قوله: ((إذا قلت بكلام إلخ)) ضَمَّنَ القولَ معنى التلفظِ والنطقِ فعدّاه بالباء أو هو متعلِّق بحالٍ محذوفةٍ أي: ناطقًا أو متلفظًا
ثم إن أريد بالكلام معناه اللغويُّ فكلا القيدين للاحتراز أو المعنى المصطلحُ عليه فالأولُ للتوضيحِ والثاني للاحترازِ، إذ يُخْرِجُ القيدُ الثاني ما أَخْرَجَهُ الأول، والتقييدُ لتعيينِ محلِّ المناظرةِ وللتنبيهِ على أن المؤاخذةَ إنما تتوجه على الكلام الخبري سواءٌ كان القائلُ ناقلاً أو مُدَّعِيًا، أما الثاني فظاهرٌ، وأما الأولُ فلأَنَّ المنقول محكيٌّ محضٌ لا تتعلق به المؤاخذةُ بل المؤاخذةُ إنما تتعلق بنفس النقل وهي جملةٌ خبرية، فعلى هذا قوله «ناقلا» بمعنى ناقلا فيه وقوله «مُدَّعِيًا» بمعنى مدّعيا فيه» لا بمعنى «ناقلا له»» أو «مدّعيا له»»، ولا يخرج عنه صورةٌ من صور النقل بل فيه تنبيه على محل المناظرة وهي النسبة التامةُ التي لا تتحقق إلا في الكلامِ الخبريِّ.
واعلم أن هذا التقييدَ إنما يُحْتَاجُ إليه إذا كانت كلمة «إذا»» لمعنى الكلية كما هومصطلح أهل المعاني من أن «إذا»» و«إن»» للكلية بناءً على مُتَفَاهَمِ عُرْفِ التَّخَاطُبِ، وكذا التقييداتُ الواقعةُ في قولِهِ «فيُطْلَبُ الصحةُ»».
وقوله «فالدليل»» وتلك التقييداتُ هي قول الشارح «إن لم تكن معلومة للطالب».
وقوله «إذا كان المطلوبُ نظريا وغيرَ معلومٍ...إلخ»» إنما يُحْتَاجُ إليها إذا كان كلمةُ «إن»» في قوله «إن كنت ناقلا»» والمقدَّرَةُ في قوله «أو مدعيا»» إذ تقديره «وإن كنت مدعيا» بمعنى الكلية، وأمَّا إذا كانتا للإهمال فلا حاجةَ إلى التقييد في شيءٍ من المواضع لكنَّ المناسبَ للمقامِ أن يُحْمَلَ الكلامُ على الكلية بناءً على ما صرح به الشيخ في الشفاء من أن مُهْمَلاتِ العلومِ كلياتٌ، وإنما جُعِلَ حَمْلُ الكلامِ على الكليةِ مناسبًا للمقامِ مع أن ما نقل عن الشيخ يستدعي وجوبَ ذلك لأنه يجوز أن يراد من العلوم في كلامِ الشيخِ هي العلومُ الحِكَمِيَّةُ، وأيضا المرادُ بمهملات العلوم أجزاء العلوم التي وقعت بحسب الظاهر مهملاتٍ، ولا يخفى أن كلام المصنف ههنا ليس من أجزاء العلوم لكونه شرطية، وأجزاءُ الفن حمليات موجبات كليات بل هو إشارة إلى حملية هي جزءُ الفنِّ وهي قولنا «الصحةُ مطلوبةٌ في النقل» »«والدليلُ مطلوبٌ في المُدَّعَى»» أو هي قولنا «كلامُك الذي أنت ناقل فيه يُطْلَبُ فيه الصحةُ والذي أنت مُدَّعٍ فيه يُطْلَبُ فيه الدليلُ»» لكنَّ المناسبَ على كلٍ تقديرُ الحمل على الكليةِ ليكون موافقا لما هو المقصودُ ههنا وهو كون تلك الشرطية إشارةً إلى حملية هي جزء الفن وللعلوم الحِكَمِيَّةِ فإن مسائلها يجب أن تكون كلياتٍ، وهذا الفنُّ وإن لم يكن منها إلا أنه يكادُ يَلْتَحِقُ بها لشدة ارتباطه بالمنطق الذي هو مقدمة للعلوم الحكمية أو جزءٌ منها على اختلاف الرأْيَيْنِ كما بُيِّنَ ذلك في غيرِ هذا المحلِّ بأي وَجْهٍ كان أي: عن كتابٍ أو سنةٍ أو عالمٍ أو نحوِ ذلك.
قوله: ((فيُطْلَبُ منك الصحةُ)) أُورِدَ عليه أن طلبَ صحةِ النقلِ لا يلزم أن يكونَ من الناقلِ لجوازِ أن يرجع بنفسِهِ إلى موضعِ نَقْلِهِ و يتفحص إلى أن يجده.
وأجاب الشارحُ في الحواشي بأن المقصودَ بيانُ طُرُقِ المناظرةِ مع القائل بالكلامِ فإذا لم تُطْلَبْ منه الصحةُ لم تتحققِ المناظرةُ معه.
وبُحِثَ فيه بأنا لا نسلم تلك الشرطيةَ فإن المناظرةَ على ما عرّفوا «النظرُ بالبصيرة من الجانبين في النسبة بين الشيئين إظهارًا للصواب»، ولا شك أن تحققَ المناظرةِ بهذا المعنى بين الناقلِ والسامعِ لا تتوقفُ على طلب الصحة منه، نَعَمْ تتوقف لو عُرِّفَتْ بـ«مدافعةِ الكلام من الجانبين إظهارًا للصواب»» على ما حققه بعض المحققين، وأيضًا ما ذكره يقتضي عدمَ تحققِ المناظرةِ مع العلماءِ الماضِين.
قوله: ((أي: صحة النقلِ)) أي: لا المنقولِ إذ الناقلُ من حيث هو ناقلٌ ليس بملتزمٍ صحةَ منقولِهِ.
قوله: ((إن لم تكن معلومة...إلخ)) بُحِثَ فيه بأنه إن أراد من العلم مطلقَ التصديقِ يقينيًّا كان أو ظنيًّا أو تقليديًّا فلا نُسَلِّمُ أن الصحةَ لو كانت معلومةً لا يليقُ طلبُها بحال المناظرِ من حيث هو مناظرٌ، لجواز أن يكون العلمُ بها ظنيا والمطلوبُ يقينيًّا، وحينئذٍ ليس طلبُها غيرَ لائقٍ بحالِ المناظر، وإن أراد التصديق اليقينيَّ فالتقييدُ قاصرٌ لأنه قد يكون الطلبُ غيرَ لائق مع انتفاء العلم اليقيني أيضًا كما إذا كانت الصحةُ معلومةً بالعلم الظني والمطلوبُ أيضًا ظنيًا.
وأجيب بأن المرادَ العلمُ المناسبُ للمطلوبِ سواءٌ كان يقينيا أو ظنيا أو تقليديا، ومحصَّلُهُ أنه لا يليقُ بحالِهِ طلبُها بعلمٍ عَلِمَهَا به أيّ علمٍ كان دون غيره.
وظاهرُ هذا الجوابِ يقتضِي أَنَّ له طلبَها بالعلمِ الظنيِّ والتقليديِّ بعد أن يحصل العلم اليقينيّ له، والظاهر أنه لا فائدة فيه، إلا أن يقال إنه من قبيل ما ذكر في المنطق من أَنَّ الاطلاعَ على الشيءِ بالعرضياتِ قد يكون مطلوبًا وإن كان هذا الاطلاعُ دون الاطلاعِ عليه بالذاتياتِ، تأمل.
وإنما قال «لا يليقُ» دون «لا يَصِحُّ» لجواز أن يَطْلُبَ الصحةَ المعلومةَ للامتحانِ المقصودِ منه إظهارُ الصواب، وهذا لا يستلزمُ تعددَ العلةِ الغائيَّةِ، لأنه لَـمَّا كان غرضُ الطالبِ من امتحانِ الناقلِ إظهارَ الصوابِ لم يكن الامتحانُ أمرًا زائدًا على إظهارِهِ بحسبِ المآلِ، وإن كانتْ غرضًا من الطلب بحسب الظاهر، فلا تعددَ فيها بحسب الحقيقةِ، فلا فَسَادَ فيه، لكنه لكونه تطويلا بلا فائدةٍ لا يناسبُ المقامَ.
وأيضا يجوزُ أن يكونَ طلبُ الصحةِ المعلومةِ ليحصل العلم بها بطرق متعددة، وهذا أيضا لا ينافي كون المطلوب إظهارَ الصوابِ، لكنه غيرُ مناسب أيضا في مقام المناظرة.
قوله: ((من حيث هو مناظر)) أمَّا من حيث هو ممتحِنٌ أو طالبٌ تعددَ طريق العلمِ على ما بيَّناهُ سابقًا فيليقُ.
قوله: ((فتدبر)) قال في الحواشِي ((قولنا «تَدَبَّرْ» إشارةٌ إلى أن ما ذكرناه مبنيٌّ على عدمِ جوازِ تعداد العلة الغائية لأنها الباعثُ على إقدامِ الفاعلِ على الفعل، فإن كان الباعثُ عليه مجموعَ الأمرين معًا فهو علةٌ غائِيَّةٌ لا كل واحد منهما، وإن كان كل واحد منهما على حِدَةٍ كذلك يلزم تَوَارُدُ العلتين المستقلتين على معلولٍ واحدٍ شخصيٍّ، هذا خلفٌ وإن كان واحدًا منهما فقط كذلك فهو علة غائية لا غيرُ، ومنه عُلِمَ ضعف القول بجواز تعددها)).
وقولُهُ «منه علم ضعف القول...إلخ»» إشارةٌ لرد ما ذكره شارح الآدابِ المسعودي حيث قال «كون إظهار الصواب غرضا من النظر لا ينافي كون شيء آخر غرضًا منه» اهـ .
قال مير صدر «وأنت خبير بأنه يمكن حمل كلام شارح الآداب على أن المقصود من كون إظهار الصواب غرضًا ليس أنه غرضٌ فقط بل أعمُّ من أن يكون غرضًا فقط أو مع شيءٍ آخَرَ بأن يكونَ مجموعُهما غرضًا واحدًا، ولا يلزم منه القولُ بجوازِ تعددِ العلةِ الغائيةِ» إلى أن قال «واعلم أنه نُقِلَ عن الشارحِ المذكورِ في الحاشية أن إظهارَ الصوابِ لا يجبُ أن يكون غرضًا من الجانبين بل يكفي أن يكون غرضا من جانب واحد، فيدخل البحثُ الواقعُ في المغالطة، فتأملْ»» هذا كلامُهُ، ولا يخفى عليك أنه على تقديرِ صحةِ هذا القولِ يكون قوله «لأن غرضه إظهارُ الصوابِ» محلُّ بحثٍ، تأمَّل.
قوله: ((أو مدّعيا)) قيل الأظهرُ «ومُدَّعيًا» لأن «أو»» الفاصلةَ لم تُعْهَدْ في بيان شقّي الترديد، وفيه نظرٌ إذ مثل هذا الكلام كثيرٌ في كلام أرباب العربية كما لا يخفى على المتتبّع، ومن جملته ما وقع في كلام الشيخِ ابنِ الحاجبِ حيث قال «الألفُ والنونُ إن كانا في اسمٍ فشرطُهُ العَلَمِيَّةُ أو في صفةٍ فالوصفيةُ»، قاله مير صدر.
«وقال أبو الفتح اختار كلمة «أو» للإشارة إلى منع الجمع بين مُقَدَّمَيِ المتصلتين المذكورتين، وما يتوهم من الانفصال بين هاتين المتصلتين فليس بشيءٍ بحسب الظاهر كما لا يخفى اهـ.
أرادَ بالمتصلتين قولَه «إن كنت ناقلا فالصحة» وقولَه «أو مدعيًا فالدليل» ومُقَدَّمُهُما الناقلُ والمُدَّعِي، وبينهما إذا رُكِّبا منفصلةً نحوَ قولنا المتكلمُ بالكلام التام الخبري إما ناقلٌ أو مُدَّعٍ منعُ جمعٍ، وليس بينهما انفصالٌ حقيقيٌّ، لأن الشاكَّ إذا تَلَفَّظَ بالجملةِ الخبريةِ وقال «زيدٌ قائمٌ» مثلا مع شكِّه فكلامُهُ خبرٌ لا مَحالةَ مع أنه ليس ناقلا ولا مدعيا
وإنما قال «بحسبِ الظاهرِ» لأنه يَجُوزُ أن يكونَ مرادُ القائلِ الانفصالَ بحسب التحققِ، ولا يخفى ضعفُهُ لأن الانفصالَ إنما يكون بين أطرافِ الشرطياتِ، وهي في حكمِ المفرداتِ، والقضيتانِ المذكورتانِ ليستا كذلك، فلا معنى لاعتباره فيهما بخلافِ مُقَدَّمِهِما، تَأَمَّلْ.
ثم لا يخفى أن المرادَ مدعيا صراحةً أو ضمنًا فتدخل الدعاوى الضمنيةُ، وهي ما يفهم بالقرائن كدَعْوَى الحصرِ المفهومِ بالسكوتِ، وكما يفهم من قيود القضايا.
قوله: ((لإثبات الحكم)) الأَوْلَى أن يقولَ «لبيان الحكم» لِيَلْتَئِمَ مع قوله «إما بالدليل أو التنبيه».
قوله: ((أو التنبيهِ)) أي: فيما إذا كان الحكمُ بديهيًّا خفيًّا مَثَلاً
وههنا بحثٌ وهو أنه لا يصدق على مَنِ ادَّعَى حكمًا ظنَّهُ بديهيًّا أوليًّا غيرَ محتاج إلى البيان، فإنه لم ينصب نفسَهُ لإثباتِهِ بالدليلِ ولا بالتنبيهِ مع أنه يَدَّعِي ويُناظَرُ معه.
وأُجِيبَ بأن المرادَ بالدليلِ في قوله «من نصب نفسَه لإثباتِ الحكمِ بالدليل» أعمُّ من الدليل حقيقةً أو حكمًا، والبداهةُ الأوليةُ بمنزلةِ الدليلِ.
قوله: ((أي: فيطلب منك الدليل)) أشار به إلى أنه ليس في كلام المصنف العطفُ على معمولين لعاملين مختلفين، والمُقَدَّمُ غيرُ مجرورٍ، إِذْ ظَهَرَ بهذا التقديرِ أن ليس هناك عطفُ شيئين على شيئين بل عطفُ جملةٍ على جملةٍ، ويؤيدُهُ كلمة الفاء في قوله «فالدليل»» لأنها فاء الجزاء، فلو كان «الدليلُ» معطوفا على «الصحةُ» في قوله «فيُطْلَبُ الصحةُ» لم يُحْتَجْ إلى هذه الفاء إذ تكفي الفاء الجزائية التي وقعت في قوله «فيُطْلَبُ».
قوله: ((إذا كان المطلوب إلخ)) هذا القيدُ إنما يُحْتَاجُ إليه لو لم يُحْمَلِ «الدليلُ» على ما يشملُ التنبيه، وأما إذا حمل عليه على ما يقتضيه قوله «أو مدعيا» كما مرت الإشارة إليه فلا.
ثم لا يذهب عليك ما ذكرنا آنفا من أن الاحتياجَ إلى التقييدِ ههنا وفيما قبلَهُ إنما هو في صورة حَمْلِ الشرطيةِ على الكُلِّيَّةِ، وأما إن حملا على الإهمال فلا، فتدبر.
قوله: ((غير معلوم)) أي: على الوجهِ الذي ادَّعاهُ المُدَّعِي لا مُطْلقًا، إذ لو كان معلومًا ظنًّا وهو يَدَّعِي جَزْمًا يُطْلَبُ الدليلُ.
قوله: ((فلا يطلب الدليل)) «أي: فلا يليق أن يطلب الدليل كما يدل عليه قوله ولابد أن يُلاحَظَ ههنا أيضًا مثلُ ما مر آنفا».
ثم لا يَخْفَى أن الظاهرَ أن الدليلَ الذي نَفَى طلبَهُ في تلكَ الصورةِ هو الدليلُ الذي أَثْبَتَ طلبَهُ في صورةِ كونِ الدَّعْوَى نظريةً غيرَ معلومةٍ، ولا شَكَّ في كونِ الدليلِ هو الصحيحَ، فالدليلُ المعرّف أعمُّ منه لشمولِهِ الدليلَ الفاسِدَ وليس عينَهُ، ولذا ذَكَرَهُ ظاهرًا ولم يكتفِ بالضمير، وحينئذ يكون الاستدلالُ في قوله «إذ الدليل...إلخ» استدلالا بانتفاء العامِّ على انتفاء الخاصِّ،
ويمكنُ أن يراد بالدليلِ في قولِهِ «فلا يُطلبُ الدليلُ» مطلقُ الدليلِ، فالدليلُ المعرّف على هذا التقديرِ يكون عينَهُ، وحينئذ يكون الاستدلال في قوله «إذ لو كان بديهيا...إلخ» استدلالاً بالطريق الآكد إذ انتفاءُ طلبِ الدليلِ مطلقًا في تلك الصورة يستدعي انتفاءَ طلبِ الدليلِ الصحيحِ بالطريقِ الأَوْلَى.
قوله: ((من مقدمتين)) قال مير صدر «هكذا في بعض النسخ، والشارح بَدَّلَ «المقدمتين»» بـ«القضيتين» في النُّسَخِ المقروءةِ عليه، إذ المقدمة مفسَّرة بـ«ما جُعِلَتْ جزءَ قياس أو حجة» أو بـ«ما يتوقف عليه صحةُ الدليل»» فلا يصح أخذها في تعريف الدليل
ولا خفاء أن قياس المساواةِ مع المقدمة الأجنبية دليل موصل إلى مجهول نظري، صَرَّحَ به المحققُ الرازي في شرح للمطالع، فقياس المساواة مركبٌ من المقدمتين مع المقدمة الأجنبية،
فظهر ضعف ما في الحواشي من قوله «وإنما قلنا (من قضيتين)) إشارةً إلى أن التحقيق أن الدليل لا يتركب في الحقيقة إلا من قضيتين لا من قضايا، ولذا قالوا إن القياس المركب في الحقيقة أقيسةٌ» اهـ، مع أن ما ذَكَرَهُ فيها لا يستقيم في الاستقراء أيضا لجواز تركبه من أكثر من مقدمتين.
ويمكن أن يجاب أن قياس المساواة مع المقدمة الأجنبية في الحقيقة قياسان على نحو ما قيل في القياس المركب، وإنما يمكن إرجاع الاستقراء وإن كثرت مقدماته إلى مقدمتين».
وفي الحواشي أيضًا هذا التعريفُ للدليلِ على رأي المنطقيين، وأمَّا على رأي الأصوليين فهو «ما يمكنُ التوصلُ بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري» أعمَّ من أن يكون مفردًا أو مركبًا اهـ.
قال في الفتحية، وفيه نظر لأن المشهورَ أن الدليلَ عند الأصوليين لا يكون إلا مفردًا كالعالَم بالنسبة إلى وجودِ الصانع، لكنَّ التحقيقَ أن الدليلَ عندهم منقسم إلى المفردِ والمركبِ من المقدماتِ المتفرقةِ والمقدماتِ المترتبةِ المعروضةِ للهيئةِ أي: فتكونُ الهيئةُ خارجةً عنه بخلاف الدليل عند المنطقيين فإنه المقدماتُ المترتبةُ المأخوذةُ مع الهيئةِ أي: فتكون الهيئةُ معتبرةً فيه على سبيل الجُزْئِيَّةِ.
قوله: ((للتأدي إلى مجهول)) إن قُلْتَ يخرجُ بهذا القيد النظرُ في الدليل الثاني، فيفسدُ التعريف.
والجوابُ أن العلَّامةَ عبدَ الحكيمِ صرح في حاشية القطب بأن المقصود من النظر في الدليل الثاني العلمُ بوجه دلالته، وهو مجهول، وبه يندفعُ ما تمحّلوا به هنا.
قوله: ((مثلُ ما مر آنفا)) وهو أن يقال إن المطلوبَ لو كان بديهيا أو نظريا معلوما لا يليق طلب الدليل بحال المناظر من حيث هو مناظر، لأن غرضه إظهار الصواب.
قوله: ((أَوْلَى)) وجهُ الأولويةِ أن التعريفَ المشهورَ يُنْتَقَضُ طردًا بالمعرِّفاتِ بالنسبة إلى مُعرَّفاتها وبالملزومات بالنسبة إلى لوازمها البيِّنةِ وعكسًا بالأدلة الغير البيِّنةِ الإنتاجِ كما عدا الشكلَ الأولَ وبالدليلِ الفاسدِ الصورةِ سواءٌ كان على زَعْمِ الصحة أو على قصد التغليط بخلاف التعريف الأول
ويمكن أن يُجابَ عن الانتقاض طردًا بأن المرادَ بكلمةِ «ما»» هو المفهوم التصديقي أو المرادَ بالعلم هو التصديقُ، على أن النقضَ بالملزومات يندفع بوجهين آخَرَيْنِ
أحدهما: أن المرادَ باللزومِ اللزومُ بطريقِ النظرِ، ولا نَظَرَ فيها.
والثاني: أن كلمةَ «مِنْ»» تدل على العِلِّيَّةِ، ولا يَظْهَرُ كونُ الملزومات علةً للوازمها.
وعن الانتقاض عكسًا بأن المرادَ باللزومِ اللزومُ في الجملةِ، فتدخل بقيةُ الأشكالِ، وبأن المراد أيضًا باللزوم ما هو أعمُّ من أن يكون بحسب نفس الأمر أو بزعم المستدل، فيندفعُ النقض بالدليل الفاسدِ الصورةِ، إلا أن ذلك كلَّهُ تَكَلُّفٌ وتَعَسُّفٌ.