الشرح
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول العبد الفقير إلى مولاه الغني، خالد بن عبد الله بن أبي بكر الأزهري، عامله الله بلطفه الخفي، وأجراه على عوائد بره الحفي: الحمد لله رافع مقام المنتصبين لنفع العبيد، الخافضين جناحهم للمستفيد، الجازمين بأن تسهيل النحو إلى العلوم من الله من غير شك ولا ترديد، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المُعْرِبِ باللسان الفصيح عما في ضميره من غير غرابة ولا تنافر ولا تعقيد، وعلى آله وأصحابه أولي الفصاحة والبلاغة والتجريد.
وبعد: فهذا شرح لطيف لألفاظ الآجرومية في أصول علم العربية، ينتفع به المبتدي -إن شاء الله تعالى- ولا يحتاج إليه المنتهي، عملته للصغار في الفن والأطفال لا للممارسين للعلم من فحول الرجال، حملني عليه شيخ الوقت والطريقة ومعدن السلوك والحقيقة، سيدي ومولاي العارف بربه العلي، سيدي الشيخ عباس الأزهري، نفعنا الله ببركاته، وأعاد عليَّ وعلى المسلمين من صالح دعواته، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.
الحمد لله الذي فتح أبواب فيضه لمن اصطفاه من عباده ورفع عن أحزاب حضرته عوامل الجزم فذاقوا لذة أنسه ووداده وجمع لهم مفردات الفضائل جمعه السالم ونصب لهم علامات الفواضل بنيل المراحم والمكارم وأشهد ألا إله إلا الله الواحد الأحد الذي أعرب عن مستتر الأحوال بظاهر المقال وبنى على ضم الشريعة العربية موضع الإعزاز والإجلال وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله سيد من حفض جناحه بباب الإفادة وأفضل من ميز منصوب أعلام السعادة والسيادة صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين أخلصوا في أفعالهم الماضية على السنة والكتاب فلم يضارعوا في حالهم المستقيم يوم العرض والحساب وسلم تسليما كثيرا دائما إلى يوم الدين.
﴿أما بعد﴾ فهذه عبارة شريفة ونكات ظريفة على شرح العلامة الشيخ خالد على متن الآجرومية، أخذت أغلبها من حاشية شيخ مشايخنا العلامة المدابغي على ذلك الكتاب، وضممت إليه ما تيسر من غيرها.
فما كان من الحاشية المذكورة لم أعزه إليها للاختصار والعلم بأني أخذت منها المعظم؛ إذ هي بحر زخار، وما كان من غيرها أنسبه إلى قائله في الغالب إذا كان أمرا عزيز المطالب، وأنبه على ما فهمه فهمي الفاتر وأدركه ذهني الدائر حرصا على نسبة المقال للقائل ليعلم الحق من الباطل.
والحامل لي على اختصار الحاشية طولها على المبتدئين أمثالي وما فيها مما لا يناسب حالهم وحالي مع قصور الهمة في هذا الزمان على إدراك أقل ما كان.
فنرجو من الله أن تكون هذه الحاشية مقبولة نافعة ولدرجات الإخلاص طالعة، والمؤمل ممن اطلع عليها فوجد فيها خللا أن لا يبادر بالتشنيع وأن لا يحمله التعصب على أن يكون للحق غير مطيع بل يبادر لهذه المسكين بالاعتذار فإن المطلوب إقالة العثار خصوصا وهو لهم يقصد بها أن يقال بل هي خالصة إن شاء الله تعالى لوجهه الكريم الأكرم ذي الجلال وهو حسبي ونعم الوكيل وأسأله الستر الجميل.
قال الشارح: (بسم الله الرحمن الرحيم) الجار والمجرور متعلق بمحذوف اتفاقا قدره البصريون اسما أي: ابتدائي والكوفيون فعلا أي: أبتدئى.
قيل: "يلزم على الأول عمل المصدر محذوفا وذلك ممنوع"، ويجاب: بأن عمل المصدر في الظرف وعديله بما فيه من رائحة الفعل لا بالحمل على الفعل.
ولفظ الجلالة مجرور؛ لأنه مضاف إليه والجار له المضاف.
و«الرحمن الرجيم» نعت بعد نعت، هذا هو المشهور، وقال في المغني: «الرحمن» بدل لا نعت، و«الرحيم» بعده نعت له لا نعت اسم «الله»؛ إذ لا يتقدم البدل على النعت انتهى.
وهذان القولان مبنيان على أن «الرحمن» علم أو صفة، قال بالأول الأعلم وابن مالك وبالثاني الزمخشري وابن الحاجب، قال فى المغني: والحق قول الأعلام وابن مالك اهـ.
ويظهر أثر الخلاف في الجار لـ«الرحمن»، ما هو؟ فعلى القول بأنه نعت يجري فيه الخلاف في التابع للمجرور في غير بدل، أهو مجرور بما جر المتبوع أو بنفس التبعية؟ والأصح منهما الأول. وعلى القول بأنه بدل يكون مجرورا بمحذوف مماثل للعامل في المتبوع لما تقرر أن البدل على نية تكرار العامل على الأصح، أفاده الشارح في إعرابه على الألفية.
قوله (يقول) فعل مضارع وأصله يَقْوُل بسكون القاف وضم الواو كيَنْصُر، استثقلت الضمة على الواو فنقلت على ما قبلها.
واعترض بأن الضمة لا تستثقل على الواو إذا سكن ما قبلها ولذلك ظهر الإعراب على الواو والياء إذا سكن ما قبلهما كدلو وظبي. وأجيب عن ذلك بأن حكمة نقل الضمة إلى ما قبلها في «يقول» مشاكلة المضارع أصله وهو الماضي فتكون ساكنة في المضارع كما هي ساكنة في أصله وهو الماضي الذي هو «قال».
فإن قلت: هي في الماضي محركة بحسب الأصل لقولهم : "أصل قال قوَل"، أجيب ذلك بأن قولهم: "أصل قال قوَل" إنما هو تدريب وتعليم ولم تنطق به العرب.
وتعبير المصنف بالمضارع مشعر بأن الخطبة قبل التأليف، أفاده عبد المعطي.
قوله (العبد) فاعل «يقول»، والمراد به هنا الإنسان حرا كان أو رقيقا؛ لأنه مملوك لبارئه وهو صفة في الأصل وغلبت عليه الاسمية فصار من الأسماء التي غلب عليها الاستعمال. والمراد بـ«العبد» هنا المتعبد، مأخوذ من العبودية التي هي التذلل والخضوع لا من العبادة التي هي غاية التذلل والخضوع اهـ من عبد المعطي.
قوله (الفقير)صفة لعبد أي: دائم الفقر أي: الحاجة إن كان صفة مشبهة أو كثير الفقر إن كان صيغة مبالغة.
قوله ( إلى مولاه) أي: سيده وناصره.
قوله (الغني) يحتمل أن يكون بالجر صفة لـ«مولاه» وهو الظاهر أي: الذي لا يحتاج إلى غيره بل كل ما سواه محتاج إليه، ويحتمل أن يكون بالرفع صفة لـ«العبد» أي: الغنى بمولاه عما سواه وهو بعيد.
قوله (خالد) بدل من «العبد» أو عطف بيان عليه، فإن نعت المعرفة إذا تقدم عليها أعرب بحسب العوامل، وأعربت هي بدلا أو عطف بيان وصار المتبوع تابعا، ونعت النكرة إذا تقدم عليها انتصب على الحال.
قوله (ابن عبد الله) بدل أو عطف بيان من «خالد»
قوله (ابن أبي بكر) بالجر على أنه تابع لـ«عبد الله» على أنه بدل منه أو عطف بيان عليه.
قوله (الأزهري) بالرفع صفة لـ«خالد» ويجوز على بعد جره صفة لـ«عبد الله» بناء على أنه كان أزهريا أيضا.
قوله (عامله الله) أي: قابله وجازاه، والمفاعلة ليست على بابها، فهي بمعنى أصل الفعل، وهذه الجملة المراد منها إنشاء الدعاء لنفسه.
و«اللطف» التوفيق، و(الخفي) أي: الظاهر فهو من باب أسماء الأضداد اهـ. من عبد المعطي.
قوله (وأجراه) المراد بالإجراء الدوام والاستمرار لا الحركة المخصوصة، و«العوائد» جمع عائدة اسم فاعل عاد، والإضافة من إضافة الصفة للموصوف، والمعنى: اللهم أدم عليه مرات بِرّك العائدة.
ولا حاجة إلى تقدير مضاف قبل «عوائد» أي: استمرار عوائد إلخ كما فعل المحشي؛ لإغناء معنى الإجراء المتقدم عنه مع لزوم الرِكَّة في العبارة عليه؛ لأن المعنى حينئذ: اللهم أدم دوام عوائد إلخ، فتأمل!
ويحتمل أن يكون المراد بـ«العوائد» جمع عائدة بمعنى الصلة والمعروف، فالإضافة بيانية أي: عوائد هي برك و«البر» اسم جامع لكل خير.
قوله (الحفي) بالحاء المهملة بعدها فاءٌ، وهو البالغ في الإكرام والكثير الواسع.
قوله (الحمد لله) هو مبتدأ خبره الجار والمجرور المتعلق بمحذوف تقديره: كائن أو استقر. و«الحمد» هو: (الوصف بالجميل على الفعل الجميل الاختياري حقيقة أو حكما على وجه التعظيم ظاهرا أو باطنا)، كذا عرفه السيد الصفوي، وقوله: (أو حكما) لإدخال الحمد على صفاته تعالى الذاتية.
و«الله» اسم للذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد، ولذا لم يقل: الحمد للخالق أو للرازق ونحوهما مما يوهم اختصاص الحمد بوصف دون وصف أي: قال: «لله» إشارةً إلى استحقاقه تعالى الحمد بكل وصف.
قوله (رافع) بدل من لفظ الجلالة لا صفة؛ لأنه نكرة، فإن إضافة اسم الفاعل لمعموله لا تفيده التعريف ولفظ الجلالة أعرف المعارف.
قوله (مقام) بالجر، ولا يصح نصبه؛ لأنه أي: لفظ رافع ليس فيه أل، وقول بعضهم: يجوز فيه النصب غلط. والمراد بـ«المقام» المنزلة والرتبة الحسية وهو الدرجات في الجنة أو المعنوية وهي المكانة عند الله تعالى.
قوله (المنتصبين) مضاف إليه أي: المتصدرين. وفيه وفي قوله: «رافع» براعة الاستهلال، أفاده عبد المعطي.
قوله (لنفع العبيد) أي: إيصال الخير إليهم، و«العبيد» أحد جموع العبد الأحد عشر المعمولة.
قوله (الخافضين جناحهم) أي: الملينين جانبهم، ففي الكلام استعارة تصريحية تبعية حيث شبه إِلانة جنابهم لطالب الفائدة بخفض الطائر جناحه، وأطلق الحفض على إلانة الجانب ثم اشتق من الحفض بمعنى الإلانة خافضين بمعنى ملينين. وإثبات الجناح ترشيح، وفيه احتملات أخر فراجعها في الحاشية.
قوله (للمستفيد) معناه طالب الفائدة، التي هي لغةً: ما استفيد من علم أو مال، واصطلاحا: ما يترتب على الفعل من المصلحة من حيث هو كذلك سواء لم يكن ما لأجله الإقدام على الفعل أو كان لأجله الإقدام على الفعل اهـ. شنواني.
قوله (الجازمين) أي: القاطعين بيقينهم.
وقوله (بأن تسهيل) أي: تيسير.
وقوله (النحو) هو بالمعنى اللغوي أي: الجهة والطريق.
وقوله (إلى العلوم) جار ومجرور متعلق بـ«النحو».
قوله (من غير شك) أي: من غير تردد؛ لأن الشك هو تردد بين أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر. فعطف الترديد عليه عطف تفسير، وكون العطف للتفسير إذا أريد بالترديد المساوي فقط، أما إذا أريد المطلق الأعم من الراجح والمرجوح والمساوي كان عطف عام على خاص.
فعلى كل فـ«الترديد» بمعنى التردد؛ لأنه القائم بهم، وليس المراد بمعنى المصدري الذي هو فعل الفاعل، أفاده المحشي وعبد المعطي.
قوله (والصلاة والسلام الخ) جملة خبرية لفظا قصد بها إنشاء الدعاء بـالصلاة أي: الرحمة عليه والسلام أي: السلامة من النقائص. والمطلوب بهذه الجملة أمر زائد على ما حصل له في كل وقت من الصلاة والسلام، ففي العبارة حذف والتقدير: والصلاة والسلام زيادة على ما هو حاصل له صلى الله عليه وسلم.
قوله (على سيدنا) الضمير للعقلاء فغيرهم أولى أو للجميع وهو أنسب.
قوله (محمد) بدل من «سيدنا» أو عطف بيان عليه لا صفة؛ لأنه علم والعلم ينعت ولا ينعت به لجموده. نعم! يصح أن يكون صفة نظرا لأصله فإنه في الأصل اسم مفعول الفعل المضعف.
والحاصل أنه إن نظر إلى أصله صح جعله صفة، وإن نظر إلى ما بعد العلمية كان بدلا أو عطف بيان فقط.
قوله (المعرب) من الإعراب بمعنى اللغوي وهو: الإبانة والإظهار أي: المبين.
قوله (باللسان) يحتمل أن يراد به: اللفظ من إطلاق اسم المحل على الحال، فيكون وصفه بالفصيح بمعنى المقرر عند علماء المعاني والبيان، ويحتمل أن يراد به: الجارحة المخصوصة فيكون وصفه بالفصيح بمعنى خلوصه من اللكنة والعجز عن النطق.
قوله (عما في ضميره)أي: عن كل شيء في ضميره، والعموم مستفاد من المقام؛ إذ هو مقام المدح لكمال الفصاحة، ولا يكون الفصيح فصيحا حتى يعرب عن كل شيء مما في ضميره من غير غرابة إلخ. والمراد بالضمير: السر، أفاده عبد المعطي.
قوله (من غير غرابة) الغرابة هي: كون الكلمة وحشية غير ظاهرة المعنى ولا مألوفة الاستعمال، نحو: ما لكم تكأكأتم عليّ كتكأكئكم على ذي جنة افرنقعوا اهـ، أفاده عبد المعطي.
قوله (ولا تنافر) وهو: كون الكلمة ثقيلة على اللسان، والتنافر إما في الحروف أو في الكلمات، فأما في الحروف فهو: وصف في الكلمة يوجب ثقلها على اللسان وعسر النطق بها، نحو: مستشزرات أي: مرتفعات.
وأما في الكلمات فهو: كونها ثقيلة على اللسان، نحو قوله:
وقبر حرب بمكان فقر * وليس قرب قبر حرب قبر
اهـ عبد المعطي.
قوله (ولا تعقيد) وهو: كون الكلام معقدا لا يظهر معناه بسهولة كقول الشاعر:
وما مثله في الناس إلا مملكا
*
أبو أمه حي أبوه يقاربه
قوله (وأصحابه) ليس جمع صاحب؛ إذ لا يجمع فاعل على أفعال، ولا جمع صحْب بإسكان الحاء؛ لأن فعلا الصحيح العين لا يجمع على أفعال بخلاف المعتل فإنه يجمع على أفعال كثوب وأثواب وبيت وأبيات بل هو جمع صحِب بكسر الحاء كفرح مخفف صحب بإسكانها، أو هو اسم جمع صحْب بإسكانها.
قوله (أولي) بمعنى: أصحاب، مجرور بالياء؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم وهو نعت للآل والأصحاب.
قوله (الفصاحة) هي: ملكة في النفس يقتدر بها على التعبير عن المقصود بلفظ فصيح ويوصف بها الكلمة والكلام والمتكلم اهـ عبد المعطي.
قوله (والبلاغة) هي ملكة في النفس يقتدر بها على كلام بليغ ويوصف بها الكلام والمتكلم اهـ. عبد المعطي.
قوله (والتجريد) بالراء أي: الذين تجردوا عن النقائص، وفي بعض النسخ بالواو أي: الذين جودوا الحروف في المقال، ولا يخفى اشتمال هذه الخطبة في مواضع عديدة على براعة الاستهلال.
قوله (وبعد) الواو فيها نائبة عن «أما»، و«أما» نائبة عن (مهما)، وأصل الكلام: مهما يكن من شيء بعد البسملة والحمدلة الخ، فـ(مهما) مبتدأ و(الاسمية) لازمة لها و(يكن) شرط و(الفاء) لازمة له.
فحين تضمنت «أما» معنى الابتداء والشرط لزمها ما لزمهما وهي: (الفاء) و(الاسمية) مقام الملزوم وهو: (مهما) و(يكن) وإبقاء أثره في الجملة، لكن لما تعذر قيام الاسمية بـ«أما» لكونها حرفا فألصقوها للاسم أي: أوقعوها قبله بلا فاصل.
وقولنا: «في الجملة» يصح أن يرجع لقولنا: «مقام الملزوم» وذلك؛ لأن الفاء وإن قامت مقام الشرط ليست في موضعه حقيقة؛ لأن موضعه حقيقة ما قبل الظرف الذي هو «بعد» على القول بأنه من معمولات الجزاء والاسمية بمعنى لصوق الاسم لم تقع في موضع المبتدأ؛ إذ موضعه حقيقة موضع «أما»؛ لأنها نائبة عنه.
ويصح أن يرجع لقولنا: «وإبقاء لأثره» وذلك لأنه آثار المبتدأ أي: علاماته كثيرة من الاسمية والخبر والحمل بينهما، فلصوق الاسم بمنزلة وجود آثاره في الجملة، وكذا علامات الشرط كثيرة من الشرط أي: التعليق والفاء والجزاء، فلزوم الفاء إبقاء لها في الجملة اهـ من الشرقاوي على التحرير.
و«أما» هنا لمجرد التوكيد أي: توكيد مضموم الكلام، أو له ولتفصيل المجمل الواقع في ذهنه بناء على أن التفصيل لا يفارقها، وفيه تكلف والحق أن التفصيل يفارقها.
و«بعد» هذه لا تقع بين كلامين متحدين لكونها للانتقال من عرض إلى آخر فلا يقال: السلام عليكم أما بعد فالسلام عليكم، وإنما تقع بين كلامين متغايرين بينهما نوع مناسبة كما هنا، فلا تقع أول الكلام ولا آخره.
ومعناها: نقيض (قبل)، وتكون ظرف زمان كثيرا ومكان قليلا، وهي هنا صالحة للزمان باعتبار اللفظ والمكان باعتبار الرقم.
ولها أربعة أحوال من جهة الإعراب مشهورة، والعامل فيها:
إن قلنا: أنها من متعلقات الشرط فعل الشرط، والتقدير: مهما يكن من شيء بعد ما تقدم، أو العامل (أما) أو (الواو) النائبة عنها
وإن قلنا: أنها من متعلقات الجزاء كانت معمولة للجزاء، والتقدير: مهما يكن من شيء فأقول: بعد البسملة والحمدلة هذا إلخ. وهذا الثاني أولى؛ لأنه حينئذ يكون المعلق عليه وجود شيء مطلق عن التقييد بكونه بعد البسملة والحمدلة، وذلك أمر محقق؛ لأن الكون لا يخلو عنه فيكون ما علق عليه أيضا محققا بخلافه على الأول؛ فإن المعلق عليه وجود شيء مقيد بكونه بعد البسملة والحمدلة.
قوله (فهذا) أي: الحاضر في الذهن من الألفاظ سواء تقدمت الخطبة على التأليف أو تأخرت عنه؛ لأن المشار إليه على الراجح هو الألفاظ الذهنية باعتبار دلالتها على المعاني.
قوله (شرح) أي: ألفاظ مترتبة ترتيبا خاصا باعتبار دلالتها على معان مخصوصة بناء على المختار عند المحققين وسيدهم من أن أسماء الكتب وما فيها من التراجم عبارة على الألفاظ المخصوصة من حيث دلالتها على معان مخصوصة.
قوله (لطيف) أي: قصير.
قوله (لألفاظ الآجرومية) متعلق بشرح؛ لأنه في الأصل مصدر، وقد علمت مما تقدم قريبا أن أسماء الكتب عبارة عن الألفاظ المخصوصة فتكون الآجرومية عبارة عن الألفاظ أيضا، وحينئذ فإضافة «ألفاظ» إليها يحتمل أنها من إضافة المسمى إلى الاسم أي: ألفاظ مسماة بالآجرومية، ويحتمل أنها من الإضافة البيانية أي: ألفاظ هي الآجرومية، وعلى كل يلزم من شرح الألفاظ أن يكون شرحا للمعاني أيضا اهـ من المحشي وعبد المعطي.
و«الآجرومية» نسبة إلى مؤلفها ابن آجروم على القاعدة التي هي إذا نسب إلى المركب الإضافي المبدوء بابن أو أب يحذف صدرها وينسب إلى عجزه.
قال ابن مالك :
وانسب لصدر جملة وصدر ما
*
ركب مزجا ولثان تمما
إضافة مبدوء بابن أو أب
*
أو ماله التعريف بالثاني وجب
وآجورم بهمزة مفتوحة ممدودة فجيم مضمومة ثم راء مشددة مضمومة فواو معناه بلسان البربر: الفقير الصوفي وهو أبو عبد الله محمد بن داود الصنهاجي نسبة إلى صنهاجة وهي قبيلة بالمغرب نسب إليها كان من أهل الفاس اهـ من المحشي.
قوله (في أصول العلم العربية) أي: في بيان ذلك أي: في بيان جنس أصول إلخ، وقرينة إرادة الجنس المشاهدة أي: في بيان الفروع أيضا، وإنما اقتصر على الأصول؛ لأنها أهم فهي أولى بالتنبيه عليها اهـ. من عبد المعطي.
والأصول جمع أصل، وهو لغة: ما بني عليه غيره، واصطلاحا: قضية كلية يتعرف منها أحكام جزئيات موضوعها أي: أحكام الأفراد المندرجة تحت موضوعها مثلا قولنا: "الفاعل مرفوع" قضية كلية تعم زيدا عمرا وبكرا من قام زيد وقعد عمرو وركد بكر، ويعرف من هذه القاعدة رفع زيد وعمرو وبكر مثلا الذي هو الحكم من الأحكام.
ويرادف الأصل القاعدة والأساس والضابط والقانون، فكل واحد منها معناه لغة واصطلاحا ما ذكر في الأصل.
ثم إن الظرفية ظرفية مجازية على سبيل الاستعارة بالكناية حيث شبه الدال والمدلول بالظرف والمظروف تشبيها مضمرا في النفس وإثبات في تخييل، وفيها احتمالات آخر فراجعها في المحشي.
و«علم العربية» المراد به هنا: خصوص علم النحو، والإضافة فيه من إضافة المسمى إلى الاسم؛ لأن العربية اسم للعلم الذي أريد به هنا النحو، وإضافة «أصول» إلى «علم» من إضافة العام إلى الخاص، وتسمى بالبيانية أي: أصول هي علم أي: مسائل، وفائدة الإضافة تعريف العهد الخارجي أي: الأصول المعنية المعلومة عند أهل هذا الفن.
قوله (ينتفع به المبتدئ) اقتصر عليه؛ لأن نفعه به أتم وإلا فهي نافع لغيره أيضا، ولذلك قال: ولا «يحتاج إليه المنتهي»، ويحتمل أنه اقتصر على المبتدئ تواضعا وهضما، ولم يذكر الشارح المتوسط؛ لأنه لم يخرج عنهما؛ لأنه بالنسبة إلى ما أتقنه متنهٍ وإلى ما لم يتقنه مبتدٍ.
قوله (إن شاء الله تعالى) أتى بها تبركا وامتثالا للآية، ومعلوم «إن شاء» فعل ماض و«الله» فاعل ومفعوله محذوف أي: ذلك، وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله.
قوله (عملته) أي: ألفته للصغار في الفن و«ال» في «الفن» للعهد أي: الفن المعهود ذهنا وهو النحو.
وقوله «والأطفال» عطف مرادف.
قوله (لا للممارسين للعلم) أي: المستمرين على الاشتغال به و«ال» في «العلم» للعهد والمراد به: النحو، فيكون المقام للإضمار وأتَى بالمظهر للإيضاح.
قوله (من فحول الرجال) من إضافة المشبه به إلى المشبه أي: الرجال الذين هم كالفحول، جمع فحل وهو ذكر الإبل إذا كان كريما في ضرابه أي: مثلهم في الهمة.
قوله (حملني عليه) أي: أمرني بتأليفه وأعانني عليه بحاله وقاله.
قوله (شيخ الوقت) أي: أهل الوقت، أو الشيخ في الوقت، أو شبه الوقت بتلميذ على سبيل الاستعارة المكنية وإثبات «شيخ» تخييل.
قوله (والطريقة) أي: وشيخ أهل الطريقة وهو السادة الصوفية.
قوله (ومعدن) بفتح الميم وإسكان العين وكسر الدال على المشهور.
و«السلوك» بضم السين المهملة مصدر سلك أي: موضع التسليك والعمل بالطريقة الموصلة إلى الله تعالى.
و«الحقيقة» هي أن يشهد بنور أودعه الله في سويداء قلبه أن كل باطن له ظاهر وعكسه، وهي باطن الشريعة وملزوم لها، فالحقيقة بدون الشريعة باطلة والشريعة بدون الحقيقة عاطلة اهـ. من عبد المعطي.
قوله (سيدي ومولاي) لفظان مترادفان بمعنى المرتفع قدره.
قوله (العارف) أي: المتصف بالمعرفة وهي: حصول العلم بعد أن لم يكن، ولهذا لا يقال: الله عارف بل عالم، والمراد بها عند أهل الله: ما كان عن كشف صريح بعد تعذيب صحيح، أو المراد بها ملاحظة ذاته وصفاته في كل أفعاله.
قوله (بربه) أي مالكه العالي أي المرتفع.
قوله (نفعني الله تعالى) جملة خبرية لفظا إنشائية معنى أي: اللهم انفعني ببركاته، و«البركة» لغة: الزيادة والنماء، والمراد هنا: علومه ومعارفه اهـ. من عبد المعطي.
وكان الأولى أن يعمم هنا فيقول: نفعني والمسملين إلخ، كما صنع في السجعة الثانية إلا يقال: حذف من الأول لدلالة الثاني عليه وإن كان الأكثر العكس.
قوله (وأعاد) أي: أفاض؛ لأن العود الرجوع إلى الشيء بعد الانصراف عنه، وليس المراد له؛ إذ المراد أدام أو جدد مرة بعد أخرى اهـ. من عبد المعطي.
قوله (علي) قدم نفسه لخبر: ((ابدأ بنفسك)) وقوله تعالى مقدما النفس: ﴿رَبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَلِأَخِي﴾ اهـ عبد المعطي بزيادة.
قوله (صالح دعواته) من إضافة الصفة للموصوف أي: دعواته الصالحة أي: التي يحصل منها خير الدنيا والآخرة اهـ. من عبد المعطي.
قوله (إنه) يجوز فتح الهمزة على تقدير لام التعليل ويكون تعليلا بمفرد أي: لقدرته على ما يشاء ولكونه حقييقا بالإجابة، ويجوز كسرها على الاستئناف البياني فيكون تعليلا بجملة هي جواب عن سؤال مقدر كأن قائلا قال له: لأي شيء قصرت سؤالك؟ فقال: إنه إلخ.
قوله (على ما يشاء قدير) المشيئة والإرادة بمعنى واحد وهي: صفة أزلية متعلقة فى الأزل بتخصيص الحوادث بأوقات حدوثها، والقدرة: صفة أزلية تؤثر في المقدورات عند تعلقها بها فيما لا يزال أي: في المستقبل اهـ. شنواني، وقوله: (تؤثر فيه) مسامحة؛ لأن التأثير للذات بواسطة اتصافها بالقدرة، قال:
* والفعل بالذات بذي صفات*
اهـ المحشي
قوله (بالإجابة جدير) أي: حقيق.