قوله: ((ذهب السكاكي)) بناءً على مذهبه الآتي في التَّخْييلية، أمَّا القومُ فالتخييليةُ عندهم مجازٌ عقليٌ وليس فيها مُشَبَّهٌ ولا مستعارٌ له مُتَخَيَّلٌ، نعم تُسَمَّى استعارةً بمعنى آخَرَ تَسَمُّحًا كما سبق ويأتي.
فالاستعارةُ المتعارَفَةُ التي تعتمد التشبيهَ لا تكون عندهم إلا تحقيقيةً.
قوله: ((المستعار له)) وأما المستعار منه فلَمْ نَعْثُرْعليه إلا مُحَقَّقًا وإن كانت القسمةُ العقليةُ رباعيةً بل تَزِيدُ إِنْ نُظِرَ لكونِ التحققِ حِسِّيًّا أو عقليًّا.
قوله: ((حِسًّا)) منصوبٌ على التمييز أو المفعولية المطلَقَة أى: تحقيقَ حِسٍّ.
والمرادبه ما قابل التَخَيُّلَ من حَقَّ إذا ثَبَتَ لا اليقينُ المقابلُ للظنِّ.
قوله: ((إلى أمر معلوم...إلخ)) مَحَطُّ الإرادةِ على تقييدِ الإشارةِ بعدُ بالحسيةِ وجميعُ ما قبلَهُ مشتَرَكٌ.
ويُحْتَمَلُ أن يرادَ بالمعلومِ الذي يُنَصُّ عليه ويُشَارُ إليه ما تُعُورِفَ كذلك، وقيل معهود ،وأما المتخَيَّلُ فاختراعيٌّ كما سيتضح.
قوله: ((أو عقلا)) أي: بأن يحكم العقل بأنه ذو تحققٍ صادقٍ إما لكونه له ثبوتٌ في نفسِهِ كالمعاني الوجوديةِ والاعتباريةِ الصادقةِ بناءً على أن لها ثبوتًا في نفسِها بقطعِ النظرِ عن اعتبارِ المعتَبِرِ وفَرْضِ الفارض، وهو ما يرتضيه شيخُنا العدوي نفعنا الله به، وإما لاستناده لمقتضيه الخارجيِّ كما يشير له قولُ الشارح «المدلولة للكتاب والسنة» بناءً على أن الاعتبارات لا ثبوتَ لها إلا في الذهن وإلا لكان ثبوتُها في الخارج اعتبارًا له ثبوتٌ فيَدُورُ أو يَتَسَلْسَلُ، وأيضًا كانت تَتَعَلَّقُ بها القدرةُ إذ لا تَثْبُتُ بدونها، ثُمَّ التعلُّقُ أيضًا اعتبارٌ يَحتاج لتعلُّقٍ وهكذا، على أنه لا يَخْرُجُ من إِشْكالِ الواسطة بين الموجود والمعدوم، ولا يصح ثبوت صفة لا في مَحَلٍّ حتى يُمَيِّزَهَا عن الحالِ على ما هو الظاهرُ الذي حققناه في حواشي جوهرة اللَّقَانِي، إنما الفرقُ بين الصادق والكاذب أن الأَوَّلَ مُنْتَزَعٌ والثانيَ مُخْتَرَعٌ يُخالفُ الخارجَ ويُصَادِمُهُ كما وضحناه في مواضعِهِ.
فبالجملةِ ليس المرادُ بالتحقق في العقل مجردَ كونه موجودًا في الذهن وجودَ إدراكٍ فإن هذا القدرَ موجودٌ في التخييليةِ كما لا يخفى.
قوله: ((القواعد)) من القاعدة اللغوية لابْتِنَاءِ الدين عليها معنىً أو لرجوعها لقضايا كليةٍ نحوكلُّ زنًا محرَّمٌ.
قوله: ((الوهم)) يعني التوهمَ الكاذبَ ضَدَّ العقلِ الصادقِ، ويحتمل أن يريد أَخَذَتِ المفكرةُ بواسطةِ الواهمةِ على قاعدة الحكماء المجموعة في الترتيب من الجبهة في قوله:
امْنَعْ شَرِيكَكَ عن خيالِكَ وانْصَرِفْ
*
عَنْ وَهْـمِهِ واحْفَظْ لذلكَ واعْقِلا
زعموا أَنَّ لِـمَا عدا العقلَ ثلاثةَ تجاويفَ، كل تجويف قسمان، في كل قسم قوةٌ.
الأُولَى الحس المشترَك التي تُوصِلُ له الحواسُ الخمسةُ الظاهرةُ، ثُمَّ خِزَانُتَها الخيالُ
ثم المتصرِّفَةُ المفكرةُ تَتَصَوَّرُ التحليلَ والتركيبَ.
ثم الواهمةُ ثم خزانتها الحافظةُ.
قال شراح الهداية الأثيرية الأبهرية «واقتضت الحكمة الإلهية فراغ التجويف الأخير من القفا لأنه محلُّ النزلاتِ والصَّدْمِ».
قوله: ((فوائد)) منها أن هذا التقسيمَ للتصريحية لا للمكنية.
ومنها أن التمثيلية عند السكاكي من قبيل التحقيقية، وسبق لك في الأقسام أنها قد تكون تخييليةً نحو «أرى الحال تقدم رجلا وتؤخر أخرى».
ومنها أن السكاكي جعل القسمةَ ثلاثيةً، تحقيقيةٌ جزمًا نحو رأيت أسدًا في الحمام، وتخييليةٌ جزمًا نحو «أظفارالمنية»، ومحتَمِلَةٌ لهما نحو قوله:
صَحَا القَلْبُ عن سَلْمَى وأَقْصَرَ باطِلُهُ
*
وعـُرِّىَ أَفْـرَاسُ الـصِّـبَـا وَرَوَاحِـلُـهُ
فَشَبَّهَ الصِّبَى بجهةِ سفرٍ على قاعدةِ المكنيةِ، والأفراسُ والرواحلُ تخييلٌ، ويحتمل استعارة تحقيقية لدواعي الهوى والشهوات والأسباب والآلات وهو كثيرٌ ،ومنه نَطَقَتِ الحَالُ و﴿يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّه﴾ فالمستعارُ له الدلالةُ والإبطالُ، بل يُمْكِنُ في أظفار المنية باعتبارِ أسبابِ الموتِ.
قال الشيخ العصام ولَـمَّا كان المُحْتَمَلُ لايَخْرُجُ عن القسمين تَرَكَهُ المصنفُ.