المتن
فالاسم يعرف بالخفض، والتنوين، ودخول الألف واللام، وحـروف الخفض،
وهي: من، وإلى، وعن، وعلى، وفي، ورب، والبـاء، والكـاف، والـلام، وحـروف القسم، وهي: الواو، والباء، والتاء.
والفعـل يعـرف بقد، والسيـن، وسوف، وتاء التأنيث الساكنة.
والحرف ما لا يصلح معه دليل الاسم ولا دليل الفعل.
وإذا أردت معرفة كلٍّ من الاسمِ والفعلِ والحرفِ، ((فالاسم)) المتقدم في التقسيم ((يُعرف)) من قسيميه: الفعل والحرف ((بالخفض)) في آخره. YouTube■
والخفض: عبارة عن الكسرة التي تحدث عند دخول عامل الخفض، ككسرة الدال من «زيد» في قولك: مررت بزيدٍ، فزيدٌ اسمٌ، ويعرف ذلك بكسر آخره. YouTube■
((والتنوينِ)): وهو نون ساكنة تتبع آخر الاسم في اللفظ، وتفارقه في الخط، استغناءًا عنها بتَكْرَارِ الشَّكْلَةِ عند الضبط بالقلم، نحو: زيدٍ ورجلٍ وصهٍ ومسلماتٍ وحينئذٍ، فهذه أسماء لوجود التنوين في آخرها. YouTube■
((ودخولِ الألفِ واللامِ)) عليه في أوله نحو: الرجل والغلام، فالرجل والغلام اسمان لدخول الألف واللام في أولهما. YouTube■
((و)) دخولِ ((حروف الخفض)) في أوله أيضاً نحو: مِنَ الرسول، فالرسولُ اسم لدخول حرف الخفض عليه وهو «مِنْ». YouTube■
وحاصل ما ذكره من علامات الاسم أربع: اثنتان تلحقان الاسمَ في آخره، وهما: الخفض والتنوين، واثنتان تدخلان عليه في أوله وهما: الألف واللام، وحروف الخفض، وعَكَسَ الترتيبَ الطبيعيَّ؛ لطول الكلام على حروف الخفض. YouTube■
وعَطَفَ العلاماتِ بالواو المفيدةِ لمطلق الجمع إشعاراً بأنَّ بعضها قد يجامع بعضاً في الجملة كالخفض مع التنوين أو مع الألف واللام، وقد لا يجامع كالألف واللام مع التنوين. YouTube■
ثم استطرد فذكر جملة من حروف الخفض فقال: YouTube■
((وهي)) أي: حروف الخفض ((مِنْ)) بكسر الميم، ومن معانيها الابتداء، ((وإلى)) ومن معانيها الانتهاء، ومثالهما: سرت من البصرة إلى الكوفة، فالبصرة والكوفة اسمان؛ لدخول حرف الخفض عليهما، وهو مِن في الأول، وإلى في الثاني، ((وعن)) ومن معانيها المجاوزة، نحو: رميت السهم عن القوس، فالقوس اسم؛ لدخول عن عليه، ((وعلى)) ومن معانيها الاستعلاء، نحو: صَعِدتُّ على الجبل، فالجبل اسم؛ لدخول على عليه، ((وفي)) ومن معانيها الظرفية، نحو: الماء في الكوز فالكوز اسم؛ لدخول في عليه ((ورُبَّ)) بضم الراء، ومن معانيها التقليل، نحو: رُبَّ رجلٍ كريمٍ لقيته، فـرجل اسم؛ لدخول رُبَّ عليه، ((والباءُ)) الموَحَّدَةُ، ومن معانيها التعدية، نحو: مررتُ بالوادي، فالوادي اسم؛ لدخول الباء عليه ((والكافُ)) ومن معانيها التشبيه، نحو: زيد كالبدر، فالبدر اسم؛ لدخول الكاف عليه، ((واللام)) ومن معانيها المِلْكُ، نحو: المال للخليفة، فالخليفة اسم؛ لدخول اللام عليه.
((وحروفُ القَسَمِ)) بفتح القاف والسين المهملة بمعنى اليمين، وحروفُ القَسَمِ من حروف الخفض، ولكن سميت حروفَ القَسَمِ؛ لدخولها على المُقْسَمِ به، ((وهي)) ثلاثة: ((الواو)) وتختص بالظاهر، نحو: واللهِ، والطورِ، ((والباء)) الموحدة، وتدخل على الظاهر، نحو: بالله، وعلى المضمر، نحو: الله أقسم به، ((والتاء)) المثناة فوق، وتختص بلفظ الجلالة غالباً، نحو: تالله، وأصلها الواو، وقد تجعل هاءً، نحو: هاللهِ لأَفْعَلَنَّ، وقد تخلفها اللام، نحو: لِلهِ لا يُؤَخَّرُ الأجلُ. YouTube■
((والفِعل)) بكسر الفاء YouTube■ ((يُعرف)) من قسيميه: الاسم والحرف، ((بقد)) الحرفيةِ، وتدخل على الماضي، نحو: قد قام، وعلى المضارع، نحو: قد يقوم، فقام ويقوم فعلان؛ لدخول قد عليهما، بخلاف (قَدْ) الاسميةِ فإنها مختصة بالأسماء؛ لأنها بمعنى حَسْب نحو: قَدْ زيدٍ درهمٌ،YouTube■((والسين وسوف)) ويختصان بالمضارع، نحو: سيقول، وسوف يقول، فيقول: فعل مضارع لدخول السين وسوف عليه،YouTube■((وتاءِ التأنيثِ الساكنةِ)) وتختص بالماضي، نحو: قامت. YouTube■
((والحرف)) يُعْرَفُ بأنَّه ((ما لا يصلح معه دليل الاسم)) أي: ما يُعْرَفُ به الاسم من الخفض والتنوين ودخولِ الألف واللام وحروفِ الخفض، ((و)) ما ((لا)) يصلح معه ((دليل الفعل)) أي: ما يُعْرَفُ به الفعل من قد والسين وسوف وتاء التانيث الساكنة. YouTube■
فعدم صلاحيته لدليل الاسم ولدليل الفعل دليلٌ على حرفيته، ونظير ذلك كما قال ابن مالك: «جَ، خَ، حَ» فعلامة الجيم نقطة من أسفلُ، وعلامة الخاء نقطة من فوقُ، وعلامةُ الحاءِ المهملةِ عدمُ النقطةِ بالكليةِ. YouTube■
قوله: (وإذا أردت إلخ) أشار به إلى قول المصنف: «فالاسم إلخ» جواب شرط مقدر، وهذه الفاء تسمى فاء الفصيحة؛ لأنها تفصح عن الشرط المقدر، فهي رابطة للشرط المقدر بالجزاء الظاهر.
قوله: (فالاسم) أي: أفراده، والمراد بعضها لا كلها؛ إذ من الأسماء ما لا يقبل العلامات التي ذكرها كنزال ودراك، وليس المراد حقيقته وماهيته لصدقها بفرد واحد.
قوله: (المتقدم) فيه إشارة إلى أن الألف واللام للعهد الذكري لتقدم مصحوبها ذكرا في قوله: «اسم»، والقاعدة أن النكرة إذا أعيدت معرفة كانت عين الأولى، وبذلك ظهر حكمة تجريد الثلاثة من أل في قوله: «وأقسامه: اسم وفعل وحرف»، وتحليتها بها في قوله: «فالاسم إلخ»
قوله: (بالخفض) عبارة كوفية والجر عبارة بصرية، والخفض خاص بالأسماء وهو مقابل للجزم في الأفعال. وإنما اختص الخفض بالاسم حتى صح جعله علامة؛ لأن كل مجرور مخبر عنه في المعنى ولا يخبر إلا عن الاسم فلا يجر إلا هو.
فإن قيل: كان ينبغي حينئذ التعريف بمطلق الإخبار عنه لا بخصوص الخفض؛ فالجواب: أن الإخبار عنه علامة خفية إذ الإخبار عنه لا يدركه المبتدئ بخلاف الخفض.
ثم اعلم أن الاسم في اللغة: كل ما أبان عن مسماه، فيصدق به وبالفعل وبالحرف؛ إذ الغالب أن المعنى اللغوي أعم من الاصطلاحي، وفي الاصطلاحي: كلمة دلت على معنى في نفسها ولم تقترن بزمان وضعا.
فقولنا: (كلمة) يشمل كل كلمة؛ لأنه بمنزلة الجنس،
وقولنا: (دلت على معنى في نفسها) أي: بلا واسطة يخرج الحرف؛ إذ دلالته على معنى في غيره،
وقولنا: (لم تقترن بزمان وضعا) يخرج الفعل؛ إذ لا بد من اقترانه بأحد الأزمنة الثلاثة،
وقولنا: (وضعا) قيد في القيد مدخل لما عرضت دلالته على الزمان من الأسماء كاسم الفاعل واسم المفعول واسم الفعل، ومخرج لما انسلخ عن الدلالة على الزمان من الأفعال كعسى وليس.
قوله: (والخفض) أي: لفظه لأجل صحة الإخبار عنه بقوله: «عبارة»، وليست أل للعهد؛ لأنه لم يرد مفهومه، والمراد بالعبارة المعبر به.
قوله: عن (الكسرة إلخ) فيه قصور ودور، أما القصور فلاقتصاره على الكسرة فلم يشتمل الياء والفتحة النائبتين عنها، وأما الدور فلأخذه المعرف في التعريف، ويجاب عن الأول: بأنه اقتصر على الكسرة؛ لأنها الأصل، وعن الثاني: بأنه تعريف لفظي، فالمخاطب به من علم الكسرة التي تحدث بنحو باء الجر ولا يعلم أنها تسمى خفضا، فالمقصود به بيان اللفظ والتسمية.
ثم إن تعريف الخفض بهذا التعريف إنما هو تعريف للفظ الخفض كما يرشد إليه تقدير المضاف المتقدم لصحة الإخبار عنه بقوله: «عبارة» والتعاريف ليست للألفاظ وإنما هي للمعاني، فكان الأولى للشارح أن يقول في تعريفه: على أن الإعراب لفظي وهو نفس الكسرة وما ناب عنها، أو يقول: أن الإعراب معنوي، وهو تغيير مخصوص علامته الكسرة وما ناب عنها. هذا إيضاح ما في الحاشية.
قوله: (عند دخول عامل الخفض) المراد بعامل الخفض الحرف والاسم ولا ثالث لهما على الأصح، ومقابله أن الجر قد يكون بالتبعية وقد يكون بالمجاورة وسيأتي ما في ذلك إن شاء الله تعالى.
قوله: (ويعرف ذلك) أي: كونه اسما.
قوله: (والتنوين) الواو بمعنى أو التي لمنع الخلو، يعني أن الاسم لا يخلو عن أحدهما وقد يجتمعان لا بمعنى مع لأنها تشعر باشتراط اجتماعهما.
قوله: (وهو) أي: اصطلاحا، وأما لغة: فهو مصدر نونت أي: أدخلت نونا، فإطلاقه عليها مجاز من إطلاق اسم المتعلق بالكسر على المتعلق بالفتح.
قوله: (ساكنة) أي: أصالة، فلا يرد تحريكها العارض نحو: محظورا انظر.
قوله: (تتبع آخر الاسم) فيه دور لاقتضائه توقف معرفة الاسم على معرفة التنوين لكونه علامة له وتوقف معرفة التنوين على معرفة الاسم لكونه مأخوذا في تعريفه، وقد يقال: الجهة منفكة؛ لأنه قد يعرف الاسم بغير التنوين من العلامات، فلا تتوقف معرفته أي: الاسم على معرفته.
ثم المراد بـ«الآخر» الآخر حقيقة كدال زيد، أو حكما كدال يدو بإضافة آخر إلى الاسم، خرج نون التوكيد في نحو: لنسفعا؛ لأنها في آخر الفعل، ولهذا لم يحتج إلى زيادة قول بعضهم في التعريف: لغير توكيد.
قوله: (وتفارقه في الخط) أي: في غالب الأحوال وهو الرفع والجر، فلا يرد أنه يرسم ألفا في حالة النصب.
قوله: (استغناء عنها إلخ) علة لقوله: «تفارقه في الخط» أي: للاستغناء عنها بالشكلة المكررة، فهو من إضافة الصفة للموصوف، والمكرر هو الشكلة الثانية، وأما الأولى فهو لبيان الإعراب.
واعترض هذا التعليل بأن الكلمة قد لا تشكل، فالأولى قول الرضي: وإنما لم يرسم للتنوين بدل لأن الكتابة مبنية على الوقف والتنوين يسقط فيه جرا ورفعا.
قوله: (نحو: زيد ورجل وصه ومسلمات) أشار بتعداد الأمثلة إلى أقسام التنوين الخاصة بالاسم وهي أربعة:
الأول: تنوين التمكين، ويقال له تنوين التمكن، وتنوين الأمكنية، وهو: اللاحق للأسماء المعربة المنصرفة غير جمع المؤنث السالم، وفائدته الدلالة على خفة الاسم وتمكنه في باب الاسمية لكونه لم يشبه الحرف فيبنى، ولا الفعل فيمنع من الصرف نحو: زيد ورجل.
وقيل: أن تنوين رجل تنوين تنكير، ورد بأنه معرب وتنوين التنكير كما سيأتي لا يدخل إلا على المبنيات.
الثاني: تنوين التنكير، من إضافة الدال للمدلول، وهو اللاحق لبعض الأسماء المبنية فرقا بين معرفتها ونكرتها، فما نون منها كان نكرة، وما لم ينون كان معرفة فهو يدل على أن ما لحقه أريد به غير معين، ويقع سماعا في باب اسم الفعل كصه ومه وإيه، وقياسا في العلم المختوم بويه كسيبويه وعمرويه ونفطويه،
تقول: سيبويه بلا تنوين إذا أردت شخصا معينا اسمه سيبويه، وإيه بكسر الهمزة بلا تنوين إذا استزدت مخاطبك من حديث معين، فإذا أردت شخصا ما اسمه سيبويه، أو أردت استزادة من حديث ما أي: أيّ حديث كان نونتهما فسيبويه بلا تنوين معرفة بالعلمية، وإيه كذلك معرفة من قبيل المعرف بأل العهدية.
وهو مبني على أن مدلول اسم الفعل المصدر أي: مدلوله وهو الحديث وهو الصحيح كما تقدم، وأما على القول بأن مدلوله الفعل فلا؛ لأن جميع الأفعال نكرات، كذا في الحاشية، وقوله: (لأن جميع الأفعال نكرات) كذا في التصريح أيضا.
واعترضه محشيه الروداني: بأنه اسم للفظ الفعل لا لمعناه الذي هو نكرة حتى يكون نكرة، بل مسماه لفظ مخصوص، فلا يشك في أنه علم له أي: علم شخصي، وإنما كان علما شخصيا؛ لأن اللفظ لا يتعدد بتعدد المتلفظ، والتعدد بتعدده تدقيق فلسفي لا يعتبره أرباب العربية اهـ من الخفني على الأشموني.
قال في الحاشية: وفي كلام بعضهم أنه إذا قدر أي: اسم الفعل معرفة جعل علما لمعقولية الفعل الذي هو بمعناه كما في أسامة، وإذا قدر نكرة كان لواحد من آحاد الفعل الذي يتعدد بتعدد اللفظ به، فتعريفه من قبيل تعريف علم الجنس فصح ذلك وإن كان مدلوله فعلا اهـ
وقوله: (لمعقولية الفعل إلخ) أي: للفعل من حيث حصوله في العقل من غير اعتبار التلفظ به، وغرضه بهذه العبارة صحة جعل اسم الفعل معرفة ونكرة على القول بأن مدلوله لفظ الفعل.
الثالث: تنوين المقابلة، وهو اللاحق لنحو مسلمات مما جمع بألف وتاء مزيدتين، سمي بذلك؛ لأنهم جعلوه في مقابلة النون في جمع المذكر السالم؛ فإن الألف والتاء في جمع المؤنث علامة الجمع كالواو والياء في جمع المذكر السالم ولم يوجد ما يقابل النون الزائدة لدفع توهم إضافة أو إفراد فزيد التنوين لذلك حتى لا يلزم مزيد الفرع على الأصل؛ إذ لو لم يزد التنوين للزم أن في الفرع زيادة بخلاف الأصل، والفرع هو جمع المذكر السالم لكونه معربا بالحروف، والأصل هو جمع المؤنث السالم لكونه معربا بالحركات؛ لأن الأصل في الإعراب الحركات، والحروف نوائب عنها كما سيأتي.
الرابع: تنوين العوض، وهو ثلاثة الأقسام:
الأول: عوض عن جملة، أو جمل، وهو اللاحق لإذ عوضا عما تضاف إليه في نحو: يومئذ وحينئذ، والأصل يوم إذ كان كذا، وحين إذا كان كذا، فحذفت الجملة وجىء بالتنوين عوضا عنها اختصارا، فالتقى ساكنان: إذ والتنوين، فكسرت الذال على أصل التقاء الساكنين، والإضافة في ذلك من إضافة الأعم الذي هو يوم أو حين للأخص الذي هو وقت إذ كان كذا وكذا.
الثاني: عوض عن كلمة، وهو تنوين كل في نحو قوله تعالى: قل كل يعمل على شاكلته أي: كل إنسان، وتنوين بعض في نحو قوله تعالى: فضلنا بعض النبيين على بعض أي: على بعضهم.
الثالث: عوض عن حرف، وهو اللاحق للجموع المعتلة الآتية على وزن فواعل نحو: جوار وغواش وقواض في حالتي الرفع والجر بناء على أن الإعلال مقدم على منع الصرف، وهو المختار؛ لأن الإعلال متعلق بجوهر الكلمة، ومنع الصرف حال من أحوالها بعد تمامها.
فأصله جواري بالضم أو بالكسر والتنوين، استثقلت الضمة، أو الكسرة على الياء، فحذفت، ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين، ثم وجد صيغة منتهى الجموع الأقصى تقديرا؛ لأن المحذوف لعلة كالثابت، ولهذا لم يجر الإعراب على الراء، فحذف تنوين الصرف، ثم خافوا رجوع الياء لزوال الساكنين في غير المنصرف المستثقل لفظا بكونه منقوصا، ومعنى بكونه فرعا، فعوضوا التنوين من الياء لتنقطع طماعية رجوعها.
وذهب بعضهم إلى أن منع الصرف مقدم على الإعلال، قال: كما تشهد به لغة من أثبت الياء حال الجر مفتوحا، فأصل جوار جواري بلا تنوين، استثقلت الضمة على الياء، فحذفت وأتي بالتنوين عوضا عنها، ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين، وكذا يقال في حالة الجر، وإنما كانت الفتحة في حالة الجر ثقيلة لنيابتها عن ثقيل وهو الكسرة، فعلى هذا يكون التنوين عوضا عن حركة وهي الضمة والفتحة النائبة عن الكسرة لا عن حرف، وبذلك صرح المبرد والزجاجي.
وقيل: هو عليه أيضا عوض عن حرف بأن يقال: استثقلت الضمة على الياء، ثم وجد في آخره مزيد ثقل لكونه ياء مكسورا ما قبلها، وقد أعل مع أل والإضافة في الرفع والجر بتقدير إعرابه استثقالا، فإذا خلا من أل والإضافة تطرق إليه التغيير، وأمكن فيه التعويض، فخفف بحذف الياء، ثم عوض عنها التنوين لئلا يكون في اللفظ إخلال بالصيغة.
قوله: (ودخول الألف واللام) الأولى: ودخول أل؛ ليكون جاريا على القاعدة من أن الكلمة التي على حرفين ينطق بلفظها، وظاهره أن كل اسم تدخل عليه الألف واللام.
فيرد عليه الأعلام وأسماء الإشارة والضمائر، ويجاب بأن المراد الاسم الصالح للألف واللام يعرف بصحة دخول الألف واللام عليه، وبأن هذه علامة، فلا يضر انفكاكها، ثم لا فرق في أل بين المعرفة والزائدة والموصولة كالضارب، ومثلها أم في لغة حمير، ولا يرد دخول أل الموصولة على المضارع في قوله:
* ما أنت بالحكم الترضى حكومته *
لأنه شاذ على الراجح، نعم تستثنى الاستفهامية في قولهم: أل فعلت؟ بمعنى هل فعلت؟
قوله: (في أوله) تفسير لـ«عليه» أو بدل منه.
قوله: (ودخول حروف الخفض) نبه بإعادة المضاف الذي هو لفظ «دخول» على أن حروف الخفض معطوفة على الألف اللام.
قوله: (في أوله) أي: على أوله سواء كان اسما صريحا نحو: من الرسول، أو مؤولا نحو: عجبت من أن تقوم، وسواء كان مدخولها الذي هو الاسم مذكورا كما مثل، أو مقدرا نحو:
* والله ما ليلي بنام صاحبه *
لأن مدخول حرف الجر اسم تقديرا أي: بليل مقول فيه نام صاحبه.
قوله: (وعكس الترتيب الطبيعي) المراد بالترتيب الطبيعي هنا أن يتكلم أولا على ما يدخل في الأول، وآخرا على ما يدخل في الآخر، والمصنف رحمه الله تعالى خالف هذا، فتكلم أولا على ما يدخل في الآخر، وآخرا على ما يدخل في الأول، وعذره طول الكلام على حروف الخفض؛ لأن عادتهم تقديم ما يقل الكلام عليه كما ذكره الشارح.
وبكون المراد بالترتيب الطبيعي ما تقدم سقط ما يقال: إن الترتيب الطبيعي هو أن يكون وجود الثاني متوقفا على وجود الأول، ويكون الأول علة للثاني كتوقف الابن على الأب، وما هنا ليس كذلك.
قوله: (وطف العلامات) فيه تغليب، فإنه لم يعطف كل العلامات ضرورة أن الأولى ليست معطوفة.
قوله: (إشعارا) فيه أنه لا إشعار للعطف بذلك، نعم هو صادق بذلك.
قوله: (وقد لا يجامع إلخ) هذا يغنِي عنه قوله: «في الجملة» وأتُيَ به للإيضاح.
قوله: (كالألف واللام والتنوين) لأنه يكون للتنكير، وهي تكون للتعريف، ولا يجتمعان في مادة واحدة لتضادهما، وكذا التنوين مع الإضافة؛ لأنه يؤذن بالانفصال، وهي تؤذن بالاتصال، وما أحسن قول بعضهم:
قوله: (ثم استطرد) عطف على متوهم أي: قال ذلك ثم استطرد، والاستطراد: ذكر الشيء في غير محله لمناسبة؛ لأن محل حروف الخفض آخر الكتاب، وإنما ذكرت هنا لمناسبة أنها من خواص الاسم، وفي كون ذلك استطرادا وقفة؛ لأنه لما ذكر أن الاسم يعرف بدخول حروف الخفض احتاج إلى بيانها، فكأن قائلا يقول له: وما هي حروف الخفض؟ فقال: «من إلخ».
قوله: (من) أي: وما عطف عليها، فسقط ما يقال: إنه أخبر بالمفرد الذي هو (من) عن الجمع الذي هو حروف؛ لأنه مرجع هي، ولا يقال: إن من حرف وهو لا يقع مبتدأ ولا خبرا؛ لأن المراد لفظها، والحرف إذا أريد لفظه صار اسما، فيصح الحكم عليه وبه.
قوله: (الابتداء) أي: زمانا كسرت من يوم الخميس إلى يوم الجمعة، أو مكانا كسرت من البصرة إلى الكوفة، والمراد بالغاية في قولهم: لابتداء الغاية المسافة من إطلاق الجزء وإرادة الكل.
قوله: (ومن معانيها الانتهاء) أي: انتهاء الغاية أي: المسافة المخصوصة من زمان أو مكان.
قوله: (المجاوزة) هي لغة: بعد شيء عن شيء، واصطلاحا: بعد شيء عن المجرور بها بواسطة إيجاد مصدر الفعل المعدي بها أي: الذي قبلها، وتكون حقيقة في الأجسام كرميت السهم عن القوس، ومجازا في المعاني نحو: أخذت العلم عن زيد.
قوله: (رميت السهم عن القوس) أي: باعدت السهم عن القوس بسبب الرمي، وهذا مثال للمجاوزة الحقيقية، والمعنى فيه صحيح؛ لأن المعنى: جاوزت العلم عن زيد أي: باعدته عنه بواسطة الأخذ، وهذا لا يصح.
وإنما المعنى: أنه سبحانه وتعالى خلق فيك علما بواسطة أخذك عنه كما خلق فيه العلم، فكأن العلم الحاصل لك تجاوز منه إليك، والمعنى في رضي الله عنهم أن الرضا كأنه لما عمهم وفاض تجاوز عنهم كالماء إذا ملأ مكانه تجاوز منه إلى غيره.
قوله: (الاستعلاء) أي: العلو، فالسين والتاء زائدتان، والمعنى: إن من معانيها أن شيأ علا وتفوق على المجرور بها حقيقة كمثال الشارح، وهو صعدت بكسر العين كفرحت على الجبل، أو مجازا نحو: عليه دين.
قوله: (الظرفية) أي: حلول شيء في شيء، وهي حقيقة في الأجسام، وضابطها: أن يكون للظرف احتواء وللمظروف تحيز كمثال الشارح.
ومجازية، وضابطها: أن يفقد التحيز والاحتواء، أو أحدهما، مثال ما فقدا فيه معا: النجاة في الصدق، ومثال ما فقد فيه التحيز دون الاحتواء: العلم في صدر زيد، ومثال عكسه: زيد في البرية.
قوله: (بضم الراء) أي: وفتح الباء مشددة، أو مخففة، وبهما قرئ قوله تعالى: ﴿ربما يود الذين كفروا﴾.
قول: (ومن معانيها التقليل) أي: على قلة، والتكثير على كثرة، وقيل: لم توضع لواحد منهما، بل يستفاد أحدهما بالقرينة، وعليه ففي التعبير بقوله: «ومن معانيها» نظر؛ لاقتضائه نسبة المعنى إليها، وقد أشار للمشهور فيها مع شروطها بعضهم بقوله:
خليلي للتكثير رب كثيرة * وجاءت لتقليل ولكنه يقل
وتصديرها شرط وتأخير عامل * وتنكير مجرور بها هكذا نقل
وزيد على هذه الشروط:
أن يكون عاملها فعلا ماضيا؛ لأنها في جواب ماض منفي، إما ظاهر أو مقدر كقولك رب رجل كريم لقيته جوابا لمن قال: ما لقيت رجلا كريما أي: لا تنكر لقاء الكرام بالمرة، فإني لقيت منهم قليلا، ولهذا لا يجوز رب رجل أضربه وهي تعمل ظاهرة كما مثل، ومقدرة قال ابن مالك:
*وحذفت رب فجرت بعد بل * إلخ
وباشتراط تنكير مجرورها يعلم أنها لا تجر الضمير، وقد تجره قليلا بشرط أن يكون ضمير غيبة مفردا مذكرا أبدا مفسرا بتمييز مطابق للمعنى المراد نحو: ربه رجلا، ربه امرأة، ربه رجلين، ربه امرأتين، ربه رجلا، ربه نساء.
ثم إن رب حرف شبيه بالزائد، وفرع عليه ابن هشام في المغني أن محل مجرورها في نحو: رب رجل عندي رفع بالابتداء، وفي نحو: رب رجل صالح لقيت نصب على المفعولية، وفي نحو: رب رجل صالح لقيته رفع أو نصب كما في هذا لقيته، وزيدا ضربته.
قوله: (التعدية) اعلم أن باء التعدية تسمى باء النقل أيضا، وهي المعاقبة للهمزة في تصيير الفاعل مفعولا، والتعدية بهذا المعنى مختصة بالباء، مثال ذلك: ذهبت بزيد، بمعنى أذهبته أي: صيرته ذاهبا.
وأما التعدية بمعنى إيصال معنى الفعل للاسم فمشتركة بين أحرف الجر التي ليست زائدة ولا شبيهة بالزائد، والأولى حمل التعدية في كلام الشارح على الأولى حتى تتميز الباء بها عن سائر الحروف، لكن يعكر عليه المثال، وهو قوله: «مررت بالوادي» فإنه محتمل للتعدية العامة أعني: المشتركة بينها وبين حروف الجر، فإنه يحتمل أن الباء فيه بمعنى في، وأن تكون للإلصاق، وأن تكون للتعدية الخاصة أي: صيرته الوادي ممرورا به، لكن المناقشة في المثال ليست من دأب المحصلين، وكان الأولى للشارح أن يذكر بدل التعدية الإلصاق؛ لأنه الأصل في معاني الباء، ولم يذكر لها سيبويه غيره، وهو حقيقي نحو: به داء أي: التصق به داء، ومجازي نحو: مررت بزيد أي: التصق مروري بمكان يقرب منه، فكأنه التصق به.
قوله: (التشبيه) وهو في اللغة: مصدر شبه الشيء بالشيء إذا جعله شبهه، قال تعالى: ﴿وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمۡۚ﴾ أي: ألقي لهم شبهه على غيره، وفي الاصطلاح: إلحاق ناقص في الشرف، أو في الخسة بكامل فيهما.
وقد مثل الشارح لإلحاق الناقص في الشرف بالكامل فيه بقوله: زيد كالبدر، ومثال إلحاق الناقص في الخسة بالكامل فيها: زيد كالحمار؛ فإن الحمار في البلادة أكمل من زيد فيها.
قوله: (ومن معانيها الِملك) بكسر الميم وإسكان اللام، وضابطها: أن تقع بين ذاتين وتكون داخلة على من يملك نحو: المال للخليفة، وتكون لشبه الملك، ويعرب عنه بالاختصاص، وضابطها: أن تقع بين ذاتين وتكون داخلة على ما لا يملك نحو: الباب للدار، وتكون للاستحقاق إذا وقعت بين معنى وذات نحو: ﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ﴾.
قوله: (للخليفة) بالفاء الذي يخلف غيره، فعلية بمعنى فاعل، أو الذي استخلفه غيره، فعلية بمعنى المفعول.
قوله: (والسين) أي: وفتح السين.
قوله: (بمعنى اليمين) أي: الحلف.
قوله: (وحروف القسم من حروف الخفض) أشار به إلى أن قول المتن: «وحروف القسم» بالرفع معطوف على «من»، ويحتمل أن يكون مجرورا عطفا على «الألف واللام» أي: ودخول حروف القسم، ويكون من ذكر الخاص بعد العام، ونكتته اختصاصها بالدلالة على القسم مع الجر بخلاف باقي حروف الخفض فإنها جارة ولا تدل على القسم.
قوله: (ثلاثة) أشار به إلى أن الخبر مجموع الواو والباء والتاء، فلا يقال: أخبر بالمفرد عما مرجعه الجمع.
قوله: (الواو والباء والتاء) وشروط الواو ثلاثة:
أحدها: حذف فعل القسم معها، فلا يقال: أقسم والله، وذلك لكثرة استعمالها في القسم، فهي أكثر استعمالا من أصلها أي: الباء.
والثاني: أن لا تستعمل في قسم السؤال، فلا يقال: والله أخبرني كما يقال: بالله أخبرني.
والثالث: أنها لا تدخل على الضمير فلا يقال: وك كما يقال: بك.
وهذه الشروط في التاء المثناة فوق، وتزيد اختصاصها بلفظ الجلالة كـ«تالله»، وحكى الأخفش تربي وترب الكعبة، وهو شاذ.
وأما الموحدة فلا يشترط فيها شيء من ذلك.
وقد جمع بعضهم هذه الشروط وما هي فيه بقوله:
في ظاهر مع حذف فعل القسم * بالواو مع ترك السؤال أقسم
وهذه الشروط في التاء وزد * تخصيصها بالله والبا عمم اهـ
وكان الأولى للمصنف تقديم الباء الموحدة على الواو لإصالتها، وكونها أعم الحروف؛ لأنه لا يشترط فيها شيء لكن ربما يقال: قدمت الواو لكثرة دورانها على الألسنة وإن كانت الباء أصلا لها.
قوله: (وقد تجعل هاء) أي: تبدل التاء على قلة هاء.
قوله: (هألله) بقطع الهمزة ووصلها وكلاهما مع إثبات الألف وحذفها.
قوله: (لله لا يؤخر الأجل) بكسر اللام، ونقل فتحها أي: مع جميع المظهرات، والأصل: والله لا يؤخر الأجل، ويؤخر يصح أن يكون مبنيا الفاعل، والأجل مفعول له، والفاعل ضمير يعود إلى الله، ويصح أن يكون مبنيا للمفعول، والأجل نائب الفاعل، وعلى كل الجملة جواب القسم لا محل لها من الإعراب.
قوله: (والفعل إلخ) وهو لغة: الحدث الذي يحدثه الفاعل من قيام وقعود وغير ذلك، واصطلاحا: كلمة دلت على معنى في نفسها واقترنت بزمان وضعا، فـ«كلمة» بمنزلة الجنس،
وخرج بقوله: «دلت على معنى في نقسها» الحرف،
وخرج بقوله: «واقترنت بزمان» الاسم،
وخرج بقوله: «وضعا» اسم الفاعل كالضارب واسم المفعول كمضروب، وخرج أيضا أسماء الأفعال كهيهات؛ فإن اقترانها بالزمان ليس بحسب الوضع؛ لأنها إما موضوعة للفظ الفعل، ولفظه غير مقترن، وإنما المقترن معناه كما ذهب إليه بعضهم، وإما لأنها وضعت للمعنى المصدري، ثم استعلمت غالبا في معنى الفعل كما ذهب إليه آخرون، ودخل نحو: عسى وليس ونعم وبئس مما هو فعل، ويدل على الزمان في الأصل، وعدم دلالته عليه عارض؛ لكونه أشبه الحرف في الجمود، وعدم التصرف، فانسلخ عن ذلك.
والمراد بـالوضع: ما يشمل التقديري؛ لأنه لم يثبت في عسى وضعه للزمان لكن لما وجدت فيه خواص الفعل وهي تاء التأنيث وتاء الفاعل قدر ذلك إدراجا له في نظم أخواته.
فإن قلت: هذا التعريف منتقض بما لا يتصور معه زمان نحو: أراد الله في الأزل كذا، وخلق الله الزمان، إذ لا زمان مع الإرادة والخلق، قلنا: يكفي في ذلك توهم العقل للزمان.
قوله: (بكسر الفاء) احترازا عن مفتوحها؛ فإنه مصدرا، وأما المكسور فهو الكلمة المخصوصة، وهذا بحسب الاصطلاح وإلا فهما في اللغة مصدران لفعل يفعل.
قوله: (بقد) أي: بقبوله دخول قد الحرفية عليه وهي المفهومة عند الإطلاق، فتقييد الشارح لها البيان الواقع وإلا فهي المرادة للمصنف، فلا اعتراض عليه؛ لأن المراد يدفع الإيراد إذا دل عليه دليل، والدليل هنا انصراف الاسم إليها عند الإطلاق.
قوله: (وتدخل على الماضي) أي: للتحقيق في غالب الأحوال نحو: قد قام زيد، و﴿قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ﴾، ولتقريب الحال نحو: قد قامت الصلاة.
قوله: (وعلى المضارع) أي: للتقليل إما في وقوع الفعل، ولا يكون إلا في غير كلام الله عز وجل نحو: قد يقوم زيد، وقد يصدق الكذوب، وقد يجود البخيل، وإما في متعلق معنى الفعل مع تحقيق وقوع الفعل، ويكون في القرآن نحو ﴿قَدۡ يَعۡلَمُ مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ﴾ أي: من الأحوال أي: ما أنتم عليه أقل معلوماته، فقد أفادت في هذا المثال التحقيق والتقليل معا لكن الأول باعتبار الفعل، والثاني باعتبار متعلقه.
قوله: (لأنها بمعنى حسب) وتستعمل مبنية، وهو الغالب لشبهها بقد الحرفية في لفظها ولكثير من الحروف في وضعها.
قوله: (نحو: قد الخ) بسكون الدال أي: حسب زيد درهم، فقد اسم مبتدأ مبني على السكون في محل رفع وزيد مضاف إليه ودرهم خبره،
وتستعمل معربة لإضافتها المانعة من تحتم البناء، فتقول: قد زيد درهم برفع قد على الابتداء ودرهم على الخبرية مثل قولك: حسب زيد درهم،
وقد تكون اسم فعل بمعنى يكفي، فترفع الفاعل، وتنصب المفعول تقول: قد زيدا درهم أي: يكفيه درهم وبوصف الإضافة بالمانعة من تحتم البناء يندفع الاعتراض بأنها كيف تبنى مع أنها مضافة والإضافة من خواص الأسماء، فيضعف شبهها بالحرف.
وحاصل الجواب أن الإضافة لا تمنع جواز البناء بل وجوبه، فيجوز معها البناء والإعراب.
قوله: (والسين) أل للعهد الذهني أي: السين المعهودة عند النحاة، وهي سين الاستقبال التي معناها التنفيس، فخرج السين الهجائية، وسين الصيرورة كاستحجر الطين أي: صار حجرا وغيرهما.
قوله: (وسوف) هي كلمة تنفيس كالسين إلا أنها تدل على الاستقبال البعيد دون السين، فإنها تدل على الاستقبال القريب، فهي أكثر تنفيسا؛ لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى، وهذا كله على أن السين وسوف كلمتان مستقلان، وهو مذهب الجمهور.
وقيل: أن السين منقوصة من سوف دلالة بتقليل الحروف على تقريب الفعل، ومعنى التنفيس تأخير الفعل في الزمان المستقبل، وعدم التضييق في الحال، يقال: نفسته أي: وسعته، ونفست له أي: وسعت له.
وإنما لم يعرف المصنف سوف بأل كما عرف السين؛ لأن سوف أريد بها لفظها، والكلمة إذا أريد بها لفظها صار علم الجنس، والأعلام لا تدخل عليها أل إلا سماعا؛ إذ يمتنع اجتماع أداتي تعريف على معرف واحد، وهو مبني على الفتح لعدم تغير الصورة الحرفية، بخلاف السين فإن صورة حرفيته س تغيرت إلى سين وجعلت اسما وصار معرفا بدخول أل فأعرب.
قوله: (وتاء التأنيث) أي: الدالة على تأنيث المسند إليه أي: كونه مؤنثا فاعلا كان، أو نائبا عنه، أو اسم كان، فخرجت تاء ربت وثمت إذا سكنا؛ لأنها فيهما لتأنيث اللفظ.
قوله: (الساكنة) أي: أصالة، فلا يضر تحريكها العارض نحو: ﴿قَالَتِ ٱخۡرُجۡ﴾ ﴿..قَالَتۡ أُمَّةٞ..﴾ ﴿..قَالَتَآ أَتَيۡنَا طَآئِعِينَ..﴾، فخرجت المتحركة أصالة؛ فإن حركتها إن كانت إعرابا اختصت بالاسم كفاطمة، وإن كانت غير إعراب دخلت على الثلاثة كلا قوة ربت وتقوم هند.
واعلم أن ما ذكره المصنف من علامات الماضي والمضارع فقط وهي ثلاثة أقسام:
ما اشترك بينهما وهو قد، ولا تدخل إلا على المتصرف المثبت المجرد من ناصب وجازم، فلا تدخل على الإنشاء، فلا يقال: قد رحم الله زيدا بمعنى اللهم ارحمه.
وما اختص بالمضارع وهو السين وسوف،
وما اختص بالماضي وهو تاء التأنيث الساكنة أصالة،
ولم يذكر المصنف ما اختص بالأمر وهو دلالته على الطلب مع قبوله ياء المخاطبة كاضربي، أو نون التوكيد كاضربن، ولعل تركه لها لعسرها على المبتدئ بسبب أنها مركبة من شيئين كما علمت، أو لأنه جرى على مذهب الكوفيين القائلين بأن الفعل قسمان ماض ومضارع والأمر قطعة من المضارع.
قوله: (والحرف) هو لغة: الطرف، واصطلاحا: ما دل على معنى في غيره ولم يكن أحد جزأي الجملة، فقولنا: (ما دل على معنى في غيره) معناه أنه يشترط في دلالته على معناه الإفرادي ذكر المتعلق، فإذا قلت: سرت من البصرة مثلا فمعنى من وهو الابتداء لا يستفاد إلا بذكر البصرة، ألا ترى أنك إذا وقفت على الحرف دون ما بعده لا يفهم معناه حتى يؤتى بما بعده.
وبذلك يخرج الاسم والفعل؛ فإنهما يدلان على معنى في أنفسهما، فإنه يفهم من زيد الشخص المعروف، ومن قام وحده قيام ماض، فالقيام من الحروف والمضي من الصيغة.
وبقولنا: (لم يكن أحد جزأي الجملة) يندفع إيراد الموصول ونحوه؛ فإنه وإن كان يدل على معنى في غيره وهو الصلة إلا أنه يكون أحد جزأي الجملة نحو: أعجبني الذي قام أبوه، وكذلك أسماء الاستفهام، وشبهها، ألا ترى أنك إذا قلت: من أبوك؟ فقد دلت من على معنى في غيرها وهو الاستفهام عن الأب.
قوله: (ما لا يصلح إلخ) أي: كلمة لا يصلح معها إلخ بإيقاع «ما» على كلمة اندفع إيراد الجملة، فإنها يصدق عليها قوله: «ما لا يصلح معه دليل الاسم ولا دليل الفعل» فكان حق التعبير تأنيث الضمير في «معه» إلا أنه ذكره مراعاة للفظ «ما».
فإن قيل: إن أريد بدليل الاسم والفعل خصوص ما ذكره فقط ورد عليه أن لنا كلمات كثيرة لا تقبل ما ذكره وليست بحرف، وإن أريد ما ذكره وما لم يذكره فهو حوالة على مجهول.
أجيب: بأن لنا أن تختار الأول، وغاية ما يلزم كون هذا التعريف تعريفا بالأعم وهو جائز عند المتقدمين؛ لأنه يستفاد به التمييز في الجملة، ولنا أن نختار الثاني، ونقول: المقصود بهذه المقدمة المبتدئ، وهو لا يستقل بالإفادة والموقف يبين له ما لم يذكره المصنف.
وعلى الأول تكون إضافة دليل إلى ما بعده للعهد الذكري، وعلى الثاني تكون للاستغراق وكان الأولى أن يعبر المصنف بالعلامة بدل الدليل؛ لأن الدليل دلالته قطعية، والعلامة دلالتها ظنية، والمراد هنا الدلالة الظنية.
ولعله إنما عبر بالدليل؛ لأن الدليل والعلامة والبرهان والحجة عند أهل هذا الفن بمعنى واحد.
والمراد بالصلاحية المنفية الصلاحية اللغوية لا العقلية ولا الشرعية؛ لأن الكلام في مبحث الألفاظ، وهذا أمر لغوي لا مدخل للعقل و الشرع فيه، والمعنى أن يشهد أهل اللغة أن دخول هذا اللفظ على هذا اللفظ معيب كدخول من أو أل أو سوف مثلا على الباء أو رب مثلا.
قوله: (ولا دليل الفعل) عطف بـ«الواو» دون «أو» ليفيد اشتراط المعية في النفي، وأعاد حرف النفي للتنصيص على المعية؛ لأن الواو وإن كانت ظاهرة فيها لا تفيدها نصا، ألا ترى أنك لو قلت: ما جاءني زيد وعمرو كان ظاهرا في انتفاء مجيئهما معا محتملا لانتفاء مجيء أحدهما، فإذا قلت: ما جاءني زيد ولا عمرو كان نصا في انتفاء مجيئها معا.
قوله: (فعدم صلاحيته) استشكل بأن العدمي لا يكون علامة للوجودي، وأجيب بأن العدمي قسمان:
عدم مطلق، وهو الذي لا يكون علامة للوجودي.
وعدم مقيد، وهو يكون علامة له.
وما هنا من الثاني؛ لأن المراد عدم علامة الأسماء والأفعال لا العدم مطلقا، وإنما جعلوا علامة الاسم والفعل وجودية، وعلامة الحرف عدمية دون العكس؛ لأنهما أشرف منه، والوجودي أشرف من العدمي، فأعطي الأشرف للأشرف، والأخس للأخس.
قوله: (بالكلية) أي: لا من أسلفها، ولا من فوقها.