محتوى عربي هادف

ما هي الـتربية الأخلاقـية؟

التربية هي تبليغ الشيء إلى كماله شيئا فشيئا، ولتربية الأخلاق دور رائد وسباق في إعداد الإنسان للقيام برسالته، وتنمية ذاتيته، وتحقيق اندماجه في مجتمعه والتكيف والتوافق معه، وبذلك ينفسح الطريق أمامه ليكتب قيما خلاقة، ومعارف حضارية وعلوما سباقة، بهدف تحقيق الخير له ولأسرته ومجتمعه، ولما كانت الأخلاق هي محور الرسالات السماوية -كما أعلن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ووضح، وبين وأفصح، حيث قال: ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق))- لما كانت الأخلاق على هذا القدر من الأهمية وضع الإسلام الميزان والمعيار لدعوته على أساس ما دعا إليه من أفكار بناءة، وأخلاق حميدة وقيم رشيدة، فالإسلام رسالة تربية، وتطهير وتزكية، يقول الله تعالى: ((لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين))، ويقول جل شأنه: ((هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين))، ولرسالة الإسلام ساحات وميادين، أولها النفس والضمير، فإذا ربى كل إنسان الأخلاق في نفسه، وتعهدها بالتنظيف والتنقية؛ ازدادت تزكية وترقية، فاكتسبت فلاحا، وحققت نجاحا، فأسهمت في إقامة مجتمع نظيف، يسود فيه العمل الصالح والقول السديد العفيف، ومجتمع أفراده على هذا الطراز والمستوى من نظافة المشاعر والسلوك مجتمع تسوده الطمأنينة والهدوء والسكينة، يقول الله تعالى: ((قد أفلح من تزكى، وذكر اسم ربه فصلى))، ويقول جل وعلا: ((يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما)).

أيها المسلمون :

إن التربية الأخلاقية في الإسلام تبدأ بالفرد فترده إلى فطرته السليمة السوية القويمة، كما تربي فيه الضمير المرهف الحساس، الذي يراعي شعور كل الناس، وتروضه على الخلق الفاضل؛ فيمارس الأخلاق الطيبة الزكية ممارسة واقعية عملية، فيحب الخير ويعشقه، ويلازمه ويرافقه، ويزداد سموا ورفعة وعلوا، فلا يتوقف عند حبه للخير وإنما يتعداه إلى كراهية الشر، فليس الصالح من هو صالح في نفسه فقط، وإنما هو صالح في نفسه مصلح لغيره، ولقد ظل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة عشر عاما في مكة يغرس في نفوس أصحابه بذور الأخلاق الفاضلة، ويربيها ويغذيها وينميها، بالموعظة الحسنة تارة وبالقدوة العملية تارة أخرى، ليعملوا على عمارة الدنيا والأخرى، وقد شهد دار الأرقم في مكة ومن بعده المسجد النبوي في المدينة هذه التربية السلوكية الفريدة، فتغيرت أوضاع، وتبدلت طباع، إذ سارت وفق التربية القرآنية التي توافق وتلائم الطبيعة البشرية والاستعدادات الفطرية، وحققت للإنسان راحته النفسية وطمأنينته القلبية، فالقرآن الكريم يهدي للتي هي أقوم، ويأخذ بيد الإنسان إلى ما هو أنجى وأسلم، يقول الله جل شأنه: ((إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا))، وقد صور جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- أبدع تصوير، هذا التبديل والتغيير، حين قال أمام النجاشي: ((لقد كنا قوما أهل جاهلية؛ نأكل الميـتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فبعث الله فينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فأمرنا أن نعبد الله وحده، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام، وصدق الحديث وأداء الأمانة، وصلة الأرحام وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات؛ فصدقناه وآمنا به)).

أيها المؤمنون :

لقد وضع الإسلام حوافز للتربية الأخلاقية، منها اكتساب الفرد لحب الناس، فالإنسان السوي الفطرة يسعده أن يكون بين الناس محبوبا ومقبولا ومرغوبا، فإن تخلق بالأخلاق الرشيدة، وتحلى بالخصال الحميدة تلقي بالقبول تلقائيا من الناس مما لا يمكنه تحقيقه بماله أو جاهه، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- : ((إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بحسن الخلق))، ويقول -صلى الله عليه وسلم- : ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده))، ويقول -عليه الصلاة والسلام-: ((خياركم أحاسنكم أخلاقا))، فالإنسان لا أهمية لذاته إذا نزعت من إطارها الاجتماعي، فالذي لا يهتم بالآخرين، ولا يشعر بشعورهم، ولا ينفعل بآلامهم وآمالهم، ولا يفرح لأفراحهم، ولا يحس بمآسيهم وأتراحهم؛ لا يسهم في تربية أخلاقه وتزكية نفسه؛ لأن ما حاط به نفسه من ستار حاجب أفقد عنده الاهتمام بعمل ما هو لازم وواجب، إن الأعمال الخيرة والأخلاق النيرة تنقل صاحبها من حياة سلبية إلى حياة إيجابية، يبحث الإنسان فيها عن الخير ويقصده، وينبذ عنه الشر ويبعده، يقول الله تعالى: ((والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر))، ومن وسائل تربية الأخلاق استقلال الإنسان في اتباع مكارم الأخلاق، فلا ينجر وراء مساويها ولا ينساق، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- : ((لا يكن أحدكم إمعة يقول: أنا مع الناس؛ إن أحسن الناس أحسنت وإن أساؤوا أسأت، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا أن تجتنبوا إساءتهم)).

فاتقوا الله -عباد الله-، وليعمل كل منكم على تربية أخلاقه وتزكيتها؛ لينال الخير والسعادة في الدنيا والأخرى.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.


الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله إمام الأنبياء والمرسلين، وأفضل خلق الله أجمعين، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، فيا عباد الله :

إن مما يعين على تربية الأخلاق وتزكيتها اختيار الأصدقاء وانتقاء الرفقاء، فأثر الصديق والرفيق في صديقه ورفيقه عميق، وله دور كبير في توجيه المسير وتحديد الطريق، والعاقل الفطن الحذر اليقظ هو من ينتقي أصدقاءه ويبلو حقائقهم قبـل أن يرافقهم ويصادقهم، فإن وجدهم إلى الخير داعين، وإلى الصلاح ساعين؛ خالطهم ورافقهم، وإن وجدهم على النقيض من ذلك نأى بنفسه عنهم وفارقهم، بعد أن يبرئ ذمته ويخلي مسؤوليته بالإرشاد والتوجيه والنصح والتنبيه، وكم من أناس كانت نفوسهم إلى الشر جانحة، وعن الخير صادة وجامحة؛ صادقوا أهل الخير ورافقوهم، واستجابوا لنصائحهم ووافقوهم، فصححوا المقصد والاتجاه، ففازوا بالسعادة والنجاة، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- : ((المرء على دين خليله؛ فلينظر أحدكم من يخالل)).

أيها المؤمنون

إن من أعظم وسائل التربية الأخلاقية اللجوء إلى الله عز وجل بالتضرع والدعاء أن يعين على حسن الأخلاق والثبات عليها، وقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- -وهو صاحب الخلق العظيم بشهادة القرآن الكريم- كان يدعو ربه فيقول: ((اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي))، وكان يقول -صلى الله عليه وسلم- : ((اللهم اهدني لأحسن الأخلاق إنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها إنه لا يصرف عني سيئها إلا أنت))، وما أحسن أن يغتنم المؤمن الأوقات الفاضلة ومواسم الخير فيدعو ربه لتحقيق ذلك، وها أنتم -عباد الله- أمام موسم من هذه المواسم الخيرة، ألا وهي الأيام العشر من ذي الحجة، وفيها فرصة عظيمة لتنمية الأخلاق وتزكيتها من خلال المتابعة في فعـل الخيرات وعمل الصالحات وتنوع العبادات، من صيام وصلوات، وذكر ودعوات، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- : ((ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام - يعني الأيام العشر-))، وقد ذكر كثير من العلماء أنها الأيام التي أقسم الله بلياليها في قوله تعالى: ((والفجر، وليال عشر)).

فاتقوا الله -عباد الله-، والتمسوا السبل والوسائل لتربية نفوسكم على أحسن الأخلاق، لتنالوا مرضاة الله الواحد الخلاق.

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين، وقائد الغر المحجلين، فقد أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه في محكم كتابه حيث قال عز قائلا عليما: (( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما )) .

--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

من هو الموظف المثالي؟

اعلموا - رحمني الله وإياكم- أن العمل في ديننا الإسلامي له مكانة عالية، ومنزلة رفيعة سامية، لما له من أهمية في بناء الأمم والحضارات، ورقي الأفراد والمجتمعات، فالأنبياء -عليهم السلام- وهم صفوة خلق الله أجمعين عملوا في شتى المجالات والميادين، فقد عمل بعضهم في رعي الغنم والتجارة، والحدادة والخياطة والنجارة، وما من نبي إلا وله عمل أو مهـنة يكسب عيـشه ورزقه منها، ولم يكن ذلك ليعيبهم، أو يقلل من شأنهم، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : ((ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم، قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: وأنا كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة)). إن توظيف الإنسان في عمل أو حرفة معينة واجب على الإنسان القادر، ذلك لأن المجتمعات لا يمكن أن يكتب لها النجاح والرقي إلا بتوظيف أبنائها في مختلف الأعمال، وحفزهم على البذل والعطاء ونبذ الاتكال، فالوظيفة في مفهومها هي تقديم خدمة أو عمل تتحقق بها مصالح العباد، وتحصل منها منافع تعم البلاد، والوظيفة تتضمن مجموعة من الواجبات والمسؤوليات، وتوجب على شاغلها مهام والتزامات، مقابل تمتع شاغلها بحقوق مادية وامتيازات، وكل عمل يوظف فيه الإنسان ويتعب فيه من أجـل نفسه وأهـله ووطنه، فيه ثواب من الله عز وجل وأجر كبير، وتطهير للنفس وتكفير للذنوب، جاء في بعض الآثار: ((من الذنوب ذنوب لا يكفرها إلا الهم بطلب المعيشة)).

أيها المؤمنون

إن الوظيفة مسؤولية وأمانة، لا يشغلها إلا من يستحقها، ولا يستحقها إلا من توافرت فيه شروط عملها وأدائها، ألا ترون أن الله عز وجل لم يصطف طالوت على قومه إلا لأنه قد حاز صفتين مطلوبتين قد توافرتا فيه، وتناسبتا مع مهامه وما يوكل إليه، ألا وهي صفة العلم والقوة، ((قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم))، ولقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ينصح أصحابه - رضي الله عنهم - بألا يتولى الأعمال من كان ضعيفا لا يقدر عليها، فعن أبي ذر- رضي الله عنه- أنه قال: ((قلت: يا رسول الله، ألا تستعملني؟ -أي هلا وكلت إلي عملا أقوم به- قال: فضرب النبي -صلى الله عليه وسلم- بيده على منكبي ثم قال: يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها)). إن الأمانة والقدرة على تحمل المسؤولية معيار فاضل لشغل الوظيفة عند تزاحم المتنافسين، واختيار ناجح للالتحاق بسلك الموظفين، فالأكفاء هم الذين يستطيعون القيام بالعمل بإجادة وإتقان، وأداءه بجدارة واستحسان، قال تعالى: ((وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا))، وإن وضع الرجل المناسب في المكان المناسب يحـقق للوظيفة الغاية المرجوة، فيحصد منها أطيب الثمار اليانعة، وأفضل النتائج النافعة، أما من كان توظيفه من مبدأ الخدمة الشخصية والقرابة والصحبة، وهو غير كفء للوظيفة، فإنه لا محالة سيخلق عطلا في أداء العمل، فتصاب الإنتاجية من جانبه بضعف وخلل، لأنه ليس أهلا للوظيفة وليس من الأكفاء، فتتعطل مصالح الناس أو تضيع حقوقهم، وقد يترتب على المحاباة في التوظيف انتشار الظلم والأحقاد، فتسود الأثرة والأنانية بين الأفراد، ولذلك نهى الإسلام عن المحاباة في تولية غير الأكفاء في الوظائف والأعمال، إن من واجب المسؤولين الذين وكل إليهم اختيار الأشخاص للوظائف أن يراعوا في المتقدمين شروط متطلبات الوظيفة ومؤهلاتها، واجتياز كل مرحلة من مراحل اختباراتها، من غير انحيازات شخصية، ولكن من مبدأ الكفاءة والأفضلية، فبذلك يتحقق في فرص العمل المتاحة العدل والمساواة، وتنـتفي الانحيازية والمحاباة، ويسود التعاون بين أفراد المجتمع لما فيه صلاح مجتمعهم، ومنفعة بلدهم، قال تعالى: ((وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب)).

عباد الله

إن الوظيفة للموظف تشريف، وأمانة وتكليف، لذلك أمر الإسلام بالتقيد بضوابط الوظيفة وصلاحياتها، ونهى عن كل ما ينافي الأمانة في أدائها، لأن الوظيفة عقد بين رب العمل والموظف، وجب على كلا الطرفين احترام ذلك العقد، والالتزام بما جاء فيه من عهد، فالمسلمون عند شروطهم، قال تعالى:((يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود))(5)، ومن الأمانة في الوظيفة أن يحرص الموظف على أداء واجبه كاملا في العمل الذي عهد إليه، وحقوق الناس التي وضعت بين يديه، فلا يهمل في أداء أي عمل مهما كان صغيرا، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : ((من استعملناه على عمل فليجئ بقليله وكثيره، فما أوتي منه أخذ، وما نهي عنه انتهى))، وإذا ما أسندت إليه مهام إنجاز المعاملات، وما يخص المراجعين على اختلاف الجنسيات، فعليه ألا يحابي أحدا في المعاملة، أو يقدم شخصا لمصلحة أو منفعة شخصية، لأن في ذلك إجحافا بحقوق الآخرين، حذر منه رب العالمين، إذ قال المولى عز وجل: ((ولا تبخسوا الناس أشياءهم))، إن الموظف الذي يسعى في وظيفته أن يكون متعاونا مع المراجعين في إنجاز معاملاتهم، دائم الحرص على عدم تجاهلهم، ينال من عمله هذا حب الله عز وجل ورضاه، ويكتب له السعادة في دنياه وأخراه، فلقد سأل رجل النبي -صلى الله عليه وسلم- : أي الناس أحب إلى الله تعالى؟ فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس))، إن هذا الأجر إنما يناله الموظف إذا بادر في إنجاز سائر المعاملات، من غير تأخير أو اختلاق عقبات، وإن استشعار المسؤولية والمبادرة في إنجاز العمل يبعد عن العامل تراكم الأعمال؛ فيسهل عليه إنجازها، ولا يتسبب في تأجيل معاملات الناس أو تعطيلها، وإذا كنا نتحدث عن إنجاز العمل والمبادرة في ذلك؛ فإن هناك أمرا يجب التحذير منه، ألا وهو أخذ الرشوة لإنجاز العمل، لأنه مسلك شائن في إنجاز العمل لدى الموظفين، كيف لا؟ والرشوة سحت وحرام، حذر منها دين الإسلام، إذ قال -عليه الصلاة والسلام-: ((لعن الله الراشي والمرتشي))، وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((من استعملناه على عمل فرزقناه، فما أخذه بعد ذلك فهو غلول- أي فهو خيانة وسرقة لا تجوز-))، وقد قال الله عز وجل: ((ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون))، وإذا ما وكل إلى الموظف مراقبة مشروع ما، فمن الأمانة أن يراعي المواصفات المطلوبة التي أعدت لذلك المشروع، فلا يدخل فيه الرديء والرخيص من المواد، فيتسبب بأضرار جسيمة على البلاد والعباد، وبذلك يكون قد خان أمانته، وغش في وظيفته، قال تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون))، إن الأمانة في الوظيفة حمل عظيم، لا يتميز بها إلا الموظف المخلص الذي استشعر المسؤولية وتحلى بأحسن الأخلاق، فلم يفرط فيما وكل إليه من عمل على الإطلاق؛ لإيمانه بأن المولى عز وجل عليه رقيب، ويوم القيامة له حسيب، وشعوره تجاه وظيفته أن من واجبات العمل حفظ الأمانة وعدم التفريط فيها.

فاتقوا الله -عباد الله- في وظائفكم وأعمالكم، وسخروها لما فيه مصلحة مجتمعاتكم، يرض ربكم عنكم، ويحـقق لكم جميع آمالكم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله إمام الأنبياء والمرسلين، وأفضل خلق الله أجمعين، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، فيا عباد الله :

إن علاقة الموظف بوظيفته علاقة يربطها حب أداء العمل؛ وإتقانه، والسعي نحو التميز فيه من غير تقصير واستهانة، فالسعي لإتقان العمل للموظف مطلب وأمانة، حث عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ قال: ((إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه)). إن الموظف المثالي دائم التميز فيما يوكل إليه من أعمال، لاستشعاره برقابة الله الواحد المتعال، فهو دائم الالتزام بالحضور والانصراف في وقت العمل المتفق عليه، لا يبدد وقت عمله فيما لا طائل منه، ولا يتذمر من العمل الموكول إليه، دائم السعي لخدمة الآخرين في تسهيل أمورهم، وإنهاء معاملاتهم، محـتسبا الأجر عند الله تعالى في أداء وظيفته، لينال من عمله هذا منازل الأبرار، والأمن من عذاب الواحد القهار، مصداقا لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ قال: ((إن لله تعالى عبادا اختصهم بحوائج الناس، يفزع الناس إليهم في حوائجهم، أولئك الآمنون من عذاب الله))، كما أن الصدق صفة من صفات الموظف المثالي، فهو يتحرى الصدق في قوله وعمله، وأمام مسؤوليه وزملائه، قال تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين))، والموظف المثالي مخلص في عمله، بعيد عن مسلك التزوير في المعاملات، والتقاعس عن إنجاز المعاملات، كما أن التواضع صفة ملازمة له في مكان عمله وخارجه، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : ((من تواضع لله رفعه الله))، فالمسؤول المتواضع يتفقد زملاءه الموظفين ويراعي حاجاتهم، ويحفزهم لأداء أعمالهم على الوجه المطلوب، فيشيع روح الفريق الواحد بين المسؤول والعاملين معه، ويفسح المجال بين الموظفين لتقديم النصح فيما يخص مصلحة العمل، وكذا الموظف المثالي يتواضع لزملائه الموظفين، كما يتواضع لأولئك المراجعين، فيقدر حاجاتهم، ويجتهد في خدمتهم، ويسعى لاحترامهم، فهو دائم البشاشة عند لقائهم؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- : ((تبسمك في وجه أخيك صدقة))، فحري بالمسلم أن يعامل زملاء العمل والمراجعين بالحسنى، قال تعالى: ((وقولوا للناس حسنا))، كما أن العدل واجب على رب العمل ومسؤوليه تجاه الموظفين، وذلك بالمساواة في جميع الحقوق بين المتماثلين، فلا يميز موظفا على غيره على أساس شخصي، أو يظلمه في تقويم أدائه السنوي، ففي ذلك إخلال بمبدأ العدالة في الوظيفة ووقوع في الظلم الذي حرمه الله عز وجل بين عباده، فقد جاء في الحديث القدسي الشريف: ((يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا)). إن الموظف المثالي حريص على كسب المهارات والخبرات، وبذل الجهد ليرتقي في وظيفته أعلى المناصب والدرجات، قال تعالى: ((ولكل درجات مما عملوا))، وهو حريص أيضا على سمعة وظيفته وأسرارها، فلا يفشي أسرار مهـنته، ولا يسيء إلى سمعة وظيفته، لما في الوظيفة من أسرار تخص الموظفين، وتتعلق بمصالح المراجعين، ولا ريب أن الإسلام قد أمرنا بذلك حيث قال -عليه الصلاة والسلام-: ((استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان؛ فإن كل ذي نعمة محسود)).

فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أن الموظف المثالي قدوة يحتذى به في أداء الأعمال، وأنموذج ناجح في الحصول على الترقية وبلوغ الآمال.

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين، وقائد الغر المحجلين، فقد أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه في محكم كتابه حيث قال عز قائلا عليما: (( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ))