المتن
الكلام هو اللفظ المركب المفيد بالوضع.
وأقسامه ثلاثة: اسم، وفعل، وحرف جاء لمعنى.
بسم الله الرحمن الرحيم YouTube■
((الكلام)) في اصطلاح النحويينYouTube■: ((هو اللفظ)) أي: الصوت المشتمل على بعض الحروف الهجائية التي أولها الألف وآخرها الياء،YouTube■((المركب)) وهو الذي تركب من كلمتين فصاعداً نحو: زيد قائم،YouTube■((المفيد)) بالإسناد فائدة يحسن سكوت المتكلم عليها بحيث لا يصير السامع منتظراً لشيء آخر،YouTube■(بالوضع)) العربي: وهو جعل اللفظ دليلاً على المعنى بأن يكون من الأوضاع العربية كما قال بعضهم،YouTube■وقال جمهور الشارحين: المراد بالوضع هنا القصد، وهو أن يقصد المتكلم إفادة السامع،YouTube■ وهذا الخلاف له التفات إلى الخلاف في أنَّ دلالة الكلام هل هي وضعية أم عقلية؟ والأصح الثاني، فإنَّ من عَرَفَ مسمى زيدٍ مثلاً، وعَرَفَ مسمى قائمٍ، وسَمِعَ «زيدٌ قائمٌ» بإعرابه المخصوص، فهم بالضرورة معنى هذا الكلام. YouTube ■
وهذا الحدُّ لجماعة منهم الجُزُوليُّ، وحاصله يرجع إلى اعتبار أمور أربعة: اللفظ، والتركيب، والإفادة، والوضع، مثال اجتماعها: زيدٌ قائمٌ. YouTube■
فَيَصْدُقُ على «زيدٌ قائمٌ» أنه لفظ؛ لأنَّه صوت مشتمل على الزاي والياء والدال والقاف والألف والهمزة والميم، وهي بعض حروف أَلف با تا ثا إلى آخرها. YouTube■
ويصدق على «زيدٌ قائمٌ»: أنَّه مركب؛ لأنه تركَّب من كلمتين: الأولى زيد، والثانية قائم. YouTube■
ويصدق على «زيدٌ قائمٌ»: أنه مفيد؛ لأنه أفاد فائدة لم تكن عند السامع؛ لكون السامع كان يجهل قيام زيد. YouTube■
ويصدق على «زيدٌ قائمٌ»: أنه مقصود؛ لأنَّ المتكلم قصد بهذا اللفظ إفادة المخاطب. YouTube■
فيخرج بقوله اللفظ: الإشارةُ والكتابةُ والنُّصَبُ والعُقُودُ، وتسمى الدَّوَالَ الأربعَ ونحوُها. YouTube■
ويخرج بقوله المركب: المفردات كزيدْ وعمرو، والأعدادُ المسرودةُ نحو: واحدْ اثنان إلى آخرها. YouTube■
وقيل: لا حاجة إلى ذكر التركيب للاستغناء عنه بالمفيد، إذ المفيد الفائدة المذكورة لا يكون إلا مركباً. YouTube■
ويخرج بقوله المفيدُ: غيرُ المفيدِ كالمركب الإضافيِّ كعبدِ اللهِ، والمَزْجِيِّ كبَعْلَبَكَّ، والتقييديِّ كالحيوان الناطق، والإسناديِّ المتوقفِ على غيره، نحو: إِنْ قام زيدٌ، والمعلومِ للمخاطَبِ نحو: السماءُ فوقَنا والأرضُ تحتَنا، والمجعولِ عَلَماً، نحو: بَرَقَ نَحْرُهُ، ونحوِ ذلك. YouTube■
ويخرج بقوله بالوضع: على التفسيرِ الأولِ ما ليس بعربي كالأعجمي، والمفيدُ بالعقلِ كإفادة حياة المتكلم من وراء جدار. YouTube■
ويخرج على التفسير الثاني كلامُ النائمِ، ومن زال عقله، ومن جرى على لسانه ما لا يقصده، ومحاكاة بعض الطيور وما أشبه ذلك. YouTube■
ولمَّا كان كل مركَّب لا بدَّ له من أجزاء يتركب منها احتاج إلى ذكر أجزاء الكلام معبِّراً عنها بالأقسام مجازاً -كما فعله الزَّجَّاجِي في جُمَلِهِ- فقال: YouTube■ YouTube■
((وأقسامه)) أي: أجزاء الكلام من جهة تركيبه من مجموعها لا من جميعها ((ثلاثة)) لا رابع لها بالإجماع، YouTube■ YouTube■ ولا التفات لمن زاد رابعاً، وسمَّاه خالفة،YouTube■ وَعَنَى بذلك اسمَ الفعل، نحو: صَهْ، فإنه خلَفٌ عن اسكت. YouTube■
وهذه الثلاثة ((اسم)) وهو ثلاثة أقسام: مضمر نحو: أنا، ومظهر: كزيد، ومبهم نحو: هذا،YouTube■((وفعلٌ)) وهو ثلاثة أقسام أيضاً: ماضٍ كضرب، ومضارع كيضرب، وأمر كاضرب،YouTube■((وحرف جاء لمعنىً)) وهو ثلاثة أقسام أيضاً: حرف مشترك بين الأسماء والأفعال، نحو: هل، وحرف مختصّ بالأسماء، نحو: في، وحرف مختصٌّ بالأفعال، نحو: لم. YouTube■
واحترز بقوله: جاء لمعنىً من حروف التهجي، إذا كانت أجزاءَ كلمةٍ كزايِ «زيد» ويائِهِ ودَالِهِ لا مطلقاً؛ لأنَّ حروف التهجي إذا لم تكن كذلك كانت أسماء لمعان، فجيم مثلا اسمُ جَهْ،YouTube■ والدليلُ على أنها اسم قبولها لعلامات الاسم، نحو: كتبت جيماً، وهذه الجيم أحسن من جِيمِكَ، وكذا الباقي. YouTube■
قوله: (الكلام إلخ) لما كان الكلام مقصودا بالذات بالنظر إلى الكلمة؛ لأن التفاهم يقع به بخلاف الكلمة قدمه المصنف عليها، وأخرها في قوله: «وأقسامه» إلى آخره على ما يأتي من أنه تقسيم للكلمة، ولم يبوب له؛ لأنه وأقسامه من المقدمات بخلاف الإعراب وما بعده من الأبواب فإنه مقصود بالذات من الفن، فحينئذ الكلام مقصود بالذات وغير مقصود باعتبارين مختلفين، فبالنظر إلى الكلمة مقصود بالذات وهي تبع، فقدم عليها وبالنظر إلى الإعراب وما بعده من الأبواب مقصودة بالتبعية.
وبعضهم قدم الكلمة عليه نظرا لكونها جزأ والجزء مقدم على كله طبعا، فناسب تقديمه وضعا.
ثم إن "ال" في «الكلام» يحتمل أن تكون عوضا عن المضاف إليه إما الضمير أي: كلامنا، أو الظاهر أي: كلام النحاة، ويحتمل أن تكون لتعريف العهد الذهني أي: الكلام المعهود عند النحاة المعروف فيما بينهم.
وقد أشار الشارح إلى هذين الاحتمالين بقوله: «في اصطلاح النحويين»، وعلى كل من الاحتمالين يخرج كلام اللغويين؛ فإنه ما يتلفظ به مهملا كان أو مستعملا مفردا أو مركبا مفيدا أو غير مفيد، وما تحصل به الفائدة وإن لم يكن لفظ كخط وإشارة.
فالنسبة حينئذ بينه وبين كلام النحاة العموم والخصوص المطلق، فكلام النحاة أخص فكل كلام نحوي كلام لغوي ولا عكس فيجتمعان في الكلام النحوي لصدقه عليهما وينفرد اللغوي في لفظ مهمل أو مستعل غير مفيد أو في مفيد غير لفظ كخط و إشارة.
قوله: (في اصطلاح النحويين) الاصطلاح لغة: مطلق الاتفاق، واصطلاحا: اتفاق طائفة مخصوص على أمر معهود بينهم متى أطلق انصرف إليه، وهذا الجار والمجرور متعلق بمحذوف، حال من «الكلام».
ولا يقال: إنه حينئذ حال من المبتدأ ومجيء الحال منه ممنوع على الصحيح؛ لأنه ليس حالا من المبتدأ، وذلك؛ لأن قوله: «الكلام» على حذف مضاف تقديره: تفسير الكلام إلخ، فحذف ذلك المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، فارتفع ارتفاعه، فهو حال من المضاف إليه ومجيء الحال من المضاف إليه صحيح مع المسوغ، ومن المسوغ عمل المضاف في المضاف إليه كما هنا؛ فإن (تفسير) مصدر، فهو على حد ﴿إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِيعٗا﴾ قال في الخلاصة:
* ولا نجز حالا من المضاف له * إلخ
قوله: (هو اللفظ) أي: مسماه اللفظ أي: الكلام مقصور على اللفظ ومنحصر فيه كما يفيده تعريف الجزئين، أعني: المبتدأ وهو «الكلام» والخبر وهو «اللفظ». والإتيان بضمير الفصل توكيد لذلك، فهو من قصر المبتدأ على الخبر.
وليس المراد: أن اللفظ مقصور على الكلام، فيكون من قصر الخبر على المبتدأ؛ إذ يجري في الكلمة والكلم.
وهذا إذا قطع النظر عن صفة الخبر وهو «اللفظ» وهي «المركب»، وعن صفة «المركب» وهي «المفيد»، فإن لوحظ اتصاف الخبر بذلك قبل الإخبار به عن «الكلام»كان فيه قصر المبتدأ على الخبر والعكس، إلا أنهم صرحروا بأن الجملة المعرفة الطرفين إنما تفيد حصر المبتدأ في الخبر.
ثم إن «اللفظ» في الأصل مصدر بمعنى: الطرح والرمي مطلقا، ثم جعل بمعنى: اسم المفعول، وخص: بما يلفظه اللسان والحلق والشفتان، فلهم فيه تصرفان وصار حقيقة عرفية في ذلك، فلا يرد أنه ذلك حينئذ مجاز والحدود تصان عنه.
وبهذا يجاب عما قيل: المراد بـ«اللفظ» الملفوظ به حقيقة كزيد أو حكما وهو المقدر كالضمير، فيكون مستعملا في حقيقته ومجازه أي: فيجاب عن هذا: بأن استعماله في المقدر حقيقة عرفية.
ولم يبدل «اللفظ» بالقول مع كونه خاصا بالمستعمل بخلاف اللفظ؛ لما شاع من استعماله في الرأي والاعتقاد، نحو: قال الشافعي: كذا بمعنى رآه واعتقده.
قوله: (أي: الصوت) هو في اللغة: ما يسمع سواء اعتمد على بعض حروف المعجم، ويقال له: غير ساذج، وهو المعبر عنه بـ«اللفظ»، أو لم يعتمد عليه ويقال له: ساذج وغفل كغالب أصوات الحيوانات، فهو على قسمين.
وعرف أهل السنة «الصوت» بأنه: كيفية تحدث بمحض خلق الله تعالى من غير تأثير لتموج الهواء، ولا للقرع الذي هو إمساس بعنف أي: شدة، ولا للقلع الذي هو: انفصال بعنف بشرط كون كل المقلوع والمقلوع منه والقالع والمقلوع ذا صلابة، لا كالقطن؛ فإنه إذا صدمه شيء لَان معه، وكذا لو انفصل بعضه عن بعض لم يخرج له الصوت.
قوله: (المشتمل) أي: المحتوي على بعض الحروف، جمع حرف، وهو: الصوت المعتمد على مقطع أي: مخرج من مخارج الحروف محقق، وهو: اللسان والحلق والشفتان، أو مقدور وهو: الجوف.
فالحرف صوت خاص، واشتمال مطلق الصوت عليه من اشتمال العام على الخاص، فلا يعترض عليه بنحو واو العطف مما هو على حرف واحد، فإنه صوت، وكيف يشتمل على بعض الحروف، وذلك البعض هو نفس ذلك الحرف، فيتحد المشتمِل والمشتمل عليه، والشيء لا يشتمل على نفسه، وقد علمت الجواب، وأن المراد أن الصوت المطلق يشتمل على واو العطف مثلا وهو صوت مقيد بالاعتماد على مخرج.
(قوله: الهجائية) نسبة إلى الهجاء، وهو: تقطيع الكلمة لبيان الحروف التي تركبت منها بذكر أسماء تلك الحروف، فإذا عددت الحروف ملفوظة بأنفسها لم يكن ذلك تهجيا، وخرج بـ«الهجائية» حروف المعاني كـ(من) و(على).
قوله: (التي أولها الألف) هو على حذف مضاف في الأول أي: أول أسمائها الألف، أو في الثاني أي: أولها مسمى الألف وهكذا.
قوله: (وآخرها الياء) والمراد بأولها وآخرها: ما ذكر في الذكر عادة، وقال بعضهم: أولها وآخرها أي: شرعا.
قوله: (المركب) أي: حقيقة أو حكما، فالأول كقام زيد، والثاني كزيد في جواب من قال: من الجائي؟
قوله: (فصاعدا) حال حذف عامله أي: فذهب المركب صاعدا عن كلمتين يعني: ما تركب من كلمتين أو أكثر.
قوله: (المفيد) نعت لـ«المركب»، ولم يجعل صفة ثانية لـ«اللفظ»؛ لأنه إذا اجتمع فصول في حد كان كل فصل منها قيدا فيما قبله لكونه أعم منه.
وهو لغة: المفيد مطلقا، واصطلاحا: المفيد بسبب الإسناد، ولم يقيده المتن بذلك القيد أعني: (بسبب الإسناد) كما زاده الشارح لعله اتكالا على الموقف ولجواز التعريف بالأعم.
قوله: (سكوت المتكلم) وقيل: سكوت السامع، وقيل: هما، وإنما اقتصر الشارح على الأول؛ لأنه المختار؛ إذ السكوت يناسب المتكلم دون السامع وحده أو مشاركا؛ لأنه ليس متكلما حتى يقال: يحسن سكوته وإن كانت الأقوال متلازمة كما هو ظاهر.
قوله: (عليها) فيه حذف أي: على الكلام المفيد لها.
قوله: (بحيث إلخ) أي: بشرط أن لا يصير إلخ، فالحيثية للتقييد.
قوله: (منتظرا لشيء آخر) أي: انتظارا تاما بعد فهم المعنى، فالمشروط عدمه وهو الانتظار التام بعد فهم المعنى كانتظار المسند بعد المسند إليه أو بالعكس، فخرج الانتظار الناقص كانتظار المفعول والحال، فلا يشترط عدمه، كذلك الانتظار قبل فهم المعنى لأنه واقع ولا بد.
قوله: (لشيء آخر) أي: للفظ غير ما سمعه.
قوله: (بالوضع) متعلق بـ«المفيد» فهو قيد له، والحاصل: أنه يشترط في الإفادة أن تكون بأمرين: الأول ذكره الشارح بقوله: بـ«الإسناد»، والثاني ذكره المتن بقوله: بـ«الوضع» أي: النوعي لا الشخصي، فإن المركبات حقائق ومجازات، والمفردات المجازات وضعها نوعي لا شخصي بخلاف المفردات الحقيقات.
قوله: (العربي) خرج العجمي كما سيذكره الشارح.
قوله: (وهو جعل اللفظ إلخ) أي: الوضع بقطع النظر عن صفته أعني: «العربي»، فالضمير راجع للموصوف بدون صفته.
والمراد: الوضع من حيث اعتبار الألفاظ فيه بدليل قوله: «جعل اللفظ إلخ»، وإلا فتعريفه أعم مما هنا؛ لأنه وضع شيء بإزاء شيء آخر بحيث إذا فهم الشيء الأول فهم الشيء الثاني، فكلامه فيه إطلاق من جهة أن هذا التعريف أعني: قوله: «جعل اللفظ إلخ» يشمل وضع غير اللغة العربية، وفيه تقييد من جهة أن المراد خصوص وضع الألفاظ.
قوله: (كما قال بعضهم) راجع لتفسير الوضع بالعربي لا لقوله: «وهو جعل اللفظ إلخ»، و«الكاف» لتشبيه ما قاله الشارح من تفسير الوضع بالعربي بما قاله بعضهم من ذلك، وليس فيه اتحاد المشبه والمشبه به لحصول المغايرة بينهما بالقائل وهذا كاف.
قوله: (هنا) أي: في حد الكلام.
قوله: (إفادة السامع) أي: المخاطب أي: إفهامه معنى من اللفظ يحسن سكوت المتكلم عليه، فمفعول «إفادة» محذوف وهو: معنى إلخ.
قوله: (له التفات) أي: له ابتناء على الخلاف في أن دلالة الكلام هل هي وضعية، فيكون المراد بالوضع الوضع العربي، أو عقلية فيكون المراد به القصد.
هذا ولقائل أن يقول: لا نسلم ابتناء تفسير الوضع بالقصد على القول بأن دلالة الكلام عقلية بل يصح اعتبار القصد في الكلام على القول بأن دلالة الكلام وضعية كما لا يخفى.
قوله: (هل هي إلخ) «هل» هنا بمعنى الهمزة أي: أهي وضعية؟ فلا يعترض على الشارح بأن «هل» لا يؤتى لها بمعادل وهو قد أتى به لها في قوله: «أم عقلية»، فلا يقال: هل زيد أم عمرو؟ إلا إذا جعلت (هل) بمعنى الهمزة، أو جعلت (أم) منقطعة.
قوله: (والأصح الثاني) هذا خلاف المختار، والمختار أن الكلام موضوع بالوضع النوعي، فدلالته وضعية، أما على أنه موضوع بالوضع الشخصي فهي عقلية جزما.
قوله: (مثلا) مفعول لمخذوف أي: أمثل بزيد مثلا، فمثله: عمرو وبكر وخالد إلخ.
قوله: (قائم) أي: مثلا كراقد وقاعد إلخ، و«مسمى زيد»: الذات المشخصة، ومسمى «قائم»: ذات اتصفت بالقيام، فإذا عرف كل واحد منهما على انفراده وسمعه إلى آخره.
قوله: (بإعرابه المخصوص) متعلق بحال محذوف من مفعول «سمع» وهو زيد قائم أي: وسمع لفظ زيد قائم معربا بإعرابه المخصوص.
قوله: (فهم بالضرورة) أي: عقل بمجرد نظر العقل من غير احتياج إلى نظر وفكر ومعرفة وضع بل بمجرد السماع.
قوله: (معنى هذا الكلام) وهو نسبة القيام إلى زيد، والمراد: فهمه إن لم يكن مفهوما له قبل، ففي كلام الشارح قيد محذوف.
ثم إن قوله: «بالضرورة» أي: من غير احتياج إلى معرفة الوضع مبني على الأصح عنده الذي هو ضعيف عند غيره كما تقدم، فعلى الراجح يتوقف الفهم على الوضع.
قوله: (وهذا الحد) أي: تعريف الكلام بما ذكره المتن.
قوله: (إلى اعتبار أمور أربعة) زاد ابن مالك في التسهيل خامسا وهو: (لذاته) حيث قال: الكلام هو اللفظ المركب المفيد بالوضع المقصود لذاته؛ لإخراج صلة الموصول وجملة الشرط فقط وجملة الخبر وحده.
ورد بأن هذا القيد يغني عنه قيد «الإفادة»؛ لأن ما ذكر لا يفيد إلا في حال اعتباره مضموما إلى غيره.
قوله: (مثال اجتماعها: زيد قائم) مبتدأ وخبر أي: مثال اجتماعها: هذا اللفظ، وهذا الحمل غير صحيح؛ لأن المراد من الاجتماع وجود جميعها، وهذا الاجتماع غير لفظ زيد قائم.
ويجاب عنه بأنه: على حذفٍ في الأول أي: مثال ذي اجتماعها أي: الكلام الذي اجتمعت فيه، أو في الثاني أي: مثال اجتماعها في زيد قائم.
قوله: (فيصدق إلخ) المراد بالصدق هنا: الإخبار أي: يخبر عنه بأنه لفظ إلخ؛ لأن الصدق في المفردات معناه: الحمل أي: الإخبار، وفي الجمل: عدم التناقض.
قوله: (على الزاي إلخ) أي: مسماه.
قوله: (إلى آخرها) متعلق بمحذوف أي: وانته في العدد إلى آخرها.
قوله: (من كلمتين) أي: ملفوظتين، فلا يرد أن في قائم ضميرا مستترا.
قوله: (لم تكن عند السامع) مبني على خلاف الراجح من اشتراط تجدد الفائدة.
قوله: (يصدق على زيد قائم أنه مقصود) أي: كما يصدق له أنه وضع عربي، وإنما اقتصر على ما ذكر؛ لأن مذهبه ترجيح اعتبار القصد وهو ضعيف كما تقدم.
قوله: (المسرودة) أي: الخالية عن الإسناد بخلاف الأعداد المركبة مثل: هذا واحد هذان اثنان فإنه كلام.
قوله: (والمعلوم للمخاطب) قد عرفت ضعفه، فالراجح دخوله في الكلام النحوي.
قوله: (والمجعول علما) أي: والإسنادي المجعول علما، وإنما قيده بجعله علما؛ لأنه إذا لم يكن علما كان كلاما.
قوله: (ونحو ذلك) لا طائل تحته فالأولى حذفه.
قوله: (والمفيد بالعقل كإفادة) أي: المفيد بواسطة العقل فقط كذي إفادة حياة إلخ أي: ككلام ذي إفادة الحياة إلخ، أو المراد: وإفادة المفيد بالعقل كإفادة إلخ، فلا بد من حذف مضاف من الأول أو من الثاني ليصح التمثيل.
ثم إن إضافة «إفادة» إلى «حياة» من إضافة المصدر لمفعوله بعد حذف الفاعل أي: إفادة اللفظ المسموع حياة المتكلم به الغير المشاهد، ولذا قال: «من وراء جدار» أي: نحوه من كل ساتر فهو من ذكر الخاص وإرادة العام.
والمراد أن هذا لا يسمى كلاما بالنسبة إلى هذه الإفادة أي: إفادة حياة المتكلم وإن سمي كلاما بالنسبة إلى إفادة المعنى الذي طريقه الوضع
وإنما قلنا: «بواسطة العقل فقط» لأجل قوله: «من وراء جدار» وإلا فلو كان المتكلم مشاهدا لم تكن إفادة حياته بالعقل فقط بل به وبالبصر.
قوله: (ويخرج على التفسير الثاني إلخ) تقدم ضعفه.
قوله: (على لسانه)أي: منه.
قوله: (ومحاكاة بعض الطيور)يحتمل أنه من إضافة المصدر لفاعله أي: محاكاة بعض الطيور الألفاظَ التي علمها الغير إياها كما لو علم الإنسان طائرا أن يقول عند الصباحك: قد أقبل النهار، ثم سمعته يقول ذلك فإنك تعلم أن النهار قد أقبل وليس بكلام؛ لأنه لم يقصد الإفادة، وإنما نطق به الطائر على عادته هكذا.
قال بعضهم: ويحتمل أنه من إضافة المصدر لمفعوله أي: محاكاة الإنسان بعض الطيور الذي ينطق بما يفيد قاصدا تشبيهه به، وبه قال بعضهم أيضا.
قوله: (وما أشبه ذلك) أي: أشبه ما تقدم من كلام النائم وما معه أي: ما أشبهه من كل ما ليس مقصودا في نفسه كجملة الصلة.
قوله: (ولما كان إلخ) دخول على كلام المتن.
وقوله: «لا بد له» أي: لا فرار له من أجزاء أي: اثنين فأكثر، فأراد بالجمع: ما فوق واحد، فلا يرد أن بعض المركبات قد يتركب من جزئين فقط كالكلام الذي نحن فيه.
قوله: (احتاج) جواب «لما» إن كانت حرفا وعاملها إن كان ظرفا بمعنى حين أو إذا على الخلاف.
قوله: (معبرا) حال من فاعل «احتاج»
وقوله: (عنها) أي: عن «أجزاء»
وقوله: (مجازا) حال من «الأقسام» أي: حال كون «الأقسام» متجوزا بها عن معناها الحقيقي وهو الجزئيات، ومعنى ذلك: أن المتن عبر عن الأجزاء بـ«الأقسام» التي معناها الحقيقي الجزيئات لا الأجزاء على سبيل المجاز حيث قال: «وأقسامه» ولم يقل: وأجزاءه، وذلك المجاز مجاز بالاستعارة المصرحة.
وأجزاءها أن يقول: شبهت الأجزاء بالأقسام بجامع الاندراج، فإن الأجزاء مندرجة تحت كلها والأقسام مندرجة تحت مقسمها، واستعير اللفظ الدال على المشبه به وهو لفظ الأقسام واستعمل في المشبه وهو الأجزاء.
قوله: (فقال) عطف على «معبرا» بتأويله بالفعل أي: عبر فقال، قال في الخلاصة:
واعطف على اسم شبه فعل فعلا # وعكسا استعمل تجده سهلا
قوله: (أي: أجزاء الكلام من جهة تركيبه من مجموعها) أي: جملتها لا من جميعها وكلها، أشار بهذا إلى دفع ما ورد على تسمية هذه الثلاثة أجزاء، وهو أن يقال: إن أجزاء الشيء لا يوجد بدونها والكلام يوجد بدون الفعل والحرف كما سيأتي، فلا يصح تسمية هذه الثلاثة أجزاء.
وحاصل الجواب: أن هذا السؤال لا يرد إلا لو أريد بالأجزاء الأجزاء الحقيقية، ونحن لا نسلم ذلك بل المراد الأجزاء العرفية أي: التي اشتهر إطلاق الأجزاء عليها في عرف النحاة، وهي لا يلزم من عدمها عدم ما هي جزء له، ألا ترى أنه يعد في العرف الشعر والظفر واليد والرجل أجزاء لزيد مثلا، ومع ذلك لا يقال بانعدام زيد بانعدام هذه الأجزاء.
فمعنى كون هذه الثلاثة أجزاء للكلام: أنه يتركب من جملتها وهو يصدق بتركيبه من كلها نحو: هل زيد قائم؟ ومن اثنين منها نحو: ضرب زيد، ومن واحد نحو: زيد قائم.
وتلخص من ذلك أن هذا التقسيم أي: تقسيم الكلام إلى هذه الثلاثة من تقسيم الكل إلى أجزاءه أي: أجزائه العرفية لوجود ضابطه وهو عدم صحة الإخبار بالمقسم عن كل واحد من الثلاثة، فلا يصح أن يقال: الاسم كلام إلخ؛ لما بينهما من المغايرة؛ فإن الاسم يشترط فيه الإفراد والكلام يشترط فيه التركيب، وتنافي اللوازم يقتضي تنافي الملزومات.
وذلك كله بناء على أن الضمير في «وأقسامه» يرجع إلى «الكلام» وهو الظاهر، ويصح أن يرجع إلى «اللفظ» لا بقيد «المركب» وما بعده، ويراد بـ«اللفظ»: الكلمة، فيكون من تقسيم الكلي إلى جزئياته؛ لوجود ضابطه حينئذ وهو صحة الإخبار بالمقسم عن كل من الثلاثة.
فيصح أن يقال: الاسم كلمة، الفعل كلمة إلخ، وتكون «الأقسام» مستعملة في معناها الحقيقي وهو الجزئيات، ولا حاجة للتجويز الذي ذكره الشارح، ولا يرد السؤال المتقدم الذي أشار الشارح إلى جوابه بقوله: «من جهة تركيبه من مجموعها إلخ» كما هو ظاهر؛ لأن ذلك مبني على أن الضمير راجع إلى «الكلام»، وهذا إيضاح مراد الشارح وما في الحاشية.
قوله: (لمن زاد) أي: لزيادة من زاد إلخ، فهو على حذف مضاف، وعدم الالتفات إلى هذا القول وإبطاله من وجهين:
الأول: أنه بعد انعقاد الإجماع على أنه لا رابع، وخرق الإجماع ممتنع بناء على أن إجماع النحاة في الأمور اللغوية معتبر يتعين اتباعه ويمتنع خرقه، ووقع لبعض العلماء تردد فيه.
والثاني: أن ما زاده داخل في أول الثلاثة وهو الاسم كما ينادى عليه تسميته باسم الفعل فليس خارجا عن حقيقة الثلاثة.
قوله: (خالفة) بكسر اللام من الخلافة أي: سماه خليفة لا من المخالفة، وقوله: «وعنى» بذلك أي: أراد بذلك الرابع اسم الفعل أي: أيّ اسم فعل من الأفعال.
فـ«اسم الفعل» فى كلام الشرح مفرد مضاف، فيعم سائر أسماء الأفعال وإن كان الذي مثل له اسم فعل الأمر؛ لأن المثال لا يخصص.
قوله: (فإنه خلف عن اسكت) أي: خليفة عن لفظه في إفادة ما يفيده الفعل، وفي هذا بيان لوجه التمسية بـ(خالفة)، وهذا مبني على أن مدلول اسم الفعل لفظ الفعل، والمختار عند المحققين أنه وضع للدلالة على المعنى المصدري وهو السكوت في صه ثم استعمل في معنى الفعل مجازا.
قوله: (اسم) أي: وما عطف عليه، فليس الخبر «اسم» فقط حتى يقال: لا يصلح الإخبار بالواحد عن الثلاثة، أو التقدير: أولها اسم إلخ، وهذا بالنظر لما أعربه الشارح من تقدير المبتدأ أعني: قوله: «وهذه الثلاثة»، أما بقطع النظر عنه وإبقاء كلام المتن على حاله فـ«اسم» وما بعده بدل من ثلاثة بدل مفصل من مجمل.
قوله: (وهو ثلاثة أقسام) تقسيمه إلى هذه الثلاثة ليشاكل كل ما صنعه في الفعل والحرف من تقسيم كل ثلاثة أقسام وإلا فالاسم قسمان فقط لأن المبهم من المظهر.
قوله: (نحو هذا) أي: والذي، وليس المبهم غير اسم الإشارة والموصول.
قوله: (جاء) أي: وضع لمعنى، وفي ذلك وصف الشيء بوصف ناقله؛ لأن المجيئ لا يتصف به الحرف بل ناقله أي: واضعه.
قوله: (لمعنى) أصله معنَيٌ تحركت الياء وانفتح ما قبلها، قلبت ألفا، وجملة قوله: «جاء لمعنى» في محل نصب حال من «حرف»؛ لأنه علم على الكلمة التي دلت على معنى في غيرها فقط، هذا هو الظاهر.
قوله: (نحو هل) أي: فتدخل على الفعل نحو: هل قام زيد؟ وعلى الاسم نحو: هل زيد قائم؟ ومحل كونها مشتركة أن لا يكون الفعل في حيزها، فإن كان في حيزها فعل اختصت به.
ومن ثم ذكروا في باب الاشتغال أنّ نحو: هل زيد قام فاعل فعل محذوف يفسره المذكور وفي نحو: هل زيد رأيته مفعول فعل محذوف يفسره المذكور، والتقدير: هل رأيت زيدا رأيته؟
قوله: (إذا كانت أجزاء الكلمة إلخ) اعلم أن حروف التهجي من زيد مثلا إنما هي: ز ي د، وأما زاي وياء ودال فهذه أسماء تلك الحروف، وأن حروف التهجي المذكورة لا معنى لها مطلقا سواء كانت أجزاء الكلمة كالمثال المتقدم أو لا كـ(ب) (ت) (ث) إلخ
وحينئذ لا يصح تقييد الشارح لها في الاحتراز بما إذا كانت أجزاء الكلمة؛ لاقتضائه أنها إذا لم تكن ذلك كان لها معنى مع أنه ليس كذلك، وأيضا الذي احترز عنه بذلك القيد ليس منها بل هو أسماء، وهي مسمياتها
ويجاب عن الشارح أنه أراد حروف التهجي الحقيقية وهي المسميات، والمجازية وهي الأسماء من إطلاق اسم المدلول على الدال في الثاني.
فالتقيد بقوله: «إذا كانت أجزاء كلمة» بالنظر للحقيقية وما خرج بذلك القيد منظور فيه للمجازية، فالاعتراض مبني على أن المراد الحقيقية.
والحاصل: أن الحروف على ثلاثة أقسام:
الأول: حروف المعاني كمن وعن، وهي قسيم الأسماء والأفعال في قوله: «حرف جاء لمعنى»
الثاني: حروف التهجي وهي مسميات ألف باء إلخ، وتسمى حروف المباني.
الثالث: أسماء مسميات الحروف، وهي أسماء حقيقية لقبولها علامات الأسماء كما ذكره الشارح، ولا يطلق عليها حروف التهجي إلا مجازا من إطلاق اسم المدلول على الدال كما مر، وهذه هي التى أطلق عليها الشارح: «حروف التهجي»، فساغ له الاحتراز عنها بقوله: «إذا كانت أجزاء كلمة» كما تقدم.
وحينئذ فالاحتراز بقوله: «جاء لمعنى» من حروف التهجي الحقيقي وهي المسميات التي يتركب منها الكلمات، أما المجازية وهي أسماء تلك الحروف فلا يصح الاحتراز عنها؛ لأنها داخلة في أول الثلاثة وهو الاسم، هذا إيضاح ما في الحاشية.
قوله: (كزاي زيد إلخ) لا بد من تقدير مضاف أي: كمسميات إلخ؛ لأن غرضه التمثيل للحروف التي هي المسميات وهو إنما مثل بأسمائها.
قوله: (لا مطلقا) أي: لم يحترز من حروف التهجي المطلقة سواء كانت أجزاء كلمة وهي الحقيقية، أم لا وهي المجازية.
قوله: (إذا لم تكن كذلك) أي: أجزاء كلمة.
قوله: (اسم جه) أي: اسم مسماه جه.
قوله: (كتبت جيما، وهذا الجيم أحسن من جيمك) فالدليل على أنها أسماء دخول التنوين في الأول، و(ال) على الثاني، ومن والإضافة على الثالث.
قوله: (وكذا الباقي) أي: باقي الحروف نحو: كتبت دالا، وهذه الدال أحسن من دالك.