قوله (القول الشارح) ويرادفه المعرف بكسر الراء والقول يطلق على الملفوظ والمعقول ولابد أن يكون مركبا لأنهم رفضوا التعريف بالمفرد بل قال بعضهم إنه غير صحيح صرح بذلك قول أحمد في حواشي الفناري نقله المحشي وذكر السيد تبعا للقطب أن الحق هو أن التعريف بالمعاني المفردة جائز عقلا إلا أنه لما لم ينضبط انضباط التعريف بالمعاني المركبة ولم يكن أيضا للصناعة فيه مدخل لم يلتفتوا إليه قال وهـذا هو تحقيق ما نقل عن ابن سينا يعني منعه التعريف بالمفرد وتوضيح هذا المقام أن القول الشارح من أفراد النظر وقد عرفوا النظر بترتيب أمور معلومة أو مظنونة للتأدي إلى مجهول وأورد على التعريف أنه غير جامع لخروج تعريف المجهول التصوري بالفصل وحده وبالخاصة وحدها فإن هذا التعريف من أقسام النظر مع خروجه عن حده وأجيب عنـه بوجوه الأول أنه قليل وهو منقول عن ابن سينا وهو مردود لأن المقصود تحديد مطلق النظر فيجب اندراج القليل والكثير.
الثانى أن مفهومهما أعم من المحدود فلا بد من القرينة العقلية فيكون الترتيب بينهما فالترتيب لازم، الثالث أنهما مشتقان ومعنى المشتق شيئ له المشتق منه فهناك تركيب قطعا وكلاهما مردود، أما الأول فلأن اعتبار القرينة مع الفصل يخرجه عن كونه حـدا إلا أن يجوز الحد الناقص بالمركب من الداخل والخارج، وأما الثاني فلعدم انحصار التعاريف بالمفرد في المشتقات بل أكثره بالمشتقات فمن ثم قال بعض الفضلاء الحق أن التعريف بالمعاني المفردة جائز عقلا فيكون هناك حركة واحدة من المطلوب إلى المبدأ الذي هو معنى بسيط يستلزم الانتقال إلى المطلوب من غير حاجة إلى قرينة إلا أنه لما لم ينضبط انضباط التعريف بالمعاني المركبة ولم يكن للصناعة والاختيار فيه مزيد مدخل لم يلتفتوا إليه وخصوا حـد النظر بماهية المعتبر منه وهـذا تحقيق المنقول عن ابن سينا ومنهم من استصعب الإشكال فغير تعريف النظر إلى تحصيل أمر واحد وترتيب أمور حاصلة للتأدي إلخ، وهذا مذهب المتأخرين على ما في حاشية حسن جلبي على المواقف.
قوله (لشرحه الماهية) قيل ظاهره أن ذلك علة لمجموع قوله القول الشارح وليس كذلك فكان الأولى في البيان سمي شارحا لشرحه الماهية اهـ وكأنه مبني على النسخة التي كتبوا عليها بإسقاط قوله سمي شارحا والنسخة التي بين يدي هكذا سمي شارحا لشرحه الماهية وعليها فلا اعتراض على أن نسختهم لا يرد عليها ذلك فإنه تعليل لقوله الشارح فقط وأما أن القول يطلق على المركب الملفوظ والمعقول فشهرته في الاصطلاح تغني عن ذكره فتدبر وفي الحاشية أن التعريف من جملة الأمور التي لا يطلب الدليل عليها بل يطلب عليه النقل من اللغة اهـ وأقول الذي يطلب عليه النقل من اللغة هو التعريف اللفظي للحقائق اللغوية وأما تعريف الماهيات الاصطلاحية فإنما يطلب النقل عليها من الاصطلاح وفيها أيضا أن التعريف يرد عليه النقض والمناقضة اهـ والأول مسلم دون الثاني فإن المناقضة منع مقدمة معينة من الدليل فهي بهذا المعنى لا يقبلها التعريف وأما النقض الوارد عليه فهو بمعنى الإبطال لا بالمعنى المشهور في باب التصديق وهو إبطال الدليل بشاهد.
قوله (ما تستلزم معرفته إلخ) لفظ المعرفة يطلق على أمرين أحدهما اتضاح أمر للعقل بعد أن كان مجهولا له. الثاني خطور أمر للعقل ولفظ المعرفة وقع في التعريف ثلاث مرات أحدها قوله المعرف فإنه مشتق من لفظ المعرفة الثاني والثالث قوله ما تستلزم معرفته معرفته فالمعرف أولا بمعنى المحصل لما كان مجهولا عند العقل والثاني بمعنى الخطور بالبال والثالث بالمعنى الأول فالمعرف إذا ذكر للسامع كان مقصودا منه أن هذه الأجزاء اشتمل عليها المعرف وكانت معلومة عنـد السامع تذكر لتخطر بباله ويؤتى بها محمولة على المعرف فيحصل له بسبب ذلك ما كان مجهولا عنده وهو كون تلك المعقولات التي كانت معلومة عنده وأخطرت الآن بباله جملتها هي حقيقة المعرف التي كانت مجهولة عنده هذا هو معنى كلامه ويرد عليـه أمور الأول أن لفظ المعرفة إن كان حقيقة فيهما لزم اشتمال التعريف على المشترك أو حقيقة ومجازا لزم دخول المجاز وأجيب عنه بأنا نختار الثاني وقرينة المجاز معنوية هي امتناع تعريف المجهول بالمجهول وهـذا الجواب ضعيف لأن هـذه القرينة خفية فالأحسن الجواب بمنع الاشتراك والحقيقة والمجاز والمصير لما اختاره البعض من أن إطلاق المعرفة على المعنيين من قبيل المتواطئ فهي بمعنى تصور الشيئ الذي هو قدر مشترك بينما كان عن جهل أو غفلة. الثاني أنه ليس بمانع لدخول الملزومات بالنسبة إلى لوازمها البينة كالأربعة بالنسبة للزوجية والعمى بالنسبة للبصر فإن تصور الملزوم كالأربعـة والعمى يستلزم تصور اللازم كالزوجية والبصر .الثالث أن قوله ما يستلزم معرفته إلخ يقتضي أن مجرد تصور المعرف يكفي في تصور الحقيقة وليس كذلك بل السبب مجموع أمرين التصور المذكور وحمل المعرف على الحقيقة ولذا قال في التهذيب معرف الشيئ ما يقال عليه لإفادة تصوره وقد يجاب عن هـذا الأخير بأنه لما كان أمر الحمل شهيرا لم يتعرض له إذ المعرِّف لابد وأن يحمل على المعرَّف وبه يندفع الاعتراض الثاني كما لا يخفي وقد أجيب عنه أيضا بأن المراد بالاستلزام بطريق النظر بقرينة أن الموصل إلى التصور بالنظر هو القول الشارح لكن قال الدواني إنه لا يخلو عن ضعف وتكلف اهـ ووجه الثاني أن تقييد الاستلزام بما يكون بطريق النظر مع أن المتبادر منه هو العموم تكلف ظاهر وأما الأول فلأن الاعتماد في التعريف على مثل هذه القرائن البعيدة مع وجوب كون التعاريف محمولة على ما يتبادر منها ضعيف قطعا فإن قلت إذا كان تصور حقيقة المعرف موقوفا على حمل المعرف عليها والحمل هو الحكم لزم بطلان ما يلهج به القوم من أن الحكم على الشيئ فرع تصوره إذ صار تصوره فرع الحكم عليه والجواب ما أفاده في الحاشية الفتحية من أن حمل الشيئ على الشيئ قد يكون لإفادة التصديق بحال الموضوع وهو الأكثر وقد يكون لإفادة تصور الموضوع بعنوان المحمول كما في أقسام المقول في جواب ماهو وأي شيئ هو اهـ فقول من قال في تعريف التعريف هو ما يقال على الشيئ لإفادة تصوره فيه إخراج القسم الأول من الحمل بقيد لإفادة تصور، وأما الحمل الذي يراد منه إفادة اتصاف الموضوع بصفة يجهل المخاطب اتصافه بها فهو المراد بقولهم الحكم على الشيئ فرع تصوره وفي الحاشية أن البعض اعترض على التعريف بعدم المانعية لدخول التعريف بالمفرد كالفصل وحـده والخاصة وحدها وجعل التعريف بالأول من قبيل الحد الناقص و بالثاني من قبيل الرسم الناقص عند الأكثرين وحينئذ فيجب دخول التعريف بالمفرد في التعريف وإلا كان غير جامع فدخوله لا يعترض به إنما يعترض بخروجه لأن التعريف هنا كلي شامل لسائر المعرفات الحدود والرسوم تامها وناقصها وقد عرفناك سابقا أنه يجب شمول التعريف لسائر الأقسام وأما أن التعريف بالمفرد وحده غير معتبر فشيئ آخر فالحق إدراج التعريف بالمفرد كالفصل والقول شامل له كما أفاده بعض الأفاضل فإنه مركب معنى والعبرة بالمعاني لا بالألفاظ في هذا الباب فالمراد بالقول ما كان معناه متعدد الأجزاء فيشمل مثل الناطق فتأمل ثم إن جواب المحشي عن اعتراض البعض يقتضي تسليمه مع أن تسليمه مفيد كلام الشارح الآتي على أن الجواب في نفسه غير صحيح لأن جعل ما واقعة على مركب كما زعم لا قرينة تدل عليه فإن زعم دلالة قوله القول الشارح وقوله و يقال له التعريف فمنوع لأن هذه جمل مستقلة غير مرتبطة بقوله معرف الشيئ إلخ وفيها أيضا أنه إذا أريد بالمعرفة في هذا التعريف المعرفة بالكنه فقط صار تعريف المعرف غير جامع لخروج الرسم التام والرسم الناقص وإن أريد المعرفة بوجه لم يتناول الحد التام فلم يكن جامعا أيضـا فـكان عليه أن يقول مثل ما قال صاحب الشمسية معرف الشيئ ما يستلزم معرفته معرفته أو امتيازه عن كل ما عـداه قال القطب في الشرح وإنما قلنا أو امتيازه عن كل ما عداه ليتناول الحد النقص والرسوم فإن تصوراتها لا تستلزم تصور حقيقة الشيئ بل امتيازه عن جميع أغياره وهـذا من المحشي عجيب فإنه فهم عبارة الشمسية على خلاف ما قررها به الشراح ونقل عجز كلام القطب وكأنه لم يتدبر صدره فإن القطب وكذلك السعد في شرحها حملا التصور في كلام الشمسية على التصور بالكنه قالا و لو لم يرد ذلك لكان أحـد القيدين مغنيا عن الآخر ثم قالا فدخل بالقيد الأول الحد التام و بالثاني الحـد الناقص والرسم اهـ فأنت ترى كيف احتاجا لتأويل عبارة الشمسية بحمل التصور على التصور بالكنه لتصحيح القيد الثاني وعدم زيادته فلو حمل التصور على التصور بوجه ما كان القيد الثاني زائدا وحينئذ فتحمل عبارة الشارح هنا على المعرفة بوجه أعم الصادق ذلك بالمعرفة بالكنه وبوجه ما ولا حاجة لهذه الزيادة ويؤيد ما قلناه اقتصار القطب في شرح المطالع على القيد الأول حيث قال معرف الشيئ ما يكون تصوره سببا لتصور الشيئ والمراد بتصور الشيئ التصور بوجه ما أعم من أن يكون بحسب الحقيقة أو بأمر صادق عليه ليتناول التعريف الحد والرسم معا اهـ ومعلوم أن تعريف الشارح يرجع لهذا التعريف فيراد المعرفة بوجه ما بدون احتياج لهذه الزيادة التي ادعى احتياج التعريف إليها وفيها أيضا نقلا عن البرهان في حواشي الفناري أن الشيئ الذي قصد تعريفه يجب أن يكون معلوما بوجه ما وإلا لو كان مجهولا للزم طلب المجهول المطلق وهو غير معقول ولا بد أن يكون ذلك الشيئ أيضا مجهولا من وجه وإلا لو كان معلوما من كل وجه للزم تحصيل الحاصل إذا عرفت هذا فالتعريف هو تحصيل الوجه المجهول وتحصيله بأن تتصوره ثم تضمه إلى الوجه الذي كان معلوما عندك ومعنى ضمه له أن يتصور ثبوته له فإذا تصورت ثبوته له لزم تصور ثبوته للشيئ الذي تصورته بالوجه ثم أوضحه بكلام فيه خفاء وتوضيحه أن الإنسان مثلا معلوم بالجسم وهو ليس بمعلوم بالناطق فأريد علمه به أيضا والناطق لكونه أعم بحسب المفهوم منه لا ينتقل منه إلى الإنسان فلا بد من واسطة وهي تصور ثبوت الناطق للجسم الثابت للإنسان حتى يصح الانتقال منه وهـذا التصور ملحوظ بطريق التوصيف لا بطريق الإخبار فلا يلزم توقف التصور على التصديق.
قوله (أو ببعضها) أي الذاتيات أي من غير انضمام عرض إليها أخذا مما بعده وكلامه صادق بالجنس وحده و بالفصل وحده ولا فرق في كل منهما بين القريب والبعيد وفيه نظر ظاهر فقد قال في شرح الإشارات والحد منه تام يشتمل على جميع المقومات أي الذاتيات كقولنا الإنسان حيوان ناطق ومنه ناقص يشتمل على بعضها إذا كان مساويا للمحدود كقولنا في الإنسان إنه جسم ناطق أو جوهر ناطق اهـ وتأمل قوله إذا كان مساويا للمحدود لتعلم منه أن التعريف بالجنس وحده ليس حدا ناقصا وكذا الفصل البعيد كذا في الحاشية وأقول قد علمنا ذلك ونمنع أنه ليس بحد ناقص فإن ما في الإشارات مبني على اشتراط المساواة في التعريف وهو كما قال الدواني ليس مذهب المحققين قالوا المقصود من التعريف التصور سواء كان بوجه مساو أو أعم أو أخص وللصناعة في جميعها مدخل فلا وجه لعدم اعتبارهما نعم يشترط في المعرف التام قال أبو نصر الفارابي في المدخل الأوسط بعد ذكر الحدود وما كان منها أعم من الاسم المحدود كان ذلك حـدا ناقصا ثم قال في الرسوم وما كان منها يفهم بنحو يخص الشيئ و يساوى المفهوم عن اسم الشيئ كان ذلك رسما كاملا وما كان منها أعم أو أخص كان ذلك الرسم رسما ناقصا اهـ هذا كلامه ولم يذكر في الحد الأخص لعدم إمكانه ضرورة امتناع كون جزئي الشيئ أخص منـه وإلا لتحقق الكل بدون جزئه وأنه بديهي البطلان.
قوله (أو بغير ذلك) يشمل الجنس البعيد مع الخاصـة أو العرض العام أو الخاصة فقط أو العرض العام فقط أو الخاصة مع العرض العام وأما المركب من الفصل والخاصة فالفصل يفيد التمييز والاطلاع على الذات وحينئذ فلا حاجة إلى ضم الخاصة إليه لأن إفادتها التمييز إنما هو عند ضمها مع شيئ آخر غير الفصل اه حاشية، وأقول في شرح المطالع أن الفصل وحده إذا أفاد التمييز الحدي فهو مع شيئ آخر أولى بذلك فلم يتم قوله فلا حاجة إلى ضم الخاصة.
قوله (وبقي خامس) هـذا نقض للحصر السابق لكنه مبني على أن التعريف اللفظي من المطالب التصورية وهو ما اختاره السعد وحقق السيد في حاشية التجريد أنه من المطالب التصديقية فإنه قال المقصود منـه الإشارة إلى صورة حاصلة وتعيينها من بين الصور الحاصلة ليعلم أن اللفظ المذكور موضوع بإزاء الصورة المشار إليها فما له إلى التصديق والحكم بأن هذا اللفظ موضوع بإزاء ذلك المعنى فلذلك كان قابلا للمنع فيحتاج إلى النقل من أصحاب اللغة والاصطلاح اهـ وعليه فلا إيراد والعجب أن في كلام الشارح ما يقتضي الميل لكلام السيد حيث قال وهو ما أنبأ إلخ إذ الإنباء الإخبار ولا يكون إلا في التصديقات ففيه إيمـاء لعـدم وروده على الحصر فـما في الحاشية من دخوله في الرسم كالتعريف بالمثال والتقسيم مبني على أنه من المطالب التصورية لكن جعل المثال والتقسيم من قبيل المعرفات وأنهما رسمان وإن قال به غيره تساهل نعم التقاسيم تتضمن التعاريف لا أن نفس التقسيم تعريف لأن الغرض من كل منهما مختلف إذ الغرض من التقسيم تحصيل الأقسام ومن التعريف تصور المعرف فمن ثم تراهم دائما يقدمون تعريف الشيئ على تقسيمه لأن الشيئ تعرف حقيقته ثم يقسم بعد ذلك إلى أقسام وأما المثال فليس مما يورد في مقام التصورات بل التصديقات يدل عليه قولهم إنه جزئي يذكر لإيضاح القاعدة فإن قلت يعنون بالمثال ما يقال للعلم كالنور مثلا قلت هذا تشبيه لا تمثيل فتدبر و للعلامة مير زاهد ههنا تحقيق نفيس فإنه قال إن قولهم في التعريف اللفظي الغرض منـه إحضار صورة إلخ فيه إشارة إلى أن التعريف اللفظي يحصله الإنسان لغيره لا لنفسه ولا يلزم تحصيل الحاصل فإن قصد إحضار الشيئ لا يتصور بدون حضوره ثم قال وتحقيق المقام أن التعريف اللفظي يحصل منه إحضار معنى اللفظ وأيضا التصديق بأن اللفظ موضوع لهذا المعنى فإن أورد التعريف اللفظي في العلوم اللغوية فالمقصود منه بالذات التصديق وبالعرض التصوير إذ نظر أرباب تلك العلوم مقصور على الألفاظ وإن أورد في العلوم الحقيقية فالمقصود منـه بالذات التصوير و بالعرض التصديق على ما تقتضيه وظيفة هذه العلوم.
قوله (بلفظ أظهر مرادف) قيد به لأنه الأكثر وإلا فقد يكون بالأعم كقولهم سعدان نبت وبالأخص كقول صاحب القاموس لهـا لهوا لعب اهـ واللعب نوع من اللهو وههنا كلام مستأنف فإن قوله سابقا القول الشارح ترجمـة أي هـذا باب بيان أقسام القول الشارح وقوله الحد إلخ شروع في ذكر المترجم له قال المحقق الطوسي في شرح الإشارات إن اسم الحد يقع بالاشتراك اللفظي على التام الدال عليها بالمطابقة والناقص الدال عليها لا بالمطابقة بل بالالتزام و يقع على الحدود الناقصة بالتشكيك لأن المشتمل على أجزاء أكثر أولى بهذا الاسم من المشتمل على أجزاء أقل فإن أطلق هـذا الاسم فالواجب أن يحمل على التام الذي هو الحد الحقيقي وحده اهـ فقول المصنف الحـد قول دال إلخ مراده الحـد التام كما أفصح به بعد ذلك بقوله وهو الحد إلخ وقوله دال أي بالمطابقة فخرج عن التعريف القضية الدالة على عكسها والملزوم المركب الدال على لازمه البين فإن الدلالة في هـذين التزامية وإضافة ماهية إلى الشيئ للعهد كما هو الأصـل في وضع الإضافة ولا موجب للعدول عنه هنا أي الماهية المعهودة وهي جميع أجزاء المحـدود و يدل له قول المصنف وهو الذي يتركب من جنس الشيئ وفصله القريبين وإنما فسر الشارح الماهية بالحقيقة لأن الماهية كما سلف قد تشمل المعدومات وقد قيل إن المعدومات ليس لها تعاريف حقيقة بل تعاريف اسمية كما بينا ذلك في حاشيتنا الصغرى على الولدية هكذا ينبغي أن تفهم عبارة المصنف ولهم ههنا تكلفات يأباها الطبع المستقيم حملهم عليها التعميم في الحد بجعله شاملا للتام والناقص وإضافة ماهية للجنس فصرفوا بيان كلام المصنف عن ظاهره المتبادر منه بدون داع إلى ذلك فإن قلت الدال بالمطابقة لا يكون إلا لفظا فيلزم أن يكون التعريف للحد اللفظي مع أنه سلف أن القول يطلق على الملفوظ والمعقول فيلزم خروج القول المعقول فلا يكون الحـد المعقول داخلا في التعريف مع وجوب شموله له قلت إنما تعرضوا للحد اللفظي؛ لأن الحدود إنما تذكر للجاهل بحقيقة الشيئ فلا بد من اللفظ حينئذ ضرورة الإفهام والتفهيم ولك أن تقول إن التعريف شامل للعقلي أيضا بمعنى أنه لو ذكر اللفظ الدال عليـه لـكان دالا بالمطابقة على المحدود وما قيل هنا إن قوله على ماهية الشيئ أي كلا أو بعضا كما في الحد الناقص وأورد عليه أن التعريف حينئذ غير مانع لشموله الرسم التام و بعض أفراد الرسم الناقص اهـ فظاهر فساده مما قررناه سابقا تأمل.
قال مير زاهد التعريف تسعة أقسام لأنه إما حقيقي أو لفظي والأول ينقسم إلى التعريف بحسب الحقيقة وهو ما يحصل به تصور ما علم وجوده في الخارج ونفس الأمر وإلى التعريف بحسب الاسم وهو ما يحصل به تصور ما لم يعلم وجوده وكل منهما ينقسم إلى الحد والرسم وكل من هذه الأربعة ينقسم إلى التام والناقص اهـ أقول وقد بينت هـذه الأقسام في الحواشي الصغرى التي كتبتها على الولدية وهي الحواشي التي ألفتها بدمشق الشام.
قوله (أي حقيقته الذاتية) أي المنسوبة إلى الذات بمعنى الأفراد كما تقدم تقريره في مبحث الذاتي فاندفع قول من قال الأولى أن يقول حقيقته وذاته لأن الذات نفس الحقيقة والمنسوب غير المنسوب إليه.
قوله (وهو الذي يتركب) قيل الضمير عائد على الحد التام في ضمن مطلق الحد أو إلى الحد لا بالمعنى السابق بل بمعنى الحد التام ويكون في كلامه استخدام ويحتمل رجوع الضمير إلى مطلق الحد و يكون قوله والحد الناقص معطوفا على الذي وقوله وهو الحد التام معترض اهـ وهـذا من جملة التعسفات التي ارتكبوها في عبارة المصنف وقد علمت مما قررنا به كلامه ضعف ذلك كله وعدم الاحتياج إليه وأن مبناه التعميم في الحد وجعله إضافة الماهية جنسية والحق أن الضمير عائد على الحد التام ولا تعميم ولا استخدام.
قوله (وهو الذي يتركب من جنس الشيئ وفصـله القريبين) ذكر في الحاشية قاعدة يعرف بها الفرق بين الجنس القريب والبعيد وأصلها لمحيي الدين الرومي في حاشية حسام كاتي وترك العزو إليه.
قوله (وخرج بذكر ماهية الشيئ الرسم) تقدم أن المراد بماهية الشيئ ما هو الأعم من ذكرها كلا أو بعضا لأن الإضافة فيه للجنس فالذي خرج بذكر الماهية إنما هو الرسم فقط خلافا لمن ركب متن عمياء وخبط خبط عشواء واعترض على الشارح بأنه كما يخرج الرسم يخرج الحـد الناقص أيضا توهما منه أن قوله فيما تقدم قول دال إلخ تعريف للحد التام مع أنه ليس كذلك كما قررناه لك سابقا كذا في الحاشية وهو مبني على التعسفات التي بينا فسادها فالحق مع ذلك المعترض فهو لم يركب متن عمياء ولم يخبط خبط عشواء.
قوله (وكلامه يدل) أي حيث عبر بالتركيب مما ذكر وكما يدل على ذلك يدل على تخصيصه أيضا بغير الماهية المركبة من أمرين متساويين على القول بجواز ذلك إذ لا جنس لها قال في شرح المطالع الماهية إما لا جزء لهـا وهي البسيطة أولها جزء وهي المركبة وعلى التقديرين إما أن تكون جزأ لغيرها أو لا تكون فالأقسام أربعة لا مزيد عليها فالبسيط الذي لا يتركب عن غيره كالواجب لا يحد إذ الحد لابد له من الفصل ولا شيئ مما له فصل بسيط ولا يحد به لأن التقدير عدم تركب الغير عنه والبسيط الذي يتركب عنه غيره كالجنس العالي لا يحد لبساطته ويحد به لتركب الغير عنه والمركب الذي لا يتركب عنه غيره كالنوع السافل يحد لتركبه ولا يحد به لعدم تركب الغير عنـه فـكل مركب محدود بخلاف البسيط وهما أي المركب والبسيط إن تركب عنهما غيرهما يحد بهما وإلا فلا اهـ وهـذا كلام في غاية البيان والتحرير.
قوله (فإنها إنما تعرف بالرسوم) أي الناقصة كأن تعرف بخاصة فقط على القول بجوازه كما سيأتي أو بجملة خواص ونقل بعض حواشي التجريد عن ابن سينا في تفسير سورة الإخلاص أن التعريف الحقيقي للبسائط بذكر اللازم القريب الذي يقتضيه لذاته لا لغيره.
قوله (و يعتبر في الحد التام) أي والناقص أيضا وفي الحاشية لو حذف التام لكان أولى اهـ ولعله لأن الكلام فيـه و يعرف ذلك في الحد الناقص بطريق المقايسة وفي الدواني على التهذيب لا يجب تقديم الجنس فقد قال الشيخ في تعليقاته ناطق حيوان حـد تام إلا أن الأولى تقديم الأعم لشهرته وظهوره نعم لابد من تقييد أحدهما بالآخر حتى يحصل صورة مطابقة للمحدود وذلك لا يحتاج إلى حركة ثانية اهـ وأيده مير زاهد بأن ذاتيات الشيئ في أنفسها موجودة بوجود ذلك الشيئ ومتحدة معه فبعد تحليل الذهن بأي ترتيب يحصل تكون منطبقة على ذلك الشيئ اهـ ولذا قال الشارح و يعتبر دون يجب للإشارة إلى أن الوجوب ليس متفقا عليـه وأما قول المحشي إن اعتبار التأخير المذكور يحتمل أن يكون على وجه الشرطية أو على وجه الشطرية إلى آخر ما قاله من اعتراض بناء على الاحتمال الثاني فترديده ضعیف لأن الشطرية لم يقل بها أحد تأمل.
قوله (لأن الفصل مفسر له) كلام مجمل يتضح بما قاله شارح المطالع أن للفصل نسبا ثلاثة نسبة للنوع وإلى الجنس وإلى حصة النوع من الجنس الأولى بالتقويم والثانية بالتقسيم والثالثة نقل الإمام عن الشيخ أنه علة فاعلية لوجودها مثلا من الحيوان في الإنسان حصة وكذا في الفرس وغيره والموجـد للحيوانية التي في الإنسان هو الناطقية والتي في الفرس هو الصاهلية ثم رد شارح المطالع هـذا النقل وحقق أن المراد هو أن الصورة الجنسية مبهمة في العقل يصح أن تكون أشياء كثيرة وهي عين كل واحد منها في الوجود وغير متحصلة بنفسها لا تطابق تمام ماهياتها المتحصلة فإذا انضاف إليها الصورة الفصلية عينتها وحصلتها أي جعلتها مطابقة للماهية التامة فهي علة لرفع الإبهام والتحصيل والعلية بهذا المعنى لا يمكن إنكارها اهـ بتصرف، فمراد الشارح بالتفسير هـذا هو المعنى الأخير إلا أنه تسمح في تسمية الفصل مفسرا لأنه كما علمت علة لرفع الإبهام والعلة ليست من المفسر في شيئ حقيقة لكن لما زال بها الإبهام صارت كالمفسر وقوله ومفسر الشيئ متأخر عنه أي ما هو مفسر حقيقة وهذا لا يقتضي أن الفصل متأخر في الوجود عن الجنس لأنهما مجعولان معا نعم بحسب تعقل الجنس مبهما ثم إزالة الفصل للإبهام يكون التأخر بحسب التعقل وتحقيق هذا المبحث مبين في الحكمة وقد بسطناه في حواشي المقولات الكبرى وأما ما قالوه هنا في تعليل التقدم والتأخر لأن المفسر بكسر السين محكوم به على المفسر بفتحها فكلام ساقط أما بالنظر لما نحن فيه فلأن الفصل كما علمت علة وهي لا تحمل على المعلول لمغايرتها له ويمتنع حمل المباين وأما بالنظر للمفسر والمفسر في غيره فلا حمل أيضا لأنه على حذف أي أو إثباتها.
قوله (لئلا يلزم التسلسل) لأن تعريف الحـد حد له فلو احتاج الحد إلى حد وهكذا للزم التسلسل هكذا قيل وفي الحاشية توجيهه بأن الحد الذي حددناه جزء من حده لأن المحدود المذكور أعم من حده وحده أخص منه والأعم جزء الأخص واحتياج الأعم يوجب احتياج الأخص على أنه لو كان للحد حد لكان مساويا له على ما هو المعلوم عندهم والغرض أن حد الحد أخص وإذا كان أخص لا يصح أن يكون تعريفا فضلا عن أن يكون حدا.
قوله (لأن حد الحد نفس الحد) ضرورة أن المعرف بكسر الراء عين المعرف بفتحها ولكن هذا من حيث مفهوم الحد وقطع النظر عن عروض الإضافة لحـده فإن نظر إليها فحد الحد أخص من الحـد.
قوله (كما أن وجود الوجود نفس الوجود) الوجود كون الشيئ في الخارج أو في الذهن ومن البديهي أن الكون أمر إضافي مغاير للمضاف إليه فكيف يكون غير الوجود موجودا في الخارج والجواب أن مراد من قال إن الوجود موجود وأنه منشأ الآثار والأحكام يقول كل شيئ يغاير الوجود يكون موجودا بالوجود كالشمس يكون مضياً بالضوء فإنه مضيء بذاته لا بأمر زائد على نفسه فكذا الوجود موجود بذاته فإن قلت إن تصور العينية في الوجود ممكن أما تصور العينية في باب التعريف فمشكل والجواب أن هـذا المفهوم أعني ما يكون تصوره إلخ باعتبار كونه معرفا لمطلق التعريف مجهول محتاج إلى تعريف وذلك التعريف هو نفسه بإعتبار ذاته وهذا معنى العينية لكن يرد عليه أن المساواة بين المعرف والمعرف شرط وهو مفقود ههنا فلا يكون عينا لأن هـذا المفهوم أعني ما يكون تصوره إلخ باعتبار كونه معرفا لمطلق المعرف أخص منـه باعتبار ذاته ولذلك قال الجلال الدواني في حاشية التهذيب إذا لم يجز التعريف بالأخص يلزم أن لا يصح تعريف المعرف؛ لأن ما يذكر في تعريفه معرف خاص فهو أخص من مطلق المعرف فتعريفـه به تعريف بالأخص وأجيب بأن معرف المعرف أخص منه بحسب العارض ومساو له بحسب الذات والتعريف إنما هو بحسب الذات لا بحسب العارض وهـذا الجواب لا يخلو عن كدر اهـ وقد بينه صاحب الحواشي الفتحية بمـا فيـه طول وصعوبة تركناه لذلك.
قوله (بمعنى أن حد الحد إلخ) تصوير لكون حد الحد نفس الحـد ومعناه أن حد الحد بقطع النظر عن عروض الإضافة له داخل في مفهوم الحد فهو من هـذه الحيثية صادق على نفسه كصدق قولنا في تعريف الخبر هو ما احتمل الصدق والكذب على هذه الجملة وله نظائر كثيرة وليس معناه أن حـد الحد فرد من أفراد مطلق الحد كما فهمه الناظرون في هـذا المقام فقالوا ما قالوا فإنه ذهول عن قول الشارح من حيث إنه حد فإن هـذه حيثية إطلاق وأما كونه فردا فإنما هو باعتبار عروض الإضافة والنظر مقطوع عنها من هذه الحيثية ولذلك قال الشارح بعـد ذلك وإن امتاز عنـه بإضافته إليه وأما ما قيل إنه مندرج في الحد أي فيما يطلق عليه اللفظ بمعنى أن هـذا اللفظ كما يطلق على نفس الحـد يطلق على حده فتكلف يأباه لفظ الاندراج فإنه إنما يكون في الأمور الكلية لا في الإطلاقات اللفظية فتدبر قال العلامة اليوسي بعد تقرير السؤال والجواب المذكورين في الشرح إن هذا لا يتخيل وروده من له أدنى شعور لأن حد الحـد إن أريد به مصدوقه فالتسلسل إنما يلزم لو كان يعرف ولكن ليس هو الذي يعنى بالتعريف وإن أريد مفهومه وهو مقصودنا فلا شك أنه لا يلزم تسلسل في تعريفه كما لا يلزم في سائر المفهومات.
قوله (والحـد الناقص) مبتدأ خبره كالجسم الناطق إلخ وقوله وهو الذي يتركب إلخ جملة اعتراضية بين بها حال المبتدأ وما قيل إنه معطوف على الذي أو خبره محذوف أي من القول الشارح تعسف مبناه ما أسلفناه عنهم.
قوله (وخواصه اللازمة له) قيد باللازمة لامتناع التعريف بالخاصة المفارقة كالضاحك والكاتب بالفعل فلا يقال الضاحك أو الكاتب بالفعل في تعريف الإنسان لكونها أخص من ذى الخاصة والتعريف بالأخص غير جائز اهـ محيي الدين وقوله والتعريف بالأخص غـير جائز ليس متفقا عليه لا سيما في الرسوم فقد قال في المحاكمات قد شرط المساواة في الحدود دون الرسوم إلا أنها شرائط وجودية فإنه لو كان أعم لتناول ما ليس منه ولو كان أخص لخلا عما هو منه وعلى هذا يجوز الرسم بالأعم و الأخص إلا أنه لا يكون جيدا.
قوله (وأما كونه تاما فلمشابهته الحد إلخ) فإن قلت المعنى الذي لأجله سمي الحد حدا موجود في الرسم أيضـا فليسم به والجواب أن الأمر كذلك ولكن الأول لاشتماله على الذاتيات أقوى في المنع وأبعـد عن الشبهة والاحتمال فخص بذلك اصطلاحا مع ما في الثاني من مناسبة التخصيص باسم الرسم.
قوله (تختص جملتها) أفاد أن العرض العام لا يقع وحده معرفا ولو تعدد إذ لا تختص جملته بحقيقة واحدة كتعريف الإنسان بأنه ماش متنفس والظاهر أن ذلك ممتنع حتى على مذهب من يجوز التعريف بالأعم كـذا قيل وهو مردود بما في حواشي الجلال الدواني عند قول التهذيب ولم يعتبروا بالعرض العام إلخ قد اعتبره المعتبرون في الرسوم الناقصة وأيده في الحواشي الفتحية بأنه يفيد تصورا لا يحصل بدونه نعم لم يعتبره المتأخرون من المناطقة وحينئذ فإيراده في مباحث الكليات على اصطلاحهم إنما هو بالعرض على سبيل الاستطراد وأما على مذهب من اعتبره وهم المتقدمون فلا أما النوع فغير معتبر في التعريفات عندهم مطلقا فذكره في مباحث الكليات استطرادي اتفاقا وفيه بحث وهو أن تعريف الصنف بالنوع شائع كما يقال الرومي إنسان متولد في بلاد الروم فكيف يصح حكمهم بعـدم اعتباره في التعريف مطلقا وقد يجاب بأن تعريف الصنف بما ذكر تعريف اسمي لماهية اعتبارية وذكر النوع فيـه إنما هو من حيث إنه جنس اسمي لا من حيث إنه نوع حقيقي.
قوله (وبقيت أشياء مختلف فيها) ذهب قوم من المناطقة إلى عدم اعتبار العرض مع الفصل أومع الخاصة وعدم اعتبار تركب الفصل مع الخاصة لأن الغرض من التعريف شرح الماهية أو تمييزها والعرض العام لايفيد شيأ منهما لكونه ليس ذاتيا ولا مميزا ولأن الفصل يفيد ما تفيده الخاصة من التمييز وزيادة فلا فائدة لتركبه معها لكن قال السعد في شرح الشمسية وفيه نظر لأنا لانسلم أن كل قيـد فهو إما للتمييز أو للاطلاع على الذاتي بل ربما يفيد اجتماع العوارض زيادة إيضاح للمـاهيـة وسهولة الاطلاع على حقيقتها كما صرح به الشيخ في الإشارات وكثيرا ما يضعون الأعراض العامة مواضع الأجناس وأيضا الفصل البعيد مع الفصل القريب أو مع الخاصة خارج عما ذكر مع أنه يفيد الاطلاع على الذاتي.
قوله (والأكثرون على أن كلا منها حـد ناقص) قال الآمـدي إن التعريف بالعرض العام مع الفصل كقولنا في تعريف الإنسان هو الماشي الناطق أو بالفصل مع الخاصة كقولنا هو الناطق الضاحك عدهما جماعة من المناطقة من الحد الناقص ومفهوم كلام الخونجي في الكشف أنهما من الرسم الناقص وأشار الفخر في الملخص لأولهما وقال ليس له اسم مخصوص وممن صرح بثانيهما سراج الدين الأرموي وسماه رسما ناقصا والتعريف بالعرض العام مع الخاصة رسم ناقص عند قوم اهـ قاله بعض فضلاء المغاربة.
قوله (والأكثرون على أن كلا منها رسم ناقص) قال المحشي انظر ما يقوله الأقلون فإنه يبعد أن يجعلوها حـدودا تامة أو رسوما كذلك اهـ وهو سهو عما قرره أول كلامه فإنه قال المحقق في هذا القسم قولان أحدهما أنها غير معتبرة هذا
وقد أشار الجلال الدواني إلى ضابطة وهي أن مدار الحـدية على كون المميز ذاتيا والرسمية على كونه عرضيا ومدار التمام فيهما على الاشتمال على الجنس القريب، فالفصل القريب مع الجنس القريب حـد تام وبدونه حد ناقص سواء كان مع الجنس البعيد أو لم يكن مع شيئ والخاصة مع الجنس القريب رسم تام و بدونه رسم ناقص سواء كان مع الجنس البعيد أو لم يكن مع شيئ وتمامه في الحواشي الفتحية.
قوله (وفيه دور) قد بينه الشارح وأيضا الحكم بالاختصاص متوقف على معرفة ما سوى الماهية المعرفة وفيه عسر وقد يجاب عنه بمنع التعسر إذ الاطلاع على الأجناس يسهل الوقوف على ما عداها من الماهيات الكلية فإن الماهيات قد حصرها الحكماء في الأجناس العالية وأنواعها ليسهل عليهم تحديداتها كما بين في الطبيعيات.
قوله (وأجيب بمنع الحصر) أعني قوله لأن الخارج إنما يعرف إلخ وقوله لجواز إلخ مسند لذلك المنع وحاصله أن التعريف إنما يتوقف على وجود الاختصاص في نفس الأمر لا على العلم به سلمنا توقفه على العلم باختصاصه بها الموقوف على معرفتها ومعرفة غيرها لكن لا دور لأنه يكفي في ذلك الشعور من وجه كما نرى جرما في حيز فنعلم اختصاصه به وسلب ذلك الحيز عن غيره من الأجرام وإن لم نعلم منه ومن غيره إلا الجرمية.
قوله (لا يكون بغير القول) وهو كذلك وما قيل لم لا يجوز التعريف بالخط مع أنه يدل على اللفظ الدال على المعنى خروج عن مذاقهم ومصادم لاصطلاحهم فتدبر
تنبيهات:
الأول لا يثبت الحد بالبرهان بمعنى أن ثبوت الحد للمحدود لا يبرهن عليه لوجهين أحدهما أن حقيقة الحد هي حقيقة المحدود وأجزاؤه على التفصيل وثبوت الشيئ لنفسه أوثبوت أجزائه له لا يتوقف على شيئ بل يكفي فيه تصوره ثانيهما الاستدلال على ثبوت شيئ لشيئ يتوقف على تعقلهما فالدليل على ثبوت الحد للمحدود يتوقف على تعقل المحدود المستفاد من ثبوت الحد له فلو توقف ثبوت الحد له على دليل لزم الدور,
الثاني التعريفات قد تنقض لا بالمعنى المصطلح عليه في الأدلة بل معناه أن يدعي الناقض بطلان التعريف مستدلا بأنه غير جامع أوغير مانع أو مستلزم لفساد آخر من دور أو تسلسل ونحوهما ومن ثم اشتهر بين النظار أن ناقض التعريف مستدل وموجهه مانع وقد يعارض لا بالمعنى المصطلح عليه في الأدلة بل المعنى معارضة التعريف كما نبه عليه في تقرير القوانين هو أن يقال هذا الشيئ حـده وحقيقته كذا لا إثبات خلاف ما أثبته المعلل فالمعارضة في التعريف مغايرة للمعارضة المشهورة في الدليل وأما التعريفات اللفظية ومعناها تفسير معنى اللفظ للسامع من بين المعاني المعلومة ومآلها إلى التصديق بأن هـذا اللفظ موضوع لكذا لغة أواصطلاحا وحقها أن تكون بلفظ مفرد مرادف أو أعم كقولهم الغضنفر الأسـد وسعدان نبت وقد تكون بلفظ أخص كقول القاموس لها لهوا لعب فإن اللعب نوع من اللهو فإن لم يوجد المفرد ذكر المركب الذي يقصد به تعيين المعنى لا تفصيله و يرد عليها المنع لأنها من المطالب التصديقية فيدفع بالنقل عن أهل اللغة أو الاصطلاح فما قيل إن طريق المنازعة في التعريف أن يعارض بحد آخر أرجح أومساو وبأنه غير مطرد أو غير منعكس إلى غير ذلك مما يجب في الحـدود اجتنابه وهـذا كله في الحدود الحقيقية أما اللفظية كأن يقال الإنسان في اللغة الحيوان الناطق والصـلاة في الشرع الأقوال والأفعال الخاصـة فيقابل بطلب صحة النقل إن لم يقم عليها دليـل و إلا توجه على القائل المنوعات الثلاث المذكورة في علم المناظرة وهي المنع والنقض الإجمالي والمعارضة لأنه مدع حينئذ كلام ليته ما قيـل منشؤه عدم الوقوف على اصطلاح النظار وأنت تعلم بعد إحاطتك بما قدمناه فساده إن كنت ذكيا ولكن لا ينبغي لناطي الثوب على غيره في هذا المقام بل نزيدك بيانا أما قوله إن التعريف يعارض بحد أرجح أو مساو فكلام لا يعقل قال في تقرير القوانين لا يكون لشيئ واحد حقيقتان مختلفتان وذلك ظاهر فلا يكون له حدان بحسب الحقيقة تامان وكذا لا يعرف شيئ واحـد بتعريفين بحسب الحقيقة متباينين وإن كانا رسمين ناقصين وأما إذا كان التعريفان أو أحدهما بحسب الاسم فيجوز تباينهما وإن كانا حدين تامين إذ يجوز أن يكون للفظ واحد تعر يفان بحسب الاسم متباينان وإن كانا حدين تامين وكذا يجوز أن يكون له حد تام بحسب الاسم باعتبار وضعٍ وأن يكون لحقيقة مسماه باعتبار وضع آخر حد تام بحسب الحقيقة مباين لذلك الحد التام بحسب الاسم وأما الحدود الناقصة الغير المتباينة والرسوم مطلقا أي تامة أو ناقصة كذلك أي الغير المتباينة فلا مانع من تعددها لشيئ واحـد و إن كانت بحسب الحقيقة اهـ فإن أراد الحد بحسب الحقيقة كما هو نص كلامه سابقا حيث قال وهذا كله في الحدود الحقيقية إلخ فيستحيل وجود حـدين حقيقيين لشيئ واحـد متباينين لأن الحقيقة لا تتعدد و إن أراد الحد بحسب الاسم وإن كان بعيدا من كلامه فلا أرجحية ولا مساواة لأن أحـد الحدين مباين للآخر وقوله في تمثيل التعريف اللفظي الإنسان الحيوان الناطق إلخ تمثيل غير صحيح لأنه حـد حقيقي لا تعريف لفظي كما سمعت آنفا وقوله الصلاة في الشرع الأقوال والأفعال إلخ حد حقيقي أيضا و يصح أن يكون حـدا اسميا بحسب الاعتبار وقوله إن لم يقم عليها دلیل لیت شعري أي دليـل يقام على التعريف اللفظي فإنه ليس ممـا يمكن إقامة الدليل عليه بل طريقه النقل على أن كثيرا من المحققين يجعله من قبيل التصور والتصورات لا يمكن إقامة الدليل عليها وقوله وإلا توجه على الناقل المنوعات الثلاث إلخ مراده بها النقض التفصيلي والنقض الإجمالي والمعارضة لكن هذا إنما هو في الدعاوى على تفصيل في ذلك لا في التعريفات اللفظية فإنها إنما يتوجه عليها المنع والمقام بعـد ذلك يحتاج لزيادة بسط في الفرق بين التعريف الحقيقي والاسمي مبين أتم بيان في تقرير القوانين وقد لخصنا ذلك وحررناه في حاشيتنا الصغرى على الولدية الثالث الشيئ إذا عرف بالشيئ فالمعرف مع المعرف ليسا بقضية عند المنطقيين وإن كانا عنـد النحويين قضية لأن الغرض من تعريف الشيئ تصويره فإنا إذا قلنا الإنسان حيوان ناطق يكون الغرض منه تصوير ماهية الإنسان لا التصديق بأنه حيوان ناطق فإن قلت إذا كان الأمر كما ذكرت فكيف يصح قول جبريل عليه السلام صدقت حين أجابه النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن حقيقة الإيمان مإذا هو فقال الرسول صلى الله عليه وسلم {الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره فقال له جبريل عليه السلام صدقت} ومعلوم أن التصديق إنما يكون في القضية ذكر الفاضل القطب الرازي هذا السؤال في رسالته المعمولة في العلوم المختلفة وأجاب عنه بأن التعريف إنما يستقيم إذا كان المعرف مساويا للمعرف أي إذا صدق المعرف على كل ما صدق عليه المعرف و بالعكس فيكون لقوله صلى الله عليه وسلم جهتان جهة التصور وهي التعريف وجهة التصديق وهي أن ما صدق عليه الإيمان يصدق عليه الاعتقاد بالله وملائكته إلخ فتصديق جبريل عليه السلام راجع إلى جهة التصديق لا إلى جهة التصور وفي عروس الأفراح يرد على قولهم مورد الصـدق والكذب النسبة التامة ما جاء في البخاري مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم {يقال للنصارى يوم القيامة ما كنتم تعبدون فيقولون كنا نعبد المسيح ابن الله فيقال كذبتم ما اتخذ الله من صاحبـة ولا ولد} وكذلك استدل على صحة أنكحة الكفار بقوله تعالى ﴿ وَقَالَتِ ٱمۡرَأَتُ فِرۡعَوۡنَ﴾ ﴿وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱمۡرَأَتَ فِرۡعَوۡنَ﴾ والحق أن الدلالة على نسبة المحمول للموضوع بالمطابقة وعلى غيره بالالتزام اهـ هذا آخر ما كتبناه على قسم التصورات ويتلوه ما كتبناه على التصديقات نسأل الله أن يختم بخير و يمنع الموانع بمنه وإحسانه وكرمه آمين.