و هو الإمام محمد المهدي بن الإمام الحسن العسكري بن الإمام علي
الهادي بن الإمام محمد الجواد بن الإمام علي الرضا بن الإمام موسی
الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام علي
السجاد زین العابدین بن سید الشهداء الإمام الحسين بن الإمام المرتضی
أمير المؤمنين عليهم جميعا صلوات الله وسلامه وتحياته.
وقد أورد نسبه الشريف بهذا التسلسل العديد من علماء السنة
المشهورين منهم محي الدين بن عربي والشعراني، وابن
و كان لأمه عليها السلام عدة أسماء لأسباب أمنية كما يظهر مما
ذكره الشيخ الطوسي في كتابه «الغيبة، وأشهر أسمائها «نرجس، وهي حفيدة
قیصر ملك الروم وينتهي نسب أمها إلى شمعون وصي نبي
الله عيسى بن مريم عليه السلام
كانت ولادته (ع) عام 256 للهجرة (2)
ولد في سامراء بالعراق وكانت عاصمة العباسيين آنذاك، وكان أبوه
الإمام العسكري مقيما فيها بطلب من الخليفة خوفا من نفوذ الإمام في قلوب
الناس كما كان الأمر كذلك مع أبيه الإمام الهادي جد المهدي عليهم جميعا
وتشبه ظروف ولادة المهدي ظروف ولادة نبي الله موسى (ع)
كما تشبه نشأته نشأة النبي عيسى (ع)، وكذلك غيبته عليه السلام
فقد كان منتشرا بين المسلمين أن رسول الله (ص) أخبر بظهور الإمام
المهدي المنتظر (عج) وكان معروفا أنه من ولد فاطمة الزهراء (ع) وأنه الثاني
عشر من أئمة أهل البيت عليهم السلام ولم يكن ذلك يخفى على العباسيين، ولهذا
السبب - وغيره - كان بيت الإمام العسكري يخضع لرقابة عيون السلطان
الظالم، وقد قامت السلطة العباسية بعد وفاة الإمام العسكري بمداهمات
عديدة لبيته بحثا عن المهدي المنتظر، الأمر الذي يؤكد مدى الخوف الذي
كان يسيطر عليهم من جراء ما أنتشر من الروايات المنقولة عن
ويؤكد هذه الحقيقة أن العباسيين سموا أنفسهم بالمهدي والمنصور
وغير ذلك من الأسماء التي وردت في الروايات عن المهدي.
عاش الإمام المنتظر مع أبيه خمس سنوات كان الإمام العسكري شديد
أن يبقى خبر ولادته بعيدة عن مسامع الظلمة الذين كانوا قد
أحكموا طوق الرقابة على منزله، بحيث إن بعض أخواصه کان اذا أراد
الذهاب اليه اضطر إلى اعتماد ساتر أمني فيتظاهر بأنه يبيع السمن مثلا ،
ليتمكن من دخول بيت الإمام (ع). (3)
إخبار خواص شيعته وأقربهم إليه بولادة الإمام المنتظر، والنص على إمامته
بمسمع منهم لكي بصل ذلك عبرهم إلى غيرهم من معاصريهم، وإلى
الأجيال اللاحقة، وهذا ما نجده بوضوح في نصوص كثيرة تجدها - على
سبيل المثال - في اكمال الدین وتمام النعمة» للصدوق، والغيبة للشيخ
الطوسي أو الغيبة للنعماني.
قام (ع) باعباء الإمامة وهو ابن خمس سنوات «آتاه الله فيها الحكمة
كما آتاها من قبل يحيى صبيا وجعله الله سبحانه إماما في هذا العمر كما
جعل عیسی بن مريم في المهد نبيا، كما ذكر الشيخ المفيد (رض)
ولا شك في أن تحمل رضيع لأعباء النبوة أكثر غرابة من تحمل
إبن الخمس سنوات لأعباء الإمامة
وتحدثنا الروايات بجوانب من علمه (عج) وهو في هذا السن بل قبله،
تكشف عن سر من أسرار الله تعالی أراده فتحقق في هذا الوجود المبارك،
فقد حمل بعض المؤمنين من قم أموالا شرعية بعث بها بعض أهالي قم إلى
الإمام العسكري(ع) ، وكان (عج) حاضرا في المجلس فطلب منه أبوه أن
يخبر بتفاصيل هذه الأموال فاخبرهم بما معهم من الصرر، وصاحب كل
صرة أو صاحبتها، ومیز حلالها من حرامها ، فقبل بعضها ورد البعض الآخر
وطلب منه والده الإمام (ع) أن يخبر عن أسباب حرمة هذه الأموال فحدثهم
بذلك بالتفصيل، كما حدثهم ببعض دقائق العلم والمعتقد. (4)
وبديهي أن هذه الحقيقة كبيرة إلا على الخاشعين من المسلمين
وعرف الشيعة الإمام المهدي المنتظر(عج) قبل وفاة أبيه (ع) (5) ولذلك فقد
كان واضحا لهم بعد فقد الإمام العسكري (ع) أنه هو إمامهم، وتولى هو
الصلاة على أبيه عند وفاته، وقام جعفر الكذاب عم الإمام المهدي (عج) بدور
مصغر عما قام به أبو لهب ضد رسول الله (ص) فسرب إلى الخليفة العباسي
فقامت السلطة بمداهمة منزل الإمام العسكري (ع) عدة مرات - كما تقدم
واعتقلت أم الإمام (عج) ولكن الله تعالی حفظ وليه، وكان بدء الغيبة (6)
لم يكن بالإمكان أن يبقى الإمام (عج) ظاهرا بشكل عادي ولم يكن
مستوى الأمة يسمح بانقطاع رعاية وصي المصطفى لها فكان الحل
الطبيعي هو الغيبة الصغرى.
وهي تعني أن الإمام المهدي كان على صلة بشؤون الأمة عبر وكلاء
وقد استمرت الغيبة الصغرى 69 عاما (۲۹۰ - ۳۲۹ للهجرة).
أورد المؤرخ المسعودي أن نبي الله آدم (ع) أوصى إبنه شيث فقال:
(( فإذا حضرت وفاتك وأحسست بذلك من نفسك فأوص إلى خير ولدك
فإن الله لا يدع الخلق بغير حجة عالم منا أهل البيت )) .(7)
ومهما قيل في غيبة المهدي المنتظر(عج) فإن من الضروري الانطلاق في
محاولة فهمها من هذه الحقيقة التي بلورتها الأحاديث التي يرويها المسلمون
شيعة وسنة عن رسول الله (ص) وعن آله الأطهار (ع) .
ولعظيم منزلته هذه ينزل نبي الله عيسى فيقاتل معه ويصلي خلفه في بيت
ونظرة متأنية على كتاب الله تعالى، والروايات الشريفة تجعلنا نجزم بأن
مبدا : (( لئلا يكون للناس على الله حجة )) ومبدأ : ( لو خليت لماجت باهلها
كما يموج البحر) يلتقيان مع أحاديث المهدي المنتظر(عج) بل يشكل الجميع
حقيقة واحدة هدفها النهائي ((ليظهره على الدين كله )) و ((ونريد أن نمن على
الذي استضعفوا )) و (( أن الأرض يرثها عبادي الصالحون )).
لا يمكن فهم هذه النصوص وغيرها - وهي كثيرة جدا - إلا في
ضوء حقيقة استمرار سلسلة النبوة و الوصاية، وهذا يعني أن الوصي
الإلهي القائم باعباء الرسالة الخاتمة هو المهدي (عج ) الذي نص
وقد أجمع علماء المسلمين الشيعة - وشاركهم الرأي عدد كبير من
علماء المسلمين السنة . على أن المهدي (عج) قد ولد وسيظهر في آخر الزمان.
فهو الأن غائب عنا (عج) وهذا معنى الغيبة الكبرى.
كما أجمع علماء المسلمين دون استثناء على مضمون (النجوم أمان
لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض) وإنما قلنا أجمعوا على
مضمونه لأن الحديث مروي بصيغ مختلفة، يشكك بعضهم ببعضها، إلا أن
كيف يمكن لإنسان أن يعيش كل هذا العمر الطويل ؟
وهو سؤال طبيعي، وإجاباته طريفة يشار هنا إلى بعضها باختصار :
1- أن النصارى واليهود مجمعون على طول عمر نبي الله آدم (ع) مثلا
وأنه عاش ۹۳۰ سنة.(وهو جواب لهم) . (8)
2- في تاريخ مختلف الأمم والشعوب حديث عن معمرين يذكر أن
3- المسلمون مجمعون على طول عمر النبي نوح (ع) والخضر(ع) وغيرهما.
4 - يجمع المسلمون أيضا على أن نبي الله عيسى (ع) ينزل ويصلي خلف
المهدي ، فأيهما أطول عمرا؟
5- وعلى من يقول إن طول عمر النبي عيسى والأنبياء الآخرين إنما هو
باعتبارهم أنبياء، أن يتذكر ما أجاب به على هذا الاعتراض بعض العلماء
هذا خطأ، بدليل طول عمر إبليس والدجال لعنهما الله.
6 - إن يكن طول العمر غريبا، فأكثر منه غرابة أن ينكره مسلم يؤمن
بالخلود في الجنة أو النار!
((( مقتبس من كتاب آداب عصر الغيبة للشيخ حسين الكوراني .. بتصرف )))
______________________________________________________________
(1) أنظر: الشيخ محمد مهدي الفقيه الإيماني ، موسوعة الإمام المهدي ، فقد أورد فيها
صورة للعديد من الكتب السنية التي تحدثت عن الإمام المهدي(عج) .
(2) تختلف الروايات حول مولده الشريف، فقد روى المجلسي في البحار 2/51 أنه سنة
255 للهجرة، وروى الأربلي في كشف الغمة 3/ 232 أنه سنة 258 للهجرة، وهناك
روايات غير ما ذكر ،
(3) الشيخ الطوسي ، الغيبة 354
(4) الشيخ الصدوق، کمال الدین وتمام النعمة 457 - 463.
(5) أورد الشيخ الصدوق عليه الرحمة قائمة بمن رآه ه قبل غيبته، تتضمن حوالي اثنين
وخمسين اسما من غير الوكلاء، وثلاثة عشر من الوكلاء، ولا يخفى أن هذا العدد
استثنائي جدأ بلحاظ الظرف الاستثنائي جدة آنذاك .
(6) من المصادر السنية التي تحدثت عن غيبتين للمهدي (الإشاعة لأشراط الساعة) للسيد
محمد البرزنجي / 230 (لاحظ موسوعة الإمام المهدي الجزء الأول).
(7) المسعودي، إثبات الوصية / 13 والمراد هنا باهل البيت أهل الكعبة أو أهل بيت الله
الحرام .
(8) دافع الكثير من علماء السنة عن مسألة طول عمر الإمام المهدي منهم العلامة سبط بن
الجوزي في تذكرة الخواص ومما قاله ( وفي التوراة أن ذا القرنين عاش ثلاثة آلاف
سنة والمسلمون يقولون ألفا وخمسمائة ) التذكرة / 364