(الكليات الخمس) وجه انحصار الكلي فيها أن الكلي إما أن يكون تمام الماهية أو جزأها أو خارجا عنها فإن كان الأول فهو النوع وإن كان الثاني فإن كان يصـدق عليها وعلى غيرها فهو الجنس وإلا فهو الفصل وإن كان خارجا عنها فإن كان يقع في جواب أي شيء فهو الخاصة أو لا يقال في الجواب أصلا فهو العرض العام.
قوله (الجنس) قدمه على النوع لأنه جزء منه والنوع كل له والجزء مقـدم على الكل طبعا فقدم وضعا وقدمه أعني الجنس على الفصل لأنه يقال في جواب ما هو بخلاف الفصل وقدمه على الخاصة لأنه جزء الماهية وهي خارجة وعلى العرض العام لأنه يقال في الجواب والعرض العام لا يقال في الجواب أصلا وكان مقتضى دليل تقديم الجنس على النوع أن يقدم الفصـل عليه لأنه جزؤه والنوع كل له والجزء مقدم على الكل لكن يقال لمّا كان النوع يقال في جواب ما هو والفصـل يقال في جواب أي شئ هو قدم عليه لأن المقول في جواب ما هو أولى بالتقديم منه وقدمه أعني الفصل على الخاصة والعرض العام لأنه ذاتي وهما عرضيان وقدم الخاصة على العرض العام لأنها تقال في جواب أي شيء هو بخلافه فإنه لا يقال في الجواب أصلا كذا في الحاشية ولا يخفاك ما فيه من التكرار مع أن ما علل به تقديم الجنس على النوع إنما يحسن أن لو كان المقام مقام بيان للكليات والمقام هنا لمجرد العدد فلا يحسن التعليل المذكور ودعوى أولوية ما يقال في جواب ما هو على ما يقال في جواب أي شيء هو خالية عن البيان مع أنه لم يتعرض لوجه تقديم النوع على غيره فالأولى أن يقال الجنس لعمومه على النوع ولأن النوع تحته باعتبار سلسلة الكليات وذكر النوع بعده لكونه تحته في الرتبة وذكر الفصل عقب النوع لأنه جزؤه الخاص به وقدم الخاصة على العرض العام لاختصاصها بالنوع فهي أقرب إليه منه فلم يبق إلا تأخير العرض العام ثم إن هذه مجرد توجيهات خالية عن الجدوى فالاشتغال بها ليس من دأب المحصلين.
قوله (ولما كانت إلخ) تمهيد لوجه ذكر مباحث الألفاظ في كتب المنطق وبیان أنها لیست من مقاصده بل من مبادئه لخروجها عن موضوعه والتوقف هنا توقف شروع أي أن الشروع في مسائل علم المنطق يتوقف على معرفة هذه المباحث اللفظية لأنها وسائـل له ومباد قال في شرح المطالع البحث الكلي عن الألفاظ غير مختص بلغة دون لغة من مقدمات الشروع في المنطق وإلا فالمنطق من حيث إنه منطقي لا شغل له بها اهـ ثم لا يخفى قصور عبارة الشارح لأن المتوقف هو التصورات والتصديقات لمـا أن الكل من قبيل المعاني لا خصوص الكليات الخمس قال السيد في حواشي شرح الشمسية المنطقي إذا أراد أن يعلم غيره مجهولا تصوريا أو تصديقيا بالقول الشارح أو بالحجة فلا بد له هناك من الألفاظ فيمكنه ذلك وأما إذا أراد أن يحصل هو لنفسه أحد المجهولين بأحد الطريقين فليس هناك الألفاظ أمرا ضروريا إذ يمكنه تعقل المعاني مجردة عن الألفاظ لكنه عسير جدا وذلك لأن النفس قد تعودت ملاحظة المعاني من الألفاظ بحيث إذ أرادت أن تتعقل المعاني وتلاحظها تتخيل الألفاظ وتنتقل منها إلى معانيها ولو أرادت أن تتعقل المعاني صرفة صعب عليها ذلك صعوبة يشهد بها به الرجوع إلى الوجدان.
قوله (الدلالات الثلاث) حصر الدلالة الوضعية في الثلاثة عقلي كما حققه الدواني وأورد أريد عليه أنه إنما يكون عقليا إذا لم تقيـد مفهوماتها بقيد الحيثية كما وقع في عبارة المتقدمين وأما إذا قيدت به لئلا ينتقض تعريف كل منها بالآخرين كما وقع في عبارة المتأخرين واشتهر بيانه بين المحصلين فلا يكون عقليا بل استقرائيا لجواز أن يدل لفظ على جزء الموضوع له لا لكونه جزأ منه بل لكونه لازما لجزئه الموضوع له أو لكونه جزء اللازم الموضوع له إلى غير ذلك من الاعتبارات وأجيب عن هـذا الإيراد بمنع تحقق تلك الدلالات بسند أن السبب الأضعف لا يؤثر في المسبب مع وجود السبب الأقوى كما أن الشمع لا يؤثر في إضاءة الأرض مع وجود الشمس وهذا معنى قول السيد الشريف إن اللفظ إذا دل بأقوى الدلالتين التي هي المطابقة لا يدل عليه بأضعفها التي هي التضمن والالتزام ورد بأنا لا نسلم أن الدلالة الضعيفة لا تجامع القوية إذا كانتا من جهتين مختلفتين وأجاب في الحواشي الفتحية بأن قيد الحيثية ههنا بمعنى التعليل المتعلق بنفس الوضع وباقي القيود لتعيين ذلك الوضع المعلل به كما هو المتبادر من عبارة صاحب الكشف والكاتبي لا بمعنى التعليل المتعلق بالوضع مع باقي القيود وحاصل التعريفات أن المطابقة دلالة اللفظ على معنى بواسطة الوضع الذي ذلك المعنى تمام الموضوع له بذلك الوضع والتضمن دلالة اللفظ على معنى بواسطة الوضع الذي ذلك المعنى جزء الموضوع له بذلك الوضع والالتزام دلالة اللفظ على معنى بواسطة الوضع الذي ذلك المعنى خارج عن الموضوع له بذلك الوضع ولا يخفى أنه على هذا لا يتصور واسطة بين الأقسام الثلاثة والوسائط المذكورة مندرجة تحتها قطعا ضرورة أن ما يتعلق بنفس الموضوع له مندرج في مفهوم المطابقة وما يتعلق بجزئه مندرج في مفهوم التضمن وما يتعلق بخارجه مندرج في مفهوم الالتزام.
قوله (وأقسام اللفظ) أي من الإفراد والتركيب وغيرهما وهو عطف على قوله الدلالات.
قوله (وهو ما وضع لمعنى) تفسير للفظ الدال وأما الوضع فهو لغة جعل الشيء في حيز وعرفا له معنيان أحدهما جعل الشيء بإزاء المعنى ليدل عليه بنفسه وهذا هو المعنى الأخص المتبادر منه عند الإطلاق المعتبر في اصطلاحاتهم وتنبني عليه الأحكام اللفظية من الدلالات الثلاث والترادف والاشتراك وغيرها الفارق بين الحقائق والمجازات وثانيهما جعل الشئ بإزاء المعنى ليدل عليه ولو بمعونة القرينة وهو المعنى الأعم الشامل للحقيقة والمجاز وينقسم كل من المعنيين إلى وضع العين للعين كما في المفردات وإلى وضع الأجزاء للأجزاء كما في المركبات وأيضا ينقسم إلى الوضع الشخصي وهو وضع الشيء الملحوظ بخصوصه للمعنى كوضع الإنسان للحيوان الناطق وإلى الوضع النوعي وهو وضع الشيء الملحوظ مع أشياء آخر أخرى بوجه عام كوضع المشتقات والمركبات والمجازات والمراد بالوضع هنا ما يعم الشخصي والنوعي فد خلت المركبات بناء على ما هو التحقيق من أن دلالتها وضعية وأنها داخلة في دلالة المطابقة على ما حققه شارح المطالع موجها له بأن المعنى من الوضع في تعريف دلالة المطابقة ليس وضع عين اللفظ لعين المعنى فقط بل أحد الأمرين إما وضع عينه لعينه أو وضع أجزائه لأجزائه بحيث تطابق أجزاء اللفظ أجزاء المعنى والثاني متحقق في دلالة المركب فلا تكون خارجة عن الدلالات اهـ وبهذا التحقيق يندفع إشكال خروجها عن الدلالات بناء على أنها موضوعة فترد نقضا على الحصر بأن يقال إن دلالة المركب خارجة عن الأقسام الثلاثة لأنها ليست مطابقة إذ الواضع لم يضعه لمعناه ولا تضمنا لأن معناه ليس جزأ للمعنى الموضوع له ولا التزاما إذ ليس معناه خارجا عن المعنى الموضوع له وملخصه أنه لمن لما لم يكن الوضع متحققا فيها انتفت الدلالات كلها ضرورة أنها تابعة للوضع ومحصـل الجواب منع كونها ليست وضعية بل هي وضعية لأن الدلالة الوضعية ليست هي عبارة عن دلالة اللفظ على المعنى الموضوع له وإلا لما كانت دلالة التضمن والالتزام وضعية بل ما يكون للوضع مدخل فيها على ما فسرها القوم به فتكون دلالة المركبات وضعية ضرورة أن لأوضاع مفرداته دخلا في دلالته.
قوله (بتوسط الوضع) متعلق بيدل زاده لدفع انتقاض التعاريف الثلاثة بعضها ببعض فيها إذا وضع لفظ الشمس مثلا للجرم وللضوء وللمجموع بأوضاع متعددة فإن دلالته على الضوء يصح أن تكون حينئذ مطابقة لكونه تمام ما وضع له وتضمنا لـكونه جزء ما وضع له والتزاما لسكونه لازم ما وضع بالنظر لاختلاف الأوضاع فبزيادة هذا المقيد تتم التعاريف خالية عن النقض وبعضهم أجاب بتقدير الحيثية وصنيع الشارح يرجع إليه كما يعلم ما نقلناه سابقا عن الحواشي الفتحية.
قوله (على تمام ما وضع له) لم يكتف بقوله ما وضع مع أن ما وضع له لا يصدق إلا على تمام ما وضع له قصدا إلى التأكيد أو رعاية لما يقتضيه حسن التقابل بجزء ما وضع له بحسب العرف نقله في الحواشي الفتحية عن شارح القسطاس ولم يقل على جميع ما وضع له للإشعار بالتركيب ولهذا سقط ما قيل كان الأولى حذفه لإيهامه اشتراط التركيب فى المعنى المطابقي وليس كذلك لأن المعنى المطابق قد يكون بسيطا ولإيهامه أن الدلالة على آخر أجزاء الشيء كالعاشر من العشرة مثلا مطابقة إذ تمام الشيء غايته مع أنها دلالة تضمن قطعا اهـ وما ذكره من دلالة لفظ عشرة مثلا على العاشر فهذا أمر فرضي لأنا نمنع أن لفظ عشرة يدل على العاشر وحـده بل إنما تدل على جملة الآحاد العشرة مطابقة هي قد تدل على كل واحد من الأحاد دلالة تضمن لكن في ضمن دلالة المطابقة إذ دلالتها على العاشر بخصوصه ترجيح بلا مرجح وقد تقرر في الآداب أن مادة نقض التعريفات لا بد أن تكون متحققة الوقوع فلا يصح النقض بالأمور الفرضية ثم إن ما في قوله ما وضع واقعة على معنى الذي وضع أو شيء وضع وضمير وضع يعود إلى اللفظ فالصلة أو الصفة جرت على غير من هي له فكان حقه إبراز الضمير وأجيب بأن ذلك في الوصف وأما الفعل فلا، وقد نقل بعض أشياخنا عن الهمع جريان الخلاف في الفعل أيضا وإن أمن اللبس.
قوله (بخلاف البسيط) بالمعنى المقابل للتركيب اللفظي لا للتركيب الطبيعي ولو قال بخلاف المفرد لكان أولى و بذلك علم أن التمثيل بالنقطة غير مناسب لإيهامه غير المراد هنا إذ النقطة ذو وضع لا ينقسم حسا ولا وهما ولا عقلا قاله القليوبي وهو غلط فاحش منشؤه اشتباه التركيب والإفراد اللذين هما صفة اللفظ بالبساطة والتركيب اللذين همـا صفة المعنى والـكلام هنا في الثاني دون الأول.
قوله (كالنقطة) هي نهاية الخط الذي هو نهاية السطح الذي هو نهاية الجسم التعليمي وتمام الكلام مذكور في حاشيتنا على شرح القاضي زاده الرومي على أشكال التأسيس في علم الهندسة.
قوله (وعلى ما يلازمه) أي ودلالة اللفظ بتوسط الوضع على معنى يلازم ذلك المعنى الذي وضع له اللفظ يعني يلزم من العلم بالملزوم الذي هو مفهوم اللفظ الموضوع له العلم باللازم من غير احتياج إلى واسطة كما هو حقيقة اللزوم البين بالمعنى الأخص وسيأتي ولم يقل كسابقه إن كان له لازم لعله للجري على طريقة الإمام القائل بإن المطابقة تستلزم الالتزام كما سيأتي ذلك أو أنه لم يجر على تلك الطريقة وحذفه لعلمه من سابقه وهو احتمال بعيـد.
قوله (أيضا) أي كما لازمه في الذهن فيكون اللزوم ذهنيا وخارجيا كلزوم الزوجية للأربعة وقوله أم لا أي لم يلازمه في الخارج بل الملازمة ذهنية ذهني فقط كلزوم البصر للعمى فإن اللزوم بينهما ذهني فقط.
قوله (وعلى قابل العلم وصنعة الكتابة) قيل أن هذا اللزوم بين بالمعنى الأعم والمعتبر هو اللزوم البين بالمعنى الأخص وأجيب بأن التمثيل به من حيث إنه لازم بين بالمعنى الأعم ولا شك أن اللزوم المذكور شرط لأن اشتراط الأخص يوجب اشتراط الأعم لعدم تحقق الأخص بدون الأعم فيكون الأعم أيضا شرطا وأما عـدم كفايته فشيء آخر على أن هذه مناقشة في المثال وليست من دأب المحصلين.
قوله (ودلالة العام إلخ) شروع في تقرير جواب الأصفهاني عن النقض الذي أورده القرافي على حصر الدلالات في الثلاث بمادة لم يتحقق فيها أقسامها كجاء عبيدي لأن بعض أفراده ليس تمام المعنى إلى آخر ما بينه الشارح، واعلم أن مادة النقض هي عبيدي من جاء عبیدي يرشد إلى ذلك قوله لأن بعض أفراده إلخ وقوله بل هو جزئي إلخ وحينئذ فقول المجيب أنه في قوة قضايا إلخ ممنوع لأن الذي في قوة قضايا هو جاء عبيدى وليس الكلام فيه على أنه لو سلم جدلا أنه في قوة قضايا فلا يلزم من كون الشيء في قوة الشيء أن يكون مثله في الدلالة فالحق أنه من قبيل دلالة التضمن لأنه جزء بالنظر لدلالة العام على مجموع الأفراد.
قوله (لأنه في قوة قضايا) هذا هو الجواب وقد علمت ضعفه.
وقوله (فسقط) أي بهذا الجواب.
وقوله (ما قيل) القرافي كما سمعت.
قوله (لأن بعض أفراده ليس تمام المعنى) مسلم وقوله (ولاجزأه) ممنوع بل هو جزء لأن العام بحسب مدلوله كل وأفراده التي تحته أجزاؤه إما جموع أو آحاد وأيا كان فعبد جزء من آحاد هذا الجمع وهو عبيدى وقوله (ولا خارج) مسلم.
قوله (بل هو جزئي) إن أراداته جزئي باعتبار مفهومه وهو الذات المشخصة فسلم وليس الكلام فيه وإن أراد أنه جزئي بالنظر لكونه فردا من أفراد الجمع ممنوع بل هو جزء وحينئذ تكون الدلالة تضمنية.
قوله (لأنه في مقابلة الكلي) تعليل للحكم عليه بأنه جزئي وفيه أنه إن أراد بالكلي الذي جعل في مقابلته لفظ عبيدي الذي هـذا العبد المخصوص وهو زيد مثلا من أفراده فذلك المفهوم كلي وليس الكلام فيه إنما الكلام في لفظ عبيد.
قوله (لأن دلالة العموم) أي ذي العموم وهو عبيد في مثالنا وهذا ممنوع أيضا لأن العام له اعتباران فباعتبار الحكم عليه يكون كليا وليس الكلام فيه وباعتباره في حد ذاته الذي هو المراد هنا يكون كلا فقوله إن العام كلية غلط نشأ له من تركيب المفصل فإن قولنا المشركون مأمور بقتلهم قضية كلية وليس الكلام فيها بمجموعها وإنما الكلام في خصوص موضوعها أي المشركون الذي هو العام وهو مفرد فالحكم عليه بالكلية غلط نشأ من اعتبار تركيبه مع المحمول وهو تركيب للعام مع غيره.
قوله (لا الكل) ممنوع بل هو من قبيل الكل، لأن لفظ عبيد وضع للمجموع من حيث هو مجموع فهو كلٌ، وكل واحد من الأفراد جزءٌ
قيل ذهب بعض المشايخ إلى أن دلالة العام على ما ذكر دلالة التزام نظرا إلى أنها باعتبار الجزئيـة العارضة خارجة
ورد بأن كلامنا في دلالة العام على بعض أفراده وتلك الأفراد باعتبار الجزئية العارضة لازم للعام فتدبره
وتوضيح الرد أن ذلك الفرد الذي اعتبرت الدلالة عليه في ضمن العام ليس لازما للعام لأنه فرد منه فليس خارجا عن مفهومه، نعم قد عرض لذلك الفرد باعتبار كونه من آحاد العام الجزئية أي كونه جزئيا وعروض الجزئية له لا يصيره خارجا عن مفهوم اللفظ وإن كانت الجزئية خارجة عنه وكلامنا في ذلك الفرد بعينه فإنه الذي اعتبر دلالة العام عليه وجعـل جزءا منه وليس الكلام في الجزئية التي هي صفته، فهذا غلط محض نشأ من اشتباه العارض بالمعروض، تأمل.
قوله (كون الشيء بحالة) تلك الحالة هي وضع اللفظ بإزاء المعنى ليفهم منه عند إطلاقه سواء فهم بالفعل أو لم يفهم.
وقوله (يلزم من العلم به) أي بسبب تلك الحالة وبواسطتها (العلم بشئ آخر) والمراد باللزوم ههنا اللزوم مطلقا بينا أو غـير بين والمراد بالعلم ما يشمل التصور والتصديق يقينيا أو ظنيا لكن إذا كان يقينيا يسمى دليله برهانا وإلا سمي أمارة كذا قيـل ولا يخفاك أن هـذا البيان يخصص التعريف بالدلالة اللفظية الوضعية فينافيـه ما سيأتي من تقسيمها إلى اللفظية وغيرها
ولا يقال أن المعرف ههنا خصوص الدلالة اللفظية والمنقسم هناك مطلق دلالة
لأنا نقول تفسير الشارح الدلالة اللفظية الوضعية بعد التقسيم يأبى ذلك والعذر في إعادتها اسما ظاهرا وإن كان المقام للإضمار طول الفصل وحينئذ فالأولى أن تفسر الحالة بما يعم الوضع وغيره كالعلاقة الذاتية بين الدال والمدلول في الدلالة العقلية أو الوضع كما في اللفظية أو اقتضاء الطبع كما في الطبيعية فيكون التعريف لمطلق الدلالة
واعلم أن المتقدمين ومنهـم صاحب الكشف عرفوا الدلالة بأنهم في المعنى من اللفظ عند إطلاقه بالنسبة إلى من هو عالم بالوضع هكذا نقله في شرح المطالع عن الكشف والسعد في مطوله عنهـم، فــما وقع في الحواشي هنا من تفسيرها بفهم أمر من أمر اختصار للتعريف والشارح عدل عن هـذا التعريف لورود الاعتراض عليـه بأنه مشتمل على الدور لأن العلم بالوضع موقوف على فهم المعنى ضرورة توقف العلم بالنسبة على تصور المنتسبين فلو توقف فهم المعنى عليه لزم الدور وأيضا الدلالة صفة اللفظ والفهم إن كان مصدر المبني للفاعـل أعني الفاهمية فهو صفة السامع وإن كان مصدر المبني للمفعول أعني المفهومية فهو صفة المعنى وأياما كان فليس يصلح حمله على الدلالة وتفسيرها به قال في شرح المطالع واستصعب بعضهم هذا الإشكال حتى غير التعريف إلى كون اللفظ بحيث لو أطلق فهم معناه العالم بوضعه
والجواب عن الأول أن فهم المعنى في الحال موقوف على العلم السابق بالوضع وهو لا يتوقف على فهم المعنى في الحال أو أن العلم بالوضع موقوف على فهم المعنى مطلقا لا على فهم المعنى من اللفظ وهو موقوف على العلم بالوضع فلا دور وأشار إلى هذا الجواب مع زيادة العلامة مير زاهد بقوله وتوهم الدور ساقط لأن العلم المتقدم علم المدلول مطلقا والمتأخر علم المدلول من الدال وأيضا المتقدم هو العلم التصوري والمتأخر هو الالتفات والعلم التصديق اهـ وعن الثاني بأنا لا نسلم أن الفهم ليس صفة للفظ فإن معنى فهم السامع المعنى من اللفظ أو انفهام المعنى من اللفظ هو كون اللفظ بحيث يفهم منه المعنى غاية ما في الباب أن الدلالة مفرد يصح أن يشتق منه صفة تحمل على اللفظ كالدال وفهم المعنى من اللفظ أو انفهامه منه مركب لا يمكن اشتقاقها منه إلا برابطة مثل أن يقال اللفظ منفهم منه المعنى ومثله محمول على المسامحة في التعبير لظهور المراد نظير قولهم العلم هو حصول صورة الشيء في العقل
ولنا في تعريف الدلالة كلام نفيس ذكرناه فيما كتبناه بهوامش العلامة عبد الغفور على الفوائد الضيائية.
قوله (الذي يلزم من العلم به) يطلق لفظ العلم على الإدراك مطلقا سواء كان تصديقا أو تصورا ويطلق على التصديق مطلقا ويطلق على التصديق اليقيني فيكون لفظ العلم مشتركا مخلا بالتعريف ويجاب بأن الأول اصطلاح الحكماء والمنطق مقدمة للحكمة أو جزء منها على الخلاف في ذلك فيحمل عليه وأما الثاني فهو للمتكلمين وأما الثالث فقد قيل أنه للأصوليين وقيل هو أيضا للمتكلمين فيراد من العلم المعنى الأول بقرينة المقام قال في الحاشية المراد من العلم ما يشمل التصور والتصديق سواء كان ذلك التصديق يقينيا أو ظنيا لكن استشهاده فيها على تعميم اللزوم بما يشمل البين وغير البين بقول بعضهم والمراد باللزوم هنا ما كان على وجه النظر إلخ استشهاد على ما يخالف دعواه فإن قول ذلك البعض يقتضي تخصيصه بغير البين تأمل,
وبقي أن التعريف لا يشمل الأقيسة الاستثنائية لأن ما يلزم منها ليس مغاير لمقدماتها
وأجيب بمنع عدم المغايرة فإن النتيجة من حيث كونها جزأ للقياس الاستثنائي لا تحتمل الصدق والكذب لأنها جزء قضية وما هو لازم للقياس محتمل لهما ولا يخفى أن ورود هـذا الاعتراض فيما إذا استثني عين المقدم أما إذا استثني نقيض التالي فالمغايرة ظاهرة ولا ورود للسؤال فقول بعض الحواشي ناقلا عن منلا تالج أنه يخرج عن التعريف الأقسيـة الاستثنائية بأسرها تساهل وقد أشار الشارح إلى السؤال والجواب في شرح آداب البحث للسمرقندي بقوله وشمل التعريف الاستثنائي الذي استثني فيه عين المقـدم لأن اللازم منه لكونه قضية غير التالي لكونه جزء قضية وإن توافقا لفظا.
قوله (وقد بينتهما) أي الدال والمدلول والذي بينه هناك هو الدليـل فهذا مما يؤيد النسخة التي فيهـا فالدليل أو أن الدال بمعنى الدليل لكن بيانه ثمت إنما هو للدليـل لأنه الذي تعرض لبيان حقيقته وتقسيمه إلى أقسام فيحمل البيان هنا على ما يشمل القصـدي والتبعي لأن بيان المدلول يحصل بتبعية بيان الدليل لكونهما متضايفين
وفي بعض النسخ (وقد بينتها) فيحتمل رجوعه للدلالة أو لها مع الدليل والمدلول وكلاهما مشكل فإنه لم يتعرض للدلالة في شرح آداب البحث إلا أن يقال نختار الثاني ونقول إن الدلالة نسبة بين الدال والمدلول وقد تعرض لذينـك الطرفين هناك فبيانهما بيانها والنسخة التي بضمير التثنية أظهر.
قوله (إلى فعلية) أراد بها الوضعية غير اللفظية بدليـل التمثيل بعـده وقد خالف القوم في تسميتها فعلية وإنما تسمى وضعية ولذلك قال المحشي تسميتها فعلية لم تعرف لغير الشارح اهـ وكأنه لما كان الوضع جعلا للفظ بإزاء المعنى فهو فعل أطلق عليها فعلية لذلك, واعلم أن الدلالة من حيث هي تنقسم أولا و بالذات إلى لفظية وغير لفظية وكل من القسمين ينقسم إلى وضعية وطبيعية وعقلية فالأقسام ستة وأمثلتها غير خفية وانحصار كل من القسمين في الأقسام الثلاثة استقرائي والذي صرح به السيد الشريف في حواشي شرح المطالع ويتبادر من كلامه في حاشية الشمسية أن الدلالة الطبيعية منحصرة في اللفظية بخلاف الوضعية والعقلية وعليه تكون الأقسام خمسة وكلام الشارح يقتضي ذلك والذي اختاره المحقق الدواني وغيره عدم الحصر فإن دلالة الحمرة على الخجل والصفرة على الوجل من الدلالة الطبيعية الغير اللفظية وكذلك حركة النبض على المزاج المخصوص فإن نوقش بأنها من قبيل دلالة الأثر على المؤثر قلنا يقال ذلك أيضا في دلالة أح أح على السعال وقد بينت كيفية حركة النبض وما يتعلق بها في شرح نزهة الأذهان في الطب للحكيم داود الأنطاكي وتقسيم الشارح لا يخفى اختلاله والأمر فيه سهل قاله منلا زاهد في حواشي الدواني فإن قلت دلالة الأسباب العادية على مسبباتها وبالعكس ليس فيها علاقة ذاتية ولا طبيعية ولا وضعية قلت تلك العادة إن كانت من قوة عديمة الشعور فالدلالة طبيعية وإلا فوضعية على ما يظهر بالتأمل.
قوله (كدلالة الخط) أي النقوش ومدلول تلك النقوش الألفاظ ومدلول الألفاظ المعاني فهذه الثلاثة أمور مرتبة بعضها ببعض.
قوله (وعقلية) المراد بها ما ليس للوضع وللطبع مدخل فيها وإلا لزم كون الدلالات كلها عقلية إذ للعقل مدخل في جميعها والعجب من المحشي بعد أن ذكر هذا الكلام اعترض على تمثيل برهان الدين للدلالة الطبيعية الغير اللفظية بدلالة حركة النبض على المزاج بأن الظاهر أنها عقلية وأعجب منه تعليله ذلك بأن لا يعرفه إلا المهرة من الأطباء فإن توقف معرفتها على المهرة من الأطباء لا ينفي كونها في نفس الأمر طبيعية وقد سبق لك ما يرد به هذا الكلام أيضا.
قوله (كدلالة اللفظ على لافظه) أي اللفظ المسموع من وراء جدار فإن المسموع المشاهد يعلم وجود لافظه بالمشاهدة لا بدلالة اللفظ فقط بل بهما معا كما قال العلامة قره داود في حاشية الشمسية لكنه مخالف لما في حاشية السيد على المطالع فإنه قال وتقييد اللفظ بكونه مسموعا من وراء الجدار إشارة إلى أن اللافظ إذا كان مشاهدا كان وجوده معلوما بحسب البصر لا بدلالة اللفظ اهـ ويؤيده في المحاكاة من أن اللفظ إذا دل بأقوى الدلالتين لا يدل بأضعفهما وبهذا سقط ما في الحاشية من تزييف قول بعضهم من وراء جدار بأنه لاحاجة إليه.
قوله (متى أطلق إلخ) قال في شرح المطالع الدلالة مقولة بالاشتراك على معنيين الأول فهم المعنى من اللفظ متى أطلق الثاني فهم المعنى منه إذا أطلق والاصطلاح على المعنى الأول وإن اعتبر في بعض العلوم المعنى الثاني اهـ والفرق بينهما أن متى سور الإيجاب الكلى وإذا للإهمال فيشترط في دلالة الالتزام التي هي فرد من أفراد الدلالة الوضعية أن يكون اللازم بينا بالمعنى الأخص ولو عبر بإذا لأفادت الدلالة في الجملة ولو في بعض الصور لأن المهملة في قوة الجزئية وأيضا الجزئية غير معتبرة في مسائل العلوم الحكمية التي المنطق مقدمة لها أو جزؤها كما تقدم فإن قلت قد يكون المدلول معلوما قبل سماع الدال فلا يتحقق حينئذ فهم ذلك المعنى عند إطلاق ذلك اللفظ وإلا لزم فهم المفهوم وهو تحصيـل للحاصل وأجيب بأجوبة أحسنها أنه يلزم من العلم بالدال العلم بالمدلول بوجه ما ولو كان ذلك المدلول معلوما فكل ذلك جواز أن يعلم شيء واحد بوجوه متعددة متعاقبة.
قوله (وهي المرادة هنا) لأن كلا من الدلالة العقلية والطبيعية غير منضبط يختلف باختلاف الطبائع والأفهام فاختص النظر بالدلالة الوضعيـة لانضباطها والاحتياج إليها في العلوم.
قوله (ولما كانت الدلالة إلخ) أي لا بالمعنى الكلي السابق بل بمعنى أخص منه وهي الدلالة اللفظية الوضعية ثم إن هذا تمهيد لوجه اختلاف تفسير الدلالة وإشارة إلى الجواب عن السؤال المورد على تفسيرها بالفهم وقد قررنا همـا فيما سبق وأصل هـذا الكلام للقطب في شرح المطالع قال والتحقيق أن ههنا أمورا أربعـة اللفظ وهو نوع من الكيفيات المسموعة والمعنى الذي جعل اللفظ بإزائه وإضافة عارضة بينهما وهي الوضع أي جعل اللفظ بإزاء المعنى وإضافة ثانية بينهما عارضـة لهما بعـد عروض الإضافة اللأولى وهي الدلالة فإذا نسبت أي اللفظ قيل إنه دال على معنى كون اللفظ بحيث يفهم المعنى العالم بالوضع عند إطلاقه وإذا نسبت إلى المعنى قيل إنه مدلول هـذا اللفظ بمعنى كون المعنى منفهما عند إطلاقه وكلا المعنيين لازم لهذه الإضافة فأمكن تعريفهما بأيهما.
قوله (اعتبرت إضافتها) أي نسبتها وملاحظة وصف اللفظ بها وكذا يقال في البقية وتفسير الحواشي هنا الإضافة بالإسناد ينبو عنه تمثيلهم فإن قولنا لفظ ذو دلالة تركيب توصيفي لا إسنادي وكذا البقية مع عدم استقامة قولهم سامع ذو دلالة ومن هنا استشكلوا قول الشارح (بل نسبة بينهما وبين السامع) فقالوا لو كانت نسبة بينهما وبين السامع لتوقفت على السامع لأن النسبة تتوقف على طرفيها مع أنها لا تتوقف عليه ويمكن أن يجاب عن الشارح بما حققه السيد في حاشية المطول من أن فهم السامع صفة له قائمة به لكنها متعلقة بالمعنى بلا واسطة وباللفظ بتوسط حرف الجر كما يدل عليه قولك فهم السامع المعنى من اللفظ فهناك ثلاثة أشياء الفهم وتعلقه بالمعنى وتعلقه باللفظ فالأول صـفة للسامع والأخيران صفتان للمعنى اهـ وحينئذ فمعنى كون الدلالة نسبة بين المعنى واللفظ والسامع هو أنه عند فهم السامع المعنى من اللفظ بالفعل تتحقق نسبة أخرى غير النسبة التي بين اللفظ والمعنى وتلك النسبة الأخرى أحد طرفيها اللفظ والمعنى والطرف الآخر السامع لكن هذه النسبة متوقفة على الفهم بالفعل وأما النسبة الأولى التي بين اللفظ والمعنى فهي متوقفة على وضع اللفظ لمعناه فقط فتدبر فإنه دقيق.
قوله(فتفسر بذلك) أي بما تقدم من قوله كون اللفظ إذا أطلق إلخ.
قوله (فتفسر) الدلالة (بفهم المعنى منه) أي اللفظ وقوله (أي انفهامه) أشار به إلى أن الفهم القائم بالمعنى أثر المعنى المصدري فالمعنى المصدري أي الفهم قائم بالسامع وأثره وهو الحاصل بالمصدر قائم بالمعنى.
قول(وأفهم قوله إلخ) شروع في بيان النسب بين الدلالات الثلاث باللزوم وعدمه وهي باعتبار مقايسة كل منها إلى الأخر بين ستة فالتضمن والالتزام يستلزمان المطابقة لأنهما تابعان لهـا والتابع من حيث هو تابع لا يوجد بدون المتبوع والمطابقة لا تستلزم التضمن لأن مسمى اللفظ قد يكون بسيطا كالوحدة والنقطة فهو يدل عليه بالمطابقة ولا تضمن لانتفاء الجزء ولا الالتزام فلا تلازم بينهما لانفكاك التضمن عن الالتزام في المركبات الغير الملزومة وانفكاك الالتزام عنها في البسائط الملزومة ولم يتعرض الشارح لهذه لفهمها مما ذكره.
قوله (لا تستلزم التضمن) أي لا يلزم من وجود المطابقة في كل مادة وجود التضمن إذ قد توجد المطابقة بدونها كما فى البسائط وفي الحاشية أن المطابقة لا تستلزم التضمن قضية طبيعية معدولة المحمول مثل قولنا الحيوان لا يستلزم الإنسان فسقط ما قيل إن هـذه القضية سالبة كلية وهي تنعكس كنفسها فيقال التضمن لا يستلزم المطابقة وهو باطل قطعا فإن التضمن يستلزم المطابقة ضرورة استلزام الجزء للكل اهـ وفيه أن جعل هذه القضية طبيعية لا يصح لأن الطبيعية على ما حققه الدواني في حاشية التهذيب ما حكم فيها على نفس الحقيقة مأخوذة من حيث إنها شيء واحد بالوحدة الذهنية فيصـدق عليها بهذا الاعتبار ما يتعدى إلى أفرادها ومعلوم أن الحكم بالاستلزام وعدمه إنما هو بين الأفراد لا بين الطبائع والحقائق بعضها مع بعض والعجب منه أنه قال عند قول الشارح لا تستلزم التضمن أي لا يلزم من وجود المطابقة في كل مادة إلخ فقد نظر إلى أن المحكوم عليه بذلك الحكم هو الأفراد فكيف يسوغ له بعد ذلك أن يجعل القضية طبيعيـة على أن القضية الطبيعية ليست من مسائل العلوم الحكمية كما قرروه وسنوضحه في قسم التصديقات إن شاء الله تعالى فالحق أنها موجبة مهملة ومهملات العلوم كليات.
قوله (وكذا لا تستلزم الالتزام) فصله عما قبله لأنه ليس ما يفهم من كلام المصنف ولقيام خلاف الرازي فيه بخلاف الأول.
قوله (خلافا للفخر الرازي) فإنه قال أن المطابقة يلزمها الالتزام لأن لكل ماهية لازما ذهنيا وأقله أنها ليست غيرها والدال على الملزوم دال على لازمه البين بالالتزام وأجاب شارح المطالع بأن قوله كون المعنى ليس غيره لازما بينا إن أراد أنه بين بالمعنى الأخص فمنوع إذ كثيرا ما نتصور شيئا ويخطر ببالنا غيره وإن أراد أنه بين بالمعنى الأعم فسلم ولكن لا يفيد إذ المعتبر في دلالة الالتزام هو المعنى الأخص.
قوله (ضرورة) ليس المراد بها ما قابل النظر لأن هذا المطلب استدلالي بل المراد بها الوجوب ودليل الاستلزام ما ذكرناه سابقا وشارح المطالع بعد أن قرر الدليل المذكور قال هذا هو المسطور في كتب القوم وإنهم وإن أصابوا في الدعوى لكنهم مخطئون في البيان ثم شرع في بيان ذلك بكلام مبسوط تركناه وهاهنا بحث نفيس وهو أن لفظ الفعل بدون ذكر الفاعل يدل على الحدث والزمان تضمنا ولا يدل على معناه الموضوع له مطابقة لتوقفه على ذكر الفاعـل وكذا يدل على فاعل ما التزاما بدون دلالته مطابقة وأجيب بأجوبة منها أن ذكر الفعل بدون الفاعـل وإن لم يدل مطابقة تحقيقا لكنه يدل مطابقة تقديرا بمعنى أنه يدل مطابقة على تقدير ذكر الفاعل فالمراد بالمطابقة ههنا أعم من التحقيقية والتقديرية وإلى هذا أشار صاحب التهذيب بقوله وتلزمها المطابقة ولو تقديرا لكن زيف هذا الجواب صاحب الحواشي الفتحية بما فيه طول ثم قال ومنهم من أجاب عن هـذا السؤال بأن دلالة الفعل على معناه بدون ذكر الفاعل ليست وضعية فليس هناك تضمن ولا التزام وفيه أنها لو لم تكن وضعية لكانت عقلية أو طبيعية ومن البين أنها ليست كذلك وأجاب عن أصـل الإشكال بأنه إنما يتوجه على القول بأن لفظ الفعل موضوع للحدث والزمان والنسبة إلى فاعل معين من قبيل الوضع العام للموضوع له الخاص وأما على القول بأنه موضوع للحدث والزمان والنسبة إلى فاعل ما لا على التعيين فلا إشكال أصلا ومن الجائز أن لا يكون بيان النسبة بين الدلالات الثلاث مبنيا على هذا القول.
قوله (ودلالة المطابقة لفظية) اختلف في دلالة التضمن والالتزام فقيل وضعيتان لأن وضع اللفظ للمجموع كما أنه واسطة لفهم المجموع منه هو واسطة لفهم الجزء واللازم وعزى هذا القول للأكثرين وقيل المطابقة وضعية وأختاها عقليتان لأن اللفظ الموضوع للمجموع لم يوضع للجزء ولا للازم فلا يدل عليهما بالوضع بل بالعقل لأن فهم المجموع بدون فهم جزئه محال عقلا ومثله اللازم واختاره صاحب المحصول والسبكي وابن التلمساني والهندي وغيرهم وقيل التضمنية وضعية كالمطابقة والالتزامية عقلية لأن الجزء داخل فيما وضع له بخلاف اللازم فإنه خارج عنـه واختاره الآمدي وابن الحاجب وقيل إن لكل من العقل والوضع مدخلا في التضمن والالتزام فيصح أن يقال إنهما عقليتان باعتبار أن الانتقال إلى الجزء واللازم إنما حصل بالعقل ووضعيتان باعتبار أن الوضع سبب لانتقال العقل فيها فهما وضعيتان باعتبار آخر وهذا خلاف لا طائل تحته ومنشؤه أن الوضع سبب في فهم المعنى من اللفظ وفهم المعنى سبب في فهم جزئه أو لازمه فالوضع بالنسبة لفهم المعنى من اللفظ سبب مباشر وبالنسبة لفهم الجزء أو اللازم سببُ سببٍ فقد تحقق قضيتان الأولى كلما أطلق اللفظ فهم معناه الثانية كلما فهم المعنى فهم جزؤه أو لازمه فالمطابقة لما لم تستند إلا إلى الأولى اتفقوا على أنها وضعية لاستنادها لمقدمة مبنية على الوضع والأخريان مستندتان إلى كلا المقدمتين فمن نظر إلى استنادهما للأولى قال وضعيتان أيضا ومن نظر إلى استناد هما للثانية قال إنهما عقليتان لاستنادهما إلى مقدمـة منشؤها العقل.
قوله (واللوازم ثلاثة) شروع في تقسيم اللزوم إلى الأقسام المذكورة وبيان أن المراد منها عند المناطقة هو اللزوم الذهني ثم إن اللزوم الذهني إما بين أو غير بين فغير البين ما يحتاج الجزم باللزوم فيه بعد تصور الملزوم واللازم إلى وسط والوسط ما يقترن بقولنا لأنه وذلك كلزوم الحدوث للعالم فإن الجزم بلزوم الحدوث له يحتاج لوسط وهو لأنه متغير مثلا وأما البين فهو ما لا يحتاج لذلك ثم تارة يكفي في الجزم باللزوم تصور الملزوم وهو اللازم البين بالمعنى الأخص كلزوم الزوجية للأربعـة والبصر للعمى وتارة يحتاج لتصوير الطرفين أعني الملزوم واللازم وذلك كلزوم صنعة الكتابة وقبول العلم للإنسان فإن الجزم باللزوم بينهما يحتاج لتصور الطرفين و يسمى لازما بينا بالمعنى الأعم.
قوله (كقابل العلم) هذا لازم بين بالمعنى الأعم كما علمت.
قوله (خارجا فقط) أي لا ذهنا كسواد الغراب و بياض الرومي وسواد الزنجي فإن التلازم في هـذه الأمثلة خارجي وقد ينفك ذهنا كتصور غراب أبيض ورومي أسود وزنجى أبيض.
قوله (ولازم ذهنا فقط) أي لا خارجا.
قوله (كالبصر للعمى) فإنه يلزم من تصور معنى العمى معنى البصر ذهنا مع أن بينهما معاندة في الخارج فقد استفدت أن النسبة بين اللزوم الذهني واللزوم الخارجي إنما هو التباين الجزئي أعني العموم والخصوص الوجهـي فــما وقع في الحاشية هنا وتبعه غيره من أن النسبة بينهما العموم والخصوص المطلق والذهني هو الأعم ذهول عن كلام الشارح فإنه قيد قسمين بقيد فقط وأطلق الثالث وقولهم في توجيه دعوى العموم والخصوص المطلق لأنه كلم تحقق اللزوم الخارجي في سواد الغراب مثلا مع عدم تحققه ذهنا والعجب من البعض أنه بعد أن تابع المحشي فى دعوى العموم المطلق اعترف بانفكاك الخارجي عن الذهني حيث قال عند قول الشارح كالسواد للغراب والزنجي إلخ إنما لم يكن ذهنيا أيضا لأن العقل لا يحيل غرابا أبيض فهذا مما يبطله المقدمـة القائلة كلما تحقق اللزوم الخارجي تحقق الذهني التي هي مبنى العموم والخصوص المطلق.
قوله (لأن اللزوم الخارجي) قال أرباب الحواشي إن الشارح تبع حسام كاتي في الاستدلال بهذا الدليل وهو أعم من المدعى وزعموا أن المدعى هو أن اللزوم الذهني فقط هو المعتبر في دلالة الالتزام والذي أنتجه الدليل هو أن اللزوم الخارجي ليس بشرط وحيث بطل أحد الأقسام الثلاثة وهو اللزوم الخارجي بقي احتمال إرادة قسمي اللزوم الذهني وهما الذهني فقط والذهني والخارجي وهذا أعم من المدعى الذي هو إرادة اللزوم الذهني فقط هذا خلاصة ما قرره منقحا مهذبا ثم قيل في الجواب عنه عند قول الشارح لأن اللزوم الخارجي أي ولو مع الذهني لو جعل شرطا إلخ وكل من السؤال والجواب إلا موقع له أما الأول فلإن مدعى الشارح هو أن اللزوم الذهني مطلقا الصادق بالقسمين وهذا عين ما أنتجه الدليل ولكنهم لما قيدوا المدعى بقيد فقط استشكلوا الدليل مع أن هذا القيد لم يدل عليه سوق كلامه ولا يقتضيه بل لم يوجد التصريح به في كلام غيره فإن هذه الدعوى والدليل مذكوران في شرح القطب للمطالع والشمسية وغالب كتب المنطق فليس الشارح تابعا لحسام كاتي مخترعا لهما فهذا من قلة التتبع وأما الثاني فإنه بعـد التنزل وتسليم ورود السؤال فإن ذلك السؤال عند النظار يرجع لمنع التقريب والتقريب هو سوق الدليل على وجه يستلزم المطلوب وإنما يتم التقريب إذا كان اللازم من الدليل أعني المدعى أو ما ينعكس إليـه أو الأخص مطلقا من أحدهما أما إذا كان اللازم من الدليل مباينا للمدعى أو أعم منه مطلقا أو من وجه فلا يتم التقريب والجواب عن منع التقريب عندهم إما بتحر ير المدعى الذي منع تقريب دليله أو بمنع منع التقريب بتحرير بعض أجزاء الدليل وهو تحرير الصغرى بزيادة قول المجيب ولو مع الذهني وهـذا ليس من التحرير في شيء إذ لا قرينة على هذه الزيادة بل هو تغيير للدليل وانتقال لدليل آخر فيعد في عرفهم انقطاعا للبحث بسبب إفحام المعلل كما صرح به في التوضيح الأصولي.
قوله (لامتناع تحقق المشروط إلخ) هـذا بيان للملازمة لأنها نظرية وسطة بينها وبين الاستثنائية وهي قوله واللازم باطل ومعناه أنه على تقدير جعل اللزوم الخارجي شرطا يلزم أن لا توجد الدلالة الالتزامية بدونه لأن المشروط وهو الدلالة الالتزامية هنا لا يوجد بدون شرطه وهو اللزوم الخارجي هنا فإنه يلزم من عدم الشرط عدم المشروط وقوله واللازم باطل هذا هو الاستثنائية أي لكن التالي وهو عدم وجود الدلالة الالتزامية عنـد انتفاء اللزوم الخارجي باطل لأنها توجـد مع كونه معدوما فلم يكن شرطا.
قوله (لأن العدم كالعمى) في المحشي والصواب أن يقول لأن العمى يدل على الملكة أو على البصر اهـ ولا يخفاك أن الاشتغال بأمثال هذه الأمور اللفظية من ضيق الفطن وتطويل للكلام بلا طائل فإن عبارة الشارح تستقيم بتقدير مضاف أي دال العدم كالعمى إلخ فالتعبير بالصواب ليس بصواب ثم إن المثال مبني على أن التقابل بين العمى والبصر تقابل العدم والملكة وهو مذهب الحكماء والكلام هنا باصطلاحهم وعند أهل السنة كلاهما وجودي فالتقابل عندهم تقابل الضدين.
قوله (لأن العمى عدم البصر) لا يقال دلالة العمى على البصر تضمن إذ العمى هو عدم البصر فيكون البصر جزأ من مفهومه لأنا نقول معنى العمى هو العدم المضاف إلى البصر وهو خارج عن مفهومه وفي الحاشية البصر الذي هو قيد خارج عنه اهـ وفيه إجمال إذ يحتمل أنه ليس جزأ منه أو من مفهومه فقد قال في شرح المطالع في قسم التصديقات فرق ما ما بين جزء الشيء وجزء مفهومه فإن البصر ليس جزأ من العمى وإلا لم يتحقق إلا بعد تحققه بل هو جزء مفهومه حيث لم يمكن تعقله إلا مضافا إليه هذا وكان العلامة الشهير بمير صـدر استند لما نقلناه عن شرح المطالع فقال إن البصر جزء مفهوم خارج عن الماصدق لأن العمى العدم والنسبة والبصر فتكون دلالة العمى على البصر تضمنية لا التزامية اهـ وقد يقال إن المراد بالجزئية بحسب المفهوم أن يكون تعقل مفهوم أحدهما لايتصور بدون مفهوم الآخر فتوقف تصور العمى على البصر ظاهر لا يمكن إنكاره وأما كونه جزأ فممنوع لأن تصور المعنى المطابق للفعل موقوف على تصور الفاعل لأن النسبة مأخوذة في معناه وتصور النسبة موقوف على تصور الطرفين والفاعل خارج عن معنى الفعل إتفاقا فدلالته عليه التزامية لا يقال أن فهم البصر متقدم على فهم العمى فكيف تكون دلالة العمى على البصر التزامية مع أن الواجب تأخير تلك الدلالة عن المطابقة لكونها تابعة لها لأنا نقول صرح السيد في حاشية المطالع بأن فهم المدلول الالتزامي قد يكون متقدما على فهم المسمى كالملكات بالقياس إلى عدماتها.
قوله (عما من شأنه) أي شأن شخصه كالبصر الذي عرض له العمى فإن شخصه قابل للبصر أو شأن نوعه كالأكمه فإن شأن نوعه وهو الإنسان أن يقبـل البصر أو شأن جنسه القريب كالعقرب فإن شأن جنسه القريب وهو الحيوان أن يقبل البصر وزيد هـذا القيد أعني عمـا من شأنه إلخ لإخراج الجمادات فلا يطلق عليها لفظ العمى إذ ليس من شأنها البصر.
قوله (مع أن بينهما) أي البصر والعمى معاندة في الخارج فهما متقابلان تقابل العدم والملكة عند الحكماء وتقابل الضدين عند المتكلم.
(تذييل) ههنا مغالطة مشهورة وهي أن اللزوم لا تحقق له فإن الأمرين اللذين بينهما تلازم إما أن يجوز انفكاك ذلك اللزوم بينهما في الواقع أو لا والأول يستلزم جواز انفكاك اللازم عن الملزوم وهو ينفي اللزوم بينهما والثاني يستلزم التسلسل إذ ينقل الكلام إلى لزومـه فإن جاز انفکاکه عنه في نفس الأمر انتفى اللزوم فجاز انفكاك اللازم عن الملزوم فيها وإن امتنع كان لازما للملزوم فيها وهكذا ولا مجال للقول بأن لزوم اللزوم نفس اللزوم لأنه نسبة بين اللزوم والطرفين فيكون مغايرا لطرفيـه فتسلسل اللزومات المتحققة في نفس الأمر وأجيب بأجوبة منها منع استحالة هذا التسلسل لكونه في الأمور الاعتبارية ولا استحالة فيه إذ وجود تلك اللزومات في الواقع ليس إلا بوجود ما تنتزع هي منه لا بصور متغايرة فلم يلزم تحقق اللزومات الغير المشاهدة في الواقع ومنها أن ما ذكرتم إن استلزم المطلوب تحقق اللزوم وهو خلاف مدعاكم وإن لم يستلزم فلا محذور وقد تقرر هذه الشبهة بغير ما ذكر كالجواب عنها.