المتن
الفريدة الثالثة
ذهب السكاكي إلى أنه إن كان المستعار له محققا حسا أو عقلا فالاستعارة تحقيقية وإلا فالاستعارة تخييلية، وستنكشف لك حقيقتها
الشرح
(الفريدة الثالثة: ذهب السكاكي إلى أنه إن كان المستعار له محققًا حسًّا أو عقلًا فالاستعارة تحقيقية) لكون المستعار له محققًا متيقنًا، (وإلا فتخييلية) لبناء المستعار له على التوهم والتخيل.
وهذا زبدة ما ذكره السكاكي، وإلا فالقسمة التي تستفاد من كلامه ثلاثية: تحقيقية، وتخييلية، ومحتملة لهما.
ولما كانت المحتملة لهما لا تخرج عنهما جعل مآل القسمة الانحصار في التحقيقية والتخييلية.
وإنما قال: (وستنكشف لك حقيقتها) -أي: التخييلية، وهي إثبات المشبه به للمشبه- إشارة إلى ما سيذكره من أنها القرينة للاستعارة المكنية كما في: أظفار المنية، فإن الأظفار استعملت في أمور تخيلت وتوهمت في المنية شبيهة بالأظفار بعد تشبيهها بالسبع، وتنزيلها منزلته، وإحالة على ما سيأتي من تزييفها بأنها تعسف؛ لأن القرينة حاصلة بمجرد إثبات الأظفار الحقيقية لها مجازًا، فتوهم صورة شبيهة بالأظفار فيها، واستعمال الأظفار فيها لتحصيل القرينة للمكنية خروج عن الطريق المستقيم.
الحاشية
(الفريدة الثالثة)
قوله (ذهب السكاكي إلخ) أما غيره فلا يقول بالتخييلية بهذا المعنى الذي ذكره السكاكي فالاستعارة التي هي قسم من المجاز اللغوي لا تكون عند غيره إلا تحقيقية وأما إطلاق الاستعارة على تخيلية السلف ومكنية الخطيب من الاشتراك اللفظي كما تقدم
قوله (محققا حسا) أي مدركا تحققه ووجوده بالحس بإن كان له وجود في العيان كالرجل الشجاع المستعار له الأسد وقوله (أو عقلا) أي أو مدركا تحققه ووجوده بالعقل بإن كان له وجود في نفس الأمر لا في العيان كدين الإسلام المستعاو له الصراط المستقيم في الأية
قوله (السكون المستعار له محققا متيقنا) الموافق لجعل المصنف قوله "حسا أو عقلا" تعميما لقوله "محققا" أن يكون قول الشارح "متيقنا" صفة كاشفة لقوله "محققا"، فيكون كل من قوله "محققا" وقوله "متيقنا" راجعا المحقق حسا والمحقق عقلا وأما ما قاله المحشي من أن قوله "محققا متيقنا" على اللف والنشر المرتب فلا يخلو من نظر لأنه يلزم عليه جعل المقسم الذي هو محققا قسيما لفرد منه وهو المحقق عقلا، والمراد بالمحقق المتيقن هما ما يشمل المظنون والمعتقد كما ستعرفه
قوله (وإلا فتخييلية) قال في التلخيص وفسر يعني السكاكي التخيلية بما لا تحقق لمعناه حسا ولا عقلا بل هو صورة وهمية محضة اهـ أي وصورة ويؤخذ منه أن المراد بالمحقق ما ليس صورة وهمية فيدخل في التحقيقية المجزوم والمظنون فسقط ما لممشي قاله يس.
أقول ظاهر إطلاقه المجزوم والمظنون شمولهما المطابق منهما للواقع وغير المطابق ولا بعد فيه وبقي الموهوم والمشكوك فيه وقد يقال الظاهر أن مآل أمر الستعبر فيهما أن يعتمد على التوهم والتخيل فيكونان من التخيلية فتأمل
قوله (والتخيل) كذا في رمض النسخ بتحتية واحدة وعليه يظهر ما قيل أنه عطف تفسير على التوهم دفع به توهم أن المراد الطرف المرجوح وفي بعض النسخ والتخييل بتحتيتين وهو أنسب بلفظ التخييلة والمراد به تخيل القوة المخيلة للإنسان والعطف عليه من عطف المسبب على السبب كما يفهم من توجه بعضهم جمع الشارح بين التوهم والتخيل وهو حسن وأحسن منه قول بعضهم إنما جمع بينهما لأن المستعاره أمرا خترعته المخيلة بإعمال الوهم إياها فإن للإنسان قوة شأنها تركيب المتفرقات وتفريق المركات إذا استعملها العقل تسمى مفكرة وإذا استعملها الوهم تسمى مخيلة فلما كان حصول هذا المعنى المستعار له باختراع المخيلة بسبب إعمال الوهم إياها جمع بين التوهم والتخيل وإنما سميت تخييلية ولم تسم توهمية اعتبارا للمباشر دون المتسبب
قوله (وهذا) أي التقسيم إلى قسمين
قوله (وإلا فالقسمة إلخ) أي أن لا نقل ما قاله المصنف زبدة ما ذكره السكاكي بأن قلنا أنه عينه لم يصح إذا القسمة إلخ
قوله (تحقيقية إلخ) أقول هذا خبر مبتدأ محذوف تقديره والأقسام الثلاثة تحقيقية إلخ ولا يصح كونه بدلا أو عطف بيان من ثلاثية كما لا يخفى على النبيه
قوله (ومحتملة لهما) بأن يكون المستعار له فيها من قبيل المحقق باعتبار ومن قبيل المتخيل باعتبار آخر فهي ذات وجهين باعتبارين مختلفين يدل على هذا المعنى عبارة المفتاح ونصها واحتمالية وهي أن يكون المشبه المتروك صالح الحمل تارة على ما له تحقق وتارة على ما ليس له تحقق اهـ فليس المراد بالمحتملة لهما ما كان المستعار له فيها مشكوكا فيه هل هو محقق أو متخيل حتى يرد اعتراض المحشي على قول الشارح ولما كانت المحتملة لهما لا تخرج عنهما بأن كون المحتملة لهما غير خارجة عنهما ليس بظاهر لأن المشكوك في كونها احداهما لا يصدق عليها أن المستعار له فيها محقق ولا أنه متخيل ومثال المحتملة
صَحا القَلبُ عَن سَلمى وَأَقصَرَ باطِلُه * وَعُرِّيَ أَفراسُ الصِبا وَرَواحِلُه
أراد أن يبين أنه ترك ما كان يرتكبه زمن المحبة من الجهل والغي وأعرض من معاودته فشبه في نفسه الصبا بجهة من جهات المسير كالحج والتجارة قضى منها الوطر فأهملت آلاتها ووجه الشبه الاشتغال التام وركوب المسالك الصعبة فهذه استعارة بالكناية وأثبت للصبا بعض ما يخص تلك الجهة أعني الأفراس والرواحل فالأفراس والرواحل يحتمل أن تكون استعارة تخيلية إن جعلت مستعارة لأمر وهمي شبه بالأفراس والرواحل الحقيقية مقدر ثبوته للصبا ويحتمل أن تكون استعارة تحقيقية إن جعلت مستعارة لأمر محقق حسا أعني الأشياء التي تكون أسبابا لاتباع الغي كالمال والمنال والأعوان أو عقلا أعني دواعي النفس وشهواتها والقوى الحاصلة لها في استيفاء اللذات
قوله (من أنها القرينة للاستعارة المكنية) المراد أنها تكون قرينة المكنية لا أنها عبارة عن قرينة المكنية فلا يفترقان وإن تبادر هذا من الشارح لأن السكاكي مصرح بأن التخييلية لا تستلزم المكنية بل قد توجد بدون المكنية كما في أظفار المنية الشبيهة بالسبع نشبت بفلان وبأن المكنية لا تستلزم التخييلة بل قد توجد بدون التخييلية بأن تكون قرينة المكنية أمرا محققاً كالإنبات في أنبت الربيع البقل والهزم في هزم الأمير الجند وبهذا رد السعد التفتازاني ما في التلخيص من حكاية الاتفاق على بطلان وجود المكنية بدون التخييلة
قوله (كما في أظفار المنية) يعني في المثال المشهور أي أظفار المنية نشبت بفلان وإلا فأظفار المنية في قولنا أظفار المنية الشبيهة بالسبع نشبت بفلان ليست قرينة المكنية فالإضافة للعهد كذا في المحشي.
وأقول هذا إنما يحتاج إليه إذا كان التمثيل للتخييلية بقيد كونها قرينة للمكنية وهو غير متعين بل يحتمل أنه تمثيل من الشارح للتخييلية عند السكاكي لا بهذا القيد فتدبر
قوله (استعملت إلخ) من جملة ما سيذكره المشار إليه
قوله (في المنية) ظرف لغو متعلق بالفعلين على التنازع أو مستقر حال من الضمير في أحدهما وحذف مثلها من الآخر لدلالته عليه لا في الفعلين على التنازع لأنه لا يجيء في الحال
قوله (شبيهة) نعت ثان لأمور وقوله (بالأظفار) أي الحقيقية وقوله (بعد تشبيهها) أي المنية ظرف لـ"استعملت"
قوله (وإلى ما يأتي من تزييفها) أقول لو قال ومن تزييفه لكفاه لإغناء قوله سابقا "إلى ما سيذكره" عن قوله هنا "إلى ما يأتي"
قوله (مجازا) متعلق بقوله إثبات أي مجازا عقليا
قوله (فتوهم إلخ) أي وإذا كانت القرينة حاصلة بمجرد الإثبات فتوهم إلخ وقوله (بالأظفار) أي الحقيقية، وقوله (فيها) أي المنية متعلق بتوهم أو حال من الأظفار
قوله (واستعمال الأظفار) أي لفظ الأظفار والظاهر أنه بالرفع عطفا على توهم وليس بالجر عطفا على شبيه لاقتضائه أن الاستعمال متوهم مع أنه محقق عنده
وقوله فيه أي الشبيه وقوله التحصيل إلخ علة للتوهم والاستعمال المذكورين وقوله خروج خبر عن توهم واستعمال وأفرده لأنه مصدر