قوله: ((في أنواع المجاز)) قال العصام «الأَوْلَى إبدالُ المجازِ بالاستعارة لأنها المقصودة بالذات، والمرسلُ تَبَعٌ استطرادٌ»، وَرَدَّهُ الشارحُ بأن الترجمة إنما تَقْبُحُ لِـمَا لم يُذْكَرْ، والمصنفُ ذَكَرَ المجازَ المرسلَ، والظاهرُ أنه لا يُلاقِيهِ كلَّ الملاقاةِ لأن مَلْحَظَ العصام أن الأَوْلَى الترجمةُ بالمقصود بالذات.
قوله: ((كالمجاز...إلخ)) الكافُ استقصائيةٌ بالنسبة لِـمَا في هذا العِقْدِ.
قوله: ((لم يذكر فيه المكنية)) وأمَّا التخييليةُ فذِكْرُها فيه من حيث كونُها من الأقسامِ، والذي وقع في العقد الثالث مُلاحَظٌ فيه كونُها قرينةً فإن لها جهتين كما أسلفنا.
قوله: ((في الأصل)) يعني في اللغة، فَفَرْقُ ما بين المجاز في اللغة والمجاز اللغوي لا يخفى، فإن الثانيَ من مصطلحات البيان.
قوله: ((مكانها الأصلي)) يعني المعنى الحقيقي وإن لم تستعمل فيه كالمجازات التي لا حقائق لها، ولك أن تحمله على مطلقِ المعنى الأولِ بناءًا على بناءِ المجاز على المجاز، وقد أسلفنا ذلك في مبحث البسملة.
قوله: ((وعدوها)) أي: البلغاء، لأن المعتبرَ المتكلمُ البليغُ، عَطْفُ تفسيرٍ إشارةٌ إلى أن الباء للتعدية.
قوله: ((بمعنى اسم الفاعل...إلخ)) اشتهر في مثل ذلك أنه مجاز مرسل علاقته التعلق، وفيه أن التعلق عام في العلاقات فلا يكفي في البيان، ولَـمَّا عَوَّلَ السيدُ في علاقات استعمال أدوات الاستفهام في غيره على مطلق اللزوم تَعَقَّبَهُ العلامة ابن قاسم بأن الواجب بيان جهة اللزوم الخاصة، فلْيُقَلْ العلاقةُ هنا الجزئيةُ باعتبار أن المصدر جزء من مفهوم الوصف ولا يجعلوها علاقةً مستقلةً، فليتأمل.
قوله: ((أن الظاهر)) وجه الظهور بقاء مَفْعَل عند كونه مكانا على معناه، وأما مَصْدَرِيَّتُهُ فَتُحْوِجُ للنقل لاسم الفاعل أو المفعول كما سبق، وأما حَمْلُهُ على الكلمة فمُشتَرَكٌ، فتدبر.
قوله: ((طريق...إلخ)) لا يقال الحقيقةُ أَوْلَى بهذا المعنى لِـمَا أنها طريق لمعناها بنفسها والمجازُ طريق بالقرينة.
لأنا نقول عِلَّةُ التسميةِ لا تَقْتَضِي التسميةَ فإنها مجرَّدُ مناسبةٍ حُكْمِيَّةٍ لا تُعْطَى حكمَ العللِ من الاطراد والانعكاس، فإذا سُمِّيَ شخصٌ بأبيضَ لحكمةِ اتصافِهِ بالبياضِ لا يلزم أن يزولَ الاسمُ بزوال البياض، ولا أن يسمى به كل من اتصف بذلك، فلا تَلازُمَ في النفي ولا في الإثباتِ، نعم الوصف علة في الإطلاق الاشتقاقي دائرٌ معه لا في الاستعمال العَلَمِيِّ فكذلك المجاز من حيث الوضعُ الاصطلاحيُّ لا يلزم أن تسمى به الحقيقةُ، نعم يطلق عليها بالمعنى الكليِّ، فتَبَصَّرْ.
قوله: ((بحيث يـحـصل)) حَيْثِيَّةُ تقييـدٍ أو تعليـلٍ للجمـع، وأما الجمـع مع الشعـور بأمر يعمهمـا فيمكن بأن يقال المجـاز لفـظ استـعمل في غيـر مـا وضـع لـه، واللفظ يشمل المفرد والمركب، لكنَّ المصنف أراد فهم كل حقيقة بخصوصها فعَرَّفَ المفردَ وحده، وسيأتي يُعَرِّفُ المركبَ في الفريدة السادسة.
قوله: ((أعني...إلخ)) هذا تعريف للمجاز وظاهر كلام الشارح السابق كغيره أنه حد بالذاتيات، وقال بعضهم التعاريف الاصطلاحية رسوم لجواز أن الذاتيات أمورٌ أُخَرُ وراءَ ما يُذْكَرُ، وَرَدَّهُ القطبُ الرازي في شرح الشمسية بأن الرسمية تتوقف على الجزم بالعَرَضِيَّةِ ولا يُنْتِجُها الجوازُ .
على أنا نقول لا معنى للذاتيات إلا ما اعتبره أهل ذلك الاصطلاح.
قوله: ((الكلمة)) خرج المجاز بالحذف والزيادة فإنه معنىً آخَرُ كما سبق في البسملة، فلا يحسن ذكر ذلك في المرسل الآتي.
يقال التاءُ للوَحْدَةِ فتُنافي التعاريفَ التي للماهية نظيرَ ما يقال في «كُلٍّ» ولا يَحْسُنُ القولُ بأنه ضابطٌ ولا تقديرُ مضافٍ أي: ماهيةُ الكلمةِ...إلخ كما لا يَحْسُنُ تجريدُ التاء من الوحدة وإلا دخل غيرُ المفرد، فالحق أن الوحدةَ ملاحظٌ معناها في حد ذاته من حيث اعتباره في ماهية المجاز المفرد لا من حيث اتصافُ الأَفرادِ بها نظيرَ الحيوانِ في تعريفِ الإنسان، فتأمل.
قوله: ((الكلمة قبل الاستعمال)) الذي في كتب النحو أن الكملة قول مفرد، قالوا والقول اللفظ المستعمَل فحينئذ الكلمة إنما تقال للمستعمَل، وأهلُ البيان أرادوا بالكلمة مطلقَ اللفظِ المفردِ فزادوا مستعمَلةً وتوصلوا بها لقولهم في غير ما وضعت له.
قوله: ((غير...إلخ)) المنفيُّ عن المجاز الوضعُ الأَوَّلِيُّ الأصليُّ فلا يُنافي الوضعَ الثانويَّ التبعيَّ، وبه يرجعُ الخلافُ في أن المجازَ موضوعٌ لفظيًا.
ثُمَّ وَضْعُهُ نوعيٌّ فالواضع بعد تَقَرُّرِ الحقائق يقول كلُّ سبب يدل على مُسَبَّبِهِ بالقرينةِ مثلا، وإن احْتُمِلَ تَبَعِيَّتُهُ للحقيقةِ في الشخصي، فـ«أَسَدٌ» وضعه لمعناه أصالةً وبالبناءِ عليه لما بينَه وبينَه علاقةٌ بالتأويلِ وهكذا.
وأما الحقيقة فوَضْعُها أَوَّلِيٌّ ثم تارةً يكونُ لشخصِ الألفاظِ وتارةً يكون لنوعٍ كليٍّ كالمركبِ وصيغةِ المشتقاتِ.
ثُمَّ ظاهرُ ما هنا أن الكلي في الجزئي مجازٌ لتحقق الغيرية، والمشهورُ أنه حقيقةٌ من حيث تحققه فيه مجازٌ من حيث الخصوصُ، لِـمَا أن الكلي جزءٌ اعتباريٌّ له لا موجودٌ في ضِمْنِهِ وإلا لتَشَخَّصَ، وإنَّما أضيف له لانتزاعه منه، فليس اعتبارَ اختراعٍ لا يَسْتَنِدُ لشيءٍ كالكاذب، فهو الكلُّ المنسوبُ إليه فكلٌّ منهما نُسِبَ للآخَرِ، وأجمعوا على عدم وجود الكلي استقلالا، أو للإطلاق والتقييد، ويَبْعُدُ ما قيل إنه استعارة لمشابهة الفرد لِـمَا في الذهن.
وقال الكمال بن الهمام «المتقدمون لا يَعْرِفُونَ إلا أنه حقيقةٌ، واللامُ في تعريفها للعلةِ لا صِلَةُ الوضعِ، والكليُّ وضع لأجل استعماله في الجزئي، وينبغي أنه ليس حصرًا وإلا كان الكلي الطبيعي مجازًا، فتدبر.آخر الكمال.
قوله: ((كل)) هذا توضيحٌ لمعنى «ما» فإنها من صيغ العموم لا تقديرُ محذوفٍ في المتن أي: مغاير جميع ما وضعت له أي: ليس واحدًا مما وضع له أي: لا يصدق عليه «موضوعٌ له»، فما في معنى «غَيْرِ» من النفي تَعَلَّقَ بكُلِّ فردٍ فردٍ المُعَنْوَنِ عنه بالسور الكلي.
ولا يُنَاسِبُ ما قيل أداةُ النفي إذا تقدمت على «كل» كان من سلب العموم وهو يصدق بالسلبِ الجزئيِّ والثبوتِ للبعض، فيصدق على المشتَرَك المستعمَل في أحد مَعْنَيَيْهِ أنه مستعمَل في غير كل ما وضع له، فلا يصح إلا بجعله من عموم السلب من غير الغالب على حَدِّ ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾، ولا يخفاك أن صِدْقَ ذلك على المشترَك المذكورِ التفاتٌ إلى أن المراد بالكل الهيئةُ المجتمِعَةُ وهذا غيرُ مَفَادِ سلب العموم.
ثُمَّ عمومُ السلبِ وسلبُ العمومِ إنما هو في مقامٍ ذُكِرَ فيه أداةُ العمومِ وتَعَلَّقَ بها حكمٌ ثُمَّ تَوَجَّهَ النفيُ لهذا الحكمِ فيقال إِنْ تأخرت «كل» على أداة النفي كان من باب سلب العموم أي: سلب عموم هذا الحكم لجميع الأفراد نحو «لم آخُذْ كُلَّ الدراهم» أي: إن عمومَ الأَخْذِ للدراهم انتفى فيصدق بثبوتِهِ للبعض، وهذا لا يتأتى هنا بل ما هنا نفيٌ تَسَلَّطَ على نفس أداة العموم، وكُلُّ حكمٍ تعلق بأداة العموم كان نفيا أو إثباتا فهو مُتَوَجِّهٌ لجميعِ الأفراد نحو «لا رَجُلَ»، فتبصر.
قوله: ((مُرْتَجَلَةً)) من الارتجال بمعنى السرعة لعدم بُطْئِها في معنىً آخَرَ قَبْلُ.
قوله: ((كسعاد)) ولا يُشْكِلُ بأن العَلَمَ وُضِعَ للصغير وتغير بالكِبَرِ، لأن العُرْفَ المُعَوَّلَ عليه في الاستعمال لا يُكْتَرَثُ فيه بهذه الغَيْرِيَّةِ.
وسبق في البسملة خلافٌ في الأَعْلام.
قوله: ((وَأُدَد)) أَوْرَدَ عليه بعضُ النُّحاةِ النَّقْلَ من جمعِ أدّة فعلة من الود قُلِبَتْ وَاوُهُ همزةً.
قوله: ((كفضل وأسد)) أي: عَلَمَيْنِ الأولُ منقولٌ عن المصدر والثاني اسمُ جنسٍ عين.
قوله: ((أو مشتركة)) اختلفوا في استعماله في معنييه، وعلى جَوَازِهِ فهل هو حقيقة أو مجاز، إذ لا يلزم مِنْ وَضْعِهِ لكلِّ معنىً وضعُه للمجموع.
قوله: ((في اصطلاح التخاطب)) ظرفٌ للوضع من حيث الحكمُ به لا من حيث تحصيلُه، فلا يُنافي رجحانَ أن الواضعَ هو اللهُ تعالى وأَلْهَمَ.
قوله: ((تخاطب المستعمل)) يعني إذا حصل تَخَاطُبٌ وليس بلازم حصولُ تفاعل بالفعل حتى لا يَشْمَلَ استعمالَ الشخصِ وَحْدَهُ، وطاش ما أطال به بعض الناس هنا.
قوله: ((ليخـرج)) لم يـجعـل القيد لإدخال الصلاة لغـة في الأركان للجـزئيـة وشرعا في الدعاء للكلية.
قيل لأنها داخلةٌ قبل القيد ويكفي الصدق ولو من بعض الوجوه.
وأنتَ خبيرٌ بأن هذا تَحَكُّمٌ في الجمع والمنع، فإما أن يُكْتَفَى ببعض الوجوه فيهما أَوْ لا فيهما، والخروجُ من بعض الوجوه في صورتي الحقيقة حاصل قبل القيد أيضًا، فتدبر جِدًّا.
قوله: ((كلفظة الصلاة)) إن قلت هذه من الحقيقةِ المنقولةِ وسَبَقَ خروجُها بالقيد الذي قبل هذا.
قلت إما أن تُجِيبَ على ما أفاده في كبيره بأن هذا ليس قيدًا مستقلا بل قرينةٌ على المراد بالوضع فصَحَّ إسنادُ الإخراجِ لكلٍّ لِـمَا أن لكُلٍّ دَخَلاً أو يُخَصُّ السابقُ بمنقولٍ في اصطلاحٍ واحدٍ كدَابَّةٍ لذواتِ الأربعِ عند اللغويِّ بكلِّ ما دَبَّ، فتأمل.
قوله: ((وهو اللغة)) فلا مانع من تسمية اللغة اصطلاحًا.
قوله: ((أن قوله لعلاقة)) قيل إن الأمورَ الاعتباريةَ تُلاحَظُ فيها الحيثيةُ وهي المُغْنِيَةُ أي: من حيث إنه غَيْرٌ.
فَرُدَّ بأن الاستعمال من حيثية العلاقة المُصَحِّحَةِ لا من جهة الغَيْرِيَّةِ.
والجواب أن المعتَرِضَ فَهِمَ حيثية التعليل وإنما المرادُ حيثية التقييد المعتبرةُ في الجُمْلَةِ، فتدبر.
قوله: ((مع قرينة)) لا حاجة له في الإغناء.
قوله: ((بتقدير مضاف)) هو مجردُ توضيحٍ لمقامِ لامِ التعليل.
قوله: ((لعلاقة)) الأكثرُ الفتحُ في المعنوية.
ولِلْعَلاقةِ والقرينةِ كان المجازُ أبلغَ من الحقيقةِ أي: أزيدَ تَصَرُّفًا دالا على كمال المتكلم واعتباره، لا من البلاغة المعلومة لأنها تَتْبَعُ المقاماتِ.
وقد اتضحت أبلغيةُ المجاز بالمعنى السابق فيما أنشدَهُ الشيخ شهاب الدين بن حَجْلَةَ رحمه الله تعالى:
قالتْ مَتَى الظَّعْنُ يا هذا فَقُلْتُ لها
*
إمَّـا غَـدًا زَعَـمُوا أَوْ لا فبَعْـدَ غَـد
فأَمْطَرَتْ لُؤْلُؤاً من نَرْجِسٍ وَسَقَتْ
*
وَرْدًا وعَضَّتْ على العُنَّابِ بالبَرَدِ
فانظر فَضْلَ هذا على الحقيقة أعني أَنْزَلَتْ دمعًا من عينها وبَلَّتْ خَدَّها وعَضَّتْ على أصابعها بأسنانها.
وبهما أيضًا فارَقَ الكذبَ فإن الكاذب لا يَعْتَبِرُ تأويلا بعلاقة ولا يَنْصِبُ قرينة بل يُرَوِّجُ ظاهرَه، ولذا رُدَّ على من أَنْكَرَ وقوعَه في القرآن زاعمًا أنه من قبيل الكذبِ.
والتبس تأويلُ العلاقة على الفارسي وبعضِهم كما في جمع الجوامع حتى نَفَى المجازَ من أصله وَرَدَّهُ للحقيقة أي: لأن الأسد إنما استُعْمِلَ في الشجاع بعدَ ادعاء أَسَدِيَّتِهِ فلم يُسْتَعْمَلْ لفظُ «أسد» إلا في معناه، نعم إثباتُ الأسدية للرجل إثباتُ الشيء إلى غيـر مـا هو لـه وهو ميـلٌ لردِّ الاستعـارةِ إلى المجـاز العـقلي، وقـد أُوِّلَ فـي التلخيص وشرحه على معنى أنَّ للعقل فيهما تَصَرُّفًا فلْيُنْظَرْ.
ثُمَّ المشهورُ الاكتفاءُ بسماع نوع العلاقة، ولا يُؤْخَذُ كليًا ألا ترى تَقَرُّرَ الحذفِ مع تقييدِ علماءِ العربيةِ حَذْفَ بعضِ الأشياء كالفاعل بمواضعَ مخصوصةٍ، وتَقَرَّرَتْ أيضا السببيةُ والمُسَبَّبِيَّةُ الراجعُ لها تضمينُ «شَرِبْنَ» معنى روين في قوله:
* شَرِبْنَ بماءِ البَحْرِ ثُمَّ تَرَفَّعَتْ*
مع اختلافهم هل التضمينُ يَنْقَاسُ أو يُقْصَرُ على شخصِ ما وَرَدَ، فبعضُ الأشياءِ له أحكامٌ تَخُصُّهُ والمُتَتَبِّعُ يَتَّضِحُ له ما ذكرنا.
قوله: ((قصدًا)) خرج الغَلَطُ اللسانيُّ.
قوله: ((استعمالا صحيحا)) خرج الغَلَطُ القلبيُّ بالنسبة للواقع وإن كان حقيقةً أو مجازًا في اعتقادِ المُسْتَعْمِلِ كَأَنْ يَعْتَقِدَ الكتابَ سَبُعًا أو شجاعًا فيَسْتَعْمِلُ فيه «أسداً».
ولم يُخْرِجِ الغلطَ بالقرينة كما فعل عِصَامٌ لتأخره مع أن الحال قرينةٌ وإن لم يقصدها المتكلم، فتدبر.
قوله: ((مع قرينة)) قال الشيخ عصام الدين «الأَوْلَى لعلاقةٍ وقرينةٍ لأن القرينة ليست من توابع العلاقة» ونُوقِشَ بأن «مع» تدخل على المتبوع، فقيل لاحظ غير الغالب نحو ﴿نَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾.
والأظهرُ أن إدخالَ لام العلة على العلاقة وجَعْلَ القرينةِ من تعلُّقات صفاتها يَقْتَضِي أن العلاقة أصلٌ في القَصْدِ.
إن قلت كذلك العطف تابع قلنا لكنَّه مقصودٌ بالحكم أيضا بخلاف الصفة فلمُجَرَّدِ التقييدِ، ولم يَشْتَرِطِ الأصوليون مقارنةَ القرينةِ لجواز تأخيرِ البيان لوقت الحاجة، ورآها البيانيون مقارِنَةً كاسْمِها.
والظاهرُ تقييدُ كلامهم بما إذا لم يتعلق غرضٌ بعدم بيان المراد، وإلا فالأصوليون استندوا لما في كلام الله ورسوله وهو أبلغُ كلامٍ، والإبهامُ لغرضٍ جائزٌ وإن لم نَطَّلِعْ على خصوصه في كلام الشارع، فيَرْجِعُ الخلافُ لفظيًّا.
ويُحْتَمَلُ أن يَتَكَلَّفَ البيانيون قرينةً في مثل ذلك وإن خَفِيَتْ.
وإنما احتاج المجاز لقرينةٍ تُبَيِّنُ المرادَ منه لتَبَادُرِ الحقيقةِ كما أنه احتاج لعلاقةٍ لعدم الوضع، وإلا لاسْتَعْمَلَ مَنْ شاءَ ما شاءَ فيما شاءَ.
قوله: ((مانعة)) منه امتناعُ الجمعِ بين الحقيقةِ والمجازِ، ومَنْ أجازَهُ من الأصوليين رَأَى أن القرينةَ تَمْنَعُ من الحقيقةِ وَحْدَها.
أَمَّا عُمُومُ المجازِ فجائزٌ اتفاقًا.
والفرقُ بينهما اعتباريٌّ فإن لُوحِظَ شَخْصُ المَعْنَيَيْنِ فالأَوَّلُ أو كُلِّيٌّ يَشْمَلُهُمَا كمطلق مُجْتَرِيءٍ في «أسد» فالثاني، وعليهما يتفرع التغليبُ نحو «أسدين» للشجاع والسَّبُعِ، فتدبر.
قال الشيخ عصام الدين في الرسالة الفارسية «وهنا بَحْثٌ قويٌّ وهو أن المجازَ المرسلَ والاستعارةَ مع كونهما مدارَ البيانِ ليس عليهما دليلٌ قاطعٌ، وذلك لأن القرينةَ غايةُ ما فيها المنعُ من إرادة الظاهر في الكلام وبعد ذلك يُحْتَمَلُ تقديرُ مضافٍ وأن الأصل رأيتُ شَبَهَ أسدٍ مثلاً» قال:«فإن قلت تَفُوتُ المبالغةُ التي في الاستعارة، قلنا تَحْصُلُ المبالغةُ بحذفِ المضافِ وإِحْلالِ المضاف إليه مَحَلَّهُ».
وَرَدَّهُ المَوْلَوِيُّ في التعريب بأن أغراض البلغاء إنما تحصل بالتصرف في المعاني لا بمجرد تَصَرُّفٍ لفظيٍّ بحذفٍ ونحوِهِ.
قوله: ((أخرج الكناية)) بناءً على أنها واسطةٌ، أَمَّا على أنها مجازٌ فداخلةٌ أو حقيقةٌ فتخرج بقيد الغيرية.
قال العصام: «إرادةُ الحقيقيِّ للانتقال لابد منها فيهما وبالاستقلال مَنْفِيَّةٌ فيهما، فلا فَرْقَ بين المجازِ والكنايةِ إذًا».
وَرُدَّ بأن الفرقَ بأَمْرٍ ثالثٍ وهو الإخبارُ بهما في الكناية لكنَّ الحقيقيَّ تَبَعٌ والمقصودُ غيرُهُ، ولا يُمْكِنُ ذلك في المجازِ لأن الرَّجُلَ حقيقتُهُ تُنَافِي السَّبُعِيَّةِ كما في المجدولي فلا يمكن اجتماعهما، وأمَّا الإرادة للانتقال فمجردُ إِخْطَارٍ بالبالِ لا قَصْدُ إِخْبَارٍ.
ولا يخفـاك أن هـذا رائحـةُ جمعٍ بين الحـقيقـي والمجـازي، وأنـه يتوقف على أن المعنى المجازي دائما مُنافٍ للحقيقي فلا يصح نحو «كثرة الرماد» مجازًا في الكرم وإلا لم يَتِمَّ الفَرْقُ فلْيُحَرَّرْ.
قال السعد «والمرادُ أن الكنايةَ يجوزُ فيها الحقيقيُّ وإن لم يُرَدْ بالفعل لصحةِ «جبان الكلب» وإن لم يكن له كلبٌ، بل قد يستحيلُ لمعنىً خارجٍ كما سبق في مَبْحَثِ البسملة من نحو ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ قال ابن يعقوبٍ «لكنَّ المتكلمَ لم يَنْصِبْ تلك الاستحالةَ في الكناية قرينةً»، فليتدبر.
قوله: ((لازمها)) هذا على أحسن الطريقتين من أن الكناية إطلاقُ الملزومِ وإرادةُ اللازمِ وهي طريقةُ الخطيبِ، وعَكَسَ السكاكيُّ، وإن جُمِعَ بأن تَسَاوِيَ اللزومِ يُصَحِّحُ كُلًّا، ويكفي اللزوم العادي بل الادعائي.
قوله: ((المعتبرة)) يُؤْخَذُ مِنْ مجردِ الإضافةِ إذ لا معنى لإضافة العلاقةِ للمجازِ إلا من حيث ابْتِنَاؤُهُ عليها واعتبارُها فيه، أو مِنْ جَعْلِهَا للعهد، والمعهودُ العلاقةُ المتقدِّمُ ذِكْرُها المدخولةُ لِلَامِ العلةِ فهي مُعْتَبَرَةٌ أَلْبَتَّةَ.
قوله: ((غير المشابهة)) خرجت المشابهةُ ولو في الصورةِ كفرس للمَنْقُوشِ فهو استعارةٌ خلافًا لمن جعلَهُ مجازًا مرسَلاً.
وجعلوا من علاقات المرسل الضدّية كأسد للجبان، والحقُّ أنها بالتَّهَكُّمِ تَرْجِعُ للمشابهة التنزيلية.
والاستعارةُ تمليحيةٌ نسبةً للتمليح بتقديم الميم الإتيان بما فيه ملاحة.
وجعلوا منها الآلية، والظاهر رجوعها للسببية فإن الآلة سبب، وكذلك ترجع للسببيةِ البدليةُ نحو «يأكل الدم» أي: الدِّيَةَ التي هي بَدَلُهُ.
وقد أشرنا سابقا للمناقشة في بعض العلاقات أيضا، فبالجملةِ لا يُعَوَّلُ على مُجَرَّدِ قولهم علاقاتُ المجازِ المرسَلِ خمسةٌ وعشرون ونحوِهِ.
وَرَجَعَ العلامة ابن قاسم في شرح المحلي على الورقات إطلاقَ المدلول على الدَّالِّ للمُجَاوَرَةِ؛ إذ يُتَخَيَّـلُ مجـاورةُ الدَّالِّ للمدلول.
ولك أن تقول: العلاقةُ الحالِيَّةُ بِتَخَيُّلِ أنَّ الدَّالَّ محلٌّ للمدلول والمعاني كامِنَةٌ في الألفاظ، أو المُسَبَّبِيَّةُ والسَّبَبِيَّةُ باعتبار الفَهْمِ.
وبالجملةِ الحاذقُ يَعْرِفُ مقالَ كلِّ مقامٍ.
ومما ينبغي التَّنَبُّهُ له أن العلاقةَ قد تكون مركبةً من نوعين عند تعدد الاعتبار كاستعمال أداة الاستفهام في الإنكار، فيلاحظ أَوَّلاً أنَّ الاستفهام مُسَبَّبٌ عن الجهل ثُمَّ أنَّ الجهلَ سبب في الإنكار، ولا ضَرَرَ في ذلك فإن الغرضَ تَحَقُّقُ الارتباطِ، فتدبر.
قوله: ((وكالسببية...إلخ)) فيه مع المثالين بَعْدُ لَفٌّ ونَشْرٌ مُرَتَّبٌ، لأنهم للفَرْقِ يَعْتَبِرُونَ صفةَ الأصلِ بِتَخَيُّلِ العلاقةِ عُرْوَةً فيه يَرْتَبِطُ بها المجازُ، فتدبر.
قوله: ((عن ادعاء)) لم يَذْكُرْ قولَ عصامٍ «لإرسالِهِ عن التقييد بعلاقةٍ مخصوصةٍ» لقوله في الكبير «يَظْهَرُ في الكليِّ، أَمَّا كُلُّ جزئيٍّ فقد اخْتَصَّ بما اعْتُبِرَ فيه»، ولا يخفاك أن أصل التسمية لوحظ فيها الكلي.
قوله: ((في الشجاعة)) الأَوْلَى في الجَرَاءَةِ لأن الشجاعة خاصة بالعاقل.
ومَدْخُولُ «في» كليٌّ جامعٌ على الأظهر وإِنْ قَرَّرَ شيخُنا العدوي أنه وصفُ المُشَبَّهِ به.
قوله: ((مُعْتَرَض)) أُجِيبَ بأنه اقْتَصَرَ على المُتَّفَقِ عليه فإنَّ المكنيةَ عند الخطيبِ التشبيهُ لا الكلمةُ المستعمَلةُ..إلخ، وقَرَّرَ لنا شيخُنا العدوي أَنَّ المكنيةَ خـارجـةٌ عـن المـوضوعِ فـإن قرينَـتَـها رَمْـزٌ للـمُـشَـبَّــهِ بـه لا أنَّهـا مانـعـةٌ مـن إرادتـه،
وفيـه أنَّه يُنافِي جَعْلَهَا من المجازِ المُعَرَّفِ بما ذُكِرَ، فالحقُّ أن الأظفارَ من حيث ذاتُها رَمْزٌ ومن حيثُ إضافتُها للمنيةِ مانعةٌ، قيل هي خارجةٌ بالمستعمَلةِ لأنَّ اللفظَ غيرُ مذكورٍ بل ولا مُقَدَّرٍ في نَظْمِ الكلامِ كما سيأتي فلا يوصفُ باستعمالٍ فإنْ أُرِيدَ المستعملةُ ولو بالقوةِ دخلت الحقيقةُ فإنها صالحةٌ لِأَنْ تُسْتَعْمَلَ في الغير.
وَيَرِدُ على هذا ما وَرَدَ على ما قبلَه من لزومِ خروجِها عن أقسام المجاز.
فالظاهرُ أن يُرَادَ القوةُ القريبةُ من الفعلِ بحيث لو صُرِّحَ به لكان مُسْتَعْمَلاً في الغير، وهذا غيرُ مُجرَّدِ الصلاحيةِ الحاصلةِ في الحقيقةِ.
ولو وافق المصنفُ غيرَهُ في عدم التقييدِ لكان أَوْلَى.
قوله: ((على المطلق)) أي: المُتَحَقِّقِ في الإنسانِ، فإن لُوحِظَ النقلُ له بخصوصِهِ ثانيًا فمجازٌ بمرتبتين.
قوله: ((ولفظ أسد...إلخ)) اختيارٌ لمذهب السَّعْدِ أنه مُسْتَعَارٌ للشجاع المُبْهَمِ، والمذكورُ خاصٌّ، فلا يلزم جَمْعٌ بين الطرفين.
ولما شَمَّ القومُ منه رائحةَ الجمعِ وكانت الاستعارةُ مبنيةً على تناسي التشبيه انتهاءً وإن كان هو علاقتَها ابتداءً جعلوها تشبيهًا بليغًا بحذفِ الأداةِ وإيهامِ العينيةِ.
تَمَسَّكَ السعدُ بِتَعَلُّقِ الجارِّ به نحو: «أَسَدٌ عَلَيَّ وفي الحُروبِ نَعَامَةٌ» فَدَلَّ على أن معناه مجتريءٌ، «والطيرُ أَغْرِبَةٌ عليه» أي: بَوَاكٍ.
ويمكن القوم تعليقَهُ بالوصف المُشْعِرِ به ضِمْنًا أو بمعنى التشبيه كما يقال أنت عَلَيَّ كالأسدِ أي: تُشْبِهُ بالنسبةِ إِليَّ الأسدَ.
واعلم أن الاستعارة هنا بالمعنى الاسميِّ، وقد تطلق بالمعنى المصدريِّ فيُشْتَقُّ منها مستعارٌ ومستعيرٌ ومستعارٌ له ومنه كما في التلخيص.
فبالجملةِ التشبيهُ بين المعاني، واللفظُ كثَوْبٍ أُخِذَ عارِيةً من هذا لهذا حيث ادُّعِيَ أنه لافرق بينهما، ولذلك كانت ألطف أنواع المجاز.