قَالَ الإِمامُ العَلَّامَةُ القاضِي
عَضُدُ الدينِ أبو الفضلِ
عبدُ الرحمنِ بنُ ركنِ الدينِ
أحمدَ بنِ عبدِ الغفارِ بنِ أحمدَ
الإِيجي البَكْرِي:
هَذِهِ فَائِدَةٌ
تَشْتَمِلُ عَلَى:
(مُقَدِّمَةٍ، وتَقْسِيمٍ، وخَاتِمَةٍ)
قال المصنِّفُ رحمه الله تعالى بَعْدَ التَّسْمِيَةِ:
((هَذِهِ فَائِدَةٌ)) الـمُشَارُ إليـه بـ«هَذِهِ» العِبَارَاتُ الذِّهْنِـيَّـةُ التي أَرَادَ كتابَتَـها وبَيَـانَ أَجْــزَائِـهَـا، نُــزِّلَـتْ مَـنْــزِلَـةَ الـمُشَخَّصِ الـمُشَاهَـدِ الـمَحْسُوسِ واسـتُـعْـمِـلَتْ فيــها كلمـــةُ «هَــذِهِ» المَوْضُوعَةِ لكـلِّ مُشَارٍ إليه محسوسٍ.
والفائدةُ في اللُّغَةِ ما حَصَّلْتَهُ مِنْ عِلْمٍ أَوْ مَـالٍ أَوْ غَيْرِهِـمَا مُشْتَـقٌّ مِنَ الفَـيْـدِ بمعنـى اسْتِـحْـدَاثِ المـالِ والـخَـيْـرِ.
وقِـيـلَ: اســمُ فـاعـلٍ مِـنْ فَــأَدتُّــهُ إِذَا أَصَـبْـتَ فُــؤَادَهُ.
وفي العُرْفِ هي المَصْلَحَةُ المُتَرَتِّبَةُ على فِعْلٍ من حَيْثُ هي ثَمَـَرتُـهُ ونتيـجتُـهُ وتِلْـكَ المَصْلَحَـةُ من حيـثُ إِنَّها على طَـرَفِ الفـعـلِ تُسَمَّـى غايـةً له، ومن حـيـثُ إنها مطـلوبـةٌ للفـاعلِ بالفعلِ تُسَمَّى غَرَضًا، ومن حيثُ إنها باعِثَـةٌ للفـاعل علـى الإِقْـدَامِ علـى الـفِعْـلِ وصُـدُورِ الفعـلِ لِأَجْلِهَا تُسَمَّى عِلَّـةً غـائِـيَّـةً
فالفَائِـدَةُ والغَـايَـةُ مُـتَّحِـدَانِ بالـذَّاتِ ومُـختلفان بالاعتبارِ كما أن الغَرَضَ والعِـلَّـةَ الغَائِـيَّـةَ أَيْضـًا كذلـك، لأَنَّ الحَيْـثِـيَّـتَيْنِ مُتَلازِمَتَانِ، ودَلِيلُ اعتبارِ كُلِّ حَيْثِـيَّةٍ فيما اعتُبِرَتْ فيه إضافَـتُهُمُ الغَـرَضَ إلـى الفَـاعِـلِ دُونَ الـفِعْـلِ، والعِلَّـةُ الغائِـيَّـةُ بِالعَكْسِ، فالأَوَّلَانِ أَعَـمُّ من الأَخِـيرَيْنِ مُطْلَـقًا، إِذْ رُبَّمـا يَتَـرَتَّـبُ علـى الفِعْـلِ فائـدةٌ لا تكونُ مَـقْصُـودَةً لِفَـاعِـلِـهِ.
وَأَمَّا حَمْلُ الـ«فَائِدَةُ» على ما أُشِيـرَ إليه بـ«هَــذِهِ» فـحَـقِـيقَـةٌ لُـغَـةً وعُـرْفًا، إِذِ العِـبَـارَاتُ فِـي أَنْـفُـسِـهَا فـائـدةٌ، أَمَّـا بِاعْتِـبَـارِ اللُّغَـةِ فَظَـاهِرٌ، وأَمَّـا باعْتِبَارِ العُـرْفِ فَلأَنَّها مَصْلَحَـةٌ تَتَـرَتَّـبُ على تصحـيـحِ حُـرُوفِـهَا وإِخْرَاجِـهَا عن مَـحَـلِّـهَـا ويَـجُوزُ أَنْ يكونَ مَـجَازًا في الإِسْنَادِ باعْتِـبَارِ أَنَّ لِتِلْكَ العِـبَـارَاتِ مَـدْخَلاً فِـي حُـصُـولِ الفَـائِـدَةِ.
((تَشْتَـمِلُ)) إِمَّـا خَبَـرٌ بَعْـدَ خَبَـرٍ أَوْ حالٌ أَوْ صفـةٌ لـ«فائـدةٌ»، والمرادُ أَنَّها تَشْتَملُ اشتمـالَ الكُلِّ عَلَـى الأَجْزَاءِ ((عَلَـى مُقَدِّمَـةٍ وتـَقْسِيـمٍ وخاتِـمَةٍ)) وَجْـهُ التَّـرْتِيبِ أَنَّ ما يُذْكَرُ فـي هـذه الرِّسَـالةِ من العِبَـاراتِ إمَّا أن يكـونَ لإِفَـادَةِ المـقـصودِ أَوْ لإِفَادَةِ ما يَتَعَلَّـقُ بِـهِ، إِذِ الخارجُ عنهمـا لا يُذْكَـرُ فيـها، فـإن كـان الأولَ فهـو التَّـقْسِـيـمُ وَإِنْ كَـانَ الثَّانِـيَ فـإِنْ كـَانَ ذلـك التَّـعَلُّـقُ تعلُّـقَ السَّابقِ باللَّاحِـقِ أي: التعلُّـقَ من حيثُ الإِعَانَـةُ فـي الشروع علـى وَجْـهِ البـصيـرة فيـه فهـو الـمُقَـدِّمَـةُ، وإن كـان تعلُّـقَ اللاحِقِ بالسَّابقِ أي التعلُّـقَ مـن حيـث زِيَـادَةُ التـوضيـحِ والـتـكـمـيـلُ فـهـو الـخاتِـمَةُ.
والمُقَدِّمَةُ فـي اللُّـغَةِ مَأْخُـوذَةٌ إِمَّـا مِنْ قَـدَّمَ اللَّازِمِ بمعنى تَقَدَّمَ أو المُتَعَدِّي.
وفي الاصْطِـلاحِ عِبَـارةٌ عَمَّـا يَتَـوَقَّفُ عليـه الشُّـروعُ فـي العِـلْـمِ والمُنَـاسَبَـةُ ظاهِرَةٌ لِتَقَـدُّمِـهَا في الذُّكْرِ أَوْ لتَـقْدِيمِـهَا الطَّـالِبَ في الشُّرُوعِ في الـمَـقَـاصِـدِ بالـذَّاتِ أو بالـواسِـطَـةِ.
والـمُرادُ بالـمُقَـدِّمـَةِ هَهُـنَـا الـمَعَانِـي الـمُخْصُوصَةُ أو العِبَارَاتُ المُعَـيَّـنَـةُ، فـلابُـدَّ مِـنِ اعْــتِـبَـارِ الـتَّــجَـوُّزِ بِـأَنْ يكونَ من قَـبِـيـلِ إِطْلَاقِ الكُلِّـيِّ عَلَى بَــعْـضِ جُـزْئِـيَّــاتِـهِ أَوْ إِطْـلَاقِ اسْـمِ الـمَدْلُولِ عَلَـى بَـعْضِ مـا دَلَّ عـليه.
وما وَقَـعَ فـي بَعْـضِ النُّـسَـخِ «علـى مُقَدِّمَةٍ وتَنْبِيهٍ وتَقْسِيمٍ وخَاتِـمَةٍ» فهو سَهْـوٌ مِنْ قَلَمِ الكَاتِـبِ، إِذِ الـ«تَّنْـبِيهُ» مِنَ الـمُقَـدِّمَـةِ فَلَا مَعْنَى لِعَـدِّهِ جُـزْءًا مُسْتَقِلًّا.
((المُقَدِّمَةُ)) مُبْتَدَأٌ خَبَـرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ هذا الـذِّي نَشْـرَعُ فِـيـهِ أَوْ بِالْـعَـكْـسِ وَأَمَّا جَـعْـلُ مَـجْـمُوعِ هِذِهِ العِبَارَاتِ التِي بَعْدَهَا إِلَى قَوْلِهِ «التقسـيمُ» خَبَرًا لَهَا فَغَيْرُ مُنَاسِبٍ فِي أَمْثَالِ هَـذَا المَقَامِ، تَـأَمَّـلْ.
الحاشية
قوله: ((بعد التسمية)) مصدر «سَمَّى» إذا قال «بسم الله» فهي عبارةٌ عن القول المذكور أي: التَّلَفُّظِ بهذا اللفظِ لكن صارَ حقيقةً عرفيةً في الإتيان بـ«بسم الله الرحمن الرحيم»، فقول الشارح «بعد التسمية» أي: بعد الإتيان بجملة البَسْمَلَةِ لفظًا وإن لم يأتِ بها كتابةً، وهذا القَدْرُ كافٍ في امتثالِ الأمرِ بالإتيانِ بها.
قوله: ((هذه فائدة)) أَطْلَقَ الفائدةَ على مُؤَلَّفِهِ مع اشتماله على فوائدَ إشارةً إلى أن تلك الفوائدَ التي اشتَمَلَ عليها مُؤَلَّفُهُ لقُرْبِ تَنَاوُلِها وشِدَّةِ ارتباطِ بعضِها ببعضٍ كالشيءِ الواحدِ.
قوله: ((المشارُ إليه)) أي: الذي أُشِيرَ إليه، وذَكَّرَ الضميرَ باعتبار لفظ «أَلْـ» لا باعتبار معناها، لأنها مُؤَنَّثَةٌ معنًى لأن المرادَ بها العباراتُ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: ((بـ«هذه»)) أي: بـ«ذِي» مِنْ «هَذِهِ».
قوله: ((العبارات الذهنية)) أي: التي استَحْضَرَهَا المصنفُ في ذِهْنِهِ وهي الكلامُ النفسيُّ الذي يُجْرِيهِ الشخصُ في نفسِهِ، فـ«الذهنيةُ» نسبةٌ للذهن بمعنى النفس لا بمعنى القوةِ التي تُهَيِّءُ النفسَ لاكتساب الآراء والعلوم.
فإن قلت هذا يقتضي أن الألفاظَ المستَحْضَرَةَ في ذهنِ المصنفِ إذا استَحْضَرَهَا غيرُه في ذهنِهِ لا يقال لذلك الذي استَحْضَرَهُ غيرُه «فائدةٌ»، وليس كذلك
وأُجيب بأن قول المصنف «هذه فائدة» على حذف مضافٍ أي: نوعُ هذه فائدةٌ، ومعلومٌ أن الجزء الذي بذهن غيرِ المصنف يتحقق فيه ذلك النوع أيضا فيكون فائدة
واعتُرِضَ أيضا بأن ما في الذهن مُجمَل والفائدة أمورٌ مفصَّلةٌ فلم تَحْصُلِ المطابَقةُ بين المبتدأِ والخبرِ.
وأجيب بتقدير مضاف أي: مفصَّلُ نوعِ هذه فائدةٌ، لكن لا يُحتَاجُ لتقدير «مفصَّلة» إلا إذا قلنا إِنَّ المفصَّل لا يقوم بالذهن وإنما يقوم به المُجْمَلُ، أما إذا قلنا إن المفصَّل يقوم به أيضا فلا يُحتاجُ لتقديره كما أنه لا يُحتاجُ لتقدير «نوع» إلا إذا قلنا إن أسماءَ الكتب من قبيل عَلَمِ الجنس، أما إذا قلنا إنها من قبيل عَلَمِ الشخص فلا يُحتاجُ له لأن ما حَلَّ في ذهن زيد من الألفاظ هو ما حَلَّ في ذهن المصنف، غايةُ الأمر أن المَحَلَّ مختَلِفٌ والشيءُ لا يختلف باختلاف محلِّهِ.
واعلم أن السَّيِّدَ الجُرْجَانِيَّ أستاذَ الشارحِ ذَكَرَ في مُسَمَّى الكتب والتَّرَاجِمِ احتمالاتٍ سبعةً «النقوشُ أو الألفاظُ أو المعاني» فهذه ثلاثةٌ، أو«اثنان منها» وتحته ثلاثةٌ، أو «الجميعُ» فهذه سبعةٌ، واختار منها الألفاظَ الذهنيةَ المعيَّنةَ الدالةَ على المعاني المخصوصة، وتَبِعَهُ الشارحُ، وذلك لأنها هي التي يمكن الإشارةُ إليها من كل أحد من غير توقف على شيءٍ بخلاف النقوش فلا يتأتى الإشارة إليها من الأعمى لعدم حصولها منه، والألفاظُ الخارجيةُ أعراضٌ تَنْقَضِي بمجرد النطق بها، والمعاني تتوقف على الألفاظ
و«العباراتُ» جمع عبارةٍ وهي في الأصل مصدرٌ بمعنى العُبُور والانتقالِ، أُطْلِقَتْ على الألفاظ لأنها يُعْبَرُ إليها بالنسبة للمتكلم ومنها بالنسبة للسامع، فالمتكلمُ يَستَحضِرُ المعنى أَوَّلا ثم ينتقل لِلَّفْظِ الذي يُعَبَّرُ به عنه والسامعُ يَتَوَجَّهُ ذِهْنُهُ للمعنى وينتقل للفظ ليفهمه منه
وقيل إن «العِبَارةَ» في الأصل مصدر بمعنى التفسير يقال عَبَرْتُ الرُّؤْيَا أي: فَسَّرْتُها، أُطْلِقَتْ على الألفاظِ الدالةِ على المعاني بمعنى المُعَبِّرِ اسمِ فاعلٍ مجازًا لأن المعبِّرَ حقيقةً هو المتكلمُ أو بمعنى المعبَّرِ به
وإطلاقُ «العِبَارةِ» على الألفاظِ حقيقةٌ عرفيةٌ لهِجْرَانِ المعنى الأصليِّ بحيث لا يُفْهَمُ إلا بقرينةٍ.
قوله: ((التي أراد كتابتها)) أي: كتابةَ دَالِّها وهو النقوشُ، وإِلَّا فالعباراتُ الذهنيةُ لا تُكتَبُ، والمرادُ دَالُّها بواسطةٍ، لأن النُّقُوشَ تَدُلُّ على الألفاظِ الخارجيةِ وهي تَدُلُّ على العِبَارَاتِ الذِّهْنِيَّةِ.
قوله: ((وبيانَ أجزائها)) أي: من «المقدمةِ والتقسيمِ والخاتِمَةِ» وعطُفُهُ على «كَتَابَتَها» من عَطْفِ اللازمِ على الملزومِ، لأنه يلزمُ من كتابةِ دَالِّها بيانُ أجزائِها
وأَرَادَ الشارحُ بالـ«بيانَ» التبيينَ لا حقيقتَهُ وهو الوُضُوحُ، لأنه لا تتعلق به قدرتُه إذ لا تَتَعَلَّقُ إلا بالأفعالِ.
قوله: ((نزلت ... إلخ)) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ اسمُ الإشارةِ موضوعٌ لأن يُشَارَ به إلى المُشَاهَدِ المحسوسِ، والعباراتُ الذهنيةُ ليست كذلك، إِذْ هي أمورٌ معقولةٌ
وحاصلُ الجواب أن المصنف نَزَّلَها منزلةَ المشاهَدِ المحسوسِ بسبب تشبيهها به بجامع الحضور والتمكن في كلٍّ، واستعارة اسم المشبه به وهو «هذه» للمشبَّه على طريقِ الاستعارةِ التصريحية التحقيقية، فقولُ الشارحِ «نُزِّلَتْ..إلخ» أي: بسبب تشبيهها به.
قوله: ((منزلة المشخص)) قيل لو حَذَفَهُ واقتصرَ على قوله «المحسوسِ» من أَوَّلِ الأمرِ لكَفَاهُ، ولذلك قال بعدُ «الموضوعةُ لكلِّ مُشارٍ إليه محسوسٍ»
وأجيب بأنه ذَكَرَهُ لأجل الردِّ مِنْ أوَّلِ الأمرِ على السَّعْدِ القائلِ بأن اسمَ الإشارةِ موضوعٌ للأمرِ الكلي.
قوله: ((المشاهد)) ذَكَرَهُ بعد قوله «المشخَّص» لأن المشخَّص معناه المعيَّنُ وهو يشملُ الحاضرَ والغائبَ فأَتَى بقوله «المشاهد» لإخراج الغائب لأن المشاهَد معناه الحاضر فهو من مُفَاعَلَةِ الشُّهُودِ بمعنى الحضور
ولَـمَّا كان المعيَّنُ الحاضرُ يشملُ المحسوسَ وغيرَهُ أتى بقوله «المحسوس» لإخراج غيرِهِ.
قوله: ((واستعملت فيها)) أي: في العبارات الذهنية بسبب التنزيل المذكور.
قوله: ((كلمةُ «هذه»)) الإضافةُ للبيانِ.
قوله: ((لكل مشار إليه محسوسٍ)) كان عليه أن يَزِيدَ «مُشَخَّصٍ مُشَاهَدٍ» كما ذَكَرَ أَوَّلا
ويجابُ بأنهُ حُذِفَ من الثاني لدلالة الأول
والمرادُ محسوسٌ بحاسةِ البصرِ فاستعمالُها في المحسوس بحاسة السَّمْعِ كالأصوات أو بحاسَّةِ الشَّمِّ كالروائح مجازٌ
ثُمَّ يُحْتَمَلُ أن المراد لكل مشار إليه شأنُهُ أن يكون محسوسا بحاسة البصر، وحينئذ فاستعمالُ الأعمى اسمَ الإشارة في جسم مَسَّهُ بيده حقيقةٌ
ويحتمل أن المرادَ محسوسٌ بحاسَّةِ البصرِ بالفعل فيكونُ استعمالُ الأعمى المذكورُ مجازًا.
قوله: ((في اللغة)) حال من المضافِ إليه أي: و«تفسيرُ الفائدةِ حالَ كونِها من اللغةِ» أي: من الألفاظ الموضوعة لمعانيها المُقَيَّدَةِ بكتبٍ مخصوصةٍ فـ«في» بمعنى «مِنْ»، وشرطُ مَجِيءِ الحالِ من المضاف إليه موجودٌ، لأن المضاف يَعْمَلُ عَمَلَ الفعلِ، فلا يَرِدُ أن «في اللغة» حالٌ من المبتدأِ وهو لا يَجُوزُ على التحقيق
وأصل «لُغَة» لُغَيَ أو لُغَوَ حذفت لامها وعُوِّضَ عنها هاءُ التأْنيثِ.
قوله: ((من علم أو مال)) بيانٌ لِـ«ما» وليست «مِنْ» ابتدائيةً وإِلَّا لكانت الفائدةُ غيرَ العِلْمِ والمَالِ بل ما ينشأُ عنهما وليس كذلك، وفي الكلام حَذْفُ «أَوْ» مع ما عَطَفَتْ أي «أو غيرهما» كالجَاهِ، وصُرِّحَ بذلك في بعض النسخ، وإنما احتجنا لذلك لأجل أن يوافق قولَه بعدُ «مشتق من الفيد بمعنى استحداث المال والخير» فإن الخير أعمُّ من العِلْم لشموله له ولغيره كالجَاهِ، وإنما اقتصر الشارح على النوعين المذكورين لشرفهما، و«أو» في كلامِه للتنويع لا للشك ولا للتشكيك أي: ما حصَّلْتَهُ من هذين النوعين أو من غيرِهما، والمرادُ ما حَصَّلْتَهُ منهما سواءٌ كان على سبيل الاجتماع منهما أو على سبيل الانفراد، وليس المراد أنه لا يقال الفائدةُ إلا للمُحَصَّلِ من أحدهما فقط
والتعبيرُ بالمُحَصَّلِ يقتضِي أنه لابد في التسمية بالـ«فائدة» من المُعَانَاةِ فما حَصَلَ من غيرِ مُعاناةٍ كالهبةِ والميراثِ وكالإلهامات لا يسمى فائدةً، وفي كلام بعضهم ما يفيد أنه يسمى فائدةً، وليس الوَلَدُ من الفائدةِ كما قَرَّرَهُ شيخُنا.
قوله: ((مشتق)) أي: ذلك اللفظُ، وفي نسخة «مشتقة» أي: تلك الكلمةُ، والحكمُ عليها بأنها مشتقة بالنظر للأصل، وإِلَّا فهي الآنَ اسمٌ جامِدٌ لأنها عَلَمٌ على العبارات الذهنية المخصوصةِ الدَّالَّةِ على المعاني المخصوصة، فاندفع الاعتراضُ، وقد يقال إن الشارح بصدد بيانِ المعنى اللغوي فلا يتوجه عليه شيء حتى يُحتاجَ لدفعه.
قوله: ((من الفيد ... إلخ)) اعلم أنه يطلق بالاشتراك على أمور متعددة، فيستعمل مصدرَ «فاد فَيْدًا» بمعنى ثبت ثبوتا، ويستعمل اسما للناحية وبمعنى شعر الرأس من ناحية الأُذُنِ وبمعنى ذهاب المال، ولأجل استعماله في هذه المعاني المتعددة قال الشارح «بمعنى استحداث..إلخ» أي: لا بمعنى الثبوت ولا الذهاب ولا الناحية ولا بمعنى شعر الرأس من ناحية الأُذُنِ.
إن قلتَ أَيُّ داعٍ لذلك التفسير وهَلَّا فَسَّرَهُ بـ«الثبوت» الذي هو معنًى حقيقيٌّ له
قلتُ لَـمَّا كانت الفائدةُ لابُدَّ فيها من المُعَانَاةِ على ما فَسَّرَهَا به أَوَّلا أَحَبَّ الشارح أن يصرف «الفَيْدَ» عن معناه الحقيقي وهو «الثبوت» لغيره وهو «الاستحداث» لأجل حصول المناسَبة بين المشتق والمشتق منه في إفادة كل منهما للمُعاناة.
قوله: ((وقيل اسم فاعل)) أي: كما أنها على الأول كذلك، فالـ«فائدة» اسمُ فاعل على كل من القولين، والخلافُ إنما هو في مبدأ الاشتقاق، وعلى الأول هي اسم فاعل بمعنى اسم المفعول أي: هذه مسائل محصَّلة وعلى الثاني فهي اسم فاعل باقٍ على حالِهِ والمعنى هذه مسائلُ مُصِيبَةٌ لِفُؤَادِي أي: مؤثِّرة فيه لانبساطه وسُرُورِهِ بها حيث رَتَّبَهَا فيه أَوَّلا قبلَ أدائها أو مصيبةٌ لفؤاد السامع باعتبار دَالِّها
إذا علمتَ هذا تعلم أن في كلامِ الشارحِ احتباكًا، والأصلُ «وهي اسم فاعل مشتقةٌ من الفَيْدِ، وقيل اسم فاعل مشتقةٌ من فَأَدتُّهُ..إلخ».
وأما الفَيْدُ فهو مصدر «فَادَ» ثَبَتَ وذَهَبَ.
قوله: ((إذا أصبت فؤاده)) أي: أَثَّرْتَ فيه بانبساطٍ، والفؤادُ القلبُ على المشهور وقيل عينٌ فيه وقيل باطنُه وقيل غشاؤُه
و«إذا» ظرف معمول لمحذوف، فإن قدرتَه «تقولُ ذلك» أي: هذا اللفظَ وهو لفظ «فَأَدتُّهُ» فتحتَ التاءَ، وإن قَدَّرْتَه «أقولُ ذلك» ضَمَمْتَهَا.
قوله: ((وفي العرف)) أي: والفائدةُ في العُرْفِ المصلحةُ..إلخ، فهو من قبيلِ عَطْفِ الجُمَلِ لا المفرداتِ، وإلا لَزِمَ العطفُ على مَعْمُولَيْ عاملين مختلفين، والمرادُ بـ«العُرْفِ» عرفُ العلماء مطلقا لا خصوصُ عُرْفِ علماءِ الوضع لعدم اختصاص هذا المعنى بعُرْفِهِم.
قوله: ((من حيث إنها ثمرته)) الحيثيةُ هنا للتقييد كالتي بعدها أي باعتبار أنها ثمرته لا باعتبار أنها مُرَتَّبَةٌ على طَرَفِهِ ولا باعتبار أنها مطلوبةٌ للفاعل بالفعل ولا باعتبار أنها باعِثَةٌ للفاعل على القُدُومِ على الفعل
ولَـمَّا أفاد الشارحُ بهذا القَيْدِ أن للمصلحةِ حيثياتٍ أُخَرَ تتَمَّ الكلامَ عليها بعد ذلك بقوله «وتلك المصلحة من حيث إنها..إلخ».
قوله: ((وتلك المصلحة من حيث إنها ... إلخ)) بفتح همزة «إِنَّ» وكسرها، وعلى الأول فالخبر محذوفٌ أي: موجودٌ أي: من حيث تَرَتُّبُها على طرف الفعل موجودٌ، والداعي لذلك وجوبُ إضافة «حيثُ» للجملة عند الجمهور
وقوله «مُرَتَّبَةٌ» على طَرَفِ الفعل أي: ملاصقة لطرفه وذلك كالماء مثلا فإنه مُلاصِقٌ لآخِرِ الفعلِ لا أنه فيه.
قوله: ((مطلوبةٌ للفاعل)) أي: مقصودةٌ له.
وقولُهُ «بالفِعْلِ» أي: من الفعل، فالباءُ بمعنى «مِنْ» متعلقةٌ بـ«مطلوبةٌ».
قوله: ((تسمى غرضا)) الغرضُ في الأصلِ معناه القصدُ والمصلحةُ، لَـمَّا كانت مقصودةً للفاعلِ من الفعل ناسَب تسميتَها به.
قوله: ((على الإقدام)) هو جعل الشيءِ قادِمًا، وليس مرادًا بل المراد القُدُومُ وهو التَّوَجُّهُ للفعل، فالماءُ مثلا علةٌ والتوجهُ للفعل وهو الحَفْرُ معلولٌ لأن الماءَ باعث عليه.
قوله: ((وصدور الفعل لأجلها)) يُحتمَل جرُّه عطفا على «الإقدام» ونَصْبُهُ عَطْفًا على اسمِ «إِنَّ»
وفيه أَنَّ هذا الكلامَ يقتضِي أن المعلولَ صُدُورُ الفعلِ في الخارج لا نفسُ التوجُّهِ للفعل، وهذا مناقض لما قبله على أن المعلول لا بد أن يكون أمرا اختياريا كالتوجه للفعل والوجودَ في الخارج ليس اختياريًا، وحينئذٍ فلا يصحُّ جعلُهُ معلولا، فكلامُهُ مُشْكِلٌ من وجهين
وحاصل الجواب عنهما أن في الكلام حذفَ مضافٍ أي: وسببِ صدورِ الفعلِ وهو التوجُّهُ له لأجلها، وحينئذ يكون هذا الكلام تأكيدًا لما قَبْلَهُ، لأنه بتقدير المضافِ صَارَ عينَ ما قبلَه.
قوله: ((علة غائية)) أي: وعلة باعِثَة أيضًا.
قوله: ((متحدان بالذات)) أي: متحدان بسبب اتحاد ذاتهما ((ومختلفان)) بسبب اعتبار اختلاف
أو أَنَّ الباءَ بمعنى «في» أي: متحدان في الذات أي: الماصَدَقِ ومختلفان في الاعتبار أي: في المفهوم المعتَبَرِ لكل واحد منهما.
إِنْ قُلْتَ: الأربعةُ متحدةٌ، لأن مُسَمَّاهَا واحدٌ وهو «المصلحة المترتبة على الفعل»، فما وَجْهُ فَصْلِ الأولين من الأَخِيرَيْنِ.
قُلْتُ: المرادُ بالاتحاد التساوي في الماصَدَقِ والاختلافُ في المفهومِ، وهذا إنَّما يتحقق بَيْنَ «الفائدة، والغاية» وبَيْنَ «الغرض، والعلة الغائية»، وأما كُلٌّ من الأَوَّلَيْنِ والأَخِيرَيْنِ فلا لما سيأتي أن بينهما العمومَ والخصوصَ المطلقَ.
فإن قلت: دعوى اتحاد الأولين في الماصَدَقِ ممنوعةٌ لأن المصلحة إذا ظَهَرَتْ قبل انتهاءِ الفعلِ فقد ترتَّبَتْ على الفعل وليست على طَرَفِهِ فتتحقَّقُ الفائدةُ دون الغايةِ.
قلتُ: بل تتحقق الطَرَفِيَّةُ حينئذ لأن المرادَ بالفعل الذي يكون على طَرَفِهِ الفعلُ الذي تَرَتَّبَتْ عليه لا جميعُ الفعلِ الذي أَرَادَهُ الفاعل.
قوله: ((كما أن الغرضَ والعلةَ الغائيةَ أيضًا كذلك)) أي: متحدان بالذات مختلفان بالاعتبار
والحاصلُ أن الغرضَ التشبيهُ في الاتحادِ بالذات والاختلاف بالاعتبار، والمشبَّهُ «الفائدةُ، والغايةُ» والمشبَّهُ به «الغرضُ، والعلةُ».
فإِنْ قُلْتَ: ما وَجْهُ جَعْلِ الأوَّلَيْنِ مُشَبَّهَيْنِ والأَخِيرَيْنِ مُشَبَّهًا بهما
والجوابُ أن الأخيرين لما كانا قريبين في العبارة ناسَبَ أن يَلْتَفِتَ لهما ويَجْعَلَهُما مُشَبَّهًا بهما
بَقِيَ شيءٌ آخرُ وهو أن «أيضًا» مقدَّمةٌ من تأخيرٍ ومعناها عَوْدًا ورجوعا كذلك، فالمعنى حينئذ ولْنَرْجِعْ للاتحادِ والاختلافِ في «الغرض، والعلة الغائية» أي: نرجع للإخبار بذلك رجوعًا كذلك أي: مثل «الفائدة، والغاية»، وهذا يقتضي عكسَ ما مَرَّ وهو أن «الغرضَ، والعلةَ الغائيةَ» مشبَّهٌ «والفائدةَ، والغايةَ» مشبَّهٌ به لا مشبَّهٌ، إِلَّا أن يُجْعَلَ هذا التشبيهُ من جهة الرجوع لأن الاتحادَ والاختلافَ في «الفائدة، والغاية» قد ذُكِرَ مُقدَّمًا في اللفظ
والحاصلُ أن «العلة، والغرض» لقُرْبِهِمَا في العبارة جُعِلا مشبَّهًا بهما من حيث الاتحادُ في الذاتِ والاختلافُ في المفهومِ «والفائدةَ، والغايةَ» لتقديمهما في الذِكْرِ اعتُبرا مشبَّهًا به من جهة الرجوع.
قوله: ((لأن الحيثيتين متلازمتان)) تعليلٌ للاتحادِ ذاتًا والاختلافِ اعتبارًا في كل من الطرفين أي: وإنما كانت «الفائدة، والغاية» متحدين ذاتا ومختلفين اعتبارا لأن الحيثيتين المعتبرتين فيهما متلازمان، وكذلك «الغرضُ، والعلةُ الغائيةُ» إنما اتحدا ذاتًا واختلفا اعتبارًا لأن الحيثيتين المعتبرتين فيهما متلازمان، فالحيثيتان في كل من القسم الأول والثاني متلازمتان، ومتى كانت الحيثيتان المعتبرتان في مفهومين متلازمتين لزم أن يكون بين المفهومين التساوي أي: الاتحادُ في الذات والاختلافُ في المفهوم
وذلك لأن الاسمين إذا أُطْلِقَا على مسمىً واحدٍ فإما أن يكون إطلاقُهما عليه من جهةٍ واحدةٍ وإما من جهتين متلازمتين أو متغايرتين
فإن كان الأولَ كان بين الاسمين الترادف كإنسان وبشر فإنهما يصدقان على زيد من حيث إنه حيوان ناطق وهو جهة واحدة، وأما اعتبار التناسب في إنسان وبُدُوِّ البَشَرَةِ أي: الجلد في بَشَرٍ فمجردُ حِكْمَةٍ لا وجهُ إطلاقٍ
وإن كان الثانيَ كان بين الاسمين التساوي أي: الاتحاد في الذات والاختلاف في المفهوم كناطق وضاحك، وكذلك الفائدةُ والغايةُ والعلةُ والغرضُ
وإن كان الثالثَ كان بين الاسمين إما العموم والخصوص المطلق كالفائدة والغرض أو من وجه كالحيوان والأبيض.
فإن قلت: لا نسلم أن التلازم يقتضي التساويَ؛ إذ قد يكون في المتباينين، أَلَا ترى الأب والأبوة فإنهما متلازمان ومع ذلك هما متباينان.
قلتُ: ليس كلام الشارح في مطلق تَلَازُمٍ بل في تَلَازُمٍ خاصٍّ وهو تَلازُمُ جِهَتَيْ إطلاقِ اللفظين على مُسمىً واحدٍ كما عَلِمْتَ، وتَلازُمُ الأُبُوَّةِ للأَبِ ليس كذلك
فالمصلحةُ المتَرَتِّبَةُ على الفعل في ذاتها شيءٌ واحدٌ يطلق عليها اسمان باعتبار جهتين متلازمتين فبالضرورة يكون الاسمان متساويين، والأبوةُ والأبُ لم يطلقا على مسمىً واحدٍ باعتبار جهتين متلازمتين وإن كان أحدُهُما لازمًا للآخَرِ.
قوله: ((ودليلُ اعتبار ... إلخ)) جوابٌ عما يقال إذا كانت الحيثيتان متلازمتين فما وَجْهُ اعتبارِ كل حيثية فيما اعتُبِرَتْ فيه أي: حيث اعتبروا في «الغرض» المقصوديةَ للفاعل وفي «العلة» البَعْثَ على الفعل، وهَلَّا عُكِسَ الأمر
وحاصل الجواب أن العلماء لما أضافوا «الغرض» للفاعل وقالوا «غرضُ الفاعلِ كذا» ناسَب اعتبارَ المقصودية للفاعل في مفهومه، ولما أضافوا «العلة» للفعل حيث قالوا «العلة في ذلك الفعل كذا» ناسَب اعتبارَ البَعْثِ على الفعل في مفهومها حيث قالوا فيه «المصلحة المترتبة على الفعل من حيث إنها باعثة للفاعل عليه» فظَهَرَ لك من هذا أن هذا الدليل إنما هو لاعتبار الحيثيتين الأخيرتين، وأما وجه اعتبار الحيثية المذكورة «الفائدة، والغاية» فلم يتعرضْ له، ولعله لظهوره، وذلك لأن «الفائدة» لَـمَّا كانت هي المستفادَ المحصَّلَ، والمستفادُ المذكور يقال له ثمرة ونتيجة ناسَب اعتبارَ تلك الحيثية في مفهومها، ولَـمَّا كانت «الغايةُ» آخِرَ الشيءِ، وآخرُ الشيءِ طَرَفُهُ ناسَب اعتبارَ حيثيةِ الطَّرَفِ في مفهومِهِ.
إذا علمتَ هذا فقول الشارح «ودليلُ اعتبارِ كل حيثيةٍ» أي: من الأخيرتين لِـمَا علمتَ أنه لم يذكر وجه اعتبار الأوليين
قيل الأَوْلَى للشارح أن يقول «ووجه اعتبار كل حيثية..إلخ» لأن الدليل إنما يذكر في مقام الإنكار ولا مُنْكِرَ هنا، اللهم إلا أن يقال إنه قد تخيل مُنْكِرًا فلذا عبر بـ«دليل» اهـ.
وفيه أن المنكر موجود، فإن بعضهم ذهب لترادف الغرض والعلة
على أن الدليلَ بمعنى العلَامة والأمارة فمِنْ أين لا يستعمل إلا في مقام الإنكار، تأمل.
قوله: ((إضافتهم)) خبرُ «دليلُ» لا نائبُ فاعلِ «اعتُبرَتْ»، والضميرُ للعلماء.
قوله: ((والعلة الغائية بالعكس)) مبتدأٌ وخبرٌ، والجملةُ حالِيَّةٌ أي: و«العلة الغائية» ملتبِسَةٌ بعكس «الغرض» أي: أضافوها للفعل دون الفاعل حيث قالوا «علةُ الفعل كذا»
ويصح جعل «العلة» عطفا على «الغرض»، و«بالعكس» متعلقٌ بحالٍ محذوفةٍ أي: وإضافتُهم العلةَ الغائيةَ حالةَ كونها ملتبسةً بعكسِ الغرضِ لإضافتِهم لها للفعل دون الفاعل.
قوله: ((فالأولان ... إلخ)) الفاء فاء الفصيحة لأنها مفسِّرة لشرط مقدَّر ومفصِحة عنه أي: إذا عرفتَ النسبةَ بين الأولين والنسبةَ بين الأَخِيرَيْنِ وأردتَّ النسبةَ بين الأَوَّلَيْنِ والأَخِيرَيْنِ فالأوَّلانِ..إلخ.
قوله: ((مطلقا)) أي: عموما مطلقا أي: في جميع الاستعمالات أي: إن كلَّ واحدٍ من الأولين أعمَّ من كل واحد من الأخيرين مطلقا وكلَّ واحد من الأخيرين أخص من كل واحد من الأولين مطلقا، وذلك لأنه قد تَحْصُلُ مصلحةٌ مترتبة على الفعل ولا تكون مقصودةً للفاعل من الفعل ولا باعثةً له عليه وذلك كالحفر لأجل الماءِ فيوجدُ كَنْزٌ فقد تحقق في ذلك الكَنْزِ الأمران الأوَّلان دون كل واحد من الأخيرين.
فإن قلتَ: بل بينهما العموم والخصوص الوجهي، إذ قد يوجد الأَخِيرَانِ دون الأَوَّلَيْنِ كما لو كان المقصودُ بالحفر الماءَ فحَفَرَ ولم يجد شيئًا فقد تحققَ الأخيران في هذا الماءِ دون الأولين.
قلتُ: هذا لا وُرُودَ له؛ لأن مَوْرِدَ القسمةِ {المصلحةُ الحاصلةُ بالفعلِ}، والماءُ في هذه الصورة لا يُطْلَقُ عليه واحد منهما.
قوله: ((إذ ربما ... إلخ)) فيه أن هذا الدليلَ قاصرٌ لا يُنْتِجُ المُدَّعَى، وذلك لأن المُدَّعَى أربعةُ أمورٍ
كونُ الفائدةِ أعمَّ من الغرضِ ومن العلةِ الغائيةِ وهاتان دعوتان
وكونُ الغايةِ أعمَّ من الغرضِ ومن العلةِ الغائيةِ وهاتان دعوتان أيضًا
والدليلُ قاصر على واحدة وهي كون الفائدة أعم من الغرض، فلو قال الشارح «إذ ربما يترتب على الفعل فائدة أو غاية لا تكون مقصودةً لفاعله ولا باعثةً على الفعل» كان أَوْلَى،
وقد يجاب بأن الشارح اقتصر في الدليل نظرًا للتلازم؛ لأنه يلزم من كون الفائدة أعم من الغرض أن تكون أعم من العلة الغائية لتلازم حيثيتهما فيلزم من كون المصلحة غير مقصودة للفاعل أن لا تكون باعثة على الفعل، فقد وجدت الفائدة دون الغرض والعلة الغائية، وإذا كانت الفائدةُ أعم منهما فالغاية كذلك، وذلك لما علمتَ من تلازمِ حيثيتهما، فتأمل.
قوله: ((وأما حمل ... إلخ)) عطفٌ على مقدَّرٍ أي: أَمَّا حال الطرفين فقد عُرِفَ، وأمَّا حَمْلُ..إلخ، وإنما أَخَّرَ الكلامَ على الحَمْلِ بعدَ الكلامِ على الموضوعِ والمحمولِ؛ لأنه لا يتحققُ إلا بهما معًا فصارَ الحَمْلُ مع الموضوع والمحمول بمنزلةِ المركَّبِ مع المفردِ، والمفردُ مقدَّمٌ على المركبِ طبعًا، وكذا ما هو بمنزلةِ المركبِ فناسَبَ أن يقدم الكلام عليه وَضْعًا.
قوله: ((على ما أشير ... إلخ)) أي: على العبارات الذهنية التي أُشِيرَ إليها بـ«ذي» مِنْ «هذه».
قوله: ((فحقيقةٌ)) أي: عقليةٌ.
قوله: ((لغةً وعرفًا)) فيه أن الأَوْلَى إسقاطُهُما وذلك؛ لأن الحقيقةَ اللغويةَ والعرفيةَ إنما يكونان في المفردِ لا في الجملِ والإِسْنَادِ، لأن الذي يكونُ فيه إنَّما هو الحقيقةُ العقليةُ،
وأُجِيبَ بأن هذا إنما جاءَ من جَعْلِ قوله «لغةً وعرفًا» منصوبين على نَزْعِ الخافِضِ أي: فحقيقةٌ في اللغةِ وفي العُرْفِ، ونحنُ نتخلص من هذا بجعلهما منصوبين على الحال من «فائدةٌ» أو على التمييزِ لها والأصلُ وأمَّا حملُ الفائدةِ حالَ كون المرادِ بها المعنى اللغويَّ أو العرفيَّ أو من جهةِ المعنى اللغويِّ أو العرفيِّ على الألفاظ الذهنية فحقيقةٌ عقليةٌ.
والحاصِلُ أنَّ الحَمْلَ حقيقيٌّ سواءٌ حُمِلَتِ الـ«فائدةُ» على المعنى اللغويِّ لها أو المعنى العرفيِّ كما بَيَّنَهُ بعدُ.
قوله: ((إذ العبارات في أنفسها فائدةٌ)) أي: حقيقةً، وإذا كانت العباراتُ الذهنيةُ فائدةً حقيقةً كان حَمْلُ الفائدةِ عليها حقيقةً؛ لأنه من إسنادِ الشيءِ لمن هو له فتَمَّ ما ادَّعاهُ مِنْ أَنَّ الحَمْلَ حقيقةٌ عقليةٌ.
فإن قلتَ المدَّعَى أن الحملَ حقيقةٌ، وقد أُخِذَ ذلك المدَّعَى جزءًا من الدليلِ حيث قيل «إذ العبارات في أنفسها فائدةٌ» لعل سقط أي كما سيأتي حقيقةً، وأَخْذُ المدَّعَى جزءًا من الدليل مُصادَرَةٌ على المطلوب وهي مُبْطِلَةٌ للدليلِ
والجواب أن المراد من الحقيقتين مختلِفٌ، وذلك لأن المرادَ بالحقيقةِ الأُولَى في قوله (أما حَمْلُ الـ«فائدةُ» على العبارات المشار إليها بـ«هذه» فحقيقةٌ) الحقيقةُ في حُكْمِ المتكلم وقولِهِ (إذ العباراتُ في أنفسها فائدةٌ) أي حقيقةً يعني باعتبارِ نفسِ الأَمْرِ، فليس المأخوذُ في الدليلِ نفسَ الدَّعَوَى بل غيرُها.
قوله: ((أما باعتبار اللغة فظاهر)) أي: أما كون العبارات الذهنية فائدةً حقيقةً باعتبار المعنى اللغويِّ للفائدةِ فظاهرٌ، وذلك لأن الفائدةَ في اللغةِ ما استُفِيدَ من مالٍ أو عِلْمٍ أو غيرِهِما، والألفاظُ الذهنيةُ عِلْمٌ مُحَصَّلٌ ومُسْتَحْدَثٌ، وجَعْلُ العباراتِ عِلْمًا مبنيٌّ على مذهب المناطقة من تعريفه بالصورة الحاصلة في الذهن، والألفاظُ الذهنيةُ صورةٌ للألفاظِ الخارجيةِ ضرورةَ أن صورةَ الشيءِ مِثالُهُ، والألفاظُ الذهنيةُ على مِثَالِ الخارجيةِ، أمَّا على مذهب المتكلمين من أنه الاعتقادُ الجازِمُ المُطَابِقُ للواقع عن دليلٍ فليست من العِلْمِ.
قوله: ((وأما باعتبار العرف)) أي: وأما كونُ العباراتِ الذهنيةِ فائدةً باعتبارِ المعنى العرفي للفائدةِ.
قوله: ((فلأنها)) أي: العباراتِ الذهنيةَ.
قوله: ((على تصحيح حروفها)) المرادُ بتصحيح حروفها ترتيبُها في الذهنِ على وجهٍ مماثلٍ لترتيبِها في الخارج، والمرادُ بحروفها الحروفُ الذهنيةُ؛ لأن الكلمات الذهنية مركبةٌ من حروفٍ ذهنيةٍ أي: أَنَّ العباراتِ الذهنيةَ مصلحةٌ مترتبةٌ على ترتيب حروفِها الذهنيةِ في الذهن تَرَتُّبًا لو ظَهَرَ في الخارج أي: في اللفظ لأَفَادَ.
قوله: ((وإخراجها)) أي: الحروفِ الذهنيةِ ((عن مَحَلِّها)) وهو الحافظةُ إلى الذهنِ
والحاصل أن الحروف الذهنية تُرَتَّبُ أَوَّلاً في الحافظة ثم تُخْرَجُ من ذلك المحل إلى الذهن وهو القوة العاقلةُ ثم تُخْرَجُ بعد ذلك إلى الخارج أي إلى خارج المَشَاعِرِ الباطِنَةِ كالحافظةِ والعاقلةِ.
فإن قلتَ: إن المتكلم قد يتكلم بالكلام ولا شُعُورَ له بهذا الترتيبِ والإخراجِ.
قلتُ: هو قائمٌ به وإن لم يُدْرِكْهُ ولم يَشْعُرْ به.
ونازع بعضُهم في هذا الترتيب والإخراج قائلا «إن هذا الشيءَ لا أصلَ له».
قوله: ((ويجوز ... إلخ)) عطفٌ على قوله «فحقيقةٌ» عطفُ جملةٍ فعليةٍ على اسميةٍ، وهذا الاحتمالُ مَبْنِيٌّ على أن المرادَ بالـ«فائدةُ» المعاني،
وحاصله أن الفائدةَ اسمٌ للمعاني فحقُّها أن تُسْنَدَ إلى المعاني؛ لأن الخبرَ عينُ المبتدأِ في المعنى، فإسنادُها للألفاظِ المُشَارِ إليها بـ«هذه» مجازٌ في الإسنادِ؛ لأنه من إسنادِ الشيءِ إلى سببِهِ؛ لأن الألفاظَ الذهنيةَ تُوصِلُ المعانيَ لذهن السامع إذا بَرَزَتْ من الذهنِ للخارج.
واعلم أن ما تقدم من أن الحَمْلَ حقيقةٌ عقليةٌ مبنيٌّ على أن المرادَ بالـ«فائدةُ» الألفاظُ المخصوصةُ الدالةُ على المعاني المخصوصةِ، وما هنا من أن الحَمْلَ مجازٌ عقليٌّ مبنيٌّ على أن المرادَ بالـ«فائدةُ» المعاني كما مَرَّ، وهما احتمالان من احتمالاتٍ سبعةٍ في المُسَمَّى بأسماءِ الكتبِ كما تقدَّم.
وإذا علمتَ ذلك علمتَ أنه لا مُنافَاةَ في كلام الشارح حيث جَعَلَ الحَمْلَ أَوَّلا حقيقةً ثم جَوَّزَ كونَهُ مجازًا.
قوله: ((أن يكون)) أي الحملُ، والمرادُ به الإسنادُ فيصير المعنى ويجوز أن يكون الإسناد مجازا في لإسناد ولا محصل له و يجاب بأن الإسناد في كلامِهِ جزءُ عَلَمٍ فكأنَّهُ قال «ويجوزُ أن يكون الإسنادُ هنا مسمًّى بهذا الاسمِ وهو المجازُ في الإسنادِ» ويسمى مجازًا عقليًّا وحُكْمِيًّا.
فإن قُلْتَ: هذا المجاز عند الخطيب خاص بإسناد الفعل أو معناه لملابِسٍ له غيرِ ما هو له، والمسندُ لاسمِ الإشارةِ هنا ليس فِعْلا ولا في معنَى الفعلِ بل عَلَمٌ.
قلتُ: هو في معنى الفعل بالنظر لأَصْلِهِ؛ لأنه اسمُ فاعلٍ في الأصل كما مَرَّ.
قوله: ((مدخلا في حصول الفائدة)) أي: في حصول المعاني؛ لأن مَنْ وَقَفَ على تِلْكَ العباراتِ واستَحْضَرَهَا تَرَتَّبَ له على ذلك الوقوفُ على المعاني التي تَضَمَّنَتْهَا تلك العباراتُ.
قوله: ((تشتمل)) أي: تنحصرُ في «مقدمة».
قوله: ((إما خبر بعد خبر)) أي: سواءٌ اعتُبِرَتِ الـ«فائدةُ» اسمَ جنسٍ كما هو أصلُها أو عَلَمَ جنسٍ أو عَلَمَ شخصٍ كما هو حالُها الآنَ.
قوله: ((أو حال)) أي: من «فائدةٌ» بِنَاءًا على أنها عَلَمُ جنسٍ؛ إذ عَلَمُ الجنسِ مَعْرِفَةٌ، والجُمَلُ بعد المعارف أحوالٌ، أو من المبتدأ على رَأْيِ مَنْ جوَّزَ ذلك، أو مِنَ الضميرِ في «فائدةٌ» بالنظر لأصلِها وأنَّها اسمُ فاعل.
قوله: ((أو صفة لـ«فائدةٌ»)) أي: بالنظر لأصلها من أنها اسمُ فاعلٍ نكرةٌ، وإلا فهي الآنَ معرفةٌ، والجُمَلُ إنما تكونُ صفاتٍ بعدَ النَّكِراتِ.
قوله: ((والمراد...إلخ)) هذا جوابٌ عما يقالُ إن «المقدمة والتقسيم والخاتمة» عينُ الفائدةِ، وحينئذ فاشتمالُ الفائدةِ على الثلاثة من اشتمال الشيء على نفسِهِ.
وحاصلُ الجوابِ أن كل واحد من الثلاثة يلاحَظ على حِدَةٍ، والفائدةَ تلاحَظ هيئةً اجتماعيةً، وحينئذ يكون اشتمالها على الثلاثة من اشتمال الكل على أجزائه أي على كل واحد من أجزائه لا على جملتها لئلا يعود المحظور وهو اشتمال الشيء على نفسه، وما ذكره الشارح مبنيٌّ على ما صَدَّرَ به من أن المراد بالـ«فائدةُ» العباراتُ الذهنيةُ، وكذا المقدمةُ وأَخَوَيْهَا.
أمَّا على ما نَبَّهَ عليه بقوله «ويَجُوزُ...إلخ» من أن الـ«فائدةُ» اسمٌ للمعاني فكذلك إن أريد بـ«المقدمة وأخويها» المعاني أيضًا، فإن أريد بها العباراتُ كان المراد أنها تشتمل عليها اشتمال المدلول على الدَّالِّ كنايةً عن إحاطةِ المعاني بالعبارات بحيث لا يَعْتَرِيهَا حَشْوٌ، وإن أريد عكسُ ذلك كان من اشتمال الدالِّ على مدلولِهِ.
قوله: ((وجه الترتيب)) اعتُرِضَ بأن الأَوْلَى أن يقول «وجهُ الاشتمالِ والحَصْرِ في هذه الثلاثةِ» لأنه المُدَّعَى، وأمَّا الترتيبُ فقد عُلِمَ من وَضْعِهِ من حيث التقديمُ والتأخيرُ، وهذا ليس مقصودًا.
وأجيب بأن مرادَ الشارح وجهُ الاشتمالِ مُرَاعًى فيه الترتيبُ.
قوله: ((في هذه الرسالة)) الملائمُ لقول المصنف «هذه فائدةٌ» أن يقولَ في هذه الفائدة، وسَبَقَ الاعتذارُ عنه.
قوله: ((من العبارات)) بيانٌ لـ«ما» وفيه أن الرسالةَ عينُ العباراتِ الذهنيةِ، وحينئذٍ فما معنى الظرفيةِ وما معنى قوله «يَذْكُرُ» مع أن الذِّكْرَ لا يتعلَّقُ بها بل بالألفاظِ الخارجيةِ، اللهم إلا أن يقال أنه أراد بالرسالة معناها في العُرْفِ وهو الكاغد، وقولُهُ «من العبارات» أي من دالِّها وهو الألفاظُ الخارجيةُ؛ لأنها كما تدل على المعاني تدل على الألفاظِ الذهنيةِ، والمعنى حينئذ أن ما يُذْكَرُ من دَالِّ العباراتِ الذهنيةِ في هذه الرسالةِ أي الكاغد إما أن يكون...إلخ.
قوله: ((إما أن يكون)) أي: إما ذو أن يكون؛ لأن الكونَ المذكورَ ليس نفسَ العباراتِ بل صفةٌ لها، وقيل لا حاجةَ لذلك؛ لأنهم فَرَقُوا بين المصدر الصريح والمؤول، فمنعوا حَمْلَ الأول على اسم الذات دون الثاني.
قوله: ((لإفادة المقصود)) أي: لإفادة المصنِّفِ المعانيَ المقصودةَ من الرسالةِ فهو من إضافةِ المصدرِ لمفعوله بعد حَذْفِ فاعِلِهِ
والمعاني المقصودةُ من الرسالةِ بيانُ أوضاعِ الموصولاتِ وأسماءِ الإشاراتِ والضمائرِ والحروفِ والفعلِ ومعانيها.
وقولُهُ «إما أن يكون لإفادة المقصود» أي: لإفادة جميع المقصود أو لإفادة جميع ما يتعلق بالمقصود، فاندفع الاعتراضُ بأن بعضَ التقسيمِ يُذْكَرُ في هذه الرسالةِ لإفادةِ ما يتعلَّقُ بالمقصودِ وبعضَ كُلٍّ من الأَخِيرَيْنِ يُذْكَرُ لإفادةِ ما يتعلق بالمقصود مع أن الأول لا يسمى تقسيمًا والثانيَ لا يسمى مقدمةً والثالثَ لا يسمى خاتمة.
قوله: ((إذ الخارج ... إلخ)) علةٌ لحصر العبارات المذكورة في هذه الرسالة في الأمرين أي وإنما كانت منحصرةً في الأمرين فقط لأن...إلخ.
قوله: ((فإن كان الأول ... إلخ)) اسمُ «كان» ضميرٌ عائد على «ما يُذْكَرُ في الرسالة» أي: فإن كان المذكورُ فيها الأولَ أي: المفيدَ للمقصودِ منها فهو التقسيمُ، وإنما كان كذلك لأن المقصود من الرسالة بيانُ أوضاعِ الموصولاتِ وأسماءِ الإشارةِ والضمائرِ والحروفِ والفعلِ، وهذه إنما بُيِّنَتْ في التقسيم.
قوله: ((وإن كان الثانيَ)) أي: وإن كان ما يذكر في هذه الرسالةِ الثانيَ أي: ما يكون لإفادة ما يتعلق بالمقصود.
قوله: ((فإن كان ... إلخ)) أي: ففيه تفصيل ((فإن كان ذلك التعلق..إلخ)) أي: فإن كان صاحبُ ذلك التعلقِ تعلقه تعلق السابق..إلخ.
قوله: ((من حيثُ الإعانةُ)) أي: لا من حيث التبركُ كالبسملة أي: من أَجْلِ الإعانةِ..إلخ فالحيثيةُ للتقييد.
قوله: ((في الشروع)) «في» بمعنى «على» متعلقة بـ«الإعانة» لأن الاستعانةَ والإعانةَ وما تَصَرَّفَ منهما إنما تتعدى للمستعان عليه بـ«على»، وإنما لم يُعَبِّرْ بها دفعًا لثقل التَّكرار مع «على» في قوله «على وجه البصيرة».
قوله: ((على وجه البصيرة فيه)) «على» و«في» متعلقان بـ«الشروع»، وضميرُ «فيه» لـ«اللاحق»، والمرادُ بـ«البصيرةِ» التبصُّرُ أي: الإدراكُ التامُّ، وإضافةُ «وجه» لـ«البصيرة» للبيان أي: على وجهٍ هو التبصر أي الإدراكُ التامُّ.
قوله: ((وإن كان تعلق اللاحق بالسابق)) أي: وإن كان صاحبُ التعلقِ تَعَلَّقَهُ تعلقَ اللاحقِ بالسابقِ
وقوله: «فهو الخاتمة» أي: فصاحبُ ذلك التعلق هو الخاتمة.
قوله: ((أي: من حيث زيادة التوضيح)) أي: من حيث التوضيحُ الزائدُ للسابقِ والتكميلُ له، خَرَجَ ما يُذْكَرُ للتبرك كخَتْمِ المؤَلِّفِ بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: ((والمقدمة في اللغة)) أي: وتفسير المقدمة أي: تفسير هذا اللفظ
وقولُهُ: «من قَدَّمَ» أي: مأخوذةٌ من «قَدَّمَ..إلخ».
إن قلت: إن الكلامَ بِصَدَدِ تفسير الكلمة وبيانِ معناها لا بصدد اشتقاقها، وما ذكره إنما يفيد من أي شيءٍ اشتُقَّتْ
والجوابُ أنه يلزم من بيانِ الاشتقاقِ بيانُ المعنى، لأن بيانَ الاشتقاقِ مفيدٌ لبيان المعنى بالدليلِ، لأنه حيثُ كانت المقدمةُ مأخوذةً من «قَدَّمَ» بمعنى تَقَدَّمَ كانت المقدمة بمعنى المتقدِّمة، فما صَنَعَهُ الشارحُ مفيدٌ لأمرين: بيان مأخذها وبيان معناها بخلاف ما لو تعرض لبيان المعنى ابتداءًا فرُبَّما يُنازَعُ فيه إذ لا دليلَ عليه.
قوله: ((بمعنى تقدم)) لم يقل أي: «تَقَدَّمَ» لأن المتبادَر من لفظِ «قَدَّمَ» قَدَّمَ غيرَهُ، وتفسيرُه بـ«تَقَدَّمَ» فيه خفاءٌ فلِذَا أَتَى بما ذَكَرَ وإن كان وَصْفُ «قَدَّمَ» باللزوم يَدْفَعُ الخفاءَ لكن قد يُغْفَلُ عن ذلك الوصفِ.
بَقِيَ شيءٌ آخَرُ وهو أن كلامَهُ يُوهِمُ أن «تَقَدَّمَ» لا يكون إلا لازمًا مع أنه قد يَجِيءُ متعدِّيًا نحو: «زيد تقدَّمَهُ عمرٌو»
وأجيب بأن هذا من الحَذْفِ والإيصالِ، والأصلُ تَقَدَّمَ عليه عمرٌو.
قوله: ((أو المتعدي)) أي: أو من قَدَّمَ المتعدِّي نحو: «قَدَّمَ زيدٌ عمرًا» أي: جعلَهُ متقدمًا
واعلم أنه على أَخْذِها من اللازم تكون بكسر الدَّالِ لا غَيْرُ، لأن اسمَ الفاعلِ يُصَاغُ من اللازمِ والمتعدِّي واسمَ المفعول لا يُصاغ من اللازم بل من المتعدِّي
وعلى أَخْذِها من المتعدِّي يصح كَسْرُ الدَّالِ وفتحُها على معنى أنها مُقَدِّمَةٌ مَنْ فَهِمَهَا على غيرِه أو مُسْتَحِقَّةٌ لِـمَا اشتملتْ عليه من الفوائدِ أن يُقَدِّمَهَا الغيرُ
وذَكَرَ بعضُهم أن الفتحَ قليلٌ لإيهامِهِ عدمَ استحقاقِها التَّقَدُّمَ بالذاتِ، ولِذَا لم يَتَعَرَّضْ له الشارحُ فيما يأتي.
قوله: ((وفي الاصطلاح)) أَيِ: اصطلاحِ الأُدَبَاءِ وهم علماءُ المعقولِ.
قوله: ((عبارة)) أي: مُعَبَّرٌ بها ((عن ما)) أي: عن مَعَانٍ، وذَكَّرَ الضميرَ في «عليه» باعتبار لفظِ «ما»
والمعاني التي يَتَوَقَّفُ عليها الشروعُ في العِلْمِ كـ«تعريفه، وبيانِ موضوعِهِ، وغايتِهِ»، وهذه مقدمةُ العلمِ، وليست مرادةً هنا في كلام المصنف بل المراد مقدمةُ الكتابِ، وهي اسم لطائفة من الألفاظ قُدِّمَتْ أمامَ المقصود لارتباطٍ له بها وانتفاعٍ بها فيه، فالنسبةُ بين المُقَدِّمَتَيْنِ التباينُ، لأن إحدَاهما معانٍ والأخرى ألفاظٌ
وإنَّما جعلنا «ما» واقعةً على معانٍ لا على ألفاظٍ لقوله: «يتوقف..إلخ» فالتوقفُ في الشروع إنما يكون على مقدمةِ العِلْمِ وهي معانٍ.
إن قلتَ: إن الشروع في العلم لا يتوقف على المعاني المذكورةِ
قلتُ: المرادُ بقوله «ما يتوقف عليه الشروع» أي تمامُ الشروعِ لا أصلُهُ.
قوله: ((والمناسبة)) أي: بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي.
قوله: ((ظاهرة)) أي: غير خَفِيَّةٍ بل فيها نوعُ ظهورٍ فيُحتاجُ معه للتعليل، فلا يقالُ إذا كانت ظاهرةً فلا حاجةَ للتعليل بقوله «لتقدمها..إلخ» أو يقالُ إن هذا تنبيهٌ لا دليلٌ، والأمورُ الضروريةُ قد يُنَبَّهُ عليها لِـمَا يلحقُها من غَفْلَةِ بعضِ الأذهانِ عنها.
قوله: ((لتقدمها)) أي: المعاني المدلولةِ لها.
وقوله «في الذُّكْرِ» بضم الذال أي: التذكر والتعقل أو بالكسر بمعنى التعبير أي: بدَالِّها، وهذا توجيهٌ للمناسبة بين المعنيين على أَخْذِهَا من اللازمِ.
قوله: ((أو لتقديمها)) أي المعاني المدلولةِ لها ((الطالبَ)) على غيرِهِ، وهذا توجيهٌ للمناسبةِ بين المعنيين على أَخْذِهَا من المتعدِّي مكسورةَ الدَّالِ
أمَّا على أخذها منه مَفْتُوحَتَهَا فَوَجْهُ المناسبةِ تقديمُ الطالبِ لها، ولم يَذْكُرْهُ لإيهامِه عدمَ استحقاقِها التقدُّمَ بالذات كما تقدَّم.
قوله: ((في الشروع)) متعلق بالـ«تقديمِ»
وقولُهُ «بالذات أو بالواسطة» متعلق بـ«المقاصد» أي: إن المعانيَ المدلولةَ للفظ «مقدمة» وهي مقدمةُ العِلْمِ تُقَدِّمُ الطالبَ على غيرِهِ في الشروع في المقاصد كانت تلك المقاصدُ مقصودةً بالذاتِ كـ«التقسيم» أو بالواسطة كـ«الخاتمة»، فمُحَصَّلُهُ أن مقدمةُ العلم تُعِينُ فيهما
واعتراضُ شيخنا الحَفْنِيّ على الشارح إنما جاء من جعل قوله «بالذات أو بالواسطة» متعلِّقا بالـ«تقديم» لا بـ«المقاصد» كما قلنا، وإلا فلا اعتراضَ.
قوله: ((والمراد ... إلخ)) هذا إشارةٌ إلى أَنَّ ما ذَكَرَهُ من المعنيين لـ«الفائدة» اللغويِّ والاصطلاحيِّ عامٌّ والمرادُ هنا خاصٌّ
وتوضيحُهُ أن لفظَ «مقدمة» كلي تحته جزئيات سواءٌ كانت بالمعنى اللغوي أو الاصطلاحي، لأن معناها لغةً عباراتٌ تَقَدَّمَتْ أمامَ المقصود واصطلاحًا معانٍ يتوقف الشروع عليها في العِلْمِ، وكلاهما كليٌّ، وهذه المقدمة المذكورة في هذا الكتاب جزئية من جزئيات المقدمة الكلية، لأَنَّ المذكورَ هنا إما عباراتٌ مُعيَّنةٌ متقدِّمةٌ أمامَ المقصودِ أو مَعَانٍ مُعيَّنةٌ يتوقف عليها الشروعُ في العِلْمِ
إذا عَلِمَتَ هذا فَلَنَا احتمالاتٌ أربعةٌ، وذلك لأنه إن لُوحِظَ أن المقدِّمةَ في الأصل أَلْفَاظٌ قُدِّمَتْ أمامَ المقصودِ ولاحظنا أن المقدمة هنا مراد بها ألفاظ معيَّنة قدمت أمام المقصود كان إطلاقُ «مقدمة» الذي هو كلي على هذا الجزئي من قبيل إطلاق اسم الكلي على بعض جزئياته
وكذا إن لُوحِظَ أَنَّ المُقَدِّمَةَ في الأصلِ اسمٌ لمعانٍ يتوقفُ عليها الشروعُ في العِلْمِ وقلنا المرادُ منها مَعَانٍ مُعيَّنةٌ
فإن لُوحِظَ أن المقدمة في الأصل اسم للألفاظ المُقَدَّمَةِ على المقصودِ وأُرِيدَ منها معانٍ مخصوصةٍ كان من قبيل إطلاق اسم الدَّالِّ على بعض المدلول أي على جزئي من جزئيات المدلول، وذلك لأن لفظ «مقدمة» مدلولُه ألفاظٌ مُطْلَقَةٌ مدلولُها معانٍ مُطْلَقَةٌ فأُطْلِقَ لعلها وأطلق لفظ «مقدمة» وهو اسم الدَّالِّ على جزئي من جزئيات المدلول
وإن لوحظ أن المقدمة في الأصل اسم لمعان مطلقة يتوقف عليها الشروع في العلم وأريد منها هنا ألفاظ مخصوصة كان من إطلاق اسم المدلول على بعض جزئيات الدَّالِّ
وأشارَ الشارحُ للاحتمالين الأولين وهما تقديرُ أَنْ يُرَادَ بكلٍّ من مطلقِ المقدِّمَةِ والمقدِّمَةِ هنا العباراتُ أو المعاني بقوله «بأن يكون من قبيل إطلاق الكل على بعض جزئياته»
وأشار بقوله «أو إطلاق اسم المدلول..إلخ» للاحتمالِ الرابعِ وهو تقدير أَنْ يُرَادَ بمطلق المقدمة المعاني وبالمقدمة هنا عباراتٌ مخصوصةٌ لاستعمالِ ما هو موضوع لمطلق المعاني في عباراتٍ مخصوصةٍ
ولم يَتَعَرَّضِ الشارحُ للاحتمالِ الثالثِ وهو أن يراد بمطلق المقدمة العباراتُ وبالمقدمةِ هنا معانٍي مخصوصةٌ، وعليه فيكون من إطلاق اسم الدَّالِّ على بعض مدلولِهِ.
قوله: ((المعاني المخصوصة أو العبارات المعينة)) وَصْفُ «المعاني» بـ«المخصوصةُ» و«العباراتُ» بـ«المعيَّنةُ» تَفَنُّنٌ، وأنتَ خبيرٌ بأن المناسبَ لِـمَا ذَكَرَهُ أَوَّلا من جَعْلِ المُشَارِ إليه بـ«هذه» العباراتِ الذهنيةَ أن يكون المرادُ بـ«المقدمةِ» هنا التي هي جزءُ ذلك المشارِ إليه العباراتِ المعيَّنةَ فقط، فكان الأَوْلَى للشارح أن يَقُولَ «والمراد بالمقدِّمَةِ هنا العباراتُ المعيَّنةُ» ويَحْذِفَ «المعاني المخصوصةُ»
ولعل الشارح أشار بهذا الترديد إلى أن المشارَ إليه بـ«هذه» لا يَتَعَيَّنُ حملُهُ على العباراتِ الذهنيةِ بل يَجُوزُ أن يراد بها المعاني أيضًا فيكون ما ذَكَرَهُ أَوَّلا مَبْنِيًّا على الرُّجْحَانِ لا على التعيين أو أَشَارَ بالترديد إلى ما ذَكَرَهُ ثانيًا من أنه يَجُوزُ أن يُرَادَ بالـ«فائدةُ» المعاني ويكونُ الحَمْلُ إِسْنَادًا مَجَازِيًّا.
قوله: ((على مقدمة)) بدلٌ مِنْ «ما» أو عطفُ بيانٍ عليه.
قوله: ((فهو سهو)) خبر عن «ما» وقَرَنَهُ بالفاء لمشابهةِ الموصولِ الواقعِ مبتدأً لاسم الشرط في العموم.
وفي الحكم على «ما وقع في بعض النسخ» بالسهو تَجَوُّزٌ، إذ هو ناشيءٌ عن السهو لا أن نفسه سَهْوٌ.
قوله: ((من قلم الكاتب)) نَسَبَ السهوَ للقلم الذي لا شعورَ له مُبالغةً في بطلان ما وقع في بعض النسخ أي: إنه لظهور بطلانه لا ينبغي أن يقع من عاقل ولو على سبيل السهو بل لا ينبغي أن يَصْدُرَ من غير العاقل إلا على سبيل السهو.
قوله: ((إذ التنبيه ... إلخ)) هذا دليلٌ من الشكلِ الأول مُثْبِتٌ للمطلوبِ وهو عَدَمُ صحةِ ما في بعضِ النُّسَخِ، وقد حَذَفَ الشارحُ من هذا الدليلِ موضوعَ الكبرى والنتيجةَ، والأصلُ التنبيهُ جزءٌ من المقدمةِ وكل ما كان كذلك، فلا معنى لِعَدِّهِ جُزءًا مستقلًّا، يُنْتِجُ «التنبيهُ لا معنى لِعَدِّهِ جزءًا مستقلا»
لكن لك أن تمنع هذا الدليلَ مَنْعًا تفصيليًّا، وحاصله أن قوله في الصغرى «التنبيهُ جزءٌ من المقدمة» إن كان المراد أنه جزءٌ منها من حيث انفهامُهُ منها كانت الصغرى مسلمةً لكنَّ قولَهُ في الكبرى «وكل ما كان كذلك فلا معنى لِعَدِّهِ جزءًا مستقلا» لا يُسَلَّمُ لأن فَهْمَ الشيءِ من الشيء لا يمنع من عَدِّهِ جزءًا مستقلا، ألا ترى أن الخاتمة مفهومةٌ من التقسيم كما يأتي للشارح وقد عَدَّهَا المصنفُ جزءًا مستقلا
وإن أراد بقوله في الصغرى «التنبيهُ جزءٌ من المقدمةِ» أي أنه جزءٌ من حيث الألفاظُ وأن المقدمة تشملُهُ مُنِعَتِ الصغرى وسُلِّمَتِ الكبرى.
فإن قلت على التقدير الأول هَلَّا عَرَّفَ المصنفُ الـ«تنبيهَ» كما عَرَّفَ «الخاتمةَ» مع أن كل واحد منهما تابعٌ لما قَبْلَهُ ومفهومٌ منه فالتنبيهُ مفهومٌ من المقدمةِ والخاتمةُ مفهومةٌ من التقسيم.
قلتُ: إن الخاتمةَ لَـمَّا كانت تابعةً للتقسيم الذي هو شريفٌ لأنه المقصود بالذات استحقت الشرف بتعريفها بخلاف الـ«تنبيه» فإنه تابعٌ للمقدمة التي هي وضيعةٌ لأنها ليست مقصودةً بالذات بل لِتُعِينَ على الوصول للمقصودِ فلَمْ تستحقَّ التعريفَ لعدم شرفها.
قوله: ((مبتدأ)) لم يَتَعَرَّضْ لجَعْلِهَا مفعولَ فعلٍ مَحْذُوفٍ أَيِ: اقْرَأْ مثلا، ولعلَّهُ لعدمِ ثبوتِ الروايةِ بالنَّصْبِ وإن جَازَ عَرَبِيَّةً.
قوله: ((أي: هذا الذي نشرع فيه)) أي: مِنَ الأحكام وما يَتَعَلَّقُ بها من بيانِ الوَضْعِ العامِّ لخاصٍّ بقوله «وذلك بأن يتعقل...إلخ» إن كانت المقدِّمةُ اسمًا للمعاني أو مِنَ الألفاظِ الدَّالَّةِ على الأَحْكامِ إن كانت اسمًا للألفاظِ.
قوله: ((أو بالعكس ... إلخ)) اعلم أنه إذا احتمل المَقَامُ حَذْفَ المبتدأ أو الخبرِ فاختُلِفَ في الأَوْلَى بِجَعْلِهِ محذوفًا، فذَهَبَ بعضُهم إلى أن الأَوْلَى جَعْلُ المحذوفِ هو الخبرَ وجَعْلُ المذكورِ هو المبتدأَ، لأن المبتدأَ هو الرُّكْنُ الأَعْظَمُ من رُكْنَيِ الإسنادِ فلا ينبغي حذفُهُ، وذَهَبَ بعضُهم إلى أَنَّ الأَوْلَى جَعْلُ المحذوفِ هو المبتدأَ وإبقاءُ الخبرِ لأنه هو المقصودُ بالإِفَادَةِ وذِكْرُ المبتدأِ عند عِلْمِهِ يُشْبِهُ أن يكون عَبَثًا.
هذه الحاشية بعد الحاشيتين الآتيتين قوله: ((فتأمل)) نسخة الشرح ونسخة حافظ تأمل أي: تَأَمَّلْ وَجْهَ عَدَمِ المُنَاسَبَةِ، وحاصِلُهُ أن قولَهُ: «المقدمةُ» ترجمةٌ وشَأْنُ الترجمةِ أن تكونَ مَقْطُوعَةً عن المتَرْجَمِ له، لأَنَّ المُتَرْجَمَ له أحكامٌ مقصودةٌ في أنفسها فلا يُناسِبُ جَعْلَهَا خَبَرًا عن شيءٍ مقطوعةٍ عنه أو أَنَّ ما بعد الترجمة قد يَطُولُ فيسأم انتظارُ تمامِ الفائدةِ.
قوله: ((وأما جعل ... إلخ)) هذا رَدٌّ على العصام المجوِّزِ لذلك
وقولُهُ (إلى قوله «التقسيمُ») أي: بإِخْرَاجِ الغَايَةِ.