متن
الخريدة البهية
في علم التوحيد
للإمام أحمد الدردير - رحمه الله
---------------------
يَقُولُ رَاجي رَحْمَةَ القَديرِ
أَي أَحْمَدُ المَشْهورُ بالدرديرِ
* * * *
الحَمْدُ للهِ العَليِّ الواحِدِ
العَالمِ الفَرْدِ الغَنيِّ المَاجِدِ
* * * *
وأَفْضَلُ الصلاةِ والتَسْيلمِ
على النَبيِّ المُصْطَفى الكَريمِ
* * * *
وءالهِ و صَحْبِهِ الأطْهَارِ
لاسِيَّما رَفيقُهُ في الغَارِ
* * * *
وهذِهِ عَقيدَةٌ سَنيِّه
سَمْيتُها الخَريدَةَ البَهيِّهْ
* * * *
لَطيفَةٌ صَغيرَةٌ في الحَجْمِ
لكِنْها كَبيرَةً في العِلْمِ
* * * *
تَكْفيكَ عِلْماً إِنْ تُرِدْ أَنْ تَكْتَفي
لأَنْها بِزُبْدَةِ الفَنِّ تَفِي
* * * *
واللهَ أَرْجو في قَبول ِ العَمَلِ
والنْفعَ مِنْها ثُم غَفْرَ الزَلَلِ
* * * *
أَقْسَامُ حُكْمِ العَقْلِ لا مَحَالَهْ
هي الوُجوبُ ثم الاسْتِحَالَهْ
* * * *
ثُمَّ الجَوازُ ثَالِثُ الأقْسَامِ
فافْهَمْ مُنِحْتَ لَذَّةَ الأفْهامِ
* * * *
وواجِبٌ شَرْعاً على المُكَلَّفِ
مَعرِفَةُ اللهِ العَلىِّ فاعْرِفِ
* * * *
أَيْ يَعرِفَ الواجِبَ والمُحَالا
مَعْ جَائِزٍ في حَقِّهِ تَعالى
* * * *
ومِثْلُ ذا في حَقِّ رُسْلِ اللهِ
عَليهِمِ تحيَّةُ الإلهِ
* * * *
فالواجبُ العقليُّ ما لم يَقبَلِ
الانتِفا في ذاتِه فابتَهِل
* * * *
والمُسْتَحيلُ كلُّ ما لم يَقْبَلِ
في ذاتِه الثُّبوتَ ضِدُّ الأوَّلِ
* * * *
وكُلَّ أَمْرٍ قَابِلٍ للانْتِفا
وللثُبوتِ جائِزٌ بلا خَفَا
* * * *
ثمَّ اعْلَمَنْ بأنَّ هذا العَالَمَا
أيْ ما سِوى اللهِ العَليِّ العالِمَا
* * * *
مِن غيرِ شَكٍّ حَادِثٌ مُفْتَقِرُ
لأنَّه قَامَ به التَغيُّرُ
* * * *
حُدوثُهُ وجُودُه بعدَ العَدَمْ
وضِدُّهُ هو المُسَمَّى بالقِدَمْ
* * * *
فاعْلَمْ بأنَّ الوَصفَ بالوُجودِ
مِنْ واجِباتِ الواحِدِ المَعْبودِ
* * * *
إَذْ ظاهِرٌ بأنَّ كُلَّ أَثَرِ
يَهْدي إلى مُؤثِّرٍ فاعتَبِرِ
* * * *
وذِي تُسمَّى صِفةٌ نَفسيِّه
ثمَّ تلِيها خَمْسَةٌ سَلْبِيَّهْ
* * * *
وَهْيَ القِدَمْ بالذاتِ فاعْلَمْ والبَقَا
قِيامُهُ بِنَفْسِهِ نِلْتَ التُّقَى
* * * *
تَخالُفٌ للغَير وَحْدانيَّهْ
في الذَّاتِ أو صِفاتِهِ العَليَّهْ
* * * *
والفِعْلِ فالتأثِيرُ لَيسَ إلا
للواحِدِ القَهَّارِ جَلَّ وعَلا
* * * *
ومَنْ يَقُلْ بالطَّبعِ أو بالعِلَّهْ
فَذاكَ كُفْرٌ عِنْدَ أَهْلِ المِلَّهْ
* * * *
ومَنْ يَقُلْ بالقُوَةِ المُودَعَةِ
فَذاكَ بِدْعِيٌّ فلا تَلْتَفِتِ
* * * *
لَوْ لم يَكُنْ مُتَّصِفاً بها لَزِمْ
حُدوثُهُ وَهْوَ مُحالٌ فاسْتَقِمْ
* * * *
لأنَّهُ يُفْضِي الى التَسَلْسُلِ
والدَّوْرِ وهْوَ المُستَحيلُ المُنْجَلِي
* * * *
فَهْوُ الجليلُ والجَمِيلُ والوَلي
والظَّاهِرُ القُدُّوسُ والرَّبُّ العَلِي
* * * *
مُنَزَّهٌ عن الحُلولِ والجِهَهْ
والاتِّصالِ الانْفِصالِ والسَّفَهْ
* * * *
ثُمَّ المَعاني سَبْعَةٌ للرَّائِي
أي عِلْمُهُ المُحيطُ بالأشْياءِ
* * * *
حَياتُهُ وقُدْرَةٌ إِرادَهْ
وكُلُّ شيءٍ كَائِنٌ أرَادَهْ
* * * *
وإنْ يَكُنْ بضَدِّهِ قَدْ أمَرا
فالقَصْدُ غيرُ الأمرِ فاطْرَحِ المِرَا
* * * *
فقَد عَلِمتَ أربَعاً أَقْساما
في الكائِناتِ فاحْفَظِ المَقَاما
* * * *
كَلامُهُ والسَّمْعُ والإبْصَارُ
فهْوَ الإلهُ الفاعِلُ المُخْتارُ
* * * *
وواجِبٌ تَعْليقُ ذِي الصِّفاتِ
حَتْماً دواماً ما عدا الحياةِ
* * * *
فالعِلْمُ جَزماً والكَلامُ السَّامِي
تعَلَّقا بسائِرِ الأقْسامِ
* * * *
وقُدرةٌ ارادةٌ تعَلَّقا
بالممكِناتِ كلِّها أخَا التُقَّى
* * * *
واجزِمْ بأنَّ سَمْعهُ والبصَرا
تَعَلَّقَا بِكُلِّ مَوجودٍ يُرَى
* * * *
وكلُّها قَديمةٌ بالذَّاتِ
لأنها لَيْسَتْ بغَيرِ الذَّاتِ
* * * *
ثُمَّ الكَلامُ لَيْس بالحُروفِ
ولَيْسَ بالتَّرتيبِ كالمَألوفِ
* * * *
ويَسْتَحيلُ ضِدُّ ما تَقَدَّمَا
مِنَ الصِّفاتِ الشَّامِخاتِ فاعلَما
* * * *
لأنَّه لو لم يكُنْ مَوصُوفا
بِها لكانَ بالسِّوَى مَعْروفا
* * * *
وكُلُّ مَنْ قَامَ بِهِ سِواها
فهْوَ الذي في الفَقْرِ قَد تَناهى
* * * *
والواحِدُ المَعْبودُ لا يَفْتَقِرُ
لغيرِهِ جَلَّ الغَنيُّ المُقْتَدِرُ
* * * *
وجَائِزٌ في حَقِّهِ الايجَادُ
والتَّرْْكُ والاشْقَاءُ والاسْعَادُ
* * * *
ومَنْ يَقُلْ فِعلُ الصَّلاحِ وَجَبا
على الالهِ قَدْ أَساءَ الأدَبا
* * * *
واجْزِم أخي برُؤيةِ الإلهِ
في جنُّةِ الخُلْدِ بلا تَنَاهِي
* * * *
اذِ الوُقوعُ جائِزٌ بالعَقلِ
وقَدْ أتَى بِهِ دَليلُ النَّقلِ
* * * *
وصِفْ جَميعَ الرُسْلِ بالأمَانَهْ
والصِّدْقِ والتَّبْليغِ والفَطَانَهْ
* * * *
ويَسْتَحيلُ ضِدُّها عَليهِمِ
وجَائِزٌ كَالأَكْلِ في حَقِّهِمِ
* * * *
إِرْسَالُهُم تفَضُّلٌ ورَحمهْ
للعالمَينَ جَلَّ مُولِى النِّعمهْ
* * * *
ويَلْزَمُ الايمانُ بالحِسابِ
والحَشْرِ والعِقَابِ والثَّوابِ
* * * *
والنَّشْرِ والصِّراطِ والمِيزانِ
والحَوضِ والنيرانِ والجِنَانِ
* * * *
والجِنِّ والأملاكِ ثم الأنبِيا
والحُورِ والوِلدانِ ثم الأولِيا
* * * *
وكُلُّ ما جَاءَ مِنَ البَشيرِ
مِنْ كُلِّ حُكْمٍ صارَ كالضَّرُوري
* * * *
ويَنْطَوي في كِلْمَةِ الإسْلامِ
ما قَدْ مَضى مِنْ سائِرِ الأَحْكَامِ
* * * *
فأكْثِرَنْ مِن ذِكْرِهَا بالأدَبِ
تَرقى بِهذا الذِّكرِ أَعلى الرُّتُبِ
* * * *
وغَلِّبِ الخَوْفَ على الرَّجاءِ
وسِرْ لِمولاكَ بلا تَناءِ
* * * *
وجَدِّدِ التَّوْبَةَ للأوزارِ
لا تَيْأَسَنْ مِنْ رَحمةِ الغَفَّارِ
* * * *
وكُنْ على آلائِهِ شَكُورا
وكُنْ على بَلائِهِ صَبُورا
* * * *
وكُلُّ شَىءٍ بالقَضاءِ والقدَرْ
وكُلُّ مَقدورٍ فَما عَنْهُ مَفَرْ
* * * *
فكُنْ لَهُ مُسَلِّماً كَي تَسْلَما
واتْبَعْ سَبيلَ النَّاسِكينَ العُلَما
* * * *
وخَلِّصِ القَلْبَ مِنَ الأغْيارِ
بالجِدِّ والقِيامِ بالأسْحَارِ
* * * *
والفِكْرِ والذِّكْرِ على الدَّوامِ
مُجتَنِباً لِسائِرِ الآثامِ
* * * *
مُراقِباً للهِ في الأَحْوالِ
لِتَرْتَقي مَعَالِمَ الكَمالِ
* * * *
وقُل بِذُلٍّ رَبِّ لا تَقْطَعْني
عَنْكَ بِقاطِعٍ ولا تَحْرِمْني
* * * *
مِنْ سِرِّكَ الأبْهَى المُزيلِ للعَمى
واخْتِمْ بخَيرٍ يا رَحيمَ الرُّحَما
* * * *
والحَمْدُ للهِ على الإِتْمام
وأَفْضَلُ الصَّلاةِ والسَلامِ
* * * *
على النَّبيِّ الهاشِميِّ الخاتِمِ
وآلِهِ وَصَحْبِه الأَكَارِمِ