذا ما هو من هذا القبيلِ والألفاظُ المشترَكةُ مُسْتَعْمَلٌ في معناه الحقيقي، وكل ما هو مستعمَلٌ في معناه الحقيقيِّ لا يَحتاجُ لقرينة، يُنْتِجُ كُلُّ ما هو من هذا القبيلِ والألفاظُ المشتَرَكَةُ لا يَحْتَاجُ لقرينة
فقول الشارح: «اللفظُ..إلخ» «أَلْـ» فيه للاستغراقِ، لأنها كُبْرَى القِيَاسِ وَهِيَ يَجِبُ أن تَكُونَ كُلِّيَّةً في الشَّكْلِ الأَوَّلِ.
قوله: ((قلت ... إلخ)) حاصِلُهُ أَنَّ قولَهُ في الكبرى «وكل ما هو مستعمَل في معناه الحقيقي لا يحتاج لقرينة» إن أراد القرينةَ المصحِّحَةَ للاستعمال فمُسَلَّمٌ لكنَّ هذا خلافُ الموضوع لأن الموضوع القرينةُ المعيِّنةُ، وإن أراد القرينة المعيِّنة فالكبرى ممنوعةٌ، إذ لابُدَّ من القَرِينَةِ المُعَيِّنَةِ هنا وفي المشتَرَكِ لأجل دفع مُزَاحَمَةِ المعاني الحقيقيةِ وفَهْمِ المرادِ.
قوله: ((بما ذكروه)) أي: من قولهم في كبرى القياس «وكل لَفْظٍ مستعمَلٍ في معناه الحقيقيِّ لا يَحْتَاجُ لقرينة».
قوله: ((لمجرد الاستعمال)) أي: للاستعمال المجرد عن التعيين، وأما تعين المراد فيَحْتَاجُ إليها.
قوله: ((بخلاف المجاز)) أي: فإنه يَحْتَاجُ لقرينةٍ مانِعَةٍ من إرادةِ الموضوعِ له، إِذْ هِيَ التي يَتَوَقَّفُ عليها تَحَقُّقُ المَجَازِ كما أشار لذلك الشارح بقوله «لينصرف..إلخ»، وأما القرينةُ المعيِّنةُ للمُرادِ من المعاني المجازية فلا يَتَوَقَّفُ عليها تحقُّقُهُ، أَلَا تَرَى أنه إذا قيل لك: «رأيت بحرًا ماشيًا على قَدَمَيْهِ» فقد وُجِدَتْ القرينةُ المانعةُ من إرادة البحرِ الحقيقيِّ ولم تُوجَدِ المعيِّنةُ للمُرَادِ من بَحْرِ عِلْمٍ أو كَرَمٍ.
قوله: ((للاستعمال فيه)) ظاهرُهُ أن الاستعمال مَوْضُوعٌ له، وليس كذلك، فتُجْعَلُ اللامُ للتعليلِ وَصِلَةُ الوَضْعِ مَحْذُوفَةً أَيْ الذي وُضِعَ اللَّفْظُ لَهُ لِأَجْلِ الاستعمالِ فيه.
قوله: ((وفهم المراد)) عطفٌ على «دَفْعِ» عطفَ لازمٍ على ملزومٍ، لأنه يلزمُ من دَفْعِ مُزَاحَمَةِ المعاني فَهْمُ المرادِ.