قال المؤلف رضي الله عنه:
(بسم الله الرحمن الرحيم)
اعلم: أنه ينبغي لكل شارع في فن أن يتكلم على البسملة من الفن الذي هو شارع فيه؛ ليكون قائماً بحقين: حق البسملة وحق الفن، والتكلم عليها من غيره يفوت الحق الثاني، وترك الكلام رأساً قصُور أو تقصير.
فنقول: الباء؛ إما حرف جر أصلي فتكون متعلقة بمحذوف ففيها مجاز الحذف بناء على أنّه مجاز مطلقاً غير الإعراب والحكم أم لا، وقيل: لابدّ من تغيير الإعراب والحكم كما في قوله تعالى: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾، وقيل: ليس مجازاً مطلقاً وحينئذٍ لا يكون فيها مجاز الحذف.
وأما على أنها زائدة فهو مجاز بالزيادة على حدِّ قول الشاعر:
إلى الحولِ ثُمَّ اسمُ السَلامِ عليكما
وكقوله تعالى: ﴿فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ﴾، ومجاز الزيادة والحذف خارجان عن معنى المجاز المصطلح عليه أعني: الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له الخ، وأصل وضع الباء للإلصاق، واستعماله في غيره مجاز وهو قسمان: حقيقي ومجازي، فالحقيقي: نحو أمسكت بزيدٍ؛ إذا قبضت عليه، أو على شيء يحبسهُ كالثوب مثلاً، والمجازي: نحو مررت بزيدٍ، فإنَّ المعنى ألصقتُ مروري بمكان يقرب من مكان زيد، كذا قاله ابن هشام في المغني، فما هنا من باب: أمسَكْتُ بزيدٍ، إذا قبضت على ما يحبسه أو أولى فيكون حقيقاً.
وقد اشتهر هنا أنَّ الباء للاستعانة فيكون في الكلام مجاز مرسل وعلاقته الإطلاق والتقييد؛ لإطلاقها عن قيد الإلصاق وتقييدها بالاستعانة فهو مجاز مرسَل بمرتبتين.
ويحتمل أن يكون مجاز استعارة بأن شبه الاستعانة المطلقة بالإلصاق المطلق بجامع الارتباط في كل فسرى التشبيه من الكليات للجزئيات فاستعيرت (الباء) الموضوعة للإلصاق الجزئي للاستعانة الجزئية على طريقة التبعية.
واعلم: أنّ الاستعانة حقيقية إنما هي بالذات، وقد جُعلتْ الاستعانة هنا بالاسم؛ فهو مجاز أيضاً، فشبّه مطلق ارتباط مستعان فيه باسم المستعان به بارتباط المستعان فيه بمسمّى المستعان به، فسرى التشبيه من الكليات للجزئيات فاستعيرت (الباء) الموضوعة للارتباط بين المستعان فيه ومسمّى المستعان به الخاصين على طريق التبعية.
وقد تقدم أن استعمال الباء في الاستعانة مجاز؛ فهو مجاز على مجاز، وفي جوازه ومنعه خلاف، فمنعه جماعة منهم عصام الدين؛ لأنّ فيه أخذ الشيء من غير مالكه، وأجازه جماعة؛ لأنّ اللفظ لمّا نقل للمعنى الثاني بالعلاقة صار كأنه موضوع له.
وقد قال علماء الفن أنّ المجاز موضوع بالوضع النوعي، وهو الحق إذ قد جاء في التنزيل، قال تعالى: ﴿وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا﴾، فإنَّ المراد بالسر الوطء؛ لأنّه لا يكون إلا سرّاً، وأصله ضدّ الجهر ثم نقل إلى سببه، وهو العقد.
ويحتمل أن لفظة اسم زائدة بناء على أن الأصل بالله فزيد فرقاً بين اليمين والتيمن فيكون مجازاً بالزيادة، وإضافة اسم إلى الجلالة إن أريد بلفظ الجلالة الذات كانت حقيقية على معنى اللام وإنْ أريد به اللفظ كانت بيانية وهي مجاز بالاستعارة فشبه مطلق إرتباط شيء بشيء على أنَّ الثاني مبين للأول بمطلق ارتباط شيء بشيء على أنّ الثاني معيّن للأول فسرى التشبيه من الكليات للجزئيات فاستعيرت صورة الإضافة الجزئية الموضوعة للتعيين لصورة الإضافة الجزئية الموضوعة للتبيين على طريق التبعيّة.
والله علمٌ على الذات الواجب الوجود، وقد أُختُلف في الأعلام: فقيل لا توصف بالحقيقة والمجاز؛ لأنّهما لابد فيهما من الوضع المعتد به وهو وضع اللغة، والأعلام لا تخصُّ لغة بعينها، قال شيخنا الأمير: وقد يقال أن وضع العلم أقوى من قيد اصطلاح التخاطب الذي اعتبروه في الحقيقة.
فالأعلام توصف بالحقيقة دون المجاز؛ لأنّها استعمال الشيء فيما وضع له في اصطلاح التخاطب على أنه يستثنى أسماء الله تعالى، إنْ قلت: هو لا يظهر إلا على أنّه علم شخص، وأمّا على ما قاله البيضاوي: من أنّه موضوع لأمر كلي وهو المعبود، فهو مجاز، قلنا: بل حتى ما قاله البيضاوي؛ لأنَّه وإنْ قال إنّه موضوع لأمرٍ كلّي، قال: أنّه غلب على الذات العلية، والغلبة تنزل منزلة الوضع.
فتحصيل مما قاله شيخنا رضي الله عنه: أنَّ الأعلام كلها من باب الحقيقية لا المجاز ولا خارجة عنهما.
والرحمن الرحيم مشتقان من الرحمة وحقيقتها مستحيلة على الله تعالى؛ لأنها رقة في القلب وانعطاف تقتضي التفضل والإحسان فيراد منها لازمها، وهو التفضل والإحسان مجاز مرسل من إطلاق السبب على المسبّب، وذكر حفيد السّعد أنّ في الكلام استعارة تمثيلية بأنْ يقال: شبه حال المولى مع خلقه في الأنعام بحلائل النعم ودقائقها بحال ملكٍ مع رعيته واستعيرتْ الهيئة الدالة على المشبّه به للمشبّه، وأورد عليه أن الاستعارة التمثيلية لا تكون إلا في المركّبات وإطلاق الحال على الله لمْ يردْ إذنٌ به وأنّ الرحمن لمْ يستعمل في غيره تعالى وأمّا قول الشاعر:
وأنت غيث الورى لازلتَ رَحماناً
في حق مسيلمة الكذاب إمّا شاذ، أو لأنّه منكر، والخاص بالله المعروف أو من تعنتهم في كفرهم، وبأن المشبه به أقوى وهو إساءة أدب، وأجيب: بأنّه اقتصر على الجزء الأهم من المركبات إذ هو مركب بحسب الأصل فإن الأصل: (ملك رحمن رحيم) وإطلاق الحال جائز لضرورة التعليم والحق ثبوت مجازات لا حقائق لها وكون المشبه به أقوى أغلبي، وبعد هذا كله فالأحسن والأسلم الاقتصار على كونه مجازاً مرسَلاً.
قوله:(الحمد لله) يحتمل أنّ الجملة خبرية لفظاً إنشائية معنى لإنشاء الثناء بالمضمون لا نفس المضمون؛ لأنّ استحقاق الحمد واختصاصه بالله ذاتي له أزلي لا يقبل التجدد وإنشاء الثناء بالمضمون يحصل سواءٌ جعلتَ أل في الحمد عهدية أو استغراقية أو جنسية، خلافاً لما قال الغنيمي في حواشي السعد من تخصيصه بجعل أل عهدية، ويحتمل أن تكون خبرية لفظاً ومعنىً للإخبار بثبوت المحامد لله، والإخبار بالحمد حمدٌ باعتبار اللازم؛ لأنَّ المخبر بثبوت الثناء مثنى، أو يراد بالحمد المحمود به؛ وهي الكمالات فقوله: الحمد لله في قوة قوله الكمالات ثابتة لله.
قوله:(على ما أنعم) (على) للتعليل علة لإنشاء الثناء بالمضمون على أنّها إنشائية أو علة لإثبات الجمل الحمد لله على أنَّها خبرية، ومعنى إثباته: إعتقاده لله وإلا فهو ثابت أزلاً لا يقبل التجدد كما علمت، ويحتمل أنَّه خبر بعد خبر إشارة إلى أنّه كما يستحق الحمد لذاته يستحقه لأفعاله فكأنه قال: الحمد كائنٌ لذات الله الحمد كائنٌ لأنعام الله، ولا يصلح أنْ يكون الجار والمجرور متعلقاً بالحمد؛ لئلا يَلزم الإخبار عن المصْدَر قبل تمام عمله، و(ما) موصول أسميّ والعائد محذوف أي: أنعم به، بناءً على جواز حذف العائد وإنْ لم يجرْ بما جرَّ به الموصول، ويحتمل أنّها موصول حرفي يؤول مع ما بعدها بمصدر وهو أولى؛ لأنّه لا يحوج إلى حذف.
وأختلف هل الأفضل الحمد لله على الإنعام أو النعمة التي هي أثر الإنعام: فقيل على الإنعام أفضل؛ لأنَّه حمد بلا واسطة، وقيل: على النعمة أفضل؛ لأنّه حمد على الإنعام وزيادة ورجحة شيخنا الأمير، فعلى هذا يكون جعْل (ما) إسماً موصولاً أولى من حيث المعنى.
قوله:(من البيان) بيانٌ لما، والبيان: هو النطق الفصيح المعرب عما في الضمير، ويحتمل أنّ المراد علم البيان ففي الكلام براعة استهلال.
قوله:(وألهم) الإلهام لغة: الإعلام، وفي الاصطلاح: إيقاع معنى في القلب بطريق الفيض لا بالكسب، والمراد هنا وصول المعاني للقلب كانت بكسب أم لا وفيه إشارة إلى أنَّ المعلم هو الله.
قوله:(من التبيان) مبالغة في البيان: فهو المنطق الزائد في الفصاحة أو المقترن بالحجة وليس لنا تفعال بالكسر إلا تلقاء وتبيان وتكرار وتعبيره أولاً: بأنعم، وثانياً: بألهم تفنن.
قوله:(والصلاة والسلام) أتى بالصلاة عملاً بما هو مطلوب نقلاً وعقلاً، أمّا النقلي؛ فلأنّه وردَّ الحث على الابتداء بها في الخطب وفي كل أمرٍ مهم، وأمّا العقلي؛ فلأنَّ تأليف هذا الكتاب من بركته صلى الله عليه وسلم فحق علينا أن نصلي عليه مجازاة لبعض حقه.
والسلام من الله الأمان؛ لأنَّ النبي وأن كان مغفوراً له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ومعصوم من عذاب الله يخاف خوف إجلال وتعظيم؛ لأنَّ الخوف على قدر المعرفة، وفي الحديث: (أنا أعرفكم بالله وأخوفكم منه)، أو معنى السّلام التَحية كما سيأتي بأن يحييه الله بكلامه القديم كما يحيّي أحدنا ضيفه وهذا القدر زائد على الصلاة كما هو معلوم.
قوله:(على سيد الأنام) الإضافة للعهد أي: السيّد المعهود وهو سيدنا محمد فإنَّه سيد جميع الخلق بتفضيل من الله تعالى لا بالمزايا وإنْ كان في الواقع فاقهم في المزايا أيضاً؛ لأنّ من القواعد أنَّ المزيّة لا تقتضي الأفضلية، ومحل كون تفضيل الكامل على الناقص نقص إذا فُضّل عليه بخصوصه.
وأصل سيد سيود قُلبتْ الواو ياءً؛ لإجتماعها مع الياء الساكنة وأدغم، إنْ قلت يلزم عليه إجتماع إعلالين في كلمة واحدة وهو ممنوع.
أُجيب عن ذلك بأنَّ محلّه إذا لم يكن أحد الإعلالين إدغاماً على أنّ اجتماع الإعلالين في كلمة واحدة جائز، وإن لم يكن الثاني إدغاماً كما في (قاضٍ).
وإنّما لم يكن أصله سويد بتقدم الواو؛ لأنّ فَعيل لم يسمعْ بخلاف فيْعِل.
وفي (على) استعارة تبعية وتقريرها أن تقول: شبّه ارتباط صلاة بمصلى عليه بارتباط مستعلٍ بمستعلى عليه فسرى التشبيه من الكليات للجزئيات فاستعيرت (على) الموضوعة للاستعلاء الخاص لمصلى عليه خاص على طريق التبعيّة والجامع التمكن في كل.
قوله:(وعلى آله) أصله أول بدليل تصغيره على أويل تحركتْ الواو وانفتح ما قبلها قُلبتْ ألفاً، وقيل: أصله أهل بدليل تصغيره على أهيل قُلبتْ الهاء همزة، والهمزة ألفاً، وأُغتفِر قلب الهاء همزة مع أنّ شأن التصريف قلب ما هو أخف للتوصل للخفيف المطلق وهو الألف.
إنْ قلتَ: في الاستدلال بالمصغر على المكبر دور؛ لأنَّ المصغر فرع المكبر، ويجاب: باختلاف الجهة؛ لأنّ توقف المكبر على المصغر من حيث العلم بأصالة الحروف وتوقف المصغر من حيث الوجود والمراد بهم في مقام الدعاء كما هنا كل مؤمن ولو عاصياً.
قوله:(وأصحابه) عطف خاص على عام جمع (صحب) عند الأخفش واسم جمع عند سيبويه؛ لأنّ فعلاً الصحيح العين لم يُسمعْ جمعه على أفعال.
إن قلت: على كلام سيبويه اسم الجمع لا واحد له من لفظه نحو: (قوم) و(رهط) وهنا له واحد من لفظه وهو صاحب، والجواب: أنّ هذا باعتبار الغالب وإنما الفرق بينهما أنّ دلالة الجمع على آحاده دلالة التكرار بحرف العطف فهو من باب الكلية، واسم الجمع من باب الكل كذا أفاده الأشموني.
والمراد بالصحابيّ: من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على ذلك كما هو مقرر.
قوله:(الأئمة): جمع إمام وهو من يُقْتَدى به ولو صغير، ويكثر استعماله في المفرد ويقل مجيئه جمعاً نحو قوله تعالى: ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾، بخلاف الأمة فإن الكثير استعمالها في الجمع ويقل استعمالها في المفرد كقوله تعالى: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا﴾ الآية.
قوله:(الأعلام): جمع علم وهي الراية والجبل كما في قول الخنساء في أخيها صخر:
وأنَّ صخرا لتأتم الهداة به
*
كأنّه علم في رأسه نار
وعلى كل في الكلام استعارة حيث شبه الأصحاب بالراية أو الجبل بجامع الاهتداء واستعير اسم المشبه به للمشبه على طريق الاستعارة المصرحة الأصليّة.
قال الشارح رضي الله عنه في تقريره: وهو منقطع عما قبله فلا يلزم الجمع بين الطرفين.
قوله:(وبعد) يتعلق بها مباحث تسعة: الأول: في واوها، الثاني: في موضعها، الثالث: في معناها، الرابع: في إعرابها، الخامس: في العامل فيها، السادس: في أصلها، السابع: في حكم الإتيان بها، الثامن: في أول من تكلم بها، التاسع: في الفاء بعدها.
فأمّا الواو فإما أنْ تكون لعطف ما بعدها على ما قبلها عطف قصّة على قصّة، وإمّا أنْ تكون نائبة عن أمّا التي هي لمجرد التأكيد، وقد تكون للتأكيد مع التفصيل في غير ما هنا ،وأمّا موضعها فيؤخذ من قولهم هي كلمة يؤتى بها للانتقال من أسلوبٍ إلى آخر أي: من غرض إلى آخر فلا تقع بين كلامين متحدين ولا أول الكلام ولا آخره، فإنْ وقعت بين كلامين متغايرين بينهما مناسبة كليّة سمّي: تخلصاً، وإنْ لم تكنْ بينهما مناسبة أصلاً سمّي: اقتضاباً محضاً، وإنْ كان بينهما نوع مناسبة كما هنا سمّي: اقتضاباً مشوباً بتخلص.
فمثال الاقتضاب قول الشاعر:
لو رأى الله أنَّ في الشـيب خيراً
*
جاورته الأبرار في الخلد شيباً
كل يوم تُبدى صـروف الليـالي
*
خلقاً من أبي سعيد رغيبا
ومثال التخلص قوله:
أمَطلَعَ الشَّمسِ تَنوي أنْ تَؤُمَّ بنا
*
فقلـتُ كلا ولكنْ مَطْلَع الجُودِ
وأمّا معناها فهو نقيض قبل؛ وتكون ظرف زمان كثير أو مكان قليلاً، وهي هنا للزمان لا غير، وقولهم أنَّها للمكان باعتبار الرقم بعيد كما حققه الشارح رضي الله عنه، وأمّا إعرابها فله أربعة أحوال تعرب في ثلاثة وتبنى في حالة كما هو مشهور، وأمَّا العامل فيها فهو على أنّ الواو عاطفة مقدر بأقولُ ونحوه وعلى أنها نائبة عن إمّا فإنْ قلنا إنّها من متعلقات الشرط فالعامل فيها فعل الشرط والتقدير مهما يكن من شيء بعد ما تقدم أو العامل فيها الواو النائبة عن أمّا النائبة عن مهما، وإنْ قلنا: أنّها من متعلقات الجزاء كانت معمولة للجزاء والتقدير: مهما يكن من شيء فأقول بعدما تقدم: وجعلها من متعلقات الجزاء أوّلى؛ لأنّه يكون وجود المؤلف معلقاً على وجود شيء مطلق، وأمّا أصلها فهو أمّا، وأصل (أما) مهما يكن من شيء كما تقدم وهذا الأصل على أنَّ الواو نائبة، وأمّا على أنّها عاطفة فالأصل، وأقول بعد الخ وأما حكم الإتيان يها فالاستحباب إقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان يأتي بأصلها وهو (أمَّا بعْد) في خطبه ومكاتبته، وأمّا أول من تكلم بها فقد نظم الخلاف فيه بعضهم بقوله:
جرى الخلف أمّا بعد من كان بادئاً
*
بها خمـس أقوال وداوود أقـربُ
وكـانت له فصل الخطاب وبعده
*
فقـس فسحبَان فكعـب فيعْربُ
وأمّا الفاء بعدها فإنَّ قلنا: إنّ الواو عاطفة فالفاء زائدة على توهم وجود أمّا وإن قلنا: أنها نائبة عن أمّا فالفاء رابطة للجواب فهذه زيدتْ على ما قاله المدابغي في حاشيته على الشيخ خالد.
قوله:(شرح) أمّا بمعنى الشارح، أو الكلام على حذف مضاف أي: ذو شرح أو أُطلق على المعنى المصدري مبالغة كما قيل في: زيدٌ عدلٌ.
قوله:(لطيف): اللطيف في الأصل يطلق على رقيق القوام وعلى الشَفَّاف الذي لا يحجب ما وراءهُ وعلى صغير الحجم، والمراد هنا لازمه فهو مجاز مرسل من إطلاق الملزوم وإرادة اللازم، ويحتمل إنَّه مجاز استعارة بأن شبّه سهولة المأخذ برقة القوام أو بالشفّاف أو بصغير الحجم واستعير اسم المشبّه به للمشبّه واشتقّ من اللطف لطيف بمعنى سهل المأخذ على طريق الاستعارة التبعية.
قوله:(على الرسالة)في الكلام استعارة تبعية حيث شبه ارتباط الشارح بالرسالة بارتباط مستعلى بمستعلى عليه فسرى التشبيه من الكليات للجزئيات فاستعيرت (على) الموضوعة للاستعلاء الخاص لمعنى اللام على طريق الاستعارة التصريحيّة التبعيّة.
وسمَّى كتابه رسالة لصغر حجمها؛ لأنّ الرسالة في الأصل: اسم للمكتوب الذي يقع به التراسل بين الناس.
قوله:(جعلتها) أي: ألفتها.
قوله:(في بيان المجاز) يأتي ما في هذه الظرفية.
قوله:(يوضح) نسبة الإيضاح إليه مجاز عقلي من الإسناد للسبب.
قوله:(معانيها) أي: الرسالة وإضافة معاني إلى الضمير إما حقيقة إنْ أُريد بها الألفاظ المخصوصة، وأمّا بيانية إنْ أُريد بها المعاني المخصوصة.
قوله:(ويحل مبانيها) أي: تراكيبها وهو بضم الحاء من الحل وهو الفك، والمراد يبين الفاعل من المفعول ونحو ذلك وإضافة مباني للضمير بيانيّة إنْ أُريد من الرسالة الألفاظ أو من إضافة الدال للمدلول إنْ أُريد منها المعاني.
قوله:(وبالله التوفيق) قدم الجار والمجرور لإفادة الحصر أي: وما كوني موفقاً إلا بالله، والتوفيق خلق الطاعة في العبد أو خلق قدرة الطاعة في العبد، والخذلان ضده.
قوله:(راجياً) أي: طالباً حال من فاعل أقول، وحقيقة الرجاء تعلق القلب بمرغوب فيه مع الأخذ في الأسباب، ولاشك أنَّ المؤلف كذلك.
قوله:(أن يسلك) أنْ وما دخلت عليه في تأويل مصدر معمول لراجياً أي: سلوك الخ.
قوله:(أنفع طريق) من إضافة الصفة للموصوف، أي: طريقاً أنفع، ومعنى كونها أنفع؛ أنَّها ينتفع بها المعلم والمتعلم.